تحظى بمعاملة خاصة.. ما سر اهتمام الأتراك بالحيوانات؟

12

طباعة

مشاركة

في شرقي تركيا وتحديدا في مدينة أرزروم، ينثر الأتراك الخبز على سفوح الجبال المحيطة التي غطتها الثلوج، في إحياء لتقليد دأبوا عليه منذ 487 عاما، مؤمنين بأن توفير الطعام للحيوانات يدفع البلاء عن مدينتهم ويحميها من الكوارث الطبيعية. 

العادة السنوية التي يحييها أهل أرزروم يطلقون عليها "1001 قطعة خبز" وهو عدد القطع التي يوزعونها. لا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن 5000 شخص يعكفون في المسجد الكبير للمدينة على ختم القرآن الكريم. 

هذا العام كرر أهل المدينة إحياء التقليد السنوي في فبراير/ شباط 2020، والسبب ما لحق بتركيا من حوادث بدءا بزلزال ألازيغ (مصرع أكثر من 20 شخصا) إلى انهيار جبل جليدي شرقي تركيا (مصرع أكثر من 30 شخصا) إضافة إلى حادث تحطم طائرة بمطار صبيحة في إسطنبول (أسفر عن 52 مصابا).

عناية الأتراك بالحيوانات لم تظهر مع الموجة العالمية التي جاءت من أوروبا بظهور جمعيات ومنظمات لحماية حقوق الحيوان، بل هو اعتقاد راسخ لديهم يتوارثونه منذ عهد العثمانيين.

لا يرتبط هذا الاعتقاد لديهم بدرجة التدين بل بقيم الإنسانية وهو ما أكدته أمينة أردوغان زوجة الرئيس التركي، عندما قالت في إحدى المناسبات: "العناية بالحيوانات هي أفضل مؤشر على أننا نسلك طريق الإنسانية".

مشروع قانون

في فبراير/ شباط 2019 تشكلت لجنة برلمانية مهمتها التحقيق في مجال حقوق الحيوان ودراسة عنف وسوء معاملة الحيوانات وتحديد التدابير التي يتعين اتخاذها لمنع هذه الحوادث. 

أعدت اللجنة تقريرا من 200 صفحة بعد 12 اجتماعا مع منظمات غير حكومية متخصصة في هذا المجال، وعرضته على البرلمان في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، ليعرض للنقاش في لجنة من وزارة الزراعة والغابات ووزارة العدل قبل طرحه للتصويت.

التوصية الأولى التي جاء بها التقرير هي تغيير اسم القانون رقم 5199 من "حماية الحيوان" الذي خرج حيز التنفيذ في عام 2011 إلى "حقوق الحيوان"، والنص على أن الأمر لا يتعلق بسلع بل "أرواح". كما يجرم مشروع القانون بيع الحيوانات وشراءها، فيما يشرع التكفل بها.

أوصى مشروع القانون بأن تتراوح عقوبة العنف ضد الحيوانات بين شهر وسنتين سجنا نافذا، دون السماح بتحويلها لغرامة مالية، مع تضمينها للسجل الجنائي لـ"المجرم". ولا يحظر تقرير اللجنة حدائق الدلافين وسيرك الحيوانات ولكنه يتوقع فحص وتحسين الحدائق الموجودة.

ووفقا للقانون الجديد، ستكون البلدية ملزمة بتحديد الحيوانات والأنواع الموجودة داخل حدودها وتعقيمها وتوصيل الرقائق للحيوانات داخل حدودها، بهدف منع البلديات من ترك الحيوانات داخل حدود بعضها البعض. 

ميزانية خاصة

تشير الجريدة الرسمية في تركيا إلى وجود إدارة تعتني بحيوانات الشارع في كل بلدية، بحسب القانون رقم 5199. وقدمت وزارة الزراعة والغابات عام 2009 لهذه الإدارة ما مجموعه 31.8 مليون ليرة لدعم 60 إدارة محلية على العناية بالكلاب والقطط. 

وفي إطار مشروع إعادة تأهيل حيوانات الشوارع، جرى تخصيص 4.9 مليون ليرة للمؤسسات ذات الصلة في الفترة 2017-2018. 

اعتبارا من نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2019، جرى توفير 6 ملايين 302 ألف 205 ليرة لإدارتين محليتين لإنشاء دار تمريض قيمتها 10 ملايين ليرة. 

وما بين عامي 2017 و 2018، أنفقت الوزارة 1.3 مليون ليرة لإيواء كلاب وقطط الشوارع، أما منذ 2014 فقد صرفت ما يقارب 4 ملايين ليرة للإدارات المحلية. وفي 2019 خصصت الوزارة 150 ألف ليرة تركية لتوفير أوعية الماء والطعام الخاصة بالحيوانات في الأزقة.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، عملت بلدية جفتليك في مدينة نيغدة التركية على فتح حفر في بعض الجبال لتكوين بيوت للكلاب الضالة لوقايتهم البرد في فصل الشتاء والحرارة في الصيف.

مدينة القطط

لم تسمَّ إسطنبول مدينة القطط عبثا، كما أطلقت عليها مجموعة من التقارير الصحفية الأجنبية والعربية. يمكن للمتجول في المدينة أن يلاحظ ذلك دون عناء، وهو يشاهد المارة يداعبون كل قط يصادفونه ويمسحون على رأس كل كلب. 

توفر بلدية إسطنبول الكبرى الطعام لحيوانات الشارع في المناطق النائية من المدينة التي لا يمكن للناس الوصول إليها، وخصوصا في فصل الشتاء. 

في 199 نقطة تغذية يتم توفير ما متوسطه 1000 كيلوجرام يوميا من الغذاء، وعلى موقعها الرسمي تشير البلدية إلى رقم للإبلاغ على الحيوانات المصابة والمعاقة والجائعة. 

تتوجه الإدارة المكلفة بناء على المعلومات التي تتوصل إليها إحدى الفرق المتنقلة إلى النقطة المحددة لتوفير التدخل اللازم لحيوانات الشوارع، وتوفر لخدمتهم 410 دكتور بيطري من موظفيها و26 سيارة لنقلهم.

رعاية رئاسية

بدأت لجنة البيئة في البرلمان عام 2014 تعديل قانون "حماية الحيوان"، وتحديدا المادة 6 منه التي تهتم بتعقيم حيوانات الشارع، والتي طالتها الاعتراضات. 

نقطة أخرى لم يشملها القانون الجاري به العمل الآن، فيما تم النص عليها في المشروع المقدم للبرلمان، وأثارت الكثير من الجدل، تهم الاعتداءات الجنسية على الحيوانات، وحدد المشروع كعقوبة لها غرامة 10 آلاف ليرة. 

وفقا للقانون الحالي وصل عدد الغرامات التي دفعها منتهكو حقوق الحيوان بين عامي 2007 و2018، إلى ما يقارب 10 ملايين ليرة في حق الأشخاص، وغرامات إدارية تقارب 4 ملايين ليرة، بحسب صحيفة "حرييت". 

وقالت مصادر صحفية تركية: إن وزارة الزراعة والغابات دخلت على الخط بعد أن سأل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "لماذا هذا القانون ما زال ينتظر؟" في الانتخابات الرئاسية في 24 يونيو/ حزيران 2018، في إشارة إلى قانون حقوق الحيوان.

الرئيس ليس الوحيد المهتم بالحيوانات، بل قالت زوجته أيضا في اليوم العالمي للحيوان الذي يصادف 4 أكتوبر/تشرين الأول: "أتمنى أن يدخل قانون حقوق الحيوان حيز التنفيذ في أقرب وقت ممكن، وأن تتم حماية الحيوانات والاهتمام باحتياجاتها وأن تعيش في بيئتها الطبيعية". 

ونشرت السيدة الأولى وقتها عبر حسابها الخاص على موقع "إنستجرام" صورة لـ"باشا"، وهو كلب اختار قبل 5 سنوات الاستقرار في الإقامة الرئاسية التي كانت حينها تعرف أشغال بناء.

وفي صورة أخرى ظهرت أمينة أردوغان هي وزوجها يداعبان قطتها المفضلة، معلقة: "من واجب الإنسان أن يكون صوتا لهؤلاء الذين لا صوت لهم".

ولا تخل شوارع تركيا من مشاهد كثيرة للاهتمام بالحيوانات، منها تدفئتها، أو تركها لتستلقي أمام بوابات المحلات لتهنأ بنومها، دون إزعاج. 

سكان موغلا في الجنوب الغربي للجمهورية، وصلوا أيضا إلى ذروة الإنسانية التي تحدثت عنها أمينة أردوغان، بتنظيمهم معرض سنوي تذهب كل أرباحه لبناء مساكن القطط والكلاب وتوفير الأكل لهم.