واشنطن بوست: هكذا أوصل التنافس الدولي ليبيا إلى طريق مسدود

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية: إن التنافس الدولي على ثروات ليبيا الممزقة، ربما يعطي العالم صورة واضحة عن طبيعة القرن الحادي والعشرين.

وبين إحسان ثارور الكاتب بالشؤون الأجنبية والجيوبوليتكس في الصحيفة أن الاهتمام في واشنطن بشأن أزمات المنطقة، يتمحور حول مواجهة الرئيس دونالد ترامب مع إيران بعد الضربات الجوية التي أدت إلى مقتل قاسم سليماني قائد فصيل القدس في الحرس الثوري.

وتركز رد طهران على مهاجمة قواعد أمريكية، لكن هذا الأسبوع، انتفض قادة العالم بشأن نزاع طويل الأمد في دولة عربية أخرى مزقتها الحرب وهي ليبيا.

ومنذ أبريل/نيسان الماضي، تواصل قوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر هجوما قويا على ضواحي العاصمة طرابلس، التي تخوض معركة استنزاف مع حكومة الوفاق الوطني المعترف بها في الأمم المتحدة، في واحدة من أكبر المعارك.

وتستمر قوات حفتر الجوية بتسيير طائرات بدون طيار منذ مدة تزيد على 6 أشهر لتنفيذ غارات جوية وقصف مدفعي، إلا أن الهجمات المتتالية لم تستطع بعد حسم صراع القوى في ليبيا، في حين نتج عن ذلك مقتل المئات، وتشريد أكثر من 140 ألف مدني وإغلاق المدارس والمرافق الطبية المنتشرة في أرجاء البلاد.

صراع جيوسياسي

بعيدا عن ساحة المعركة، هناك صراع جيوسياسي اشتد وطأته في الصراع على الحكم في ليبيا بين قوات الجنرال حفتر وحكومة فائز السراج المعترف بها دوليا، منذ أن أطاحت حملة جوية بقيادة الولايات المتحدة بنظام الديكتاتور الليبي معمر القذافي في عام 2011.

بعدها، أصبحت ليبيا الواقعة شمال إفريقيا الغنية بالنفط دولة فاشلة، حيث تتنافس حكومتا السراج وحفتر على السيطرة وسط مستنقع من أمراء الحرب والمليشيات، بما في الخوف من عودة ظهور تنظيم الدولة.

ومما يذكي الصراع في ليبيا أن كلا من طرفي الصراع يتلقى الدعم من قوى إقليمية ودولية للفوز بنصيب الأسد من السيادة والسيطرة والحصول على أكبر قدر ممكن من المنافع الاقتصادية من خلال النفط وأموال إعادة الإعمار.

كل هذا، صبغ الصراع في ليبيا بصبغات أيدلوجية ومصالح اقتصادية، مما يجعل التوصل إلى تسوية ترضي جميع الأطراف أمر صعب المنال في بيئة دولية متنافسة على النفوذ  في ذلك البلد.

فمن جهة، يؤيد حفتر، وهو مسؤول سابق في عهد القذافي، انشق عن نظامه وعاش لفترة طويلة في واشنطن والإمارات ومصر، حتى باتت تلك الدول ترى أن حكومة سراج الوطنية مرتع للإسلاميين السياسيين، بما في ذلك المتعاطفين مع الإخوان المسلمين.

الدعم الخارجي

في الآونة الأخيرة، انضم المئات من المرتزقة الروس المرتبطين بالكرملين إلى قوات حفتر مما ساعده على اكتساب أرض جديدة في صراعه مع حكومة السراج.

تقول الصحيفة: "في الوقت نفسه تلقى الجيش الوطني الليبي التابع لحكومة الوفاق مساعدات من قطر، وأخيرا تركيا التي بدأت بعد تصويت برلماني بإرسال قوات خاصة للمساعدة في الدفاع عن طرابلس".

ووقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتفاقية مع حكومة السراج حول الحدود البحرية في شرق البحر المتوسط، حيث تسعى أنقرة للحصول على حصة أكبر من موارد الغاز.

في حين أعلن بيان من وزراء خارجية فرنسا واليونان ومصر وقبرص هذا الأسبوع، أن الاتفاق التركي الليبي "باطل ولاغ" لأنه يفصل في أراض تتنافس فيها الدول الثلاث الأخيرة ويأملون أيضا في السعي للحصول على حقوق استكشاف الغاز في شرق المتوسط.

وتقول واشنطن بوست: "وسط قلق داخلي حول الحملة الأجنبية في ليبيا، استدعى أردوغان الماضي العثماني لبلاده لتبرير التدخل". 

وقال أردوغان في 9 يناير/كانون الثاني الجاري: "نحن في هذه الأراضي (ليبيا)، حيث صنع أسلافنا التاريخ لأننا مدعوون هناك لإيجاد حل للظلم والاضطهاد".

ويضيف الكاتب أن الفوضى الإستراتيجية في ليبيا تنطلق من حقبة سابقة، عندما كانت القوى الأجنبية تتصارع من أجل النفوذ في الأراضي الغنية بالموارد التي تستهلكها الاضطرابات السياسية.

فشل دولي

ويستدرك: "ما يحدث هو انعكاس عميق لحاضرنا السياسي، حيث نادرا ما يتحدث المجتمع الدولي بصوت واحد ويبدو أن تأثير القوة العظمى الوحيدة في العالم، الولايات المتحدة، بدأ في التراجع، حيث لم تستطع كل من إدارتي أوباما وترامب فعل الكثير لإيقاف الاضطرابات في ليبيا".

يحدث كل هذا وفق "واشنطن بوست" لأن الولايات المتحدة فشلت في ممارسة نفوذها مع المقاتلين وحلفائهم الخارجيين.

بدلا من ذلك، أرسلت إدارة ترامب إشارات متخبطة، فهي رسميا تدعم حكومة الوفاق الليبية، لكن في أبريل/نيسان الماضي، تلقى ساكن البيت الأبيض مكالمة هاتفية من حفتر وأبدى تأييده لقضيته.

في الأثناء، حاول الأوروبيون فرض المصالحة بأقل قدر من التأثير، حيث كان السراج في بروكسل هذا الأسبوع والتقى بالدبلوماسيين الأوروبيين الرئيسيين.

وقال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس: "لا نريد أن تصبح ليبيا مسرحا لحروب الوكالة. لا يمكن أن تصبح ليبيا سوريا ثانية، ولذا نحتاج بسرعة للدخول في عملية سياسية واتفاق على وقف فعال لإطلاق النار وحظر للأسلحة". 

طريق مسدود

ولكن داخل أوروبا، يبدو أن هناك خلافات حول الطريق إلى الأمام، حيث يُنظر لفرنسا أنها أكثر دعما لحفتر وقضيته.

وترى الصحيفة أن "التدخل الروسي والتركي في الأزمة الليبية ساهم في ضياع تأثير الجهود الأوروبية للتوصل إلى اتفاق ينهي الصراع".

ومع ذلك، فإن الرئيسين رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، التقيا هذا الأسبوع وأعلنا معا عن مبادرة لوقف إطلاق النار، أعلن حفتر عن رفضها.

"لقد ترك الأوروبيون والأمريكان هذا الصراع حتى وصل إلى طريق مسدود، وقد سمح ذلك للروس بالتدخل وإحداث تغيير عبر مرتزقتها"، هذا ما قاله ولفرام لاتشر، باحث ليبي في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، لصحيفة نيويورك تايمز.

وتابع لاتشر: "ما نراه هو تنافس على من يحدد الإطار الدولي لأي مفاوضات لإنهاء النزاع. بوتين وأردوغان يشكلان تحديا للمطالبة الأوروبية بإدارة النزاع في ليبيا".

واختتم الكاتب مقاله في واشنطن بوست بالقول: إن "التدخل الاقليمي والدولي على خط الصراع في ليبيا لم يؤد إلى شيء سوى إذكاء الصراع والتسبب في مقتل الآلاف وفرار مئات الآلاف من الليبيين من وقع الحرب وتأثيرها على حياتهم".

ويصور هذا أن ليبيا ما هي إلا مرآة عاكسة لصورة المجتمع الدولي غير المبالي بكوارث شعوب المنطقة في القرن الحادي والعشرين.