"ضبطية قضائية" لضباط الجيش.. كيف ستزيد المحاكمات العسكرية بمصر؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

الضبطية القضائية، بتعريفها القانوني هي "سلطة البحث عن الجرائم ومرتكبيها وجمع الاستدلالات التي تلزم للتحقيق في الدعوى"، ويطلق على من يخول إليهم الضبطية القضائية، صفة "مأمورو الضبط القضائي".

مؤخرا أصدر رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، تعديلات على بعض أحكام قانون 162 بشأن حالة الطوارئ، وتشمل منح الضبطية القضائية لضباط ولضباط صف القوات المسلحة، ما ينذر بأوضاع كارثية بشأن حقوق الإنسان ومحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية.

وبموجب العديد من القوانين، سواء التي صدرت مؤخرا أو قانون رقم 136 لسنة 2014 الخاص بتأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية، منح السيسي المحاكم العسكرية، سلطات واسعة في مصر منذ وصوله للسلطة قبل 7 سنوات.

تعديلات القانون 

في 6 مايو/ آيار 2020، صدق السيسي على القانون رقم 22 لسنة 2020، بتعديل بعض أحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 في شأن حالة الطوارئ.

ونشر القانون في الجريدة الرسمية، وجاء نصه كالتالي:

المادة الأولى يُستبدل بنص (المادة 4/ فقرة 1) والمادة (7/ فقرة 4) من قانون حالة الطوارئ الصادر بالقانون رقم 162 لسنة 1958 النصان الآتيان:

مادة (4/ فقرة 1): تتولى قوات الأمن أو القوات المسلحة تنفيذ الأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه، فإذا تولت القوات المسلحة هذا التنفيذ يكون لضباطها ولضباط الصف بها اختصاصات مأموري الضبط القضائي.

وتختص النيابة العسكرية بالتحقيق في الوقائع والجرائم التي يتم ضبطها بمعرفة القوات المسلحة. ويجوز لرئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه أن يسند الاختصاص بالتحقيق الابتدائي في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون إلى النيابة العسكرية.

ومع عدم الإخلال باختصاصات النيابة العسكرية تختص النيابة العامة في جميع الأحوال دون غيرها بالتصرف النهائي في التحقيق.

وبتلك التعديلات، تعطي السلطة الحق الكامل لأول مرة لضباط القوات المسلحة، وضباط الصف (الضباط المتطوعون)، بالضبطية القضائية في حق المدنيين، بمعنى أنه يحق لتلك الفئات بموجب هذا القانون القبض على المواطنين، والنقطة الأخطر تتمثل في إحالتهم للمحاكم العسكرية بشكل مباشر، ما أثار حفيظة المنظمات الحقوقية التي رفضت تلك الإجراءات جملة وتفصيلا.

إدانة واسعة

في 9 مايو/ آيار 2020 أدانت 8 منظمات حقوقية مصرية ودولية، الحكومة المصرية، التي استغلت جائحة كورونا كمبرر لتعديل قانون الطوارئ، وإضافة المواد الجديدة، التي من شأنها ضم عسكريين بشكل دائم، لتشكيل محكمة أمن الدولة العليا طوارئ، الاستثنائية بالأساس، والتوسع في التحقيق ومحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري.

وتمثلت المنظمات المناهضة للقانون في "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان - مركز النديم - الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان - مؤسسة حرية الفكر والتعبير - الجبهة المصرية لحقوق الإنسان - مركز بلادي للحقوق والحريات - مبادرة الحرية - كوميتي فور جستس". 

وقالت تلك المنظمات في بيان مشترك: "جاءت التعديلات بالأساس لتعزيز سلطة أفراد القوات المسلحة على المدنيين بمنحهم سلطة الضبطية القضائية، ومنح النيابة العسكرية اختصاص التحقيق في الجرائم التي يتم ضبطها بمعرفتهم، وقصر دور النيابة العامة على مجرد الإحالة للقضاء، كما أتاحت التعديلات لرئيس الجمهورية سلطة إسناد الاختصاص بالتحقيق في الجرائم التي تقع بالمخالفة لقانون الطوارئ إلى النيابة العسكرية".

وشدد البيان عن الاستياء من "استمرار تغاضي وصمت مجلس القضاء الأعلى والهيئات القضائية على هذه التعديلات التي تعصف باستقلال القضاء".

كما أكد البيان: أن "هذه التعديلات على قانون الطوارئ المطبق بشكل شبه دائم منذ ثلاث سنوات، هي خطوة أخرى جديدة في سبيل التخريب المنهجي لمؤسسة العدالة منذ عام 2013 وحتى الآن، بداية من إصدار قانون بتشكيل دوائر الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، وتعيين قضاتها المختارين بعناية، والتحكم في اختصاصها بما يتيح اختيار القضايا التي تحال لها، وصولا إلى توظيف الملاحقات والأحكام القضائية في الانتقام من الخصوم السياسيين والتنكيل بهم".

المحامي المصري كريم العربي قال لـ"الاستقلال": "هذه التعديلات التي تعطي لأفراد القوات المسلحة حق الضبطية القضائية العسكرية، تمثل إشكالية حقوقية كبيرة على المواطنين، فعرض المدني على القضاء والنيابة العسكرية يسلبه الكثير من حقوقه، كما يضيق على عمل هيئات الدفاع من المحامين، الذين لا يستطيعون التعاطي بشكل طبيعي وبأريحية مع الجهات العسكرية، عكس القضاء المدني".

وأضاف: "مثل هذه التعديلات تأتي في حالات الحروب أو الاضطرابات الداخلية الكبرى، وتأتي بمدد محددة، وبشكل استثنائي، لكن التعديلات الجديدة جعلتها هي الأساس، وبشكل مستمر لا رجعة فيه". 

وذكر العربي: "كان يمكن أن يتفهم ذلك الإجراء في منطقة مثل شمال سيناء، أو الحدود الغربية، التي تعاني من اشتباكات مستمرة، وأخطار متعددة، ويصعب أن تسيطر عليها جهة أمنية بعينها، أما أن تعمم على سائر أنحاء مصر، فهو أمر غير مقبول ولا مبرر، إلا أن المنظومة الحاكمة تخشى من اندلاع موجة مظاهرات مثل التي حدثت في سبتمبر/أيلول 2019، فهي تحصن نفسها عبر حق الضبطية القضائية".

فوضى الضبطية

فوضى منح صفة الضبطية القضائية في مصر، تثير دائما جدلا واسعا، حيث تمنح السلطات صفة الضبطية القضائية لفئات عديدة من الموظفين العموميين في مصر وتجاوزها إلى غيرهم، ومن أبرز الفئات التي لها حق الضبطية القضائية، قبل إضافة ضباط الجيش وصف الضباط، كانوا كالآتي: 

  1. مديرو ضباط إدارة المباحث العامة بوزارة الداخلية، وفروعها بمديريات الأمن.
  2. مديرو الإدارات والأقسام، ورؤساء المكاتب، ورؤساء نقاط الشرطة، والمفتشون، والضباط، وأمناء الشرطة، والكونستبلات، والمساعدون، وباحثات الشرطة العاملون  بمصلحة الأمن العام، فى شعب البحث الجنائي بمديريات الأمن.
  3. ضباط مصلحة السجون.
  4. مديرو الإدارة العامة لشرطة السكة الحديد الحكومية، النقل، المواصلات، وضباط  ونظراء هذه الإدارة .
  5. قائد وضباط أساس هجانة الشرطة .
  6. مفتشو وزارة السياحة.
  7. أعضاء النيابة العامة ومعاونوهم.
  8. العمد ومشايخ البلاد ومشايخ الخفراء.

ومنذ استلام عبد الفتاح السيسي السلطة في يونيو/ حزيران 2014، شمل حق الضبطية القضائية العديد من الجهات بشكل عام أو استثنائي.

في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، وافق وزير العدل الأسبق، المستشار محفوظ صابر، على طلب وزير الأوقاف، محمد مختار جمعة، بمنح الضبطية القضائية للمجموعة الأولى من قيادات ومفتشى وزارة الأوقاف، والذين يصل عددهم إلى نحو 140 شخصا، ويمثلون جميع المديريات على مستوى الجمهورية، إلى جانب الديوان العام لوزارة الأوقاف، بهدف ضبط الخطاب الديني على المنابر، لضبط أي مخالف بشكل مباشر.

"هستيريا الزند"

في عهد وزير العدل الأسبق، أحمد الزند، كان هناك هستيريا في منح الضبطية القضائية، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، منح صفة الضبطية القضائية لنقابة المهن الموسيقية التي قررت بموجبها حرمان فرقة "ابن عربي" المغربية من إقامة أي حفلات لها بالقاهرة.

وقتها حرك المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بمصر دعوى ضد وزير العدل لإلغاء منح بعض أعضاء نقابة المهن الموسيقية صفة الضبطية القضائية لما يعتبر تقويضا للدور الأساسي لجهات إنفاذ القانون.

كذلك أصدر الزند قرارات بمنح أعضاء المجلس الأعلى لنقابة المهندسين ورؤساء النقابات الفرعية وأعضاء هيئة مكتب مجلس النقابة صفة مأموري الضبط القضائي، وقرر أيضا منح عدد من أعضاء نقابة المهن التمثيلية صفة مأموري الضبط القضائي، بالإضافة إلى عدد من أعضاء نقابة المعلمين بهدف محاربة الدروس الخصوصية.

كما تم منح الضبطية القضائية لمفتشي الأوقاف والتمويل العقاري ومعاوني الأمن وحرس الحدود، بخلاف القيادات النقابية والنقابات الفرعية وأمن الجامعات ومفتشي التموين وموظفي الجمارك وغيرهم الكثير.

توقيف المدنيين

وبعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، أصدر رئيس النظام المؤقت عدلي منصور، قرارا بتفويض رئيس الوزراء، حازم الببلاوي، في منح الجيش حق إلقاء القبض على مدنيين.

ونص القرار الصادر عن منصور على تفويض رئيس الوزراء في بعض الاختصاصات المسندة للرئيس في قانون الطوارئ.

وبمقتضى هذا التفويض، يكون لرئيس الوزراء حق إصدار أوامر لقوات الأمن والقوات المسلحة ومنح سلطة تنفيذ هذه الأوامر لضباط القوات المسلحة (الضبطية القضائية). 

وبعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، بموجب قرار المجلس العسكري، كان يحق لضباط الجيش حق الضبطية القضائية على المدنيين، وبناء عليه تمت محاكمة 12 ألف مدني بتهم جنائية عادية.

استمر الوضع حتى يونيو/ حزيران 2012، عندما قررت محكمة القضاء الإداري وقف تنفيذ قرار بمنح رجال الشرطة العسكرية والمخابرات العسكرية سلطة "الضبطية القضائية"، التي تعطيهم حق توقيف مدنيين.

ومنذ 3 يوليو/ تموز 2013، وضباط الشرطة العسكرية يتمتعون بالضبطية القضائية المحدودة، حيث تمت إحالة نحو 4 آلاف مدني إلى المحاكمات العسكرية، أما الآن وبعد إطلاق يد الضباط وصف الضباط، فمن المنتظر أن تشهد مصر إحالة آلاف المدنيين للقضاء العسكري.