رئيس حكومة ماليزيا الجديد.. هذه أدواته لتثبيت انقلابه على مهاتير

قبول ملك ماليزيا عبدالله شاه، استقالة مهاتير محمد من رئاسة الحكومة، وتعيينه رئيس حزب "بيرساتو" محيي الدين ياسين رئيسا جديدا للوزراء، يراه البعض حلا للأزمة التي ضربت البلاد مؤخرا إثر خلافات دبت وسط "تحالف الأمل"، الذي يقود الائتلاف الحاكم في البلاد بزعامة مهاتير.
فيما يرى آخرون أن عدم اختيار الملك لمهاتير محمد أو أنور إبراهيم لتشكيل الحكومة الجديدة واختيار شخص ثالث هو محيي الدين ياسين، ما هو إلا انقلاب أبيض على الديمقراطية وتجاهل لنتائج الانتخابات الأخيرة في 2018 والتي جاءت بمهاتير محمد وأنور إبراهيم لسدة الحكم.
مهاتير صرح بأن الملك تجاهل رأي الأغلبية، وأراد فرض رجل لا يحظى بمعظم أصوات الأعضاء في البرلمان، قائلا: "الأغلبية في البرلمان تؤيدني وتؤيد مقترحي بإنشاء حكومة وحدة لا تنطلق في برنامجها الجديد من رؤى حزبية"، ودعا مهاتير إلى الاحتكام للبرلمان.
تأجيل الثقة
كان يفترض عقد جلسة البرلمان للتصويت على منح الثقة لياسين في 9 مارس/آذار 2020، لكن رئيس الوزراء المعين حديثا أرجأ موعدها لأكثر من شهرين، أي ينتظر عقدها في الفترة بين 18 مايو/آيار، و23 يونيو/حزيران 2020.
وحسب وكالة بلومبيرغ الأميركية، فإن من حق رئيس الوزراء المعين حديثا تأجيل جلسة البرلمان لمنحه الثقة، وهو الأمر الذي عده مراقبون محاولة لكسب الوقت من أجل إقصاء مهاتير وإفشال فرص عودته للمشهد مرة أخرى.
إطالة الفترة الزمنية بين تعيين ياسين رئيسا للحكومة وانعقاد جلسة البرلمان لمنحه الثقة، وفق متابعين، تهدف إلى استقطاب مزيد من الأعضاء في البرلمان لصف ياسين، والتأثير عليهم، وبالتالي الحصول على الأغلبية وسحب البساط من تحت قدمي مهاتير محمد، وفي نفس الوقت محاولة للحصول على دعم خارجي، يضمن من خلاله إقرار تعيين الملك لياسين.
ورغم تأدية ياسين اليمين الدستورية أمام الملك، وحصوله على دعم حزبه "سكان ماليزيا الأصلين (بيرساتو)" الذي يرأسه، وكذلك تلقيه الدعم من حزب "أمنو" الذي أصبح حليفا له، إلا أنه، وفق مصادر مطلعة، مازال يواجه تحديا كبيرا في الحصول على ثقة الأغلبية في البرلمان أي 112 صوتا من إجمالي 222 هم أعضاء البرلمان.
عودة المياه
ورغم فض التحالف السياسي بين مهاتير محمد وأنور إبراهيم، بعد تصاعد الخلاف بينهما إلى حد دفع مهاتير للاستقالة، إلا أن الرجلين اتفقا مجددا في 29 فبراير/شباط 2020، على إعادة توحيد جهودهما، وتقدما بطلب مشترك إلى الملك الماليزي بإعادة تكليف مهاتير محمد بتشكيل الحكومة الجديدة، إلا أن طلبهما لم يلق ترحيبا من قبل الملك.
الملك أكد أن محيي الدين ياسين هو رجل المرحلة والشخص المناسب للأزمة الحالية، فضلا عن كونه يحظى بدعم الأغلبية في البرلمان، وهو الأمر الذي شكك به مهاتير، وأكد أن الأغلبية لا تقف في صف ياسين، بل تذهب باتجاهه.
مهاتير أضاف أن قرار ياسين بالتحالف مع حزب "أمنو" قد يمهد الطريق لعودة نجيب عبدالرزاق رئيس تكتل "أمنو" ورئيس الوزراء السابق الذي تورط بتهم فساد مالي وإداري، وهو الأمر الذي قد يعيد الجهود في القضاء على ذلك الفساد إلى النقطة صفر.
حسب متابعين، فإن تطورات الأحداث واختيار رئيس وزراء آخر غير مهاتير، كشف أن اتهامات أنور إبراهيم الموجهة لمهاتير بـ"الخيانة" و"المؤامرة" غير صحيحة، وهو ما دفع أنور لإعادة تقييم تقديراته بوجود مؤامرة بطلها مهاتير.
إعادة تقييم الموقف من قبل أنور إبراهيم انعكست على مساعي الصلح بين الرجلين على نحو إيجابي، ودفعتهما للاتفاق لتوحيد جهودهما والتقدم بطلب مشترك إلى الملك بتكليف مهاتير لتشكيل حكومة، لينتقل الخلاف من دائرة مهاتير وإبراهيم، إلى دائرة مهاتير وياسين.
رغم تفككه وتصدعه إثر الأزمة الأخيرة، مازال مهاتير يراهن على "تحالف الأمل" الذي قاده لأكثر من عامين، باستثناء حزب "بيرساتو"، الذي انسحب من التحالف، وقرر دعم رئيسه محيي الدين ياسين.
أصابع الإمارات
انسحاب حزب ياسين "بيرساتو" من "تحالف الأمل"، وانضمامه لحلف رئيس الوزراء السابق المتهم بالفساد نجيب عبدالرزاق "أمنو"، أثار التساؤلات عن وجود أصابع إماراتية في المشهد المعقد.
نجيب الذي وجهت له المحكمة تهما بالفساد والتواصل مع محمد بن زايد ولي عهد الإمارات لمساعدته في التخلص من تلك التهم التي طالته وطالت أفرادا من عائلته، يرى البعض أن تولي ياسين رئاسة الوزراء قد يمهد الطريق لعودته مرة أخرى إلى المشهد السياسي، أو حتى يمكنه من اللعب بخيوط السلطة من وراء ستار.
وفي حال تمكن نجيب من العودة للمشهد السياسي بصفته الشخصية أو كيانه الحزبي الذي حكم قياداته ماليزيا لستة عقود، وانتهت بفضائح فساد مالي وإداري، فإن تلك العودة ستكون دليلا على تدخل الإمارات التي لم تيأس من محاولات اختراق القصر الملكي في ماليزيا لصالح رجلها.
وتأتي هذه المخاوف في ظل تواصل جهود ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في إجراء اتصالات مع الملك الماليزي للدفع برجاله وحلفائه لتولي المشهد وإزاحة مهاتير محمد.
بعد 4 أيام فقط من أداء ياسين اليمين الدستورية أمام الملك كرئيس جديد للوزراء في ماليزيا، كتب ابن زايد تغريدة على تويتر، في 5 مارس/آذار 2020، قال فيها: "بحثت وصديقي السلطان عبدالله بن السلطان أحمد شاه، ملك ماليزيا العلاقات المتينة التي تجمع بلدينا، والجهود المبذولة للارتقاء بها الى آفاق ومستويات أعلى".
بحثت وصديقي السلطان عبدالله بن السلطان أحمد شاه، ملك ماليزيا العلاقات المتينة التي تجمع بلدينا ، والجهود المبذولة للارتقاء بها الى آفاق ومستويات أعلى.
— محمد بن زايد (@MohamedBinZayed) March 3, 2020
وفي يناير/كانون الثاني 2020، زار مبعوث الملك الماليزي، أبوظبي والتقى محمد بن زايد، في محاولة من قبل الأخير، لعرقلة نتائج القمة الإسلامية المصغرة، التي دعا إليها رئيس وزراء ماليزيا وقتها مهاتير محمد.
القمة الإسلامية المصغرة، انعقدت في الفترة من 19 ـ 21 ديسمبر/كانون الأول 2019، بمشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر الأمير تميم بن حمد آل ثاني، وغابت عنها باكستان وإندونيسيا بعد ضغوط سعودية وإماراتية عليهما.
هزيمة سياسية
تقارير صحفية تقول: إن تعيين محيي الدين ياسين رئيسا للوزراء ربما يشير إلى هزيمة سياسية لمهاتير، وعودة حزب ياسين الذي تلاحقه تهم فساد، إلى السلطة.
تقرير نشرته وكالة الأنباء الفرنسية أكد أن الفوز الساحق لمهاتير وأنور إبراهيم في انتخابات 2018 أنهى هيمنة تحالف متهم بالفساد يسيطر على مقاليد السلطة منذ عقود، في إشارة لـ"أمنو"، إلا أن الخلافات الداخلية عصفت بهما بسبب الخلاف حول خلافة مهاتير.
وأضافت الوكالة الفرنسية أن تعيين ياسين شكل صدمة وغضبا شعبيا في الوقت الذي بدا فيه أن مهاتير يتصدر المرشحين المحتملين، مضيفة: "لا يقتصر فوز محيي الدين على إزاحة حكومة منتخبة ديمقراطيا، بل يؤشر إلى عودة حزب المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة إلى السلطة الذي تلاحق الفضائح زعيمه السابق نجيب عبدالرزاق".
الوكالة تحدثت عن أن الغضب جراء القرار المفاجئ بتعيين محيي الدين والسماح للمنظمة الوطنية الماليزية بالعودة إلى السلطة قد تصاعد، فتصدر وسم "ليس رئيس وزرائي" موقع تويتر في ماليزيا، كما تجمعت مجموعة صغيرة من المتظاهرين وسط العاصمة كوالالمبور.