جيل بلا هوية.. كيف تغيرت صورة إسرائيل في مناهج التعليم المصري؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في كتب التاريخ والجغرافيا المقررة على تلاميذ وطلاب المدارس في مصر، إسرائيل ليست عدوة، وفلسطين لم تعد محتلة، وعلينا أن نتعامل مع الواقع الجديد.

"في منظومة التعليم المصرية لم تعد إسرائيل كلمة فظة"، تحت هذا العنوان كتب المستشرق الإسرائيلي "جاكي حوجي" مقالته لصحيفة "معاريف" العبرية، التي رصد خلالها تطور مناهج التعليم المصري تجاه إسرائيل. 

وفي كتاب التاريخ الخاص بالصف الثالث الإعدادي، بالمنهج المصري، وردت عبارة "تشكلت بين الطرفين علاقات ودية في المجال الثقافي والسياسي والاقتصادي".

ردم التاريخ

في 10 أبريل/ نيسان 2020، كتب "جاكي حوجي" المحلل الإسرائيلي للشؤون العربية، مقالا في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، ذكر فيها أن "مناهج التعليم المصرية الحديثة باتت تنظر إلى إسرائيل على أنها حقيقة واقعة، ولم تعد تسميها دولة عدوة، وحين يتم عرض الخرائط الجغرافية يتم ذكر مدن بئر السبع وتل أبيب بأسمائها العبرانية، بجانب أورشليم وحيفا وغزة وعكا".

وقال: إنه "بمناسبة عيد الفصح الذي يحتفل به اليهود حاليا، ويؤرخ لخروج بني إسرائيل من أرض العبودية في مصر، فإنه حصل على نسخة من كتاب (الدراسات الاجتماعية: جغرافيا العالم وتاريخ مصر الحديث) للصف الثالث الإعدادي".

مضيفا: "ذلك الكتاب الصادر عن وزارة التربية والتعليم المصرية لعام 2018، ويشمل 4 وحدات موزعة على 150 صفحة، تتناول الجوانب الاقتصادية المصرية، والسياسية المصرية، والصراع العربي الإسرائيلي، والمجتمع المدني المصري".

وتابع المحلل الإسرائيلي: "لن تجدوا في الفصول المخصصة لإسرائيل أي عبارات تحقير أو تشهير تجاهها. وعندما وُصفت بعدو كان السياق مفهوما كونه وصف معركة أو حربا في الماضي، كما ظهرت إسرائيل باسمها، دون إصرار على تسميتها فلسطين، والتشكيك في وجودها".

ومن أبرز النقاط التي تناولها المستشرق اليهودي، هي نقطة نضال الشعب الفلسطيني، وكيف تضمنها منهج التاريخ المصري، إذ أكد أن رسالة الكتاب "تناولت معاناة الفلسطينيين على نطاق واسع، وكذلك الجهد المصري لمساعدتهم، لكن لم يُلحظ اندفاع كبير من قبل المؤلفين على تحميل إسرائيل كامل المسؤولية على معاناتهم، سوف يفهم القارئ الذكي من المكتوب أنه ليس هناك مسؤول واحد فقط عن اليأس الفلسطيني".

الانقلاب المشؤوم

منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، ذهب نظام الحكم في القاهرة نحو توطيد العلاقات بشكل أكبر مع تل أبيب، وعقد العديد من المباحثات، بل وصل التطبيع إلى التنسيق العسكري بين الجانبين في سيناء.

في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، أعلن رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي في لقائه مع قناة "فرانس 24"، أنه لن يسمح أن تشكل سيناء منطقة خلفية لتهديد أمن إسرائيل، وبالتالي كان تطبيع المناهج ضمن سياق توجه النظام، الذي وطد علاقاته مع الدولة العبرية، على نحو غير مسبوق في التاريخ المصري.

بعدها وفي أبريل/ نيسان 2016، عندما نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بجامعة تل أبيب، دراسة للباحث أوفير فاينتر، تناول خلالها تعديلات في المنهج التعليمي المصري متعلقة بإسرائيل في الكتب التعليمية بشكل مختلف، خاصة كتاب "جغرافية العالم وتاريخ مصر الحديث، للصف الثالث الإعدادي، للعام الدراسي 2015/2016".

الدراسة رصدت بوضوح التحول العقدي نحو دولة الاحتلال كالآتي: 

  • يصف إسرائيل بأنها شريكة بعلاقات صداقة مع مصر، ويركز على شرعيتها كطرف رئيسي في عملية السلام.
  • يقدم اتفاقية "كامب ديفيد" على أنها اتفاقية ضرورية لتحسين الوضع الاقتصادي في مصر، ويركز على المزايا الاقتصادية للسلام مع إسرائيل.
  • حذف بعض بنود معاهدة السلام المرتبطة بالقضية الفلسطينية مثل الاعتراف بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، ومفاوضات تقرير مصير الفلسطينيين.
  • عدم التطرق لتفاصيل الحروب التي خاضتها مصر ضد تل أبيب، ولا للقضية الفلسطينية كما كانت عليه المناهج السابقة، وكان كتاب عام 2002 يضم 32 صفحة عن الحروب العربية الإسرائيلية، و3 صفحات للسلام مع إسرائيل، أما كتاب عام 2015 فخصص فقط 12 صفحة للحروب العربية الإسرائيلية، و4 صفحات للسلام مع إسرائيل.
  • حذف فكرة الصراع، واستبدالها بمميزات السلام، كما رصد تركيزا لم يوجد من قبل على الترويج لـ "درس الحرب والسلام مع إسرائيل". 

ومن خلال تلك المنهجية، أكد الباحث الإسرائيلي أوفير فاينتر في دراسته، أن "هذه التغيرات لا تمثل ثورة تعليمية تجاه صورة إسرائيل والصراع معها، وإن كانت تمثل خطوات واضحة في الاتجاه الصحيح، وتحسّن ملموس، مقارنة بالمناهج الدراسية في عهد مبارك"، موضحا أن "بلاده تشعر بالارتياح إزاء المناهج الجديدة، لأنها تجعل من إسرائيل شريكة وصديقة".

إبراز معاهدة السلام، ومناحم بيجن بجوار السادات

تحول جذري 

الرصد الحثيث، والتوجيه الذي تقوم به مراكز الدراسات والأبحاث الإسرائيلية، تجاه مناهج التعليم في العالم العربي، يعد من مرتكزات تعامل الدبلوماسية الإسرائيلية مع الأنظمة العربية عموما، والمصرية بشكل خاص.

في 2 يوليو/ تموز 2018، ظهرت دراسة أعدها وزير الحرب الإسرائيلي السابق، موشيه يعلون، والباحثة ليئا فريدمان، لمركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، هدفها توجيه الحكومات العربية إلى إحداث تحول جذري في مناهج التعليم والتثقيف، لضمان تغيير مواقف الرأي العام نحو إسرائيل. 

وذكرت الدراسة بوضوح أن "أنظمة الحكم العربية تعي في المقابل عمق واتساع معارضة الرأي العام العربي للتطبيع مع إسرائيل، قبل التوصل لتسوية للصراع، ما يقلص من قدرتها على نقل العلاقة مع تل أبيب من الإطار السري إلى العلني".

وأشارت إلى أن "نظامي الحكم في مصر والأردن، المرتبطين بعلاقات أمنية واستخبارية وعسكرية قوية مع إسرائيل، يحرصان على عدم الإفصاح عن هذه العلاقات". 

هذه التحولات احتفت بها وثمنتها وسائل إعلام عبرية، ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2016، رحبت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" بتدريس اتفاق السلام للمرة الأولى بما وصفته بـ"شكل واقعي دون تحيز أو أي محاولة لإظهار إسرائيل بصورة سلبية".

ومن جانبها أكدت صحيفة "إسرائيل ناشيونال نيوز "أن أحدث خطوة في تعزيز العلاقات بين مصر وإسرائيل هي "تحديث نظام التعليم المصري ليتضمن معاهدة السلام بين البلدين".

انتصار إسرائيل!

تغييب وعي الأجيال في مصر، لم ينصب على حذف أجزاء من المناهج التعليمية، الخاصة بنضال الشعب المصري والعربي ضد دولة الاحتلال، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، أمام تزييف التاريخ.

وهو ماحدث فيما سمي فضيحة "مدرسة الكلية الأميركية" بمنطقة المعادي بالقاهرة، التي فجرها الدكتور خالد رفعت، مدير مركز طيبة للدراسات والأبحاث السياسية، في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2016.

رفعت ذكر أنه "في منهج التاريخ للصف (grade 12) ما يعادل الصف الثالث الثانوي، تضمنت تلك المادة فقرات مغلوطة، يدرسها الطلاب عن حرب 6 أكتوبر 1973، والاجتياح الإسرائيلي للبنان، والمقاومة الفلسطينية".

كان أخطر ما تم الكشف عنه تسمية المنهج الذي يدرسه طلاب مصريون، لـ "حرب 6 أكتوبر التي تعد نصرا عظيما لمصر بأنها (يوم الغفران) وهي التسمية الخاصة باليهود".

تضمنت مادة التاريخ فقرة تقول: "قام خليفة عبد الناصر، الذى وصفته المناهج بـ (المتطرف)، أنور السادات مع سوريا بشن حرب أخرى على إسرائيل في يوم عيد الغفران، ثم استعانت تل أبيب بأميركا لهزيمة العرب".

كما تحدث ذلك المنهج المقدم للطلاب المصريين بالمدارس الأميركية في القاهرة عن أن "إسرائيل ساهمت في تأسيس ورعاية الديمقراطية داخل الكنيست الإسرائيلي، حيث سمحت للمواطنين بمن فيهم العرب بحق التصويت، وأنها كانت ملتزمة بنظام الحكومات الغربي، والذي كان متميزا عن الحكومات العرب".

الموضوع أثار جدلا واسعا في مصر، وتبادلا للاتهامات بين وزارتي التربية والتعليم والخارجية، حيث ألقت كل منهما تبعات الأمر على الأخرى، وبقيت المشكلة قائمة، ولم يتم حلها، وبقي الطالب المصري أمام مناهج تعليمية مشوهة، تساهم في فصله عن ماضيه القريب، أما الماضي البعيد، والبطولات التليدة الخاصة بمقاومة المحتل، وتحرير القدس، فتم حذفها أيضا من المناهج. 

مقر مدرسة الكلية الأمريكية بالمعادي بالقاهرة

اختفاء الأبطال

في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، قررت وزارة التربية والتعليم حذف درس صلاح الدين الأيوبي القائد العسكري الذي حرر القدس ومؤسس الدولة الأيوبية من دروس اللغة العربية بالصف الخامس الابتدائي.

وقالت المتحدثة باسم وزارة التربية والتعليم أماني ضرغام: "الوزارة ارتأت الأجزاء المحذوفة تحرض على العنف".

وكان ذلك في إطار حملة، شملت حذف 6 فصول تعادل نصف المقرر من قصة فاتح بلاد المغرب العربي عقبة بن نافع المقررة على الصف الأول الإعدادي.

وكذلك تم أيضا حذف اسميْ الخليفة الراشد عمر بن الخطاب والصحابي عبدالله بن الزبير من درس للصف الخامس والثاني الابتدائي يحكي عن "شجاعة الأخير وقت أن كان طفلا أمام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.

وأردف: "ونحن هنا لا نتحدث عن مسألة سياسية، بل عن هوية الأمة، التي لا تتغير، والعبث بها ستكون نتائجه كارثية، وعواقبه وخيمة، على الأجيال القادمة".

خالد خيري، مدرس بوزارة التربية والتعليم المصرية، قال لـ"الاستقلال": "أهم مراحل تكوين شخصية الإنسان، وتوجهاته، وسلوكياته، هي مرحلة التعليم الأساسية، من الروضة حتى نهاية المرحلة الثانوية، ووجود خلل في تلك المرحلة هو أمر في منتهى الخطورة، لأنه لا يمس الفرد، بل يمس المجتمع ككل". 

وأضاف: "مصر دولة عظيمة وضاربة في أعماق التاريخ، وأهمية التاريخ الحديث، لكونه متعلقا بالحاضر والمستقبل، فالجيش المصري الذي خاض أعظم الحروب في أكتوبر 1973، وحقق انتصارات مذهلة، وقدم الشهداء، لا بد للأجيال الجديدة أن تعرف تفاصيل تلك المعركة، ويعرفون الأبطال الذين خاضوا غمارها، بداية من الشهيد عبد المنعم رياض، إلى الفريق سعد الدين الشاذلي، وغيرهم".