حلم ابن سلمان.. لوموند: هذه الأزمات تهدد بانهيار مشروع نيوم

12

طباعة

مشاركة

تحدثت صحيفة لوموند الفرنسية عن أزمات عدة تواجه مدينة نيوم، "الحلم" الذي أطلقه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في 24 أكتوبر/ تشرين أول 2017.

ونيوم يأتي في إطار رؤية 2030، حيث يسعى من خلاله ولي العهد إلى تحويل المنطقة إلى مشروع عملاق ينافس وادي السيليكون في مجال التكنولوجيا وصناعة الترفيه.

وتبلغ تكلفة المشروع 500 مليار دولار، ويقع على مساحة 26 ألفا و500 كيلومتر مربع، ويمتد من شمال غرب المملكة، بالاشتراك مع أراض مصرية وأردنية.

وقالت "لوموند": "في فيديو على شكل وصية، ظهر في 12 أبريل/ نيسان 2020 على تويتر، سجله السعودي عبد الرحيم الحويطي على سطح منزله في قرية الخريبة الواقعة على ساحل البحر الأحمر في الركن الشمالي الغربي من المملكة، بقلق وصوت متعب، احتج الرجل على الاختفاء المبرمج لهذه البلدة الفقيرة، المحصورة بين أمواج خليج العقبة ورمال الصحراء".

وأوضحت أنه مقابل تعويضات، أمرت السلطات السعودية جميع السكان بترك أراضيهم، لإفساح المجال إلى نيوم، المدينة المستقبلية، التي يعتزم ولي العهد محمد بن سلمان، الرجل القوي في الرياض، بناءها في هذه المنطقة النائية.

لكن الأمر السيئ للغاية، تشير الصحيفة الفرنسية، هو أن إشعارات الإخلاء وقعت في خضم أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، الذي أودى بحياة أكثر من 100 شخص في السعودية.

ونوهت بأنه خلال الفيديو، وصف الحويطي، القروي الملتحي الذي كان يرتدي عمامة برتقالية ما يحدث بـ "إرهاب دولة"، قائلا: "أنا ضد التهجير القسري للناس. لا أريد أن أغادر، لا أريد تعويضا، أريد فقط أن أبقى في منزلي".

ومدرك جيدا لعبوره الخط الأحمر، حيث لا تتسامح شبه الجزيرة العربية اليوم مع التعبير عن الآراء المخالفة لمنهجها الرسمي، أضاف عبد الرحيم الحويطي بنغمة متأنية: "لن أتفاجأ إذا جاؤوا لقتلي في منزلي، وألقوا السلاح فيه ووصفوني بالإرهابي. هذا هو بيتي وسأحميه".

ولفتت "لوموند" أنه بعد ذلك بيوم توفي "متمرد الخريبة" عقب تدخل قوات الأمن التي جاءت لاعتقاله في منزله، إذ قالت السلطات إنه كان على الشرطة الدفاع عن نفسها بعد إطلاق النار عليها وادعت أنه تم اكتشاف أسلحة بمنزله. 

بيد أن أقارب المتوفى ومنظمات حقوق الإنسان، تحدثوا عن اغتيال خارج نطاق القضاء، وهي طريقة لإسكات المعارضين وإرسال تحذير إلى مجتمع لا يهدأ كثيرا.

تمرد الحويطات

وخلف عبد الرحيم الحويطي، الذي يُعرف الآن باسم "شهيد نيوم"، جزء من قبيلته، الحويطات، يرفض حاليا التضحية من أجل مشروع محمد بن سلمان، المعروف باسم "MBS"، نجل الملك. 

ظهر تمرد هذه العشيرة، التي تضم عشرات الآلاف، مقسمة بين شمال المملكة العربية السعودية وجنوب الأردن وسيناء المصرية، في ضوء النهار في مقطع فيديو خلال شهر يناير/ كانون ثاني 2020. 

في هذا الفيديو شوهد العديد من أعضائها هناك، في مناقشات ساخنة للغاية مع مبعوث ولي العهد السعودي، رافضين عروض تعويض السلطة ومصرين على البقاء في أراضي أجدادهم.

هذه المدينة، التي تأتي ضمن "رؤية 2030"، خطة ابن سلمان لتحديث المملكة، من المتوقع أن تظهر في السنوات الخمس المقبلة، وتبلغ مساحتها على الورق أكثر من مساحة نيويورك ثلاثا وثلاثين مرة، ويتم تقديمها من قبل مصمميها على أنها مدينة ضخمة خضراء وحديثة للغاية، تقول "لوموند".

فكما هو مخطط له، سيتم التنقل في نيوم من خلال سيارات الأجرة الطائرة، وسيتم تنظيم درجة الحرارة، بفضل نظام البذر السحابي، مما يؤدي إلى هطول الأمطار على فترات منتظمة. 

فـ"دبي الجديدة"، وفقا للصحيفة الفرنسية، ستكون خارج الحدود الإقليمية، مما سيسمح لسكانها بتحرير أنفسهم من التشدد السعودي، وارتداء الملابس كما يريدون، أو حتى استهلاك الكحول.

وتشرح علياء الحويطي، وهي منشقة سعودية مقيمة في لندن ومن هذه القبيلة موقف قبيلتها بالقول: إن "أعضاء الحويطات لا يعارضون هذا المشروع في حد ذاته، فهم ليسوا معادين للتحديث على الإطلاق".

وتضيف: "إنهم بدو، لكنهم متحضرون، ويتحدث بعضهم الإنجليزية ويحلمون بأن يكونوا مرتبطين بهذا المشروع، لكن ما لا يعترفون به هو أنه في اليوم الذي تقرر فيه الدولة أخيرا الاستثمار في منطقتهم، يُطلب منهم المغادرة. هذا أمر غير مقبول بالنسبة لهم".

ووفقا لمسح أجرته "وول ستريت جورنال" الأميركية نظرا لحجم نيوم الضخم، فإن ما يقرب من 20000 سعودي، متناثرين في الصحراء الشمالية الغربية، سيتعين تهجيرهم على المدى الطويل. 

ومن هنا تحرص صحافة الرياض، التي تسيطر عليها الحكومة بإحكام، على التقليل من امتداد صوت عبد الرحيم الحويطي.

"نوادي ليلية"

لكن رغم ذلك، قال العديد من شيوخ القبائل، مثل عليان الزهري وعون أبو طاقية: إن الحويطي "يمثل نفسه فقط" وأن نيوم هو مشروع منفعة عامة، يبرر إعادة توطين السكان المحليين.

بل تجرأت الصحافة الحكومية حتى على مقارنة بينه وبين توسعة المسجد الحرام في مكة، والذي أدى في ذلك الوقت إلى تشريد العديد من سكان المدينة المقدسة، الذين غالبا ما يكونون فقراء.

ومن منفاه على ضفاف نهر التايمز، تسلط "لوموند" الضوء على تصريحات المعارض السعودي سعد الفقيه، الذي قال: إن "هذه الحملة الضخمة على الحويطات واستخدام قوات الطوارئ في إرهاب القبيلة وقتل عبد الرحيم وغيره دليل على أن أولوية ابن سلمان ليست كورونا ولا سلامة الشعب ولا صحته ولا حتى التهديد الحوثي".

وأوضح الفقيه عبر تويتر أن أولوية ولي العهد القصوى "هي تهيئة الأرض للاستيطان الصهيوني وتجهيزها للمراقص والفجور فيما يسمى نيوم".

ووفقا للصحيفة الفرنسية، شركات التكنولوجيا الفائقة في تل أبيب تأمل أن يسمح التقارب المستمر بين بلادهم والسعودية بالحصول على حصة من هذه الكعكة الشهية للغاية.

وأكدت أنه فيما تصر السلطات السعودية على إنهاء المشروع، فإن التهديد الرئيسي الذي يواجهه لا يأتي من القبائل المحلية بقدر ما يأتي من الأزمتين المتشابكتين، الصحة والنفط، اللتين تهزان المملكة.

فمع انخفاض أسعار النفط وركود عالمي في الأفق، سيتعين على محمد بن سلمان خفض الإنفاق العام وربما تعليق أو إبطاء بعض مشاريعه الرئيسية، لأنه مع أو بدون الحويطات، ليس هناك ما يضمن أن مدينة المستقبل سيكون لها مستقبل، وفق "لوموند".