قانون "قيصر".. كيف قلب خطط الإمارات بسوريا رأسا على عقب؟

يُعد التقارب بين دولة الإمارات ورئيس النظام السوري بشار الأسد، أكثر من مجرد عملية تطبيع للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، غير أن العقوبات الأميركية الأخيرة المعروفة باسم قانون "قيصر" قد تحبط جهود أبوظبي الهادفة إلى عودة النظام السوري إلى الحضن العربي.
"قانون قيصر" الذي دخل حيز التنفيذ في 17 يونيو/ حزيران 2020، ينص على فرض عقوبات على أي شخص أو كيان أجنبي يقدم دعما كبيرا للحكومة السورية، سواء كان ماليا أو ماديا أو تكنولوجيا، وتجميد مساعدات إعادة الإعمار، كما يستهدف أيضا كيانات روسية وإيرانية تعمل مع النظام.
وفي تقرير بصحيفة "أوريان لوجور" الناطقة بالفرنسية تساءلت الكاتبة جولي الكبي قائلة: هل سيثني القانون الأميركي دول الخليج عن مواصلة تقاربها مع دمشق؟ وأجابت: إذا لم تُستهدف هذه الدول بشكل مباشر من "قيصر" فإن التأثير المزدوج لعقوبات واشنطن يجب أن يحبط خططهم بسوريا، على الأقل في الوقت الحالي.
وأوضحت الكاتبة أنه تم نشر قائمة أولى بأسماء الأفراد والشركات السورية، الذين فرضت واشنطن عقوبات عليهم لصلتهم بالنظام، وهو الأمر الذي قد يثني الجهات الفاعلة في شبه الجزيرة العربية عن الاستثمار في مشاريع إعادة الإعمار المرتبطة بدمشق.
موقف صعب
ونقلت الصحيفة عن معاذ مصطفى، المدير التنفيذي لـ"قوة الطوارئ السورية" قوله: إن "هذا القانون، من بين أمور أخرى، يجب أن يقتل في مهده أي اتفاق أو أي مشروع، يتم تنفيذه بين دول الخليج ونظام بشار الأسد".
وأكدت "أوريان لوجور" أن حليفي بشار الأسد، اللذين لهما الفضل في بقائه بالسلطة، روسيا، وإيران، التي اختنق اقتصادها بسبب العقوبات الأميركية، غير قادرين على تمويل إعادة إعمار البلاد، التي تقدر بمئات المليارات من الدولارات.
ونوهت إلى أن استئناف العلاقات بين سوريا ودول الخليج، كانت لها ميزة مزدوجة تتمثل في تقديم حل لهذه المشكلة، وإعادة نظام الأسد إلى الحضن العربي، لكن بسن قانون "قيصر" أصبح هذا الاحتمال بعيد المنال.
ونقلت الصحيفة عن كريستيان أولريشسن، الباحث المتخصص في الشرق الأوسط بمعهد "بيكر" للسياسة العامة في جامعة "رايس" الأميركية، قوله: سيضع القانون بعض الشركاء المقربين للولايات المتحدة بالمنطقة في موقف صعب -لا سيما الإمارات- حيث يسعون إلى إيجاد توازن بين رغبتهم في إعادة تأهيل رئيس النظام والحفاظ على العلاقات السياسية الوثيقة مع واشنطن".
وأوضحت "أوريان لوجور" أن من بين دول الخليج، تقدم الإمارات العربية المتحدة نفسها على أنها رأس جسر لمشروع التطبيع مع النظام السوري، حيث أعلنت ذلك بوضوح في 2018 مع إعادة فتح سفارتهم في العاصمة السورية.
كما أن الاتصال الهاتفي الأول من نوعه منذ عام 2011، الذي جرى في مارس/ آذار 2020، بين ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، ورئيس النظام السوري، طور العلاقات بين البلدين.
وقبل فترة وجيزة وصف القائم بأعمال أبوظبي في سوريا العلاقات بين دمشق والإمارة بأنها "دائمة وخاصة وقوية"، خلال احتفال في العاصمة دمشق باليوم الوطني للإمارات العربية المتحدة.
تقارب فريد
وشددت "أوريان لو جور" على أن الدخول في المعادلة السورية هو قبل كل شيء مصلحة اقتصادية لأبوظبي، إذ تستهدف الإمارات سلسلة من العقود المثيرة التي تسمح لها بأخذ قطعة من الفطيرة السورية، فخلال العامين الماضيين، ازداد مجيء وذهاب رجال الأعمال السوريين والإماراتيين.
وفي سبتمبر/ أيلول 2019، زار وفد إماراتي سوريا لحضور معرض دمشق الدولي الحادي والستين، متجاهلا تحذيرات واشنطن من المشاركة في الحدث.
كما أن وصول وفد سوري برئاسة محمد حمشو، القريب من ماهر الأسد (شقيق الرئيس) إلى أبوظبي قبل تسعة أشهر، من أكثر الرحلات الملحوظة، بما في ذلك أفراد من مختلف القطاعات مثل الغذاء أو العقارات أو الاتصالات.
وبحسب تقارير مختلفة، فإن عددا من هذه الوفود مرتبط بـ"دمشق الشام القابضة"، شركة تمول بناء "ماروتا سيتي"، وهو مشروع بناء حضري في ضواحي دمشق، يُلقب بـ "دبي الصغيرة السورية".
وتشير الصحيفة إلى أن محمد حمشو، الذي يعتبر رجل دمشق للإماراتيين، يخضع بالفعل للعقوبات الأميركية، كما تم استهداف بعض أقاربه في القائمة الأولى المتعلقة بقانون "قيصر".
وبينت "أوريان لوجور" أن "النهج الإماراتي في سوريا ليس مفاجئا، فمنذ بداية الصراع عام 2011، عارضت الإمارات العربية المتحدة نظام بشار الأسد، لكنها تبنت خطابا أكثر اعتدالا تجاهه".
وتخشى أبوظبي من أن تؤدي أي انتفاضة في المنطقة إلى زعزعة سلطتها داخليا، كما أنه على عكس قطر والمملكة العربية السعودية، انسحبت الإمارات أيضا من تمويل الجماعات ذات التوجه الإسلامي، والتي يُنظر إليها على أنها تهديد لأجندتها السياسية.
والأكثر من ذلك، بقيت الروابط أيضا بين الإمارات وعائلة الأسد، إذ لجأت أم الأسد، أنيسة مخلوف وابنتها بشرى إلى دبي بين عامي 2012 و 2013، بينما يشير الخبير السياسي زياد ماجد، المتخصص في الشأن السوري، أيضا إلى ثروات عائلة الأسد في البنوك الإماراتية وشراء العقارات.
ورأت الصحيفة الفرنسية أنه إذا كانت الإمارة الصغيرة وحليفتها السعودية لديهما نظرة قاتمة للتأثير الإيراني في المنطقة، فإن الهدف هو فوق كل شيء الوجود التركي بسوريا وليبيا.
تباطؤ التطبيع
وعن إمكانية استهداف الإمارات مباشرة من خلال قانون قيصر، قال معاذ مصطفى: "هناك احتمال حقيقي بأن الأفراد أو الشركات أو الكيانات من دول الخليج أو دول أخرى قد تستهدفهم الجولة التالية من العقوبات التي ينص عليها قانون قيصر، ربما هذا الصيف".
وخلال إحاطة هاتفية في وقت سابق من شهر يونيو/ حزيران 2020 مع الصحفيين حول قانون قيصر، ذكر الممثل الخاص للولايات المتحدة في سوريا جيمس جيفري، أن واشنطن "ترفض تماما" إعادة فتح دول، مثل الإمارات، فتح بعثاتهم الدبلوماسية في دمشق، وقال: "لقد أوضحنا أننا نعتبر هذا الأمر فكرة سيئة".
ونقلت الصحيفة عن فيصل محمد، الأستاذ المشارك السابق في جامعة "القلمون" بسوريا، والمقيم حاليا بتورنتو، قوله: "من الناحية التاريخية، لم تعتد دول الخليج على الوقوف في وجه الولايات المتحدة، خاصة عندما يكون البيت الأبيض جادا للغاية، كما يتضح من التصريحات القوية لجيمس جيفري".
وفي نهاية التقرير يخلص زياد ماجد إلى أنه "خوفا من العقوبات والنقد والتحذيرات الأميركية، ستبطئ أبوظبي والجهات الفاعلة الأخرى في المنطقة عملية التطبيع برمتها مع نظام دمشق، اقتصاديا وسياسيا، مما يعني أن إعادة الإعمار في سوريا لن يحدث قريبا".