التحالف العربي.. ماذا بقي بعد توالي الانسحابات وتوسع العزلة؟

آدم يحيى | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ انطلاق عملية عاصفة الحزم في اليمن، عملت السعودية التي تقود "التحالف العربي" على حشد تأييد إقليمي؛ لإضفاء شرعية دولية وقانونية على العملية، وتقاسم المهام العسكرية واللوجستية بين الدول المشاركة. اختلفت دوافع الدول المشاركة في التحالف، وتعددت أجندتها، بين باحث عن موطئ قدم في اليمن، التي تمر بحالة ضعف سياسي واقتصادي انعكس على قدرتها الدفاعية، وبين مشارك في العملية نتيجة تبادل مصالح ووعود تلقتها من السعودية.

قبيل انطلاق العملية العسكرية كان الحديث عن حسم عسكري لن يتجاوز الشهرين، لكن هذه المدة انتهت وأتت بعدها أربع سنوات، شهدت كثيرا من التحولات، أبرزها تحول الانقلاب الذي قادته جماعة الحوثي إلى سلطة أمر واقع، يتم الحوار معها ندًّا للحكومة الشرعية، وتضاعفت الأزمة الإنسانية في اليمن، في مقابل انحسار عدد الدول المشاركة في التحالف، وبقاء بعضها بشكل يحمل من الرمزية أكثر من الفاعلية.

ففي السابع من فبراير/ شباط 2017، نقلت وكالة "اسوشيتد برس" عن مسؤول حكومي مغربي أن المملكة المغربية أوقفت بشكل نهائي، مشاركتها في العمليات العسكرية ضمن  التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات في اليمن.

مشاركة واعتذار

وكانت عشر دول، قد أعلنت انضمامها ومشاركتها في العملية العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، وهي الإمارات، البحرين، الكويت، قطر، الأردن، مصر، السودان، المغرب، وباكستان. وذلك عند بدء انطلاق العملية في  26 مارس/آذار 2015.

بعد شهرين من انطلاق العملية العسكرية، انضمت السنغال وأرسلت 2100 جندي، بحسب إعلان وزير الخارجية السنغالي ،مانكير ندياي، عقب ذلك أعلنت السعودية انضمام ماليزيا؛ لتكون الدولة الثانية عشرة ضمن دول التحالف العربي.

كانت هناك تحركات دبلوماسية سعودية تجري أثناء وقبيل انطلاق "عاصفة الحزم"، وقد أعلنت وكالة الأنباء السعودية، في ذلك الوقت، أن دولا غير خليجية أبدت رغبتها بالمشاركة في العملية العسكرية؛ استجابةً لدعوة المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي.

في تلك الأُثناء، أعلن البيت الأبيض موافقة الرئيس باراك أوباما على تقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي لعملية عاصفة الحزم في اليمن، وأدان العمليات التي قام بها الحوثيون، والتي تهدد الأمن القومي السعودي، وأكد على أحقية السعودية في الدفاع عن حدودها.

أما سلطنة عُمان، العضو البارز في مجلس التعاون الخليجي، فقد اعتذرت عن المشاركة، وكان وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي قد صرح في جلسة سابقة، في الأمم المتحدة، أن بلاده لم تكن جزءًا من "عاصفة الحزم"، وبالتالي فإنها تتقدم باقتراح مبادرة سياسية للحل في اليمن.

وبعيدا عن التأويلات التي تتناول عدم مشاركة عُمان في العملية العسكرية، والتي تتراوح بين دعاوى توزيع الأدوار لدول مجلس التعاون، وبين العلاقات السياسية الإيجابية بين عمان وإيران، إلا أنه عُرف عن عمان، في تاريخها الحديث، اختيارها مبدأ "عدم الانحياز" في علاقاتها الدولية، باستثناء وقوفها مع الكويت ضد الغزو العراقي في تسعينيات القرن الماضي.

انفراط عقد التحالف

لم يكن التحالف فاعلا، بصفته العربية والإقليمية، كما أنه لم يصمد طويلا بتلك الأعداد التي كانت السعودية قد أعلنت عنها، فسرعان ما بدأت بعض الدول إعادة النظر في تحالفها، وكانت أول صفعة تلقتها السعودية هي إعلان ماليزيا عدم صحة إعلان مشاركتها في العملية العسكرية التي تقودها دول التحالف في اليمن، حيث أعلنت السعودية انضمام ماليزيا إلى قوات التحالف العربي، وهو الأمر الذي نفاه قائد الجيش الماليزي الجنرال ذو الكفل محمد زين، في تصريح رسمي، أوضح فيه أن بلاده لم تأت للمشاركة في العملية العسكرية التي تقودها السعودية.

ولفت محمد زين إلى أن الحكومة الماليزية أرسلت طائرتين عسكريتين وعددا من الجنود إلى قاعدة الأمير سلطان؛ لاستخدامها في إجلاء الرعايا الماليزيين في اليمن، ليعلن بعد ذلك وزير الدفاع الماليزي محمد سابو، في وقت لاحق، مغادرة الطائرات بشكل نهائي، وهو الأمر الذي أكدته صحيفة "ماليزيا توداي"، عن الوزير، أن القوات الماليزية لم تشارك في العملية العسكرية أثناء تواجدها في السعودية، وأن عمليتها كانت لغرض الإجلاء الذي شمل مواطنين ماليزيين ومواطني دول مجاورة لماليزيا، وقد استغرقت عملية الإجلاء فترة طويلة، حد قوله.

وكشفت وكالة "اسوشيتد برس" مؤخرا، عن إعلان المملكة المغربية انسحابها الكلي من قوات التحالف العربي، إثر أزمة إعلامية بين الرياض والرباط؛ أسفر عن إعلان المغرب انسحابه بشكل نهائي، وكانت الأخيرة قد أعلنت في وقت سابق أنها غيّرت شكل ومضمون مشاركتها في التحالف بعد تقييم التطورات على الأرض.

وذكرت صحيفة "الواشنطن بوست"، أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قام بزيارة إلى المغرب العربي وشمال أفريقيا، فيما رفضت المملكة المغربية استضافته، ما يشير إلى  تصاعد حدة التوتر بين البلدين.

الجدير بالذكر أن المملكة المغربية كانت من أوائل الدول التي أعلنت انضمامها للتحالف بقيادة السعودية، وأعلنت على لسان وزير خارجيتها عن تضامنها الكامل والمطلق مع الرياض في خطاها؛ لدرء أي سوء قد يطال أرضها، أو يمس من قريب أو من بعيد الحرم الشريف، أو يهدد السلم والأمن في المنطقة برمتها، بحسب بيان التأييد.

 في 5 يونيو/حزيران 2017، اندلعت أزمة سعودية قطرية، أسفرت عن انسحاب القوات المسلحة القطرية عقب قرار السعودية بحصار قطر، وإنهاء مشاركة القوات القطرية في العملية العسكرية باليمن.

أما في السودان فقد نشر موقع "الأحداث نيوز" السوداني تقريرا في مايو/أيار الماضي، قال فيه: إن "الخرطوم أبلغت السعودية رسميا أنها لا تنوي تجديد قواتها العسكرية التي تشارك في التحالف، بدءاً من يونيو/ حزيران المقبل". وأنها بصدد التقييم وإعادة التوصيف التي تنص على بقاء القوات السودانية، ضمن دول  التحالف، في نطاق استشاري، أو المشاركة في قوات لوجستية لا تشارك بالمهام القتالية.

وكان الفريق، محمد حميدتي، قائد قوات الدعم السريع بالجيش السوداني، قد أعلن في أيلول/ سبتمبر 2017، عن مقتل 412 جنديا سودانيا في مواجهات مع الحوثيين؛ الأمر الذي تسبب بتعرض الحكومة السودانية لضغوط شعبية ورسمية مطالبة بالانسحاب من قوات التحالف العربي.

وفي باكستان، تتعرض الحكومة لضغوط سياسية وشعبية باستمرار، حيث خرجت تظاهرات في العاصمة الباكستانية إسلام آباد، تنديدا بإرسال القوات إلى السعودية. وكان  مجلس الشيوخ  قد انتقد في وقت سابق، قرار الجيش، وطالب رئيس المجلس، رضا رباني، من وزير الدفاع بأن يقدم توضيحات حول قرار اتخذ على نحو عاجل ومن دون التشاور مع المجلس والجهات السياسية.

أسباب الانسحاب

طال أمد الحرب، وبدأت تبرز أسئلة عن أسباب عدم قدرة التحالف على حسم المعركة، وتباينت التفسيرات، وتراوحت بين الزعم بخطأ السعودية في تقديرها لإمكانات وقدرات الحوثيين وصالح، والجزم بعدم جدية السعودية في القضاء على الحوثي، وتناولت ما هو أبعد من ذلك، حيث تحدثت عن استخدام السعودية والإمارات للحوثي كورقة  للتغطية عن أهداف تتعلق بتوسيع النفوذ في اليمن.

في هذا السياق، أتى تقرير مطول لصحيفة "الايكونوميست" يشير فيه إلى أن السعودية لم تكن تريد إنهاء الحرب في اليمن، بل كانت لها أطماع في توسيع النفوذ، والحصول على ممر إلى بحر العرب، بينما عملت الإمارات على السيطرة على الموانئ التي تمر بها أكثر الخطوط الملاحية نشاطا في العالم لصالح ميناء جبل علي .

يعزز هذا التفسير تقرير أممي، هو الأحدث والأهم حتى الآن، صدر في تاريخ 14 فبراير 2019، لفريق الخبراء التابع للأمم المتحدة والمعني باليمن، حصلت الاستقلال على نسخة منه، يشير إلى وجود أجندة أخرى للتحالف لا تتعلق بالحرب على الحوثيين، يقول التقرير: "لا يزال انعدام وجود مصالح مشتركة داخل التحالف ضد الحوثيين يفاقم تقسيم البلد، ويجعل من استعادة سلطة الحكومة على جميع أرجاء اليمن بعيد المنال".

إضافة إلى ذلك تبرز الأزمة الإنسانية التي تسببت بها السعودية بالاشتراك مع الحوثيين، كأهم عامل، تسبب بتراجع الموقف الإقليمي والدولي عن دعم السعودية، فقد شهدت اليمن أزمة إنسانية هي الأشد في العالم، وكان تقرير لليونيسيف صدر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي  قد كشف عن وفاة طفل كل عشر دقائق بسبب سوء التغذية وأسباب يمكن تجنبها، فضلا عن انهيار الوضع اقتصادي، وارتفاع معدل التضخم والبطالة.

إلى جانب ذلك، تسببت الغارات التي قامت بها طائرات التحالف واستهدفت مدنيين في صالات الأفراح والعزاء والتجمعات السكانية ومنازل المواطنين، بمزيد من العزلة للسعودية والإمارات، ورفع الغطاء الأممي عن العملية بشكل جزئي، حيث أفاد تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة في أغسطس/آب الماضي بأن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة نفذتا هجمات قد ترقى لجرائم حرب.

ضاعف من تلك العزلة، تصويت الكونجرس في 13 فبراير/شباط الماضي، لصالح قانون أمريكي يقضي بإنهاء الدعم العسكري للتحالف الذي تقوده السعودية، فيما كانت صحيفة "الواشنطن بوست" قد ذكرت أن مجلس النواب أقرّ مشروع القانون بتأييد  248 نائبا مقابل 177 نائبا ضد القرار.

تراجع الدعم الدولي  

كانت السعودية، في دعوتها الدول للمشاركة في عمليتها العسكرية، تهدف للحصول على تأييد إقليمي ودولي، وتسعى لإضفاء طابع شرعي قانوني على عمليتها العسكرية، في الوقت نفسه كانت تبحث عن غطاء أممي، وهو ما حصلت عليه بالفعل، عقب إصدار مجلس الأمن القرار رقم 2216  الذي قضى بوضع اليمن تحت البند السابع وصنف الحوثيين وأنصار الرئيس صالح كمعرقلي تسوية، وفرض حظرا على توريد الأسلحة للحوثيين وحلفائهم، و وفرض عقوبات على قادة حوثيين وقادة آخرين من أنصار الرئيس السابق.

في بداية انطلاق عاصفة الحزم،  أعلن المتحدث باسم التحالف أحمد عسيري، أنها سوف تحقق أهدافها في شهرين، حيث بدا ذلك كما لو كان تحفيزا للدول على المشاركة، لكنها ولكي تتجنب الإحراج في تحديد الفترة، قامت بعد مرور أٌقل من شهر، وتحديدا في 21 أبريل / نيسان 2015 ، بالإعلان عن انتهاء عاصفة الحزم، والإعلان في الوقت نفسه عن بدء عملية إعادة الأمل، لكن ذلك لم يكن سوى تلاعب بالمسميات والتفاف تحاول السعودية من خلاله إثبات مصداقيتها.

لم يكن أحد قادرا على التفريق بين عاصفة الحزم وإعادة الأمل، فهما عمليتان تحملان نفس التفاصيل، وتشنان الغارات على نفس الأهداف، على نحو يثبت أن إعادة الأمل امتداد لعاصفة الحزم، وفصل جديد من فصول الحرب.

بات مشروع قرار إنهاء الدعم العسكري للسعودية محل نقاش وتداول في عدد من السلطات التشريعية لدى أكثر من بلد، ورفع فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة تقريرا يتهم السعودية والإمارات بارتكابها انتهاكات قد ترقى لجرائم حرب.

بينما آلت دول التحالف العربي إلى دول منسحبة وأخرى ضعيفة، وبقيت السعودية والإمارات هما صاحبتا المشروع في اليمن، الذي يعده كثيرون بعيدا عن إنهاء الانقلاب في اليمن واستعادة الشرعية، بحسب قرارات أممية وتحقيقات صحفية، وأصبح المسمى الأقرب للتحالف هو تحالف "الرياض ـ أبو ظبي"، وبات قريبا من فقدان الصفة العربية والإقليمية.

كانت الأخطاء التي ارتكبتها السعودية والإمارات سببا رئيسا في انسحاب تلك الدول، وهي أسباب موضوعية، قادرة على إقناع الدول الأخرى بالانسحاب، وكانت آخر الأخطاء والخطايا، التي أحاطت بالسعودية وتسببت بعزلتها، إقدامها على قتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول.

وكان خاشقجي نفسه، قد حذّر السعودية من العزلة في حديث لبرنامج "حديث الثورة" على قناة الجزيرة، بتاريخ 28 مارس/آذار 2015 بقوله: إن "الحوثيين يستفيدون من وقوع أخطاء من دول التحالف، على نحو يمكن أن يستغله الحوثيون لصالحهم"، حيث كان يدرك أن خطأ السعودية يمكن أن يلحق الضرر بها، لكنه لم يكن يعلم أنه سيكون هو الخطأ الذي أورث السعودية سمعة سيئة وعزلة دولية، وأكسب الحوثيين نصرا سياسيا ومكسبا دبلوماسيا، كما يرى مراقبون.