لم يكن من أربعة ألوان.. ما سر العلم الفلسطيني الذي يجهله الكثيرون؟

أحمد طلبة | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مستطيلان أحدهما أسود والثاني أخضر، يتوسطهما ثالث لونه أبيض مجاور لمثلث أحمر. هذا شكل العلم الفلسطيني المتعارف عليه منذ عام 1917، ولا يزال متداولا حتى يومنا هذا.

لكن ثمة شكل آخر كان من المفترض أن تكون عليه الراية التي تعبر عن الفلسطينيين ونضالاتهم في المحافل الدولية، على طول فترات الثورة التي مروا بها منذ الانتداب البريطاني، وما زالت مستمرة تحت الاحتلال الإسرائيلي.

5 ألوان الأبيض والأحمر والأخضر والأسود موزعة على 4 مثلثات يتوسطها شكل معين يحمل اللون البرتقالي الذي لم يكن اختياره محض صدفة أو عبث.

الوصف السابق لأحد مقترحات العلم الفلسطيني الذي كان مرجحا أن يكون بديلا عن الشكل المعروف عليه الآن، وهي قصة يجهلها كثير من العرب، حتى الفلسطينيون أنفسهم.

سر العلم ظل مكنونا حتى لفت إليه النظر، الموثق والباحث الفلسطيني "طارق البكري"، ضمن مشاركته في منصة "لمّة" بالعاصمة الأردنية عمّان في ديسمبر/كانون الأول 2019، خلال حديثه عن مبادرة "كنا وما زلنا".

و"البكري" يقوم بعمل فريد من نوعه، نابع من انتمائه لقضية بلاده، حيث يوثق بمئات آلاف الصور الفوتوغرافية عددا من القرى والمباني الأثرية التي هُجّر منها الفلسطينيون في أعقاب نكبة عام 1948.

قصة العلم

المراجع التاريخية تقول: إن العلم الحالي صممه "الشريف حسين" على أنه رمز للثورة العربية عام 1916، غير أن الفلسطينيين استخدموه في إشارة للحركة الوطنية التي شهدها عام 1917، وبعد نحو 30 عاما تم تفسيره رمزا للحرية وللوحدة العربية.

عندما وضع المجلس الوطني ميثاقه القومي في 1964، نصت المادة (27) منه "على أن يكون لفلسطين علم وقسم ونشيد، وحددت ألوانه بالترتيب كالتالي: أخضر فأبيض ثم أسود مع مثلث أحمر".

آنذاك كان الأخضر يلون المستطيل العلوي من العلم، قبل أن تضع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير نظاما خاصا يحدد مقاييسه وأبعاده، إذ حل الأسود مكان الأخضر أولا، حسب وكالة الصحافة الفلسطينية للأنباء "وفا".

وتم الاعتراف به من جامعة الدول العربية عندما استخدمه الفلسطينيون في "المؤتمر الفلسطيني" بغزة عام 1948، ومع انطلاق الثورة مطلع 1965 اتخذت العلم شعارا، قبل أن تتبناه منظمة التحرير في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 1988.

الانتداب على العلم

بين 1920 و1948 أخذ العلم شكلا مغايرا تماما، وهو في الحقيقة فرض غصبا من قبل سلطات الانتداب البريطاني التي جاءت على أرض فلسطين في تلك الفترة.

كان يرمز لعلم فلسطين في تلك الفترة بمستطيل أحمر اللون، في زاويته اليسرى العلوية علم بريطانيا، في أسفل الزاوية المقابلة دائرة بيضاء "في داخلها اسم الولاية (فلسطين) بالأحرف الإنجليزية".

وحسب المراجع التاريخية، فإن "ذلك - إلى حد ما - كان غير عادي، نظرا إلى أن جميع الأراضي البريطانية الأخرى في إفريقيا وآسيا التي كانت أعلامها على أساس أعلام الراية الزرقاء، في حين أن النسخة الحمراء كانت تستخدم في أوروبا وأمريكا الشمالية".

لم يعترف الفلسطينيون بهذا العلم لا شعبيا ولا رسميا، إنما كان يرفع فوق المؤسسات الحكومية التابعة لحكومة الانتداب فقط، وهو ما أشار إليه "البكري" في مداخلته ضمن منصة "لمة".

 وتقول المراجع ذاتها: "كان هذا العلم هو الراية التي ترفع على المباني الحكومية، والمطارات، والقواعد العسكرية، والمنشآت داخل فلسطين وخارجها، لكن استخدامه انتهى مع رحيل الانتداب عام 1948".

العلم البرتقالي

في حديث لـ "الاستقلال" يقول البكري: "الانتداب البريطاني الذي كان في فلسطين حاول فرض علمه، لكن الفلسطينيين رفضوا استخدامه".

وبالنسبة لعلم الألوان الخمسة، فإن فكرته تبلورت وبدأت بالظهور بعد اندلاع ثورة البراق، حين أصبح الحس الوطني لدى الفلسطينيين عاليا جدا، وشعروا أنهم بحاجة لشيء يميزهم ويرفع من حسهم القومي والوطني"، حسب البكري.

ويتابع: "أصبح هناك العديد من المقترحات فيما يتعلق بالنشيد الوطني والعلم، ومن المؤكد أن الشعور الوطني لم يتم حصره فقط في العلم، بل امتد ليصل إلى التجارة والصناعة الفلسطينية (في ذلك الوقت)".

وبتخصيص الحديث عن العلم الخماسي، يقول: إن "أحد أشكال العلم كان يحتوي على اللون البرتقالي، بسبب شهرة فلسطين بزراعة البرتقال".

ويضيف: "كان هناك العديد من المقترحات، مثل شكل العلم (الحالي) ذاته، لكن بإضافة صليب وهلال عن اللون الأحمر أو الأبيض، وهذا (العلم الخماسي) كان أحد الاقتراحات".

ويستطرد "البكري" بالقول: إن من المقترحات أيضا، كان هناك تصميم يضم 4مثلثات، وفي منتصفها صليب وهلال"، موضحا أنه "كان هناك تركيز كبير على الهوية الدينية (المسلمة والمسيحية) بعيدا عن اليهودية بالطبع".

وتجدر الإشارة إلى أن المقترح جاء على صدر الصفحة الأولى من العدد 111 لجريدة فلسطين، في 20 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1929، تحت عنوان "علم ونشيد.. اقتراحان".

رمزية البرتقالي

حسب "البكري" فإن كل مصلحة أصبح يطلق بجانبها كلمة وطنية، مثل "سينما الحمراء" التي أصبح اسمها لاحقا "سينما الحمراء الوطنية"، وكذلك الأمر بالنسبة لـ "معمل القمصان الوطني".

ويستند "البكري" في حديثه إلى وثائق تعود لمجلة الصناعية الفلسطينية (1946 -1947)، والتي أكدت أن "فلسطين كانت تحتل المرتبة الثالثة عالميا كأكبر البلدان المنتجة للحمضيات بعد أمريكا وإسبانيا".

الوثائق نصت على أن فلسطين كانت تصدر 11 مليون صندوق برتقال سنويا، كما أن الحقول الزراعية كانت تتجزأ إلى جزأين، الأول تابع للاحتلال الإسرائيلي، والآخر للعرب، مستدركا: "لكن القسم الأكبر كان للفلسطينيين".

ويشير إلى مقاطعة عربية كانت للبرتقال الذي يتم استخراجه من الحقول الزراعية التابعة لليهود، لذلك كان يضع بجانب الثمار الفلسطينية كلمة "الوطنية".

ويتابع: "عند رؤية كلمة وطنية تعلم أنه برتقال استخرج من أرض فلسطينية، كما أنه كان هناك رقابة على البرتقال الذي يصل إلى سوريا ولبنان عن طريق صفد، لأن يكون وطنيا فلسطينيا وليس يهوديا".

البترول الفلسطيني

يقول "البكري" خلال مداخلته في منصة "لمة": إن البرتقال بالنسبة للفلسطينيين كان يمثل ثروة بترولية، إذ أنها صدرت في عام واحد 12 مليون صندوق برتقال إلى العالم.

ويشير إلى أنه في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية كان الاقتصاد العالمي يعاني ركودا، ولم يكن هناك إمكانية – مثلا- لتبديل المارك الألماني بالجنيه الفلسطيني، لكن خطة كانت تقوم على المقايضة حلت المشكلة آنذاك.

عائلة "غرور" المتأصلة من يافا كانت تمتلك شركة سيارات توزع إلى الأردن وسوريا ولبنان، فانتهزت خطة المقايضة لتبديل برتقال مدينة يافا بالسيارات الألمانية، بحسب الموثّق الفلسطيني.

على سبيل المثال، كانت تتم مقايضة سيارة ألمانية من طراز مرسيديس 170 بـ500 صندوق برتقال يافاوي في كل واحد منها 100 حبة، وهناك سيارات أخرى كانت تستبدل بـ300 أو 400 صندوق.