"تكلفة إنسانية جنونية".. إدلب تتحول لأكبر كارثة بالقرن المعاصر

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية، تقريرا للصحفي المخضرم بنجامين بارت، سلط فيه الضوء على الأزمة الإنسانية في إدلب السورية، بعدما بلغ عدد النازحين بسبب القتال الدائر منذ ديسمبر/ كانون الأول 2019، ما يقرب من 900 ألف شخص، 80 بالمئة منهم من النساء والأطفال.

وقال بارت في تقريره: "بعد ثمانية أشهر من الهرب جراء سقوط القنابل، فإن ما تعرضت له عائلة الحلاق، التي تعمل في الزراعة بمنطقة إدلب، يرمز للمحنة التي عانى منها المدنيون في هذه المقاطعة الواقعة شمال غربي سوريا".

وأوضح أنه في ربيع عام 2019، هاجمت القوات الموالية للأسد المنطقة، وهي آخر معقل للمعارضة، والتي تسيطر عليها جماعة "هيئة تحرير الشام".

ومع اقتراب الغارات الجوية الروسية والسورية، قام الآباء باستئجار شاحنات ونقل محتويات منزلهم الكبير من كفر سجنة، في جنوب المنطقة، إلى جنديرس، على بعد 150 كم شمالا، حيث قال أحمد، الابن الأكبر للصحيفة عبر "واتساب": "لقد أخذنا الأبواب والنوافذ".

وأوضح أنه بعد بضعة أشهر، تضاءلت مدخراتهم، وأجبرت الأسرة على مغادرة الشقة واللجوء إلى أماكن إقامة أكثر تواضعا، في ريف غرب حلب. لكن فترة الراحة كانت قصيرة، إذ أن تقدم القوات الموالية للأسد في هذه المنطقة أجبر عائلة الحلاق على ترك منزلهم للمرة الثالثة في ثمانية أشهر.

واستطرد أحمد، قائلا: "دون أي شك لم يعد هناك هذه المرة إمكانية لأخذ الأثاث، فقد أصبح البنزين باهظ الثمن. غادرنا المكان مع البطانيات والملابس وبعض أدوات المطبخ".

ووفقا للتقرير، فإن الأسرة ذات الـ15 فردا تعيش اليوم في شقة صغيرة مكونة من غرفتين، بدون نوافذ، وبدون ماء وبدون كهرباء، في قرية دير حسن - وهي منطقة تقع بالقرب من الحدود التركية- يقطنها مئات الآلاف من الأشخاص، حيث جنح إليها السوريون الآخرون في الأسابيع الأخيرة.

ونقل عن أحمد، تأكيده: "النظام يدفع سكان إدلب بالكامل على طول الحدود، كما لو كان يريد إنشاء قطاع غزة سوري. لدينا شعور بالذهاب نحو المجهول".

وعن هذه المأساة، تتحدث الأمم المتحدة عن "أكبر قصة للرعب الإنساني في القرن الحادي والعشرين"، حيث وصل عدد النازحين من إدلب بسبب القتال إلى 900 ألف شخص، 80 بالمئة منهم من النساء والأطفال، ويتجمع هذا العدد الكبير بين دركوش والدانة وعفرين وعزاز، والمناطق المجاورة لتركيا التي هي بمنأى نسبيا عن القصف.

"حصار بسماء مفتوحة"

وذكر تقرير الصحيفة أن المحظوظين من النازحين وجدوا خيمة في أحد المعسكرات الضخمة، التي تضربها الرياح والثلوج، وهو طقس يميز هذه التلال الواقعة على حدود سوريا، لأن الباقين ينامون في الهواء الطلق، أو سياراتهم أو المباني غير المكتملة.

وتنوه "لوموند" إلى أنه تم الاستيلاء على جميع الملاجئ الجماعية، مثل المساجد والمدارس، خلال موجة النزوح السابقة التي وقعت في ربيع وصيف عام 2019، والتي نزح خلالها 300 ألف شخص.

وأكدت أن "نازحي إدلب محاصرون في سماء مفتوحة، خاصة بعدما أغلقت تركيا، التي تؤوي 3.5 مليون سوري على أراضيها الحدود، إذ أنها ترفض استقبال لاجئين جدد، وأغلقت حدودها ثلاث مرات".

من ناحية أخرى، لم تشهد الممرات التي فتحتها قوات الأسد لتسهيل المرور إلى الأراضي التي يسيطر عليها النظام- الآمنة نظريا من الخطر- سوى ألف شخص منذ ديسمبر/ كانون أول 2019، وفقا للأمم المتحدة. وهو ما اعتبره أسامة شربجي، مدير منظمة "آفاق" السورية (غير حكومية) أن "هذا دليل، على أن شعب إدلب لا يريد أن يعيش في ظل نظام الأسد".

لكن التهديد يقترب، تقول "لوموند": إنه "في العام الماضي، استولت القوات الموالية لبشار الأسد، خلال المرحلة الأولى من الهجوم، على أكثر من 300 موقع، أي ما يقرب من نصف إدلب".

وفي 26 فبراير/ شباط الماضي، تمكن مقاتلو "هيئة تحرير الشام"، بمساعدة فصائل المعارضة الأخرى، من استعادة مدينة سراقب الإستراتيجية- مفترق الطرق السريعة- الذي فقدوه في وقت سابق من هذا الشهر وهو ما نفته سوريا وروسيا.

وأشار التقرير إلى أن تنفيذ هذه العملية جرى بدعم من الجيش التركي الذي يضم عدة آلاف من الرجال على الأرض، كما قُتل ثلاثون منهم في 27 فبراير/ شباط الماضي، بتفجير نسب إلى سلاح الجو التابع للنظام السوري.

الهجرة العملاقة

في الوقت نفسه، تم إخراج المعارضة من المناطق الجبلية في جبل الزاوية وجبل شحشبو- معاقل المعارضة التاريخي- في جنوب محافظة إدلب. دخل المؤيدون للأسد كفر نابيل، وهي بلدة اشتهرت بإبداع سكانها لسنوات، خلال احتجاجهم كل يوم جمعة، والسخرية من السلطة بشعارات صارخة وبروح دعابة، بحسب التقرير.

ووفقا لبنجامين بارت، فإن "بداية هزيمة الجماعات المناهضة للأسد هي النتيجة المنطقية، بعد شهور من القصف، والتي أدت إلى تآكل خطوط دفاعها تدريجيا".

كما أن الهجرة الجماعية التي أشعلتها الحرب الروسية السورية، والتي دمرت العشرات من البنية التحتية المدنية، بما في ذلك المدارس والمستشفيات، أدت إلى عدم تنظيم معسكر المعارضة، فبحسب مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فإن الغارات أسفرت عن مقتل أكثر من 1700 مدني، من بينهم 337 امرأة و503 أطفال، في عشرة أشهر.

وأكد التقرير أن "من أسباب تراجع المعارضة استخدام النظام السوري طائرات بدون طيار وأدوات الرؤية الليلية بأعداد أكبر مما كانت عليه في الماضي".

وأشار إلى أن هذه المعدات زادت من تفوق النظام العسكري، حيث إن العديد من المركبات المدرعة للمعارضة، وبعضها من تركيا، أصيبت بصاروخ بعد وقت قصير من تحديد موقعه بواسطة إحدى طائرات التجسس هذه.

وكان لعودة المليشيات الشيعية الموالية لإيران من الأفغان والعراقيين، تأثير أيضا، إذ يقول نوار أوليفر المحلل بمركز البحوث السوري "عمران" المقرب من المعارضة في حديثه للصحيفة: إن "إيران ابتعدت عن القتال العام الماضي حتى لا تضر علاقتها مع تركيا. كانت طهران تأمل أن تستمر أنقرة في شراء النفط منها، رغم تهديدات واشنطن بفرض عقوبات".

"تكلفة إنسانية مجنونة"

وتواصل الصحيفة: لكن حسابات طهران لم تكن موفقة، فعلى الرغم من العلاقات المعقدة مع الإدارة الأمريكية، دعمت تركيا الحظر الذي فرضته على إيران، ولذلك عادت القوات الإيرانية المدفوعة الأجر إلى الظهور على الأراضي السورية، ولا سيما غرب حلب، وهي المنطقة التي ساعدوا في استعادة السيطرة عليها في وقت سابق من هذا الشهر، إذ سمحت هذه الخطوة للسلطات السورية بإعادة فتح مطار حلب، الذي كان مغلقا منذ حوالي ثماني سنوات، تحت ضغط من المعارضة.

وخلص التقرير إلى أن نظام الأسد، الذي يواصل تكرار سعيه لاستعادة السيطرة على كامل سوريا، يعتزم إكمال هذا الهجوم، وإعادة السيطرة على مدينة إدلب والموقعين الحدوديين، باب الهوى وأطمة التي تمر عبرها الأسلحة والمساعدات الإنسانية.

ونقلت "لوموند" في ختام تقريرها عن أسعد العشي، مدير منظمة غير حكومية سورية مقرها في جنوب تركيا قوله: من أنه "إذا سقطت إدلب، سيتم إلقاء 600 ألف شخص آخر على الطرق. التكلفة الإنسانية ستكون مجنونة"، وتساءل "هل روسيا مستعدة لجعل هذا يحدث؟".