لاستعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية.. كيف تعاظم طموح إيران؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تعاظم الطموح القومي الفارسي لدى إيران في التوسع والانتشار، عقب الثورة الإيرانية في 1979، في سبيل استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية التي كانت من أوسع الإمبراطوريات جغرافيا وأقواها عسكريا قبل مجيء الدولة الإسلامية.

تغيرات وتطورات كبيرة حصلت في المنطقة خلال القرن الماضي، ابتداء من الحرب العالمية الأولى ثم الثانية، وحتى الحرب الإيرانية العراقية، ثم حرب الخليج الأولى ثم الثانية، وصولا إلى الحروب الأهلية في بلدان الربيع العربي.

الثابت في المشروع القومي الإيراني هو استمرار مخططها في التوغل والتوسع بالمنطقة العربية، عبر أذرع دينية، وخطابات تعددت مستوياتها بين القومي الفارسي للإيرانيين في الداخل، والديني المذهبي للمتشيعين في الخارج.

في واقع الأمر، فإن الثقافة والهوية الفارسية بنيت على أساس أنها إمبراطورية تم احتلال أراضيها المترامية الأطراف، ولم يبق لها من إمبراطوريتها التاريخية إلا الأطلال، هذه العقلية عززت الشعور بالرغبة لدى الإيرانيين في استعادة ما اعتبروها أراضي محتلة تاريخيا، وتزامن ذلك الشعور مع الرغبة في الانتقام ممن قوضوا الإمبراطورية الفارسية.

إيران لا تصدر هذا الخطاب القومي الفارسي بشكل واسع ومعلن، لكن تصريحات مسؤولين إيرانيين تكشف بين حين وآخر تفاصيل هذا المشروع وتفصح عن تلك النوايا.

أطماع قديمة

في لقاء قديم، قبل أكثر من 30 عاما، أي إبان الحرب الإيرانية العراقية، مع قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، الذي قتل في 3 يناير/كانون الثاني 2020، بغارة أمريكية في العراق، ظهر سليماني ليؤكد هذه النوايا، ويقول: إن القوات الإيرانية تقاتل في العراق وتبسط نفوذها في الأراضي العربية من أجل إعادة الإمبراطورية الفارسية.

وأضاف سليماني: "عداؤنا مع العرب ليس جديدا، قدمنا تضحيات لكسر شوكتهم وكبح جماحهم وتدمير أمجادهم المزعومة، نحن نقاتل لأجل هدف سام وكبير، نقاتل من أجل إعادة إمبراطورية لم يتبق منها سوى الأطلال". والأطلال التي يعنيها سليماني هنا هي الحدود الحالية للجمهورية الإيرانية.

وتابع سليماني: "نضحي ونقاتل ونموت، لكي لا يبقى شبر واحد من أرضي فارس ولا ساعة واحدة تبقى فيها تحت سيطرة أناس كانوا يسكنون في الصحراء، المشروع الأهم هو بسط النفوذ وليس هزيمة العراق".

غطاء ديني

وفق خبراء، كان الخطاب الديني الموجه للجماعات التي قامت بإنشائها وتمويلها، إحدى الروافع التي قامت عليها إيران لتنفيذ مشروعها القومي التوسعي في البلدان العربية، حيث استخدمت أيدلوجيتها المذهبية لدى أتباعها من الشيعة في البلدان العربية، وقامت بتوظيف قضية "تحرير فلسطين".

كما استدعت فكرة "حرب الاستكبار ونصرة المستضعفين" ووظفت فكرة "العداء الغربي للمسلمين"، وكل ذلك من أجل التغطية على الطموح القومي في استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية، حسب متابعين.

 أستاذ العلاقات الدولية السابق في جامعتي بغداد وصنعاء، والدبلوماسي السابق في الخارجية العراقية، البروفيسور قيس النوري قال لـ"الاستقلال": "تتضح أبعاد المنهج التوسعي الإيراني، سواء في عهد الشاه السابق أو ما بعد 1979، بعد الثورة الإيرانية، فقبل الثورة الإيرانية استطاعت إيران احتلال الجزر العربية الثلاث في الخليج العربي، ونجحت كذلك في السيطرة على نصف شط العرب العراقي".

مضيفا: "أما بعد 1979، ومجيء سلطة رجال الدين الإيرانيين، فقد اتسمت السياسة الخارجية بأبعاد توسعية بواسطة الحرب، لكن هذه المرة بصبغة دينية وطابع مذهبي، لكن جوهر سياسة التوسع، بقيت ثابتة من ناحية الأهداف".

البروفيسور العراقي يستكمل: "الحقيقة الواضحة لهذا السلوك تؤكد أن إيران تمتلك مشروعا توسعيا على حساب العرب، ليس في العراق وحده وإنما يمتد إلى الحدود التاريخية للإمبراطورية الفارسية القديمة، وهو ما يفسر أنشطتها وتدخلاتها في دول المشرق العربي، سوريا ولبنان واليمن".

ويتابع الدبلوماسي السابق: "تفصح عن هذه السياسة التصريحات الرسمية الإيرانية مقرونة بفعل على الأرض بواسطة أذرعها في المنطقة، حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، والميلشيات الشيعية المسلحة في العراق".

ويختم البروفيسور نوري قائلا: "إيران تحاول تنفيذ مشروعها التوسعي مستغلة الضعف البنيوي العربي وغياب المشروع العربي المقاوم القادر على التصدي لهذا المشروع العدواني الذي يتوافق ويتلاقى مع المشروع الصهيوني".

النفس الطويل

تمارس إيران سياسية النفس الطويل، لتنفيذ خطة طويل الأمد، وتسعى لرسم حدود قومية أوسع للإمبراطورية الفارسية الجديدة التي تحلم بها، وذلك عبر زرع جماعات تمثل نقاطا لحدود مشروعها التوسعي، وعادة ما يتحدث المسؤولون الإيرانيون عن الهلال والطوق الفارسي، وهي مصطلحات تعبر عن خطط إيران في رسم حدود إمبراطورتيها التي تسعى لتطويقها مستقبلا.

مندوب طهران في البرلمان الإيراني، علي رضا زاكاني، المقرب من المرشد الإيراني علي خامنئي سبق أن قال، عقب سقوط صنعاء بيد الحوثيين: "يمكن التأكيد حاليا أن 4 عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران، وتابعة للثورة الإسلامية".

وفي مقطع مصور لإمام الجمعة في مدينة مشهد الإيرانية، ثاني أكبر مدن إيران، وعضو مجمع الخبراء المكلف بتعيين المرشد الأعلى، آية الله أحمد علم الهدى، يقول في خطبة صلاة الجمعة: "مساحة إيران هي أكبر من حدودها الجغرافية لأن كافة الفصائل المسلحة التي تدعمها طهران في الشرق الأوسط هي جزء من إيران".

ونقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إيسنا) عن آية الله المحافظ قوله: "إيران اليوم ليست فقط إيران ولا تحدّ بحدودها الجغرافية. الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان وأنصار الله (الحوثيون) في اليمن وقوات الدفاع الوطني في سوريا والجهاد الإسلامي وحماس في فلسطين، هذه كلها إيران".

حدود أوسع

لا يقف المشروع القومي الإيراني عند الحدود للمنطقة العربية فحسب، بل يتعداه للدول الإسلامية وغير الإسلامية، خصوصا في قارة إفريقيا، حيث عملت إيران على إنشاء أذرع مذهبية لها وسط وغرب إفريقيا، عبر نشر التشيع السياسي، الذي مثل إحدى الروافع التي قام عليها المشروع القومي الفارسي وتعاظم منذ اندلاع الثورة الإيرانية في 1979.

في تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، ذكر أن المد الشيعي يتزايد في إفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى، بسبب حالة "الاستقطاب" التي يشهدها العالم الإسلامي، والقائمة على "أسس طائفية".

وأضاف التقرير أنه "في الوقت الحالي تشهد بعض المناطق الرئيسية للمسلمين السنة في القارة السمراء، أكبر موجة تحول للمذهب الشيعي، منذ أن اعتنقت العديد من القبائل السنية في جنوب العراق المذهب الشيعي، في القرن الـ19".

وأوضحت الصحيفة أن "الموجة الشيعية في إفريقيا بدأت مع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وهي الثورة التي هونت في البداية من عملية التشيع، وسعت إلى توحيد جميع المسلمين تحت لوائها".

ولفت إلى أنه "من الصعب الحصول على الرقم الدقيق لعدد المتحولين للمذهب الشيعي، لكن في نيجيريا وحدها - الدولة الإفريقية الأكبر من حيث عدد السكان- هناك نحو 12% من سكانها المسلمين، البالغ عددهم 90 مليونا، يعرفون أنفسهم بأنهم شيعة، وذلك حسب دراسة أجريت مؤخرا من قبل مركز بيو للأبحاث، وكانت نسبتهم صفر تقريبا في عام 1980".

ووفقا لهذه الدراسة، تبلغ نسبة الشيعة في تشاد 21%، من إجمالي عدد المسلمين، و20% في تنزانيا، و8% في غانا. واعتبرت الصحيفة أن "هذا التغيير الديموغرافي، يحدث نظرا لأن العالم الإسلامي يشهد استقطابا على أساس طائفي".

الفارسية والصهيونية

الكاتب والباحث اليمني عصام القيسي قال لـ"الاستقلال": "واجه العرب في عصرهم الحديث مشروعين سياسيين يهددان وجودهم القومي، هما المشروع الصهيوني والمشروع الفارسي. ومع أن الأخير قد استولى على أراض عربية تساوي ضعف مساحة إسرائيل ستة عشر مرة (الأحواز)، إلا أن العرب لم ينظروا لإيران كعدو وجودي كما نظروا إلى إسرائيل.

يضيف القيسي: "كان العقل الصهيوني يدرك أن من مصلحته ألا يبقى العدو الوحيد للعرب في المنطقة، وأن من مصلحتهم أن تدخل إيران إلى حلبة الصراع مع العرب لتخفف العبء عن إسرائيل، ولما كان النظام العلماني الديمقراطي في إيران غير مؤهل للقيام بهذا الدور فقد ساعدوا على الانقلاب عليه، وظلوا يرتبون الأوضاع في إيران إلى أن جاؤوا بالخميني من منفاه في فرنسا".

وتابع: "كان نظر الصهاينة ثاقبا في هذا الشأن، فقد قامت دولة الخميني بعمل اللازم في تفكيك العرب وتهديد وجودهم القومي وتخفيف العبء عن إسرائيل، حتى ألجأت حكامهم الخونة للاحتماء بالصهيونية العالمية خوفا من زوال كراسيهم على يد إيران".

الكاتب اليمني قال: "كان أول ما فعله الخميني هو محاولة دك البوابة الشرقية للحصن العربي (العراق)، ولما انهزم على يد العراقيين اضطرت غرفة العلميات الصهيونية للخطة البديلة، خطة الإيقاع بالعراق في الكويت، ونجحت الخطة بسبب غرور الحاكم العراقي حينها، وتم لهم ما كانوا يحلمون به".

واستطرد: "فقد تعاون الطرفان الإيراني والأمريكي الصهيوني على احتلال العراق وتدميرها أفقيا وعموديا في أشرس عملية تنكيل بدولة، لتستمر إيران بعدها في التمدد السرطاني داخل الوطن العربي عبر أذرعها المذهبية، وتحت شعار مسرحي هو العداء لأمريكا وإسرائيل".

يضيف القيسي: "قصة العداء بين الطرفين هي المسرحية الدولية الأكثر دهاء والأعقد حبكة في التاريخ، لأن بعض فصولها حقيقي، فيه ضحايا وخسائر مادية وحصار اقتصادي وعقوبات، لكن هذا كله ليس بغرض اجتثاث النظام بل بغرض ترويضه حتى لا يتحول إلى قوة كبيرة على حدود إسرائيل".

مطلوب منه أن يقوم بدور المروض للعرب والمفكك لكيانهم القومي، حسب القيسي، قائلا: "قد رضي بهذا الدور لكن مع طمع في مكاسب أكبر، ويبدو لي أن زوال هذين المشروعين المعاديين للعرب سيكون في وقت متقارب، لأن حبلهما السري واحد".