مركز دراسات: هذه العوامل تضاعف من تفشي كورونا في مصر

12

طباعة

مشاركة

مع تزايد سرعة تفشي فيروس كورونا المستجد في منطقة الشرق الأوسط، تبدو دول الخليج أكثر تماسكا في مواجهته، فهي وإن لم تكن تتمتع بالتقدم العلمي المنشود؛ لكن مواردها المالية الضخمة تؤهلها لأخذ بعض الاحتياطات لتضييق الخناق عليه، أما حين التطرق لمصر فالحالة مختلفة تماما.

وباتت مصر بوضعها الراهن حديث الكثير من وسائل الإعلام والقادة والسياسيين بدءا من مطلع مارس/آذار 2020، حيث أعلنت في الثاني من ذلك الشهر وجود إصابتين بالفيروس، لكن الأمر لم يكن مقنعا لدى الكثيرين، لأنه وفي هذه الفترة أعلنت غير دولة منها فرنسا وكندا، إصابات لمواطنيها كانوا قادمين من مصر، بحسب مركز دراسات الشرق الأوسط "أورسام".

وعليه أوقفت العديد من الدول رحلاتها إلى مصر؛ ورغم هذا، لم تغير السلطات المصرية من موقفها وأصرت على أن الوضع لا يتعدى ما جرى الإعلان عنه وأن حالات الإصابة بالفيروس واحدة أو اثنتين على الأكثر. 

واستدرك المركز التركي: "لكن الأمور لم تبق على حالها، وأعلن عن وفاة أكثر من قائد عسكري مصري بسبب الوباء، ومن هؤلاء كل من العميد شفيع عبد الحميد داود، واللواء خالد شلتوت، ما تسبب في دخول البلاد مرحلة جديدة من مواجهة فيروس كورونا وطريقة التعامل معه".

وفيما جرى التداول أن رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي يخضع للحجر الصحي نظرا لتماسه مع بعض من أصيب بالمرض، فإنه بات عليه أن يخوض اختبار الفحص في دولة يناهز تعداد سكانها 100 مليون نسمة. 

ضربة للاقتصاد

تؤثر هذه المشكلة الصحية العالمية، التي تأثر فيها أكثر من 535 ألف شخص وتوفي على إثرها أكثر من 24 ألف آخرين، على العديد من المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للحياة في جميع أنحاء العالم.

ويقول مركز "أورسام": إنه "من الطبيعي أن يكون الاقتصاد هو أحد المجالات التي تفاقم من الآثار السلبية في بيئة يُعلن فيها حظر التجول، وتتوقف فيها الرحلات المحلية والدولية، وتغلق العديد من الشركات، ومن الغريب جدا كيف ستتعامل الاقتصادات العالمية والمحلية مع هذه المشكلة".

وخصصت البلدان ذات الاقتصادات القوية ميزانيات مهمة لمكافحة الفيروس التاجي في هذه العملية، وعلى سبيل المثال خصصت المملكة العربية السعودية 32 مليار دولار، والإمارات العربية المتحدة 34 مليار $، وقطر خصصت 25 مليار دولار.

فيما خصصت تركيا ميزانية 15.5 مليار دولار بالإضافة إلى اتخاذ سلسلة من التدابير كرفع الحد الأدنى لمعاشات المتقاعدين، والإعلان عن تنفيذ "درع الاستقرار الاقتصادي"، فيما كانت أقل هذه الميزانيات من نصيب مصر حيث جرى تخصيص 6.3 مليار دولار فقط. 

في مصر، أوضحت الحكومة أن الشركات التي قررت وقف أنشطتها في هذه العملية عليها أن تتولى رواتب موظفيها، وفي هذا إشارة واضحة إلى أن الحكومة المصرية لن تقف إلى جانب شعبها في خضم هذه الأزمة، بحسب مركز الدراسات التركي. 

وتابع المركز: أن "الاقتصاد المصري، الذي لا يتبع مسارا مستقرا بسبب المشاكل المزمنة التي يعاني منها ويعتمد كثيرا على المساعدات الخارجية، يخوض اختبارا صعبا للغاية، خاصة وأن الشعب المصري ينظر بعين الريبة لإدارة السيسي منذ توليه مقاليد الحكم في البلاد".

ولفت إلى أن "الخدمات العامة في مصر محدودة لدرجة كبيرة، كما أن الحدود باتت مغلقة، وأعلن حظر الطيران، وأوقفت الأنشطة السياحية، وحظرت المسابقات الرياضية الدولية منها والإقليمية والمحلية، هذا فضلا عن إيقاف جميع الأنشطة التجارية".

هذه الإجراءات أعلنت في بلد كمصر حيث يعيش ربع سكانه تحت خط الفقر وحوالي نصفهم عند خط الفقر، وتحتل المرتبة الخامسة بين دول العالم في معدلات البطالة، بحسب المركز.

ويضيف: "كما انخفضت عائدات السياحة التي تشكل حوالي 15٪ من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، بسبب وباء الفيروس التاجي، ما يظهر أن الاتجاه السلبي للاقتصاد المصري سيستمر".

مشكلة الصحة

إحدى النقاط التي شدد عليها الخبراء منذ تفشي الفيروس هو أنه كان أكثر فتكا لدى الأشخاص المصابين بأمراض أخرى، وهذا يعني تهديدا كبيرا بالنسبة لمصر التي يعاني عدد كبير من السكان فيها من أمراض مزمنة.

وبحسب البيان الذي أدلى به رئيس الهيئة المصرية للأمراض المزمنة عادل عبد العزيز السيد مؤخرا؛ فإن 85 ٪ من الوفيات في مصر ناتجة عن مرض السكري وأمراض القلب والصدر والسرطان.

وبعبارة أخرى، فإن معدل الوفيات المرتفع الذي سيحدث عندما يكون الأشخاص يعانون بالفعل من أمراض مزمنة ويصابون بكورونا أيضا، سيكون صادما تماما للمجتمع المصري.

ويشار إلى أن الوباء عجزت عن مجابهته حتى أقوى دول أوروبا مثل ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وإيطاليا وهي تتمتع بالأنظمة الصحية القوية، ولذا فإن الآثار السلبية التي ستواجهها مصر ستكون أسوأ، وفق المركز.

في عام 2019، خصصت مصر فقط 1.2٪ من الموازنة العامة للقطاع الصحي، بينما انخفضت نسبة الأطباء إلى طبيب واحد لكل 1162 مريضا.

وبالنظر إلى أن هناك 30 طبيبا لكل 10000 شخص في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشكل عام، فمن المحتمل أن يعلن النظام الصحي المصري إفلاسه إذا انتشر الوباء.

ويقول المركز التركي: "السيناريو الأكثر رعبا فيما يتعلق بالوباء هو أن المرض يذهب أيضا إلى السجون، في ظل سياسية ينتهجها السيسي تغيب فيها الشفافية".

ولا يمكن معرفة أعداد المعتقلين بشكل دقيق، فيما تشير بعض التقارير إلى أنهم يقدرون بـ60 ألف سجين. وفي هذا السياق يتلقى السيسي ورجالاته الكثير من الاتصالات داخليا وخارجيا بغية الضغط عليه ودعوته لإطلاق أكبر عدد ممكن من هؤلاء. 

محاربة الفيروس

أصبحت أسماء جميع وزراء الصحة في العالم بارزة في الأيام الأخيرة، لكن هالة زايد وزيرة الصحة المصرية كانت اسما تتداوله وسائل الإعلام منذ مدة.

وأصبحت زايد أحد أشهر الأسماء في أوساط الجمهور المصري في الأشهر الأخيرة بسبب المناقشات والإجراءات التي قامت بها، وأثارت ردود الفعل لدى الكثيرين بسبب خطواتها المثيرة للجدل، التي شملت الأطباء والممرضين والمرضى وحتى أقرباءهم.

منعت زايد، التي لم تتمكن من اتخاذ خطوات ملموسة نحو حل مشاكل الأطباء الذين هاجروا من البلاد لتحسين ظروف العمل والحياة، المرضى من جلب الإمدادات الطبية من الخارج.

ومع ذلك، أثار هذا القرار الكثير من اللغط لأنه أجبر المواطنين على التكيف مع ظروف المستشفيات بدون أدنى تحسن. كما واجهت زايد العديد من الصيادلة الذين هم جزء من النظام الصحي في مصر.

وكان من أكثر ردود الفعل شيوعا على الصيادلة التصريح بأن "غياب مائة صيدلي لا يشعرني بأزمة، مقارنة بغياب ممرضة واحدة مؤثر بالنسبة لي". ومع ذلك، لم تتراجع الوزيرة عن تصريحاتها أو تتخذ خطوات تهدئ من المسألة.

وبالتوازي مع تصريحات السيسي ودعواته المنادية بـ"إنقاص الوزن"، قالت زايد: "أولئك الذين يريدون الانضمام إلى خدمة التمريض لديهم ثلاثة أشهر لفقدان الوزن".

أيضا، ابتدعت الوزيرة المصرية معارك مع المنقبات، وأخرى مع نواب البرلمان الذين اتهمت بعضهم أنهم لا يجيبون على هواتفهم المحمولة. كل هذا وغيره من الحوادث جعلت من الكثيرين ينادون باستقالة زايد من الوزارة، مشيرين إلى أنها تتحمل المسؤولية عن كل ما يحدث داخل أروقتها. 

وفي الحقيقة إن أزمة كورونا، وسياسة زايد تجاهها في مقابل الكثير من الأرقام والبيانات التي تتطاير يمينا ويسارا قد يجعل الأمر واقعا وتستحيل زايد لتكون كبش فداء وتفقد مقعدها الوزاري، ما يتيح الكثير من الوقت أمام السيسي. 

موجة ثورية؟ 

على الرغم من أن الأرقام التي أعلنتها إدارة السيسي بشأن عدد حالات الإصابة بالفيروس في البلاد ليست ذات مصداقية لدى الرأي العام المحلي والعالمي، فإن أي حالة متزايدة ستجعل هذا الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للسيسي، بحسب تقدير المركز.

ويقول مركز أورسام: إنه "ما لم تتخذ الدولة تدابير أكثر جدية، سينهال مرضى كورونا المستجد  Kovid-19 في نهاية المطاف على أبواب المستشفى، مما قد يتسبب في انهيار النظام الصحي. كما يمكن أن تتحول الحالات الوبائية في السجون إلى قصة مأساوية للمجتمع المصري".

تشير البيانات المستخلصة من الواقع الاقتصادي إلى أن الشعب المصري يعيش أزمات معيشية كارثية، تلامس الحياة اليومية للمواطنين.

وفي النهاية، يمكن أن تؤدي جميع هذه العوامل أيضا إلى موجة جديدة من المظاهرات أو الثورات الاجتماعية بعد الإجراءات التي قادها المقاول المصري والممثل السابق محمد علي نهاية العام 2019، وفق المركز.