تفقدك حريتك وقد تخسر عملك.. هكذا تتجاوز الآثار النفسية لحجر كورونا

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قد يكون من السهل اتخاذ قرار بالحجر الصحي لدى كثيرين إثر إصابتهم بفيروس كورونا، لكن ليس من السهل تجاوز آثاره النفسية، خصوصا لأولئك الذين تعودوا على نمط حياة مليء بالأنشطة الاجتماعية المتنوعة والمختلفة.

يشبه الحجر القسري، بما فيه من قيود، الإقامة الجبرية، ويزيد عنها بالتهديدات والمخاوف الصحية التي تنتظر الإنسان خارج المنزل، ما يجعله محاطا بخيارات كلها عكس رغباته، الأمر الذي قد يشكل حالة من القلق والهلع لدى كثيرين.

علاوة على ذلك، فإن الحجر والتباعد الاجتماعي، بتزامنه مع أحداث قد تحصل للشخص كفقدانه الوظيفة أو تراجع الدخل المالي، والخوف من المجهول في مستقبل هذه الأزمة، تضاعف من الآثار النفسية عند الأشخاص الخاضعين للحجر، وقد تتسبب بعواقب غير محمودة.

حسب معهد "كينجز كوليدج البريطاني" في دراسة نشرتها صحيفة "دو لنسي" المتخصصة بالأخبار الصحية، فإن الحجر الصحي تجربة غير مُرضية لمن يخضعون لها، والعزل عن الأهل والأحباب وفقدان الحرية، والارتياب من تطورات المرض، والملل، كلها عوامل يمكن أن تتسبب بحالات مأسوية، وأن تكون لها آثار نفسية طويلة الأمد.

وحسب إخصائيين نفسيين، فإن الخوف من الموت، أو الإصابة بالعدوى، وهاجس فقدان الأحبة، عوامل تشكل ضغوطا نفسية على الشخص.

علاوة على ذلك فإن العزلة والحجر بين 4 جدران، قد يفجر الخلافات بين أفراد العائلة، ولا يمنح الخاضعين للحجر المتواصل فرصة لتناسي الخلاف أو تجاوزه.

كل تلك الأسباب تؤدي إلى الضجر، ومع غياب الوعي في كيفية التعامل مع تلك القضايا بالشكل المطلوب، قد يتطور ذلك إلى قلق ثم اكتئاب، خصوصا إذا لم يتم ملء أوقات الخاضعين للحجر بالأنشطة التي تشغلهم عن التفكير بهذه المخاوف.

ضغوط نفسية

يقول الدكتور رشاد عبدالغني أخصائي الأمراض  النفسية والعصبية لـ"الاستقلال": "ليس من الصواب تجاهل الحالة النفسية والعقلية التي يمر بها الأشخاص الخاضعون للحجر، لأنهم قد يمرون بضغوط نفسية حقيقية، بسبب الوضع الذي نتج عن الأزمة الصحية، وإجراءات الحجر والحظر الصحي".

يضيف عبدالغني،" هناك أسباب أساسية ومباشرة، وهناك أسباب ثانوية، تشكل في مجملها ضغطا نفسيا على الشخص الخاضع للحجر، قد يتطور إلى اكتئاب".

ويتابع: "تتمثل الأسباب المباشرة، لسوء الحالة النفسية، أو للاضطراب النفسي والعقلي، في تغيير نمط الحياة والقيود الاجتماعية المفروضة على الخاضعين للحجر، وما رافق ذلك من مخاوف".

أما الأسباب الثانوية فمن بينها أن الحجر بما فيه من قيود "يتسبب بحدة المزاج لدى الزوج خصوصا، الأمر الذي قد يؤدي إلى حدوث مشاكل عائلية متكررة".

يضيف عبدالغني: "الضغوط والالتزامات المالية إحدى الأسباب الثانوية للأزمات النفسية، كذلك الحال عند فقدان الشخص لوظيفته أو امتيازاته المالية والاقتصادية، أو اضطراره لأخذ إجازة من دون راتب، كما هو الحال مع عدد من الموظفين".

وعن كيفية التعامل مع هذا الوضع، يقول الدكتور عبدالغني: "علاج هذه الحالات يتمثل في المقام الأول بالوعي في كيفية التعامل مع هذا الوضع المستجد، وأولها المحافظة على الهدوء والاستقرار النفسي، لأن جهاز المناعة، وهو الجهاز الوحيد حاليا الذي يعول عليه للمساعدة في التشافي من فيروس كوفيد 19 يحتاج لسلامة الجهاز النفسي والعقلي".

ويتابع: "ملء ساعات اليوم بأنشطة اجتماعية وتعليمية متنوعة، ورسم أهداف جماعية لتحقيق إنجازات معينة، يشغل الإنسان عن التفكير بالمخاوف التي تنتج بسبب الفراغ وخلو جدول اليوم من أي أنشطة".

ويختم حديثه: "في حالات معينة يمكن التواصل مع إخصائي نفسي، والتحدث له، وفي حالات قليلة يمكن للطبيب كتابة بعض الكورسات الدوائية التي تساعد المريض على تجاوز الاضطرابات النفسية التي يمر بها".

5 توصيات

نقل موقع "أل سي أي" الفرنسي عن منظمة الصحة العالمية إن إجراءات تقييد حركة السكان للحد من انتشار فيروس كورونا قد تكون لها عواقب نفسية كبيرة على المواطنين.

وقدمت المنظمة 5 توصيات أعدتها الطبيبة النفسية استريد شيفانس، للحفاظ على الصحة العقلية لمن يعيشون هذه الظروف الطارئة وغير المعتادة.

أول تلك التوصيات، تقليل الوقت الذي يقضيه الشخص في الاستماع أو مشاهدة أو قراءة المعلومات التي تجعله يشعر بالقلق والتوتر"، كما دعت المنظمة إلى البحث عن معلومات "عملية" على المواقع الرسمية للسلطات الوطنية أو الهيئات الدولية "لتنظيم الوضع وحماية النفس والأحباب".

تضيف المنظمة: "التسمر أمام التلفاز لا يساعد في شيء إن لم يكن مثارا للقلق"، مشيرة إلى أنه من الأفضل الاكتفاء "بتحديث المعلومات لفترة أو اثنتين خلال اليوم"، وذلك لتجنب الشائعات والأخبار الزائفة، خاصة أن "معرفة الحقائق يمكن أن يساعد في تقليل الخوف، وفي المقابل فإن التدفق المستمر للمعلومات يمكن أن يتسبب بالإزعاج والقلق."، بحسب المنظمة.

ثاني تلك التوصيات هي "محاولة الحفاظ على روتين قريب من الروتين المعتاد"، كالنهوض مبكرا وارتداء الملابس وتناول الطعام في أوقات محددة ودون إفراط، مع تجنب تناول الوجبات الخفيفة طوال اليوم، لأن زيادة حصص الطعام لن تكون صحية مع انخفاض النشاط بسبب البقاء في المنزل.

قصص إيجابية

النصيحة الثالثة تتعلق بتبادل الحماية والدعم والتضامن، من خلال تبادل أرقام الهواتف بين الأهل والجيران، الذي قد يحتاجون إلى مساعدة، وحثهم على تبادل قصص إيجابية تبعث على الأمل خصوصا أولئك الذين تعافوا من الفيروس.

أما الرابعة فتتعلق بكبار السن، حيث لفتت المنظمة إلى أن "كبار السن الذين يعانون في بعض الأحيان من مشاكل معرفية، قد يكونون أكثر توترا أو عدوانية، ويجب التأكد من أن لديهم الأدوية اللازمة".

أما التوصية الخامسة فدعت المنظمة إلى ضرورة التعاطف مع كل المتضررين في أي بلد كانوا، مشيرة إلى أن "الأشخاص المتضررين من الوباء لم يرتكبوا أي خطأ وهم بحاجة إلى الدعم والتعاطف".

واعترضت منظمة الصحة العالمية على التحدث عن المرضى باعتبارهم "حالات 19" أو "أسرة 19"، بشكل يؤدي إلى وصمهم وسلب إنسانيتهم، وقالت يجب التحدث عنهم كأناس فقط، لأنه من المهم فصل الإنسان عن المرض".

معضلة الأطفال

تتمثل إحدى المعضلات لدى الأطفال والفئات الأصغر سنا، فالأطفال غير قادرين على استيعاب وإدراك حجم المشكلة وضرورة الالتزام بتنفيذ القيود المفروضة من قبل السلطات، لهذا فإنهم من الفئات الأكثر تأثرا بالحجر، ويحتاج الأبوان إلى معرفة كيفية التعامل معهم للقدرة على التحكم في انفعالاتهم وتعويضهم بما يدفعهم إلى القبول بالبقاء في المنزل.

وبالقدر الذي يؤثر الحجر على مزاج الطفل ودرجة خضوعه لتوجيهات الأبوين، فإنه يؤثر على مزاج الأم أيضا، في بعض الاحيان، وينعكس ذلك على علاقة الأم ببقية أفراد الأسرة، وعلى رأسها الزوج، الأمر الذي قد يتطلب ضرورة التواصل مع أخصائيين نفسيين للتوعية بكيفية التعامل مع هذا الوضع.

منظمة الصحة العالمية سبق أن أشارت لهذه الجزئية، وقالت الطبية استريد شيفانس في التوصيات التي أعدتها للمنظمة: "الحجر قد يكون مربكا للأطفال بشكل كبير، لذلك لابد أن يوضع لهم جدول يشمل حصصا دراسية وأنشطة إبداعية وأوقاتا للعب مع بقية العائلة وأوقاتا أخرى للراحة".

خطر الشائعات

تضاعف الشائعات والأخبار الكاذبة من حالات القلق والهلع لدى الخاضعين للحجر، وساعدت وسائل وتطبيقات التواصل الاجتماعي في الهواتف المحمولة على تناقل تلك الشائعات على نحو واسع.

ومع أن البعض يهدف من تلك المقاطع إلى تحذير الآخرين من التساهل في الالتزام بإجراءات الوقاية، لكن تلك المقاطع لها أثر عكسي يتمثل في إثارة الهلع والذعر لدى الآخرين، وهو ما ينعكس على الحالة النفسية لدى المتلقين.

مثلت الأزمة الصحية الناتجة عن فيروس كورونا بيئة خصبة لتناقل الشائعات، وتوظيف الحوادث الأخرى في سياق الأزمة الصحية على نحو واسع.

وتحتاج المسألة إلى قدر كبير من النضج والتمييز بين المعلومات التي تمنح الإنسان أمانا زائفا كالحديث عن كون فيروس كورونا ليس سوى مؤامرة، وكذلك فعالية بعض المواد للشفاء من الفيروس، وبين المعلومات التي تبالغ في تداعيات هذا الفيروس وتؤثر على الحالة النفسية لدى كثيرين.