واشنطن بوست: مصر تعتقل أقارب المعارضين بالخارج لإسكاتهم

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة واشنطن بوست الأميركية: إن "السلطات القمعية" في مصر تحاول إسكات أصوات منتقديها في الولايات المتحدة بالضغط عليهم عبر اعتقال أقاربهم في البلاد.

وذكرت الصحيفة الأميركية في تقرير أعده سودرسان راجيفان مدير مكتب واشنطن بوست في القاهرة عدة أمثلة لاعتقال أقارب نشطاء مصريين مقيمين في الولايات المتحدة.

وتحدث مدير مكتب واشنطن بوست في القاهرة إلى ريم دسوقي المصرية الأصل والأميركية الجنسية والتي تقيم في بنسلفانيا، مبينا أنه تم اعتقالها ظلما.

هذا بالإضافة إلى محمد سلطان الناشط المقيم في شمال فيرجينيا، الذي ساعد في التدخل للإفراج عنها في مايو/أيار 2020، والذي كان معتقلا ذات يوم داخل أحد السجون المصرية.

إلا أنه في الوقت الذي أصبح كلاهما حرا وعلى الأراضي الأميركية، واصلت الحكومة المصرية تهديدهما، وضغطت عليهما ليلتزما الصمت من خلال مضايقة وتهديد أقاربهما الذين يعيشون في مصر، كما يقول الضحايا ومنظمات حقوق الإنسان.

وأشار التقرير إلى أن شقيق ريم دسوقي موجود في السجن دون اتهام، في إطار الضغط عليها لعدم كشف تفاصيل محنتها التي استمرت 10 أشهر للعالم الخارجي أو انتقاد الحكومة المصرية.

وقالت ريم دسوقي: إنهم يحتجزونه لـ"منعي من الحديث عما جرى".

من جهة أخرى، اعتقلت قوات الأمن خمسة من أقارب سلطان قسرا من منازلهم في يونيو/حزيران وجرى استجواب والده المسجون.

جاء ذلك بعد أن رفع سلطان دعوى قضائية في الولايات المتحدة ضد رئيس الوزراء المصري السابق حازم الببلاوي، متهما إياه بالإشراف على التعذيب الذي تعرض له في السجن.

وقال سلطان: "ليس هناك شك في أن الحكومة تحتجز أبي وأبناء عمومتي الخمسة غير السياسيين كرهائن للضغط علي للصمت، وأخبروا عائلتي بأن الفدية هي إسقاط دعوتي".

تهديد الأقارب

يقول ناشطو حقوق الإنسان: إن أقارب أكثر من 24 من المعارضين السياسيين، والعاملين في مجال حقوق الإنسان، والناشطين المؤيدين للديمقراطية والصحفيين الذين يعيشون في الخارج، اعتقلوا في مصر، وغالبا ما داهمت قوات الأمن منازلهم، ويؤكدون أن أفراد الأسرة تعرضوا للتضييق عليهم عبر حظر السفر أو اقتيادهم إلى مكاتب الأمن لاستجوابهم.

وأوضح محمد لطفي، المدير التنفيذي للجنة المصرية للحقوق والحريات أن "الهدف هو نشر الخوف بين الناشطين المصريين في المنفى أو في المنفى الاختياري، فالحكومة ترسل رسالة مفادها، نحن نراقبك، قد لا نكون قادرين على إيذائك ولكن يمكننا أن نفعل أسوأ من ذلك بإيذاء أقاربك، إنها أداة قوية جدا لإسكاتهم".

ولم ترد هيئة الاستعلامات المصرية على طلبين من الصحيفة للتعليق على ما قيل.

وقال ناشطو حقوق الإنسان: إن حكومة عبد الفتاح السيسي بدأت في تهديد الأقارب في وقت مبكر من عام 2016. لكنهم يقولون: إن ابتزاز المصريين الذين يعيشون في الولايات المتحدة أمر جديد، يعكس عمق الاستبداد في مصر.

وأكد التقرير أن إدارة دونالد ترامب لا تنتقد علانية انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، حتى مع ممارسة المسؤولين الأميركيين الضغط من أجل إطلاق سراح بعض المسجونين، ويقول النقاد: إن الصمت أقنع حكومة السيسي بأنها تستطيع توسيع قمعها دون عواقب وخيمة.

وقال سلطان: "لقد قوبلت البلطجة التي تمارسها دولة السيسي بدبلوماسية بلا أنياب"، في إشارة إلى استهداف الأقارب.

وأشار متحدث باسم السفارة الأميركية في القاهرة إلى تغريدة نشرها مكتب شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأميركية في 24 يونيو/حزيران، تعرب فيه عن القلق تجاه الاعتداءات التي طالت أقارب سلطان، وكتب على تويتر "سنواصل مراقبة الوضع ونأخذ على محمل الجد جميع مزاعم التحرش والترهيب".

وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية: إن تقارير المواطنين الأميركيين الذين تعرضوا للمضايقة من خلال أقاربهم مثيرة للقلق، وأن المسؤولين في واشنطن يتواصلون مع الحكومة المصرية في هذا الشأن.

وقال المسؤول الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة العلاقة الأميركية مع مصر بحرية: "المصريون الأميركيون الذين يعودون إلى القاهرة عليهم الالتزام بالقوانين المصرية، ويصادف أن هذه القوانين شديدة القسوة".

وأضاف: "ليست هناك عملية قضائية ذات معايير غربية هناك، في الوقت نفسه، ونظرا لطبيعة علاقتنا الوثيقة، أعتقد أن معاملة الأميركيين يمكن أن تكون أفضل بكثير".

حقوق الإنسان

وأكد التقرير أن حقوق الإنسان تدهورت بشكل كبير في عهد السيسي، وهو جنرال سابق في الجيش وصل إلى السلطة في عام 2014 بعد قيادته انقلابا عسكريا أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين.

ويقول ناشطو حقوق الإنسان: إن عشرات الآلاف من المعارضين السياسيين والمؤيدين للديمقراطية وغيرهم سجنوا، معظمهم بتهم ملفقة، وكان من بين السجناء، مواطنون أميركيون، من بينهم مصطفى قاسم، 54 عاما، تاجر قطع غيار سيارات من نيويورك، توفي في السجن في يناير/كانون الثاني 2020.

ومع ذلك، واصلت الحكومة الأميركية تقديم المساعدة لمصر بمليارات الدولارات.

وأشار التقرير إلى أنه عندما وصلت ريم دسوقي وابنها مصطفى، البالغ من العمر 13 سنة، إلى القاهرة في يوليو/ تموز 2019 في زيارة عائلية، احتجزهما ضباط الأمن المصريين.

تذكرت دسوقي، وهي مواطنة مصرية أميركية ومدرسة فنون تطبيقية في لانكستر بولاية بنسلفانيا، أن الضباط صادروا هواتفهم وتصفحوا حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي، واستجوبت لساعات ثم وضعت مع ابنها في غرفة احتجاز لمدة أربعة أيام  قبل إطلاق سراحه، ثم نُقلت دسوقي إلى سجن بتهمة انتقاد الحكومة على فيسبوك.

بعد أيام، عندما حضر شقيقها نور لزيارتها، اعتقله ضباط السجن، وقد اتصل ابنها مصطفى بالسفارة الأميركية نيابة عنها، على حد قولها، وقالت دسوقي: إن شقيقها الذي يملك مصنعا للملابس لم تكن له أي أنشطة سياسية على الإطلاق.

جرى إطلاق سراح دسوقي في أوائل مايو/أيار 2020 بعد ضغوط أميركية وسط مخاوف من انتشار فيروس كورونا في السجن، وفقا لمسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية.

وبينما كانت تستعد وهي ومصطفى للصعود على متن طائرة متجهة إلى واشنطن، وجه ضابط أمن مصري تحذيرا لها بأن تصمت نهائيا ولا تذكر ما حدث لها.

في فيرفاكس، شعر سلطان، البالغ من العمر 32 سنة، بالسعادة، مع مجموعة الدفاع عن السجينة، من خلال مبادرة الحرية، حيث كان يضغط على إدارة ترامب والمشرعين نيابة عن دسوقي، ويتحدث مع الصحفيين وينشر على وسائل التواصل الاجتماعي لزيادة الوعي بمحنتها.

شعر سلطان بما شعرت به ريم دسوقي عند إطلاق سراحها، فهو نفسه كان قد قُبض عليه في عام 2013 للمشاركة مع المتظاهرين بعد الإطاحة بمرسي واحتجز لما يقرب من عامين.

في أوائل يونيو /حزيران، رفع سلطان دعوى قضائية يقول فيها: إنه تعرض للتعذيب والاستهداف بالاغتيال من قبل نظام السيسي وقد اتهم الببلاوي، رئيس الوزراء المصري الأسبق بأنه وراء تلك الانتهاكات التي تعرض لها.

وقال سلطان: إن قوات الأمن داهمت في 15 يونيو/حزيران منازل أربعة من أعمامه في محافظتين بمصر، مؤكدا أنهم احتجزوا عائلاتهم بأكملها، بما في ذلك الأطفال، تحت تهديد السلاح، مضيفا أنهم اختطفوا خمسة من أبناء عمومته من أسرتهم، حيث جرى تعصيب أعينهم ونقلهم إلى مكان مجهول.

وأضاف أن أحدا من أفراد الأسرة لم يتمكن من التواصل معهم منذ اختطافهم.

وأكد محمد سلطان أن والده صلاح، وهو عالم إسلامي بارز ونائب وزير في حكومة مرسي، والمسجون منذ نحو سبع سنوات، جرى استجوابه بشأن ابنه والدعوى القضائية التي تم رفعها، ثم نقل الأب إلى مكان غير معروف للعائلة، ولم يكن لديهم معلومات حول مكان وجوده منذ ذلك الحين.

قال سلطان: "نحن خائفون على سلامته نظرا لصحته الضعيفة خلال فترة كورونا الذي تنتشر أخبار مفادها تفشيه داخل السجون المصرية".

عائلتي خائفة

من ناحية أخرى، قالت ريم دسوقي: إنها تعاني من القلق وفقدان النوم، تخشى أن يصاب شقيقها بالفيروس في سجن طرة سيئ السمعة في القاهرة، مضيفة أن مصنعه مغلق، تاركا زوجته وأطفاله الثلاثة، وكذلك جميع موظفيه بدون دخل.

وقالت: إن أسرة نور لم تره منذ مارس/آذار، بعد أن منعت الحكومة المصرية زيارات السجن ظاهريا لمنع انتشار فيروس كوفيد 19.

تخشي ريم دسوقي من أن تكون صريحة في انتقادها، وامتنعت عن الإجابة عما إذا كانت قد تعرضت لأي تعذيب أو انتهاكات أخرى في السجن، وقد توسلت إليها عائلتها في مصر لتبقى بعيدا عن الأنظار.

لم تنشر أي شيء على فيسبوك أو غيرها من وسائل التواصل الاجتماعي حول محنة شقيقها أو أي شيء ينتقد الحكومة المصرية، وقالت: "عائلتي خائفة".

من جهته، كان سلطان صريحا بشأن محنة أقاربه، حيث أعلن مشرعون في الكونجرس في رسالة حديثة أن السيسي يشن هجوما على النظام القضائي الأميركي بسجن أقارب سلطان ويسعى إلى إفشال قضيته، وطالبوا مصر بالإفراج عن أقاربه.

في غضون ذلك، واصل سلطان جهوده لتحرير المزيد من السجناء الأميركيين في مصر.

يوم 5 يوليو/تموز، كان محمد عماشة آخر من أطلق سراحه، وصل الشاب البالغ من العمر 24 عاما إلى منزله في جيرسي سيتي بعدها بيوم، عقب 486 يوما في السجن لحمله لافتة في وسط القاهرة مكتوب عليها "الحرية لجميع السجناء".

وشكر وزير الخارجية مايك بومبيو مصر لإطلاق سراح عماشة، وحث حكومة السيسي على وقف المضايقات التي لا مبرر لها لمواطني الولايات المتحدة وأسرهم الذين لا يزالون هناك.

من جانبه، قال سلطان: إنه لن يتم ابتزازه لإسقاط دعواه. وأضاف: "النظام المصري كالمطرقة التي ترى كل شيء على أنه مسمار، وأنا لست مسمارا، أنا أرفض أن يتم التنمر علي لكي أصمت".