تبون يستغل كورونا لقمع المعارضين.. ما مستقبل الحراك الجزائري؟

12

طباعة

مشاركة

بعد 56 أسبوعا من المسيرات السلمية، توقفت المعارضة التي أذهلت العالم عن احتجاجاتها، ولم يعد شارع "ديدوش مراد" في وسط الجزائر يشهد ترديد الشباب كل يوم جمعة آلاف الشعارات مطالبين بجزائر "حرة وديمقراطية"، وفي المقابل اغتنمت الحكومة هذه الفرصة لتشديد القمع تجاه الحراك.

توقف المظاهرات بسبب فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، عقب مرور نحو عام على استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، واستعادة النظام السيطرة على البلاد، إذ عمل على تكميم أفواه الناشطين والصحفيين والمدونين، ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية، يشعر الشباب بالخيانة.

فوفقا للجمعية الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، يوجد مئتي معتقل رأي في الجزائر، وتجري ملاحقة صحافيين أو مدونين أو أساتذة جامعيين لمجرد تغريدة على موقعي التواصل الاجتماعي تويتر أو فيسبوك، والتهمة الرئيسية تكون "إضعاف معنويات الجيش" أو "سب الرئيس".

ويقول شارل جايجو في مقال له بصحيفة "لوفيجارو" الفرنسية: "أسفر وباء كوفيد 19 عن تدمير ثورة الشوارع في الجزائر، إذ يعترف العديد من الناشطين بأن الهدنة الصحية تكشف عن ضعف يتعمق في وجه سلطة لم تتنازل عن أي شيء منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة".

وأضاف: "خلال الشهرين الماضيين، توقفت مظاهرات الجمعة الشهيرة للحراك، كما انتهى الضغط على وسائل الإعلام، بعد أن عادت التهدئة التي قدمها الرئيس الجديد عبد المجيد تبون الذي انتخب في ديسمبر/ كانون الأول 2019، بعد أن أطلق سراح عدة سجناء رأي".

لكن الناشط الجزائري سمير يحياوي، يعتقد أن ذلك (الإفراج عن سجناء رأي) "مجرد خدعة"، وأن الحراك سوف "يعود إلى المسار الصحيح". 

وأعلنت اللجنة الوطنية لتحرير المعتقلين مؤخرا أنه في فترة الاحتواء التام التي فرضها النظام لمنع تفشي الفيروس التاجي، تعمل السلطة الحاكمة على تفعيل آلات القمع وتسريع الثورة المضادة من خلال محاولة خنق جميع الأصوات المعارضة". فبدلا من أن يؤدي سقوط بوتفليقة لسقوط النظام، أي الجيش، ما زال الأخير قائما رغم اهتزازه.

وولد الحراك الجزائري في فبراير/ شباط 2019 من خلال سلالة ضخمة من الاحتجاجات، إذ يدعو المتظاهرون إلى تغيير "النظام" القائم منذ استقلال البلاد عام 1962، لكن حتى الآن، هذه المطالب لم تتحقق، حتى رغم إجبار بوتفليقة في أبريل/ نيسان 2019 على الاستقالة بعد 20 سنة من الحكم.

الدعم الخارجي

ويقول عبد القادر عبد الرحمن، المحاضر في ساينس بو معهد الدراسات السياسية بباريس: "في مسودة أولية للدستور صدرت في 7 مايو/أيار 2020، اقترحت الحكومة تغييرات تناسبها من أجل تأمين دعم فرنسا والولايات المتحدة، لترسيخ نظام ضعيف".

ومن الأمثلة على ذلك إلغاء قاعدة الاستثمار 49\51 ٪، التي تمنع المستثمر الأجنبي من امتلاك أكثر من 49 ٪ من أي مشروع في الجزائر.

لكن التغيير الأهم في المسودة، وفقا للصحيفة الفرنسية، هو إنهاء عقيدة عدم تدخل الجيش الجزائري خارج أراضيه، فحتى لو تدخل بالفعل في المسارح الخارجية، فإنه سيفعل ذلك الآن رسميا، وبختم من البرلمان.

ويبين عبد القادر عبد الرحمن أن التغيير "يعد إشارة إلى فرنسا التي تحتاج إلى دعم جزائري في المنطقة وخاصة في مالي". في المقابل يمكن أن تكون باريس متعاطفة مع الرئيس الجديد تبون. 

ونشرت فرنسا آلاف الجنود سنة 2013، عندما تدخلت لمساعدة حكومة مالي على استعادة مساحات شاسعة من أراضيها الشمالية من بينها مدن تمبكتو وغاو التي استولى عليها متطرفون، إذ تعود أسباب الوجود العسكري الفرنسي في أقطار الساحل الإفريقي لدوافع تاريخية.

فالاهتمام الفرنسي بهذه المنطقة يعود إلى الحقبة الاستعمارية، فقد احتلت فرنسا السنغال وموريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر.

لكن التدخل زاد انتشار الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل، وهي منطقة إفريقية تمتد من ساحل المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر وتشمل ما لا يقل عن 14 دولة، بما في ذلك أجزاء من مالي وموريتانيا وبوركينا فاسو وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى.

مطالب المتظاهرين

من ناحية أخرى، لا يوجد في المسودة أي شيء تقريبا بشأن مطالب المتظاهرين الذين دعوا إلى إنهاء قدرة الرئيس في مسائل التعيينات، ولا سيما القضائية، والتصويت على الدستور الجديد عن طريق الاستفتاء.

لكن النفوذ المطلق للجيش، قضى على المحافظين وأنصار التسوية مع الحراك، وفقا لما نقله الكاتب شارل جايجو عن جنرالات منفيين كانوا داخل الجيش. 

وأوضح أنه إذا كان الجيش يضع نفسه أكثر من ذي قبل كمشارك في المعركة ضد المتطرفين خارج حدوده ولا سيما في مالي، فإنه يقدم ضمانا لشركائه الأوروبيين للعب دور مطمئن للسلطة المحلية التي يحتاج إليها في شمال إفريقيا.

ووفقا لناشط جزائري "هذا أبعد الحراك عن الحصول على دعم الحكومات الأجنبية"، كذلك لا يزال من غير المعروف إلى أي مدى سيؤثر هبوط أسعار النفط (على اقتصاد البلاد).

فمع انخفاض برميل برنت بنسبة 60٪ عما كان عليه في أوائل شهر يناير/ كانون ثاني، انخفضت الإيرادات الحكومية، التي تأتي بشكل رئيسي من النفط.

ويؤكد الناشط أن الحكومة الجزائرية أعلنت في أبريل/ نيسان 2020 أنه سيتم تخفيض الإنفاق بنسبة 50٪ "لكن الجيش نجا من هذه التخفيضات فهم الذين يقررون كل شيء"، وبالتالي الوضع الراهن يناسبهم.