تلاعبت بالخريطة.. هل تنجح محركات البحث في محو فلسطين من الذاكرة؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم اعتراف 138 من أعضاء الأمم المتحدة بفلسطين كدولة مستقلة، فوجئ العالم مؤخرا، بحذف شركتي جوجل وآبل اسم دولة فلسطين من خرائطهما في محركات البحث.

في العادة، يمكن للمستخدم كتابة أي دولة على محركي البحث لتظهر له خريطة الدولة، غير أن الموقعين الشهيرين أقدما على حذف دولة فلسطين من محركي البحث الخاص بهما، فعند كتابة فلسطين في شريط البحث تظهر دولة إسرائيل بدلا عن فلسطين.

الإجراء أثار غضبا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي حيث نشر المستخدمون تغريدات على تويتر مرفقة بصور تظهر اسم فلسطين على الخريطة وهاشتاغ #فلسطين_على _الخارطة.

امتلاك إدارة شركة فيسبوك لكل من تطبيقات إنستجرام وتطبيق واتس اب سهل التحكم بالمحتوى المتعلق بالقضية الفلسطينية، وباستحواذ الشركة على مزيد من التطبيقات ومواقع التواصل الشهيرة، ستتمكن الإدارة من تنفيذ سياستها المناهضة للقضية الفلسطينية.

تتزامن تلك الممارسات والانتهاكات مع التحركات التي تجريها أطراف دولية وإقليمية لتنفيذ صفقة القرن، بالإضافة إلى تحركات إسرائيلية لمحاولة ضم غور الأردن ومستوطنات بالضفة الغربية إلى الأراضي المحتلة من قبل تل أبيب.

قصة "بيلا حديد"

محاربة المحتوى الداعم للقضية الفلسطينية كان إحدى السياسات التي تمارسها إدارة إنستجرام، ففي 8 يوليو/تموز 2020، أقدمت إدارة إنستجرام على حذف محتوى لعارضة الأزياء الأميركية من أصل فلسطيني بيلا حديد.

تضمن المحتوى صورة لجواز سفر أميركي لوالد بيلا حديد، ويظهر أنه من مواليد فلسطين، وكتبت حديد تعليقا على الصورة، "فخورة لأني فلسطينية".

عقب حذف الصورة، شنت عارضة الأزياء هجوما حادا على إدارة إنستجرام، واتهمته بالتنمر، وتفاعل معها عدد كبيرة من المتابعين، لتقوم إدارة الموقع عقب ذلك بإعادة الصورة والاعتذار لحديد، مبررة تصرفها بأن الصورة احتوت على بيانات شخصية، وأن حذفها كان خطأ، حيث تبين أن حديد كانت قد حجبت رقم جواز السفر بالفعل.

وعقب إعادة نشر الصورة، قامت حديد بنشرها مرة أخرى وأرفقتها بعبارة: "يجب على الجميع أن يكتبوا مسقط رأس والديهم، لتذكيرهم بفخرهم دوما بأماكن ميلادهم وأصولهم".

انتهاك المحتوى

ومع استمرار تلك المواقع في حذف المحتوى المتعلق بالقضية الفلسطينية وتقييده وحظره بحجة انتهاكه لمعايير المجتمع، يتصدر موقع فيسبوك تلك الانتهاكات الإلكترونية بحق المحتوى المتعلق بالقضية الفلسطينية.

حسب مركز "صدى سوشال" وهو مركز توثيق فلسطيني، فإن شهر مايو/أيار 2020، شهد أعلى مستوى من الانتهاك من قبل إدارة فيسبوك، حيث وثق المركز 185 انتهاكا، لمحتوى ينتقد الاحتلال الإسرائيلي.

وأوضح المركز أن الانتهاكات تمثلت بحذف وحظر إدارة الموقع لعدد كبير من المنشورات وحسابات الصحفيين والنشطاء الفلسطينيين، الذين ينتقدون ممارسة الاحتلال، دون إبداء الأسباب.

المركز الفلسطيني وجه في أكتوبر/تشرين الأول 2020، رسالة شديدة اللهجة، إلى مديرة قسم السياسات العامة في "فيسبوك" في الشرق الأوسط نشوى حسين، وقدم خلالها المركز شرحا للتضييق الذي ارتفعت وتيرته أخيرا، تجاه المحتوى الفلسطيني.

غير أن تجاهل إدارة فيسبوك لاحتجاج المركز وتنديد الناشطين، دفع المركز لإطلاق حملة لخفض تقييم تطبيق "فيسبوك" إلى نجمة واحدة من خلال متاجر الهواتف الذكية، والتي أدت بدورها إلى تراجع تقييم تطبيق فيسبوك في متجر "آب ستور" إلى أقل من 1.9 بفلسطين وذلك رفضا لسياسات الموقع القمعية ضد المحتوى الفلسطيني.

يلجأ بعض الناشطين لاتخاذ هذا الإجراء من أجل دفع جوجل لحذف التطبيق من متجرها في الرقعة الجغرافية الفلسطينية، أو تصنيفه ضمن مستويات دنيا، في حال كان يحظى بنجمة واحدة من قبل عدد كبير من المستخدمين، وهو إجراء كان قد استخدمه الهنود على تطبيق تيك توك الصيني.

لم يتمكن المركز الفلسطيني من شن حملة استنكار ضد الموقع الشهير، كما لم يتمكن ضحايا تلك الانتهاكات الإلكترونية من إيقاف تلك الممارسات أو دفع إدارة فيسبوك للاعتذار، كما هو الحال مع مشاهير السوشيال ميديا الذين عادة ما يشنون هجوما واسعا يدفع الإدارة للاعتذار وإعادة المحتوى، والبحث عن مبررات للمستخدم كما وقع مع بيلا حديد مثلا.

ضغوط إسرائيلية

تويتر هو الآخر حظر وأزال عشرات المواقع الإخبارية الفلسطينية، ومئات التغريدات التي تتعلق بالحديث عن فلسطين وعن جرائم الاحتلال الإسرائيلي.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، حظر "تويتر" عشرات المواقع الإخبارية الفلسطينية وأغلق حساباتها، ومن أبرزها، "شبكة قدس الإخبارية"، التي تحظى بمئات الآلاف من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، وتنشر الصور والفيديوهات والأخبار التي تفضح جرائم الاحتلال.

بالإضافة إلى ذلك، أقدمت إدارة تويتر على حظر حساب الدكتور والأكاديمي والناشط على مواقع التواصل الاجتماعي رفعت العرعير، بحجة مخالفة المعايير.

يعد حساب العرعير من أكثر الحسابات الفاعلة باللغة الإنجليزية، حيث بلغ عدد متابعيه نحو 90 ألف متابع، بينهم عدد كبير من السياسيين والصحفيين والمفكرين والناشطين حول العالم.

العرعير اتهم إدارة تويتر بالرضوخ للضغوط الصهيونية لمحاربة المحتوى الفلسطيني وتغييب الرواية الفلسطينية، مؤكدا أن الفلسطينيين سيواصلون نشر صوتهم، في حوار له مع الجزيرة نت.

بالإضافة إلى ذلك أقدمت إدارة تويتر على حذف 22 صفحة رسمية وصل عدد متابعيها لأكثر من 100 ألف متابع.

معايير مزدوجة

في 30 يونيو/حزيران 2020، أصدر منتدى الإعلاميين الفلسطينيين في غزة بيانا بمناسبة اليوم العالمي لمواقع التواصل الاجتماعي، استنكر فيه "ازدواجية معايير إدارات المواقع التي تسارع لحذف وإغلاق الصفحات والحسابات الفلسطينية لمجرد دفاعها عن الحق الفلسطيني المنسجم مع قيم الحرية والعدالة والإنسانية والقوانين الدولية".

وأضاف المنتدى في بيانه: أن "الاستهداف الواضح والممنهج للمحتوى الفلسطيني يفند ادعاءات احترام حرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان، ويفضح مدى التواطؤ الفج مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي".

ودعا المنتدى منصات مواقع التواصل إلى "العدول عن نهج استهداف المحتوى الفلسطيني، والانسجام مع قيمها وشعاراتها بإتاحة حرية الرأي والتعبير، وعدم التورط مع أجندة الاحتلال الإسرائيلي المتنكر لكل قيم الحرية والعدالة والإنسانية، والالتزام بالمبادئ والقوانين الدولية والإنسانية المؤكدة على احترام حقوق الإنسان، وفي مقدمتها الحق في حرية الرأي والتعبير".

من جانبه، صرح صالح المصري رئيس لجنة دعم الصحفيين الفلسطينيين للمركز الفلسطيني للإعلام، أن الاحتلال تمكن من تطويع إدارات عدد من مواقع التواصل الاجتماعي لمحاربة المحتوى الفلسطيني.

وأكد المصري أن عام 2019 شهد أكبر حملة إغلاق وتقييد وحظر وتقييد الصفحات الفلسطينية على موقع فيسبوك في إطار محاربة المحتوى الفلسطيني، لافتا إلى أن محاربة المحتوى من قبل مواقع التواصل تم بضغط مباشر من المستوى السياسي الإسرائيلي.

واتهم المصري " شركة "فيسبوك" بممارسة الازدواجية في المعايير، والانحياز الواضح للسياسات الصهيونية ضد المحتوى والرواية الفلسطينية.

انحياز فاضح

مدير منتدى الإعلاميين محمد ياسين أكد للمركز الفلسطيني للإعلام أن وزارة القضاء الإسرائيلية كشفت أن إدارة فيسبوك استجابت عام 2017 لـ 85% من طلبات إسرائيل لإزالة وحظر بيانات خاصة بالمحتوى الفلسطيني.

واتهم ياسين "فيسبوك" بالانحياز الواضح للاحتلال، مبينا أن المحتوى الفلسطيني يتعرض لاستهداف واضح عبر إغلاق الصفحات وتقييد النشر بسبب تبني الرواية الفلسطينية التي تكشف زيف الرواية الإسرائيلية.

كانت وزيرة العدل الإسرائيلية إييليت شاكيد قد صرحت في سبتمبر/أيلول 2017، لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن فيسبوك يمتثل لـ95% من الطلبات الإسرائيلية لرفع المحتوى غير المرغوب فيه، بالإضافة إلى جميع الطلبات الإسرائيلية التي تتعلق بإزالة المحتوى.

وأضافت شاكيد أن يوتيوب لم يزل سوى 80٪ من المحتوى الذي نقلته الحكومة، على عكس فيسبوك الذى يمتثل للطلبات الإسرائيلية.

وأفادت الصحيفة بأن فيسبوك أرسل وفدا إلى إسرائيل واجتمع مسؤولون تنفيذيون من إدارة فيسبوك مع مسؤولين إسرائيليين للاتفاق على إزالة المحتويات التي تحرض على العنف ضد إسرائيل وكراهية اليهود ومعاداة السامية.

وحسب تقرير منظمة "إمباكت" الدولية لسياسات حقوق الإنسان، في سبتمبر/أيلول 2019، فإنّ "شركتي فيسبوك وتويتر تُضطران للالتزام بسياسات تفرضها حكومات في الشرق الأوسط عليها، مقابل السماح لهما بتقديم خدماتهما داخل حدود بلدانها، الأمر الذي يُهدد أمن وسلامة مستخدميهما بشكل خطير".