خرق سياسة إيران.. هذه أسباب تودد أحمدي نجاد لابن سلمان

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، الضوء على الرسالة "غير المتوقعة" التي أرسلها الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي وصفه فيها بـ"رجل سلام".

وفي خرق واضح لسياسة إيران المعلنة تجاه السعودية، حملت رسالة نجاد المدح والثناء إلى ابن سلمان، حيث دعاه المسؤول الإيراني السابق إلى التعاون لإنهاء حرب اليمن، وفقا لنسخة أرسلها مكتب نجاد إلى صحيفة نيويورك تايمز ونشرت في 27 يوليو/تموز.

ووصف نجاد ولي العهد بأنه رجل سلام، وطالبه باتخاذ خطوات لإحلال السلام في المنطقة وبالتالي "تأمين إرث النبي محمد وإرضائه". وختم الرسالة بالتوقيع "أخوك محمود أحمدي نجاد".

خطاب حميمي

وقال في نص الرسالة: "أعلم أن فخامتكم ليس سعيدا بالوضع الحالي للناس الأبرياء الذين يموتون ويصابون كل يوم كما تتضرر البنية التحتية"، مضيفا: "أنت مستاء من أن الموارد الإقليمية التي يمتلكها الناس وتُستخدم للتدمير بدلا من تطوير السلام والازدهار، لهذه الأسباب سوف ترحب بسلام عادل".

وعلق فرناز فسيحي في مقال له بـ"نيويورك تايمز" أن رئيسا سابقا لإيران، "يشتهر في الغرب بالخطابات التي تؤكد اختلاق المحرقة (اليهودية) وأنه يجب محو إسرائيل من الخريطة، قد كتب خطابا حميميا إلى ولي العهد السعودي، أكثر العرب صلابة في عداء بلاده".

 كما يلفت المقال النظر إلى أن هذا التراسل يبقى أحادي الجانب، حتى الآن على الأقل.

ومع ذلك، فإن الرسالة لافتة للنظر من جهة كتابة الرئيس السابق للرسالة في المقام الأول؛ حيث تصف طهران بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي، ولي العهد البالغ من العمر 34 عاما، والحاكم الفعلي للسعودية، بالمجازف والغاشم وغير الناضج. ومن جانبه شبه ابن سلمان خامنئي بهتلر ووصف أي ارتباط مع إيران بأنه غير مجد.

وأوضح الكاتب أن الرسالة لم تشر إلى افتعال ولي العهد للحرب المستمرة في اليمن منذ خمس سنوات، والتي اعتبرتها الأمم المتحدة أكبر كارثة إنسانية من صنع الإنسان في العالم.

ولفت إلى أن السعوديين صوروا الصراع في اليمن على أنه بالأساس معركة مع إيران الداعمة للمتمردين الحوثيين الذين طردوا الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية من مساحات شاسعة من البلاد في عام 2015. 

كما يوضح أن السعودية لم ترد بعد على رسالة أحمدي نجاد التي تم تسليمها إلى مكتب رعاية المصالح السعودية في طهران، وذلك وفقا لما أورده مكتب نجاد. كما لم ترد البعثة السعودية لدى الأمم المتحدة على استفسار حول ما إذا كان ولي العهد قد تلقى الرسالة.

ويلفت كاتب المقال النظر إلى حقيقة أن حرب اليمن تعكس انقساما أعمق بكثير بين إيران والمملكة العربية السعودية، اللتين وقعتا في تنافس محموم حول أي من الدولتين يجب أن تلعب دورا قياديا في المجتمع الإسلامي العالمي.

وتصاعدت التوترات في السنوات الأخيرة وانهارت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين؛ حيث قال خامنئي في خطاب ألقاه عام 2019: إن "الحكومة السعودية مستبدة وديكتاتورية وفاسدة وطغيانية وتابعة"، معربا عن ثقته بأن سلالة آل سعود الحاكمة ستنهار في المستقبل القريب على أيدي الثوار الإسلاميين.

يضيف المقال أن نجاد كتب أيضا إلى زعيم الحوثيين، عبد الملك بدر الدين الحوثي، وإلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس.

تمثل الرسائل الثلاث اقتراحا من نجاد بالتوسط لإنهاء حرب اليمن من خلال إنشاء لجنة من الوجاهات الدولية البارزة. وقال المتحدث باسم السيد غوتيريس، ستيفان دوجاريك: إنه لا علم له بالرسالة.

اجتهاد شخصي

كما يوضح المقال سعي المتحدث باسم بعثة إيران لدى الأمم المتحدة، علي رضا مير يوسيفي، إلى الانتقاص من أهمية محاولات أحمدي نجاد الدبلوماسية المستقلة.

وقال يوسيفي: "طالما أنه لا يزال مواطنا عاديا مثل العديد من الإيرانيين الآخرين، فإن وجهات نظره لا علاقة لها بسياسات الحكومة والإدارة في الوقت الحالي".

ولفت الكاتب إلى أن نجاد ليس بدون نفوذ في إيران، إذ يشغل مقعدا في مجلس تشخيص مصلحة النظام، وهو هيئة معينة من المفترض أن تُشرف على جميع فروع الحكومة. 

كما أنه يتنقل بشكل روتيني في أنحاء إيران لإلقاء خطب مثل تلك التي تجري في الحملات (الانتخابية)، كما يبدو أن لديه شريحة كبيرة من الأتباع.

ويرى الكاتب أن أحمدي نجاد يبدو غير مقيد بالمقارنة بالعديد من نظرائه الذين واجهوا السجن والإقامة الجبرية لانتقادهم النظام. وأشار دبلوماسيون ومحللون إلى أنه من غير المرجح أن يفضي تواصل أحمدي نجاد مع ولي العهد السعودي إلى أي ارتباط آخر. 

ويعتقد البعض في ذلك محاولة من أحمدي نجاد لاستمرار تداول اسمه على الساحة في وقت تواجه فيه إيران العديد من التحديات، وأبرزها العقوبات الأميركية ووباء فيروس كورونا.

وقال المحلل الإيراني المستقل والمقيم في نيويورك، روزباه مير إبراهيمي: إن ولي العهد "لن يأخذه على محمل الجد لأن جميع الأشخاص الذين يتعاملون مع إيران، سواء إقليميا أو دوليا، يعرفون من يمتلك زمام الأمور، ألا وهو خامنئي".

وقد أثارت إعادة انتخاب أحمدي نجاد الخلافية في عام 2009 اضطرابات وطنية وقمعا وحشيا أدى إلى مقتل المتظاهرين وسجن الناشطين والصحفيين.

كما أثار غضبا دوليا على إثر ملاحظات استفزازية حول القضاء على إسرائيل والطعن في صحة المحرقة، وتأكيده على نظرية المؤامرة، المكشوف تهافتها، والتي مفادها أن الولايات المتحدة قد دبرت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.

وتدهورت علاقته بالقيادة الإيرانية في السنوات الأخيرة، ليحاول أحمدي نجاد أن ينأى بنفسه عن العديد من سياسات الجمهورية الإسلامية.

ودعا أحمدي نجاد في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز في عام 2019،  للتفاوض بشكل مباشر مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لأنه "رجل فعل"، وقال: إنه كتب ثلاث رسائل لساكن البيت الأبيض.

وكان نجاد منتقدا صريحا للشراكة الاقتصادية والعسكرية المقترحة لمدة 25 عاما بين إيران والصين مؤخرا، وقال: إن الإيرانيين لن يقبلوا أبدا بهكذا صفقة.

ويرى الكاتب أن الرسالة التي وجهها إلى ولي العهد ربما كانت أقوى أفعال أحمدي نجاد التي تنم عن التحدي؛ حيث تشير الرسالة، وفقا لأحد مستشاريه، إلى الانفتاح على تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، على الرغم من سياسة ترامب ضد إيران التي يطلق عليها اسم "الضغط الأقصى".

يُختتم مقال نيويورك تايمز باقتباس قول المستشار عبد الرضا دافاري بأن "أحمدي نجاد يؤمن بإقامة علاقات إستراتيجية جيدة مع الجميع، بما في ذلك السعودية والولايات المتحدة".

كما أنه يعتقد أن مشاكل إيران لن تتحلحل حتى تتم تسوية العداء مع الولايات المتحدة، وأن الطريق إلى واشنطن يمر عبر الرياض و"علينا بالتالي أن نمهد الطريق".

ومن الجدير ذكره أن أحمدي نجاد، الذي كان رئيسا من عام 2005 إلى عام 2013، تشير تكهنات إلى احتمالية ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2021.

لكن الأمر لن يكون مؤكدا بسبب نزاعه مع خامنئي في عام 2011 بشأن محاولة الرئيس السابق السيطرة على وزارة الاستخبارات. ولا يزال أحمدي نجاد يحظى بشعبية بين بعض الإيرانيين الأكثر فقرا، ولكن لا أمل في عودته، بحسب مجلة فورين بوليسي الأميركية.