الناشطة البريطانية رغد التكريتي: حملة المقاطعة تؤرق إسرائيل (حوار)

لندن - الاستقلال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"BDS" كلمة من 3 أحرف لو بحثت عنها على "جوجل" أو عبر "تويتر" ستجد نفسك أمام آلاف الأخبار والتقارير التي تتحدث عن بدايات حملة المقاطعة الدولية لإسرائيل (BDS)، التي أطلقتها 100 مجموعة فلسطينية في عام 2005 لمواجهة التغول الاستطياني للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين.

الحملة التي لاقت صدى واسعا عالميا تحولت إلى تهديد حقيقي للمصالح الإسرائيلية داخليا في الأراضي المحتلة، وخارجيا في أوروبا والولايات المتحدة، وكان في القلب منها المملكة المتحدة لما يحدثه أي حراك داخل بريطانيا.

حاولت الحكومة البريطانية عبر السنوات الماضية مجابهة الحملة عبر مساع لتجريم الحملة قانونيا وتهديد الداعمين لها بفرض عقوبات قاسية عليهم وعلى مؤسساتهم لكن كل المحاولات باءت بالفشل.

فوز بوريس جونسون وحزبه (المحافظين) بأغلبية ساحقة في الانتخابات الأخيرة شجعه للعمل على إعداد قانون لتجريم الحملة والقائمين عليها وهو ما أحدث ردة فعل غاضبة من رموز العمل الإسلامي داخل بريطانيا وطرح تساؤلات عديدة عن مستقبل حملة المقاطعة الدولية.

"الاستقلال" حاورت الحقوقية البريطانية رغد التكريتي نائب رئيس الرابطة الإسلامية وأحد أبرز نشطاء العمل الإسلامي في بريطانيا حول مستقبل حملة BDS، وكيف سيؤثر فوز جونسون على طبيعة ومسارات وآليات عمل الجاليات الإسلامية داخل المملكة المتحدة تحت حكم المحافظين.

  • كيف كانت بداية حملة المقاطعة الدولية لإسرائيل في بريطانيا، وإلى أي مدى أثرت تلك الحملة  في الرأي العام البريطاني؟

البدايات الأولى لفكرة المقاطعة كانت في بريطانيا من خلال المقاطعات الأكاديمية ضد المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، ثم انتشرت في دول أخرى في أوروبا كإيطاليا مثلا من خلال منع استيراد البضائع والمنتجات من المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة بالضفة الغربية وقطاع غزة. 

عام 2005، وفي الذكرى السنوية الأولى لقرار محكمة العدل الدولية في لاهاي بإدانة الجدار الاستعماري والاحتلال الإسرائيلي، تمت الدعوة إلى مقاومة مدنية عالمية ضد إسرائيل عن طريق مقاطعتها وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها.

هذه الحملة أطلق عليها اختصارا اسم (بي دي إس) حتى تنصاع دولة الاحتلال إلى القانون الدولي والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان وتنهي جرائمها ضد الشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال وتفكيك الجدار والاعتراف بالحق الأساسي في المساواة الكاملة لمواطنيها الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 48 بحقوقهم الفردية والجماعية والاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم بموجب قرار الأمم المتحدة  1948.

ويمكنني القول أن أثر حملات المقاطعة في الرأي العام البريطاني واضح حيث ازداد حجم المتضامنين مع الشعب الفلسطيني وضد الاحتلال الإسرائيلي ازديادا مطردا وتحول الرأي العام إلى مناصرة حقوق الفلسطينيين والتنديد بجرائم الاحتلال الإسرائيلي. 

  • من يقف وراء استهداف هذه الحملة من وجهة نظرك؟ هل هو بوريس جونسون أم اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا؟

المعروف أن بوريس جونسون له علاقات حميمة مع إسرائيل، وحسب تصريحاته في السابق فإن جونسون كان يعتبر دولة إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة والتي لها الحق في الاحترام والدفاع عن حقوقها، واعتبر أن معاداة إسرائيل حتى ولو من خلال حركات المقاطعة يعد إضرارا بالديمقراطية الوحيدة الموجودة في الشرق الأوسط.

في بداية الأمر كان الأمر محدودا ولم تشكل هذه الحملة تهديدا حقيقيا للكيان الصهيوني إلا أن انتشار الدعم لهذه الحملة في بريطانيا وفي دول أوروبا بشكل واسع بات يشكل قلقا لإسرائيل حيث يتم مقاطعتها من قبل المؤسسات الأكاديمية والرياضية وغيرها من القطاعات. 

أصبح هاجس المقاطعة الأوروبية يؤرق إسرائيل لما يشكله من تهديد حقيقي لوجود دولة الاحتلال. والمعروف أن اللوبي الصهيوني قلق إزاء تصاعد أعداد المناهضين لدولة الاحتلال خصوصا في بريطانيا وهي تعتبر مدينة لندن خلية للناشطين الذين ينشرون هذا الفكر المناهض لدولة إسرائيل في أوساط البريطانيين.

اللوبي الإسرائيلي

  • إلى أي مدى يؤثر هذا اللوبي الإسرائيلي في الضغط على صانعي القرار الرسمي في بريطانيا، وما هي مؤشرات ذلك في نتائج الانتخابات الأخيرة ؟ 

اللوبي الإسرائيلي له تأثير قوي خصوصا في أروقة صناعة القرارات في بريطانيا والولايات المتحدة، لذلك تجد أن الساسة والبرلمانيين الذين يتحدثون ضد إسرائيل دفاعا عن الحقوق الفلسطينية يواجهون هجمات شرسة من قبل اللوبي وأعوانهم، ويثيرون زوبعة إعلامية ضدهم تنال منهم ويتم على الأغلب استخدام ورقة معاداة السامية ضدهم واتهامهم بتلك الجريمة. 

من أهم أسباب خسارة جيرمي كوربن زعيم حزب العمال البريطاني التي يذكرها المحللون في الانتخابات الأخيرة هي الحملة الشرسة ضده واتهامه وحزبه بمعاداة السامية.

كانت تلك هي ورقة الضغط التي استخدموها لأشهر قبل الانتخابات وأثناء حملات الدعاية لتشويه صورة جيرمي وحزبه، وتناول الإعلام هذا الأمر وتداوله بصورة متحاملة ضد جيرمي وبما يحقق مصالح اللوبي الإسرائيلي رغم تصاعد أصوات يهودية مناصرة لحزب العمال تنفي هذه الاتهامات عن جيرمي وحزبه الا أن أصواتهم لم تمنح الحيز نفسه الذي منح للأصوات المناكفة، لذلك فإن تأثير اللوبي الإسرائيلي في نتائج الانتخابات الأخيرة كان كبيرا للغاية.

  • من بين 3 قوانين أعلن عنها رئيس الحكومة الجديد، هناك ذلك القانون الذي يتعلق بتجريم حملة المقاطعة لإسرائيل، ما هي تفاصيل ذلك القانون؟ 

هذا القانون يدعو إلى منع وتجريم المؤسسات العامة والبلديات التي تشارك في حملات المقاطعة (بي دي إس) المباشرة وغير المباشرة ضد إسرائيل بدعوى أنها تنتهج سياسة خارجية مخالفة للدولة مدعية أن ذلك ينتقص من وحدة وتماسك المجتمع البريطاني. 

  • حكومات أوروبية جرمت هذه الحملة مثل ألمانيا وإسبانيا، وهناك سعي في الولايات المتحدة أيضا لتجريمها، وكانت هناك محاولات بريطانية سابقة لكنها فشلت، برأيك هل تنجح المحاولة هذه المرة عبر بوريس جونسون؟ 

المحاولات السابقة في بريطانيا كانت مع حكومة متعقلة نوعا ما ومعارضة قوية تملك إسقاط قرار تجريم حملة المقاطعة على اعتبارها حق للمواطن أن يعبر عن اعتراضه ورفضه للاحتلال عن طريق المقاطعة.

لكننا اليوم نواجه تيارا يمينيا مواليا لدولة إسرائيل وسياساتها في المنطقة وتحاول أن تتعاون معها من أجل دفع أي ضرر عنها والحكومة الآن برئاسة جونسون تشبه حكومة الولايات المتحدة برئاسة ترامب والذي أعلن عن نقل السفارة الإسرائيلية الى مدينة القدس إرضاء للوبي الصهيوني.

نحن الآن نواجه ارتفاعا لموجة التيار اليميني المتطرف ومناصرة لسياسات إسرائيل والتوجه لقمع الأصوات والحملات التي قد تضرها في المنطقة. أما بالنسبة لنجاح جونسون في قمع هذه الحركة في رأيي ستبوء بالفشل كما فشلت الحملات الصهيونية من قبلها لأن استطلاعات الرأي ما زالت تشير إلى ازدياد حالة التأييد للفلسطينيين.

وفي ظل استخدام ورقة معاداة السامية كورقة ضغط ضد الأصوات المنددة بالاحتلال الإسرائيلي وبجرائمه المستمرة ضد الفلسطينيين قد يبدو للوهلة الأولى أن هناك نجاحا في مكافحة تلك الأصوات إلا أن هذا القمع سيؤدي لازدياد المعادين لدولة إسرائيل وجرائمها العنصرية ضد الشعب الفلسطيني المحتل.

  • برأيك هل سيتأثر العمل الإسلامي في بريطانيا بهذا القانون إذا ما تم إقراره؟

لا أظن أنه سيتأثر بشكل مباشر، لكن العمل الحقوقي المطالب بالحريات وحقوق الإنسان والرافض للاحتلال وجرائمه والأصوات التي تدعم حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن حقوقه ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي سيواجه هجمة شرسة وتجريما من خلال هذا القانون.

ولأن القضية الفلسطينية ومناضلة الاحتلال الإسرائيلي قضية أساسية للمسلمين عامة وقضية جامعة، فستكون هناك مواجهة عنيفة لهذا القانون، بجانب باقي قطاعات الشعب البريطاني المناصر للقضية الفلسطينية والمندد بجرائم إسرائيل، وبذلك فسيكون للقانون أثر على المسلمين وغيرهم في دفاعهم عن قضية فلسطين. 

اليمين المتطرف

  • تصاعد اليمين في أوروبا والخطاب الشعبوي الرافض للإسلام والمسلمين هل أصبح يشكل خطرا حقيقيا على الجاليات المسلمة في أوروبا؟ 

هناك تخوف حقيقي من تصاعد اليمين المتطرف في أوروبا وفي الغرب عموما والخطاب المعادي للإسلام والمسلمين الذي أصبح يتداول من خلال تصريحات الساسة والمسؤولين والذي يقوي هذا الخطاب ويغذيه وكأنه يعطي الضوء الأخضر للإسلاموفوبيا، وهذا حسب الإحصاءات يزيد من الاعتداءات ضد المسلمين في أوروبا ورفض لوجودهم وانتمائهم، خصوصا من قبل اليمينيين الذين قد لا يكون لديهم احتكاك بالمسلمين، ويستقون معلوماتهم من خلال الإعلام المتحيز والذي يبث أخبارا قد تزيد من الكراهية للآخر ورفضه.

لهذا فهناك تخوف مما قد تؤول إليه الأمور مع صعود بوريس جونسون والذي سبق أن صرح بتصريحات تنال من المسلمات، لكن ذلك لا يجب أن يدعونا إلى الخوف المبالغ فيه وإنما الاستمرار في المشاركة في كل المنصات والتواصل الدائم مع صانعي القرار ومع الفئات المختلفة من الشعب البريطاني لتعريفه بالمسلمين عن طريق الاحتكاك والمشاركة في الحياة العامة وإيجاد نموذج إيجابي للمسلم البريطاني المهتم بكل ما يمس المجتمع الذي هو جزء أساسي منه.

  • مع تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا في بريطانيا في العامين الأخيرين ومع استهداف زعيم حزب العمال جيرمي كوربين بتهم معاداة السامية، هل أصبح المسلمون في بريطانيا مع بوريس جونسون بين مطرقة الإسلاموفوبيا وسندان معاداة السامية؟

على ما يبدو أن المسلمين سيواجهون تحديات مستقبلية في ظل الحكومة الحالية، وهذا يستوجب وضع إستراتيجيات حكيمة للتعامل مع الواقع الذي قد فرض عليهم وأن يسعوا لإقامة علاقات مع شخصيات معروفة ومرموقة إسلامية وغير إسلامية لأجل استخدام منصاتهم لرفض العنصرية والإسلاموفوبيا التي قد تزداد في ظل حكومة جونسون.

من المهم بالنسبة للمسلمين عدم الخضوع والتخوف من اتهامهم بمعاداة السامية إذا ما انخرطوا في العمل للدفاع عن حقوق الفلسطينيين وذلك من خلال تحدي معنى معاداة السامية والعمل من أجل كشف أن هذا المصطلح يستخدم كغطاء من أجل منع انتقاد دولة الاحتلال الإسرائيلي.

هناك الكثير من التحركات البريطانية التي يرأسها غير المسلمين تعارض الاحتلال الإسرائيلي وتندد بجرائمهم ضد الشعب الفلسطيني التي يجب على المسلمين التعاون معها من أجل دفع حركة المعارضة إلى الأمام دون تلكؤ أو خوف وكذلك الاستعانة بالجهات القانونية والحقوقية من أجل تحدي هذا الاتهام والتفريق بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية والإصرار على أن المعنيين مختلفون تماما.

لا يعني أن تنتقد دولة إسرائيل أن تكون معاديا للسامية حيث تشاركنا شخصيات يهودية معروفة في انتقاد إسرائيل وسياساتها العنصرية ضد الشعب الفلسطيني ولا يمكن اتهامهم بمعاداة السامية.

مسارات العمل

  • كنائب لرئيس الرابطة الإسلامية في بريطانيا، ما هي مسارات العمل لديكم للتصدي لهذه الهجمة الشرسة ضد المسلمين ومؤسساتهم؟ 

بعد ظهور نتائج الانتخابات حرصت الرابطة على إصدار بيان تطالب فيه الحكومة بطمأنة الأقليات وتبديد مخاوفهم ما قد يحدث بعد تسلمهم زمام الأمور وتطالب فيه بسياسات تأخذ بعين الاعتبار جميع مواطنيها وتذكر الحكومة بمسؤوليتها تجاههم وبمنع سن قوانين عنصرية ضدهم. 

نحن في عملنا في الرابطة نحرص على إيجاد النموذج الإيجابي الذي يعرف بالإسلام والمسلمين بشكله الصحيح والذي يندمج المسلمون فيه بالمجتمع البريطاني اندماجا ايجابيا ويقدم له كل الخير الذي عنده دون ذوبان أو شعور بالنقص.

كذلك نشرع في تقديم الدعم للمسلمين وتقديم الأنشطة التي تؤكد هويتهم الإسلامية والبريطانية دون تعارض، وتحثهم على المشاركة في كل جوانب الحياة الأكاديمية والسياسية والاقتصادية والقانونية وغيرها.

نحرص على استخدام كل المنصات المتاحة من أجل إيصال صوتنا للبريطانيين غير المسلمين وتعريفهم بفكرنا وفهمنا الإسلامي والذي يحث على الخير للمجتمع البريطاني بشكل عام.

المشاركة تكون بشكل عملي من خلال الحملات المجتمعية حيث يبرز الشباب المسلم في التعاون مع البلديات المختلفة للمحافظة على النظافة العامة أو الاهتمام بالمشردين وإطعامهم أو فتح أبواب المساجد أمام الجائعين أو مشاريع خيرية عامة تعود بالنفع على المجتمع البريطاني.

كما أننا نقيم علاقات مع شخصيات من مختلف الأحزاب السياسية لنقاش أمور وسياسات تهم المسلمين في بريطانيا.  

  • جالية مسلمة تعدادها يقارب 3 ملايين في بريطانيا، ما الذي ينقصكم للعمل بشكل مماثل لجماعات الضغط ما يجعل لكم تأثير حقيقي في المشهد البريطاني سواء سياسيا أو مجتمعيا أو حتى إعلاميا؟ 

بعض الإحصاءات تشير إلى تعداد يقارب الأربعة ملايين مسلم، لكن الواقع هو أن المسلمين لا يمثلون كتلة واحدة ولا فكرا واحدا بل هم ينتمون إلى مشارب مختلفة وأفكار متعددة كما هو الشعب البريطاني، تجمعهم بعض الأمور وتفرقهم أخرى.

المسلمون في بريطانيا هم من خلفيات ودول شتى لذلك لا نجد الجميع منخرط تحت عمل جامع لكل هذه الأعداد. هذا لا يعني أنه لا يمكن تشكيل جماعة ضغط قد يكون لها وزنها وتأثيرها عند اتخاذ القرارات المختلفة، لكن لا يمكن أن تقارن بجماعات الضغط الممولة من قبل دول وكيانات قوية كإسرائيل وأمريكا والتي رصدت الملايين من الدولارات لدعم عمل جماعات الضغط ومن أجل الحملات الإعلامية، بينما لا تجد الجماعات المسلمة الضاغطة التأييد من الدول الإسلامية بل في كثير من الأحيان تجد بعض الدول المسلمة تحاربها وتندد بها وتعمل ضدها.

لذلك، ليس هناك تكافؤ في جماعات الضغط إلا أننا مؤمنون أننا أصحاب حق وقضية لذا فإن أحرار العالم من المسلمين وغير المسلمين الذين يقفون مع القضايا العادلة يدعمون مطالبنا ونقف معهم في دعم قضايا العدل في داخل بريطانيا وخارجها.