طرح أدوات مصرفية إسلامية.. هل ينقذ الجزائر من نزيف النفط الحاد؟

طارق الشال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أخيرا، فتحت الجزائر من خلال بنكها المركزي، المجال أمام البنوك المحلية بالتسويق لثمانية منتجات مصرفية إسلامية جديدة، ضمن خطة أقرتها في 26 مارس/آذار 2020 لمواجهة انهيار أسعار النفط في السوق الدولية.

وانهارت أسعار النفط الخام في مطلع مارس/آذار 2020، بنسبة 29 بالمئة إلى أدنى مستوياتها منذ 2016، إلى متوسط 32 دولارا للبرميل، مدفوعة بإرهاصات حرب أسعار على الخام بين كبار المنتجين.

ويعاصر الاقتصاد الجزائري حالة من الصدمة عقب انهيار أسعار النفط في بلد يعتمد بشكل كبير على مبيعات الطاقة إلى أوروبا، حيث تمثل عائدات الذهب الأسود نحو 93 بالمئة من إيرادات النقد الأجنبي، بالإضافة إلى جائحة كورونا التى تدفع بالاقتصاد العالمي كليا نحو الركود.

وتهدف صيغ التمويل الإسلامية (دون فوائد ربوية)، التي طرحتها الحكومة إلى المساهمة في تعبئة الادخار وخصوصا ضخ النقد المتداول خارج البنوك، في إشارة إلى السوق الموازية، ليصبح داخل السوق الرسمية.

وتقدر قيمة السوق الموازية في الجزائر بأكثر من 40 مليار دولار، وفق بيانات رسمية، فيما يرى مراقبون أن الرقم يتجاوز 60 مليار دولار.

ووفقا لما طرحه البنك المركزي، فإن البنوك مرخص لها بتسويق 8 منتجات مصرفية إسلامية هي: المرابحة، المضاربة، المشاركة، الإجارة، السلم، الاستصناع، حسابات الودائع، وودائع الاستثمار.

وفشلت مساع حكومية منذ 2014 في تسويق منتجات الصيرفة الإسلامية، وبقيت محصورة في تعاملات محدودة. وعام 2017، أعلنت الحكومة إدراج الصيرفة الإسلامية في 6 بنوك حكومية، لكن العملية لم تترجم على أرض الواقع لأسباب لم تفصح عنها الحكومة.

وتوجد في البلاد 30 مؤسسة بنكية، منها 7 عامة (حكومية)، وأكثر من 20 بنكا أجنبيا من دول الخليج على وجه الخصوص، وأخرى فرنسية، وواحد بريطاني وآخر إسباني.

تنويع التمويل

يرى وزير المالية الجزائري السابق، عبدالرحمن بن خالفة، أن السوق المالي بالجزائر محدودة والضغط كبير على التمويل الذاتي والتمويل بالقروض وبالتالي المبادرة التي اتخذتها السلطة النقدية على مستوى البنك المركزي هي مبادرة مشجعة.

وأضاف ابن خالفة لـ"الاستقلال" أنه ربما الظروف الحالية جعلت الأمور تتقدم في هذا الصدى سريعا إلا أنه نظام أكمل وأشمل وأوضح من القانون السابق. وبين أن هذا الطرح يمكن أن يعطي الاقتصاد نفسا جديدا خاصة أنه هناك ترتيبات حول المنتجات الإسلامية.

وأكد أن المراحل القادمة ستكون كذلك صعبة ومعقدة لأن البنوك سيكون لديها تنسيق داخلي ولا بد لهيئة الإفتاء من مراقبة مدى امتثال تلك المنتجات للشريعة الإسلامية، من خلال لجنة سيتم تشكيلها من قبل المجلس الإسلامي الأعلى.

وأوضح ابن خالفة، أن تنويع مصادر تمويل الاقتصاد الجزائري لا بد منه: "فلا يجب أن يرتكز الاقتصاد بشكل مفرط على مداخيل النفط ومشتقاته"، مؤكدا على أن مداخيل النفط وصلت إلى المحدودية خصوصا مع التنبؤ بعدم صعود أسعار النفط في الأشهر القريبة القادمة.

وبالتالي ستخلق المنتجات الإسلامية ما يسمى بالتمويلات البديلة، خاصة أن معظم الأموال التي يتم تداولها في التجارة والصناعات الصغيرة لا تدخل البنوك إما تخوفا من الضرائب أو خوفا من الشكوك الربوية من قبل البنوك غير الإسلامية.     

وطالب الوزير السابق، بضرورة أن يتم التسويق الكبير لتلك المنتجات الإسلامية لضمان نجاحها بين الجمهور ورجال الأعمال وغيرهم من المستفيدين، مؤكدا على ضرورة التوعية بمضامين الصيرفة الإسلامية نتيجة اعتقاد البعض بأنها تعني أن التمويل سيكون بتكلفة صفر وهذا خطأ.

وتابع: "الصيرفة الإسلامية سواء كانت في المشاركة أو المرابحة أو المضاربة يكون لها كلفة لا تسعر بالفائدة لأنها  قريبة من الربا ولكن تسعر بأدوات أخرى كاقتسام الأرباح وكذلك الخسائر فلا بد من عملية إعلام وشرح كبير خصوصا في أوساط الشركات".

كما أكد على ضرورة إعادة تنظيم الأسواق وإدخال منافسة مصرفية أكثر والتقليل من اقتصاد البازار (الحاويات) والاقتصاد غير المهيكل، داعيا إلى إعادة المصداقية لدى المتعاملين وتثبيت الدينار وإعادة النظر في قانون الصرف.

وبالتالي، يرى أنه على المدى الطويل سيكون للصيرفة الإسلامية دور مهم وخصوصا في ظل وجود طلب كبير نحو تلك البنوك، "ولكن على أن يأتي ذلك بالتوازي مع إصلاح إقتصادي".

ويضيف: "لا بد من إصلاحات كبيرة توسع من رقعة تمويل الاقتصادات. نحن نأمل أن يكون للبلد بعد سنتين ثلاث نوافذ لتمويل الاقتصاد هي البنوك التقليدية والإسلامية والسوق المالي والبورصة.

وحول فشل المحاولات السابقة للمصارف الإسلامية، يرى الوزير السابق، أنها لم تفشل كونها لم تبدأ بالأساس إلا أن الأمر يكمن في أن الحكومة حينها لم تكن تريد مثل البلدان الأخرى  أن يتم تقنين البنوك الإسلامية واعتبار البنوك الأخرى غير إسلامية.

وتابع: "نحن لا نسير تماما بهذا المفهوم بل نقول بنوك كلاسيكية وأخرى إسلامية"، وبالتالي كان هناك نقاش كبير على تلك المفاهيم، "حتى لا نترك ظلا على البنوك الأخرى التي يمكن أن تصبح في يوم من الأيام غير إسلامية بالإضافة إلى أن شكل تنظيم البنوك الإسلامية خصوصا داخل البنوك العمومية أخذ وقتا كبيرا".

وقال ابن خالفة: إن منتجات الصيرفة ليست الحل الوحيد، "فيمكن فتح رؤوس أموال البنوك الكبيرة التي ما زالت من حيث حوكمتها وتسييرها ثقيله نوعا ما، وبالتالي تحتاج إلى مزيد من العصرنة بالإضافة إلى توسيع السوق المالية والبورصة والتي تعد صغيرة إلى حد ما"، مؤكدا على أنها تستجلب أكثر من الصيرفة الإسلامية.

الدورة الاقتصادية

من جانبة يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة أحمد بن يحيى الونشريسي بالجزائر، علالي مختار، أن الاقتصاد الجزائري يقوم على النفط ويعتمد على إيراداته بنسبة كبيرة في تكوين ميزانية الدولة.

وقال لـ"الاستقلال": إنه "في ظل انهيار أسعار النفط الذي وصل اليوم سعر البرنت 23.48 دولارا، والذي من المتوقع أن يصل إلى 10 دولارات إذا ظلت كورونا تحصد مزيدا من الأرواح، سيتم تعطيل مزيد من المشاريع الاقتصادية".

وأضاف مختار: أن "الصيرفة الإسلامية تعتبر حلا بالنسبة للاقتصاد الجزائري خاصة أن الشعب يميل إلى المعاملات الإسلامية في حين أنه لا يبالي بالبنوك التقليدية".

وأكد على أن وجود البنوك الإسلامية في المرحلة الآنية تعطي أكثر ثقة للشعب الجزائري لإيداع أمواله بالبنوك، كما أنها يمكن أن تعمل على استقطاب مزيد من الأموال بحجم يزيد عن 200 مليار دولار يدخرها الجزائريون في بيوتهم.

وأشار أستاذ الاقتصاد إلى أن الصيرفة الإسلامية مجال جديد لخلق ديناميكية داخل البنوك والمؤسسات المالية باعتبارها عنصرا أساسيا في الدورة الاقتصادية ستؤدي في الأخير إلى توظيف تلك الأموال في المشاريع الاستثمارية وبالتالي فتح مؤسسات وتوسيع وحدات المؤسسات الاقتصادية الموجودة.

وتابع: "الصيرفة الإسلامية ستفتح مجال سوق العقار وهو سوق واعد بالنسبة للجزائريين خاصة بوجود أزمة سكن وبالتالي سيلجأ العديد من الشباب الجزائري المقبل على الزواج على تلك البنوك للاقتراض".

وطالب مختار، المصارف الإسلامية بتسويق منتجها بشكل جيد بالإضافة إلى ضرورة طمأنة الشعب الجزائري بأن كل ما تقدمة تلك البنوك من تعاملات لا يشوبها أي شائبة.

كما حذر من تكرار تجربة بنك البركة الذي تعرض للتشويه في وقت ما نتيجة ثبوت حقيقة أن معاملاته ليست معاملات إسلامية كاملة وبالتالي لم يستطع البنك أن يستمر كثيرا بالدرجة التي انطلق بها في المرحلة الأولى.

وأكد الأكاديمي الاقتصادي، أن الصيرفة الإسلامية ليست الحل الوحيد للخروج من أزمة الاقتصاد الجزائري لكنها في الوقت الحالي تعد بمثابة حل سريع خاصة إذا نظرنا إلى إمكانيات الجزائر الزراعية والصناعية والسياحية.

إلا أنه في الوقت الحالي وفي ظل وباء كورونا، تعطلت معظم تلك الإمكانيات، بالإضافة إلى إمكانية استرجاع الأموال المنهوبة من قبل "العصابة السابقة" (السلطة) في كل من أميركا وفرنسا وسويسرا وغيرها، كما يمكن الاقتراض من الخارج في حال ظل سعر النفط منهارا أو إعادة النظر في التمويل غير التقليدي من خلال طبع النقود، وفق قوله.