بعد اتفاق التهدئة.. ما السيناريو المفضل لدى تركيا بشأن إدلب؟

على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار في مدينة إدلب شمال سوريا، فإن المدينة المنكوبة منذ سنوات، تواجه توترات مستمرة وخروقات للهدنة بين الفينة والأخرى.
وهذه المدينة تحظى بتاريخ طويل من الحوارات المستميتة بين الأطراف الفاعلة في المسألة السورية، والتي لم تتوصل إلى حل جذري يقتلع المأساة تماما، وفق تقدير صحيفة حرييت التركية.
وتناول الكاتب سيدات إرجين في مقالة له بالصحيفة آخر التطورات المتعلقة بإدلب، مستعرضا التعقيدات الكثيرة التي أنتجتها الحرب المستعرة، والتي ما زال أتونها يشتعل ويساهم في تغيير التركيبة السكانية ديموغرافيا بشكل دراماتيكي مستمر.
التركيبة الديمغرافية
وكان عدد السكان من السُنة في تلك المحافظة المنكوبة يناهز مليون ونصف، حين بدأت هذه الحرب، وحاليا ومع وصولنا لعام 2020، ثمة 3 مليون أو يزيد يعيشون فيها بحسب الأرقام المعلنة من قبل الأمم المتحدة. والسؤال الآن: ما مصدر هذه الزيادة؟
خلال الحرب الأهلية، بعد أن استعاد جيش الأسد التوازن العسكري في الميدان، خاصة خلال الفترة 2015-2016، ركز هجماته الشرسة صوب مدن وبلدات كانت تتمركز فيها المعارضة مثل حلب وشرق الغوطة ودرعا وحمص وحماة في المنطقة الغربية من البلاد.
هذه التغيرات في تركيبة السكان سواء من حيث العدد أو الديموغرافيا، لم تكن لتحدث لولا هجمات النظام السوري الذي تمكن من استعادة هذه المدن واحدة تلو الأخرى بفضل الدعم الروسي الذي تمثل بإلقاء آلاف الأطنان من البراميل المتفجرة على رؤوس المدنيين القاطنين في مناطق المعارضة.
في المقابل اضطر الثوار إلى التحول صوب الشمال، والنزوح من تلك المدن واحدة تلو الأخرى، لتستقر إما في إدلب أو مناطق درع الفرات وهي عفرين والباب.
شهدت إدلب جراء ذلك موجة هجرة قوية نسبيا قادمة من الشرق، وبالذات من حلب، تلك التي تعرضت لهجمات شرسة من قبل النظام، من أجل إخضاعها لسيطرته ونفوذه مرة أخرى.
وبالتالي؛ قسم كبير من سكان حلب السنة نزحوا من المناطق التي يتمكن النظام من السيطرة عليها إلى أخرى ما زالت تتحكم فيها المعارضة.
معارك إدلب
شهدت إدلب اشتباكات عنيفة بين النظام والمعارضة المسلحة في هذه الحرب، لتتعرض المدينة منذ ذلك الوقت إلى هجمات مضطربة من كل المجموعات.
ووفق الصحيفة فإن المعارك تدور بين جبهة النصرة التي تعد امتدادا لتنظيم القاعدة، والجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، وحتى بعض المجموعات المستقلة عن أنقرة، من أجل السيطرة على الميدان.
ولكن في الأخير، نجحت جبهة النصرة – وهي منظمة مصنفة إرهابيا- في السيطرة على المدينة، لتستحيل لاحقا إلى هيئة تحرير الشام. وما زالت هي ومجموعات صغيرة مدعومة من تركيا تسيطران على المدينة.
لكن الكلمة الطولى ما زالت لـ"تحرير الشام" التي تحكم المدينة عبر حكومة أعلنتها ووزراء ينطقون باسمها، بل ويتحكمون بمداخلها كتلك العائدات القادمة من المعبر الحدودي بينها وبين هاطاي التركية.
ووصف الكاتب عند وصوله إلى هذه النقطة ما يجري في المدينة السورية بأنه "طريق مسدود"، حيث يعتبر القتال ضد منظمة إرهابية مشروعا عندما تكون السيطرة الميدانية في أيدي مجموعة تعتبرها الأمم المتحدة كذلك "إرهابية".
وهو بالضبط ما تعتمد عليه روسيا في هجومها ضد إدلب، لكن ما يجري هو أن ينال المدنييون النصيب الكبير من تلك الهجمات سواء بالموت أو بالهجرة، حيث موجات النزوح التي لا تتوقف.
أزمة النزوح
وهنا بالضبط مربط الفرس بالنسبة لتركيا، حيث يقول الكاتب: إنها "ستقف ضد أي موجة هجرة جديدة لأراضيها، وهذا يعقد الموقف ويعني إطالة أمد سيطرة هيئة تحرير الشام على إدلب، وطالما لم تغير هيئة تحرير الشام من طريقة تفكيرها أو مرجعيتها، ستستمر هذه العقدة".
وبلغة الأرقام، فالهجمات التي شنتها قوات النظام السوري بدعم روسي، أجبرت نحو 400 ألف سوري على النزوح منذ شهر مايو/أيار، والموجة الثانية سجلت نزوح 316 ألف نازح منذ مطلع ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، معظمهم من الأطفال والنساء، وفي المجمل ثمة 700 ألف نازح سوري أو يزيدون يعيشون في مخيمات قرب الحدود التركية.
وإذ أن تركيا ما تزال تواصل لاتفاق يرضي كل الأطراف الفاعلة فهي توصلت مطلع الأسبوع الماضي لوقف إطلاق النار في إدلب عبر الاتفاق مع الروس، فتوقفت الطائرات السورية والروسية عن غاراتها.
ورغم بعض الخروقات، تدلل الوقائع على أن الروس ملتزمون تماما بوقف إطلاق النار في المنطقة ما عدا بعض هجمات المدفعية وقذائف الهاون التي يمكن أن تكون مفهومة في ظل ظروف كهذه. وهذا كله نجح إلى حد ما في كبح جماح حركة النزوح الداخلية.
عامل جديد في المعادلة هو الأسلوب الجديد فيما يتعلق بليبيا واللهجة المختلفة التي تحدثت بها خلال الأيام الماضية، حيث تحدث الرئيس رجب طيب أردوغان في خطاب له على أنه وعند الضرورة سنقف أمام الأسد إذا ما أفشل وقف إطلاق النار.
وهذا يعني رسالة واضحة أن الجيش التركي قد يجابه نظام الأسد وجها لوجه، ومع ذلك، ينبغي الاعتراف بأن وجود عامل غير متحكم فيه، مثل هيئة تحرير الشام، قد يخلق أيضا هشاشة لوقف إطلاق النار.
المنطقة الآمنة
وطرح في 5 سبتمبر/أيلول عام 2019 بالعاصمة الروسية وفي أحد مراكز الأبحاث القريبة من الكرملين على وجه التحديد، اقتراحا جديا يتمثل في أن يترك جنوب إدلب وشرقها للنظام، مرورا بالطريق السريعة ام 4 وام 5.
في المقابل، تسيطر تركيا على المنطقة العازلة بعمق 30 كيلومترا حتى الحدود، ويعني هذا أن مركز المدينة سيكون تحت سيطرتها. ووفق هذا السيناريو ستنتقل كثير من نقاط المراقبة التابعة للقوات المسلحة التركية إلى الشمال.
والحقيقة بحسب الكاتب أن وجهات النظر القريبة من هذه المقترحات التي سبق التعبير عنها من روسيا قد بدأت في أنقرة، عبر مقالات كتبها عدد من الكتاب بعضهم قريب من دوائر صنع القرار في تركيا.
وذكر الكاتب أن منهم عضو لجنة الأمن والسياسة الخارجية الرئاسية الدكتور برهان الدين دوران الذي كتب في مقالة له "تعتزم القوات الروسية وقوات الأسد الاستيلاء على مناطق خفض التصعيد في إدلب خطوة بخطوة".
وتابع: "إذا كان ضغط 2-3 مليون لاجيء لا يمكن حله بالتعاون بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقد يتعين على أنقرة التفكير في إنشاء منطقة آمنة في بعض مناطق إدلب".
هذه الرؤية يبدو أنها ضرورية أكثر من أي وقت مضى، حيث أنه ورغم كل المحاولات المستميتة، لم تستطع أنقرة إيجاد حل جذري ودائم في المنطقة، وعليه، فإن المنطقة الآمنة وجب توسيعها لتشمل عفرين وحتى هطاي على الحدود التركية غربا.