بعضهم لجأ للقمامة.. لهذه الأسباب تتزايد معدلات الفقر في إيران

سجلت معدلات الفقر في إيران أرقاما قياسية غير مسبوقة منذ إسقاط نظام الشاه عام 1979 ووصول الطبقة السياسية الحالية إلى سدة الحكم، وسط تحذيرات أطلقها نواب ومسؤولون سابقون من اتساع رقعة الفقر وتقلص كبير في الطبقة المتوسطة المحركة للمجتمع.
وتواجه السلطة الحاكمة في إيران اتهامات من الشعب بتبديد أموال الثروة النفطية للبلاد على حروب المنطقة، لا سيما في سوريا واليمن، وكذلك تمويل حزب الله اللبناني، حتى مع فرض الولايات المتحدة الأميركية عقوبات قاسية على إيران، منذ مايو/ أيار 2018.
يأس يتفاقم
لعل آخر تحذيرات من تدهور الأوضاع المعيشية في إيران، تلك التي وردت على لسان الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي في 11 مايو/ أيار 2020، مشيرا إلى زيادة الاختلاف الطبقي، وزيادة نفقات الحكومة وتراجع مواردها.
خاتمي قال في مقطع فيديو نشره على موقعه الإلكتروني: إن "إحدى مصائبنا أن الطبقة المتوسطة تتقلص، يوما بعد يوم، وتصبح أكثر ضعفا، الطبقة التي ينبغي أن تكون محرك المجتمع تتجه لطبقات أكثر فقرا وحرمانا".
ورفض خاتمي التنكر للمشكلات، لافتا إلى أنها "موجودة حتى إذا أردنا إنكارها. الناس مستاؤون من الأوضاع الحالية. ذلك الاستياء يمكن أن يتسبب في تراجع الثقة والتشاؤم".
خاتمي دق جرس الإنذار من سقوط البلاد في دوامة العنف نتيجة يأس المستائين من الأوضاع، محذرا في الوقت نفسه من "احتمال أن ترد الحكومة بعنف على تلك الخطوات، وهو ما يعمق دوامة العنف في المجتمع".
تصريحات رئيس إيران الأسبق، عززتها صور نشرتها وكالة "إيلنا" الإيرانية لأشخاص من العاصمة طهران يبحثون عن "الخبز" في القمامة، غير مكترثين بخطورة انتقال فيروس كورونا، الذي أودى بحياة نحو 7 آلاف من الإيرانيين وإصابة ما يزيد عن 118 ألف آخرين.
وقالت الوكالة الإيرانية في 12 مايو/ أيار 2020: إنه "لا تزال هناك مخاوف بشأن صخب العاصمة ونمو حركة المرور ووجود الناس بالمدينة في أيام كورونا، لكن الكثير من الأطفال، يبحثون عن الخبز بين القمامة، بغض النظر عما يحدث في المدينة".
وكالة ايلنا الإيرانية تسلط الضوء على إنتشار الفقر في العاصمة طهران .. كم مليار دولار انفقها خامنئي في اليمن وسوريا ولبنان؟! pic.twitter.com/SwEu5qDFRB
— M.Majed محمد مجيد (@MohamadAhwaze) May 12, 2020
تلميع الصورة
انتقادات كثيرة تطال السلطات الحاكمة في إيران بسبب بذخها للأموال على أمور لا تسهم في تراجع نسب الفقر بالبلاد، فقد أثارت صور نشرتها وسائل إعلام إيرانية الجدل بعدما أظهرت حجم التناقض فيما يتعلق بمعاناة الإيرانيين الذين يقصدون ضريح الخميني "المتلألئ" للحصول على مساعدات غذائية.
ونشر موقع راديو "فاردا" الإيراني في 13 مايو/ أيار 2020، صور عبوات فاخرة تحتوي على مواد غذائية مخصصة للفقراء والمحتاجين حول ضريح مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني، وذلك من أجل مساعدتهم في تخطي الأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا.
بيد أن صور المساعدات الغذائية هذه، أدت إلى اندلاع موجة مفاجئة من الانتقادات الشعبية، بعدما صدم الناس بالتناقض الصارخ بين ضريح الخميني المبالغ في بذخ الأموال على إنشائه، وآلاف الإيرانيين الذين يعانون الفقر ويحتاجون لهذه الصدقات من أجل البقاء.
توزيع برنج و روغن در حرم اشرافي امام !
— Ghasem mohammadiقاسم محمدی (@gashem234) May 10, 2020
قرار نبود چهل سال پس از انقلاب امام خمینی(ره) مردم محتاج کیسه برنج و روغن و ماکارونی باشند و در چنین مکان اشرافی به نمایش گذاشته شود! pic.twitter.com/6UNqgGRBLM
وغرد مواطن إيراني يدعى قاسم محمدي على "تويتر" قائلا: "بعد أربعين سنة من ثورة الإمام الخميني، لم يكن من المفترض أن يحتاج الناس إلى الرز والزيت والمعكرونة، التي تم عرضها في مثل هذا المكان الأرستقراطي!".
ويوزع الحرس الثوري الإيراني المساعدات على الفقراء، وخاصة أولئك المتضررين من جائحة كورونا، وذلك بوضعها في الأضرحة الدينية وأماكن أخرى في جميع أنحاء البلاد.
وحسب، راديو "فاردا"، فإن الحرس الثوري يحاول تحسين صورته، خاصة بعد حملة القمع العنيفة التي نفذها ضد محتجين مناهضين للحكومة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 وراح ضحيتها المئات، والتي خرجت بسبب رفع سعر البنزين في ظل تدهور اقتصادي حاد.
ويكافح العديد من الإيرانيين من أجل تغطية نفقاتهم بسبب ضعف الاقتصاد تحت ضغط العقوبات الأميركية. كما تفاقمت أوضاع العديد من الإيرانيين بسبب انتشار فيروس كورونا، الذي أثر بشدة على الاقتصاد، حيث أدت إجراءات العزل إلى إغلاق الشركات وخسارة الكثيرين لوظائفهم.
الفقر بالأرقام
في آخر تقديرات، أكد خبراء إيرانيون أن 75 بالمئة من سكان إيران البالغ عددهم 83 مليون نسمة يعانون من الفقر، ما يعني أن أكثر من 60 مليون شخص يعانون في بلد يملك ثروات كبيرة، ويعد من أكثر دول المنطقة امتلاكا للطاقة.
وقال الخبير الاقتصادي الإيراني محمود جامساز المقرب من النظام في مقال نشره موقع نخواه الإيراني في يوليو/ تموز 2019: إن "خط الفقر، يقال إنه يتراوح بين 50 و60 مليون شخص تحت خط الفقر، هو الفجوة الآخذة في الاتساع بين الفقر والثروة، وانحدار الطبقة الوسطى والمشاكل وسبل العيش التي نواجهها".
وفي مايو/ أيار 2019، قال عضو اللجنة الاقتصادية في البرلمان الإيراني، ناصر موسوي لارجاني: "إذا كان خط الفقر عند دخل شهري أقل من 3 ملايين و400 ألف تومان (الدولار يعادل 4200 تومان بسعر الصرف الرسمي في وقتها)، فإن ما يقارب 55 في المائة من الأسر الإيرانية يعیشون تحت خط الفقر".
وتشیر إحصاءات الفقر إلى أنها أسوأ من أي وقت مضى، فيما أعلن مركز أبحاث البرلمان الإيراني، خلال تقريره الأخير، أن حسابات المركز لخط الفقر، عام 2017، لعائلة مكونة من 4 أفراد في طهران، كان نحو مليونين و500 ألف تومان، لكن بحلول شتاء العام 2019، كان من المتوقع أن یصل خط الفقر إلی نحو 3 ملايين و400 ألف تومان.
وفي معرض إشارته إلى تقارير مركز أبحاث البرلمان الإيراني التي تشير إلى أن 40 في المائة من الشعب الإيراني يعيشون تحت خط الفقر، أضاف ناصر موسوي لاريجاني أنه رغم الزيادة في الحد الأدنى لتكاليف المعيشة، وصلت نسبة الأسر التي تعيش تحت خط الفقر إلى 55 في المائة.
وحسب موقع "إيران إينترنشنال"، فإن "المؤشرات التي تستخدم لحساب خط الفقر هي ميزان دخل الأسر، ما يعني أن الأسر التي يقل دخلها عن مليونين و500 ألف تومان هي أسر تعيش تحت خط الفقر، وهي نحو 40 في المائة من الأسر الإيرانية، ولكن إذا كان مركز الأبحاث قد أعلن أن الأسر التي يقل دخلها عن 3 ملايين و400 ألف تومان يعيشون تحت خط الفقر، فهناك نحو 55 في المائة من الأسر الإيرانية دخلها أقل من هذا المبلغ".
وفي أبريل/ نيسان 2020، أكد النائب عليم يار محمدي الإيراني، أن "74 بالمئة من سكان محافظة سيستان وبلوتشستان يعيشون تحت خط فقر الأمن الغذائي وليس لديهم عمل ثابت، وأغلبهم يعمل بشكل يومي، لذلك مع تصاعد تفشي كورونا لم يتوقفوا عن العمل، ولهذا السبب نحن قلقون بسبب ذلك".
دعم الأذرع
انشغال طهران بحروب المنطقة وتدخلاتها لإنقاذ حلفائها، ولا سيما في سوريا واليمن، كان سببا في تصاعد نسبة الفقر في إيران، إذ أنفقت السلطات الحاكمة أموالا طائلة على المليشيات الموالية لها التي تقاتل بتلك البلدان، وسط دعوات شعبية منذ عام 2016 بإيقاف دعم الحروب الخارجية.
وخلال التظاهرات الشعبية التي خرجت بمعظم مدن إيران في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، نشر ناشطون إيرانيون مقاطع فيديو عدة يهتف خلالها المتظاهرون بشعارات تؤكد رفضهم تدخل حكومتهم في شؤون الدول الأخرى بالمنطقة، ولا سيما في سوريا.
وتدفع إيران لهؤلاء الوكلاء مئات الملايين من الدولارات، في حين يعاني الإيرانيون في الداخل جراء سياسات نظامهم وفساد المسؤولين، إذ اتهم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو سلطات طهران بالاستمرار في الإنفاق على أذرعها بالخارج، رغم اجتياح فيروس كورونا للبلاد.
وأفاد بومبيو في 24 مارس/ آذار 2020 بأن طهران أنفقت على "التنظيمات الإرهابية" نحو 16 مليار دولار منذ عام 2012، و"سرقت" أكثر من مليار يورو كانت مخصصة لقطاع الصحة.
ولفت إلى أن العقوبات الأميركية المفروضة على إيران لا تشمل المواد الغذائية والطبية والأدوية والمساعدات الإنسانية. وذلك ردا على هجوم المرشد الأعلى للثورة في إيران، علي خامنئي، على الولايات المتحدة، بعد عرضها تقديم المساعدة لإيران في مواجهة فيروس كورونا.
وفي إحصائية للأمم المتحدة عام 2018، قالت جيسي شاهين المتحدثة باسم المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي مستورا: إن متوسط إنفاق إيران في سوريا يعادل 6 مليارات دولار سنويا، وعلى سبيل المقارنة هذا يعني أن إيران ساعدت النظام السوري بما يعادل نصف ميزانية دعم الأسعار في الداخل سنويا.
وإذا كانت إيران أنفقت هذا الرقم بشكل منتظم خلال 6 أعوام من الحرب السورية هذا يعني أنها دفعت 36 مليار دولار، وهذا يعادل 3 أضعاف الميزانية الدفاعية السنوية لإيران.
ومن بين التقديرات الأخرى لكلفة الدور الإيراني في سوريا، قدر الباحث في الشأن السوري الدكتور نديم شحادة، ما تحملته إيران خلال سنة 2012 و2013 بـ 14 إلى 15 مليار دولار بعد أن فقدت حكومة بشار الأسد جميع إيراداتها.
وفي تصريحات سابقة عام 2018، قال شحادة لـ"بي بي سي" النسخة الفارسي: "تقديري مبني على الأدلة التي تؤكد دخول العديد من المجموعات الممولة من الحرس الثوري الإيراني من بينها مجموعات من العراق وأفغانستان".
ويعد تقدير إنفاق إيران في سنوات ما بعد 2013 صعب جدا، لكن تقدير شحادة قريب من الرقم الذي أعلنته الأمم المتحدة (6 مليارات دولار سنويا).
وفي وقت يعلق فيه النظام الإيراني، أزماته الاقتصادية، وارتفاع نسبة البطالة، ووصول معدل الفقر لأعلى مستوياته، على "شماعة" عقوبات الولايات المتحدة، فإن ثروة المرشد الحالي علي خامنئي، بلغت 95 مليار دولار أميركي، وفقا لدراسات نشرت عام 2018 أجرتها مؤسسة "يورجن" الأميركية للإحصاءات.
وحسب الدراسات التي أجرتها مؤسسة "يورجن" فإن 5 بالمئة فقط من سكان إيران يستحوذون على منابع الثروة وهم من الفئة الحاكمة، بدءا من المرشد الأعلى علي خامنئي، وحاشيته، وصولا إلى كبار المسؤولين الحكوميين وعائلاتهم.
لكن السفارة الأميركية ببغداد نشرت في أبريل/ نيسان 2019 على حسابها يموقع "فيسبوك" تدوينة مثيرة، تطرقت إلى حجم الفساد الهائل المستشري داخل أروقة النظام الإيراني، ولا سيما مرشده، علي خامنئي.
وكتبت: "يستشري الفساد في جميع مفاصل #النظام_الإيراني، بدءا من القمة فممتلكات مرشد النظام علي خامنئي وحده تقدر بـ 200 مليار دولار، بينما يرزح كثير من أبناء الشعب تحت وطأة الفقر بسبب الوضع الاقتصادي المزري الذي وصلت إليه إيران بعد 40 عاما من حكم الملالي".
المصادر
- Food Aid For Iranian Poor At Khomeini's Luxurious Shrine Ignites Controversy
- ۵۰ تا ۶۰ میلیون نفر زیر خط فقر قرار گرفته اند
- جستوجوی "نان" در بین زبالههای کرونایی
- أكثر من نصف سكان إيران تحت خط الفقر
- خاتمي يحذر النظام من دوامة عنف ويدعو إلى «المصالحة الوطنية»
- برلماني: 74% من سكان سيستان وبلوتشستان تحت خط الفقر الأمن الغذائي
- الحرب السورية: نزيف إيران المستمر
- بومبيو: خامنئي يكذب بشأن ضحايا كورونا
- «فساد الملالي».. فقراء إيران ينامون جياعًا وثروة «خامنئي» بلغت 95 مليار دولار
- الكشف عن ثروة خامنئي يستفز أحزابا شيعية في العراق