لوفيجارو: قصة جنود فرنسيين انضموا لتنظيمات مسلحة بسوريا والعراق

انضم حوالي 30 جنديا فرنسيا إلى صفوف التنظيمات المسلحة في سوريا والعراق وأفغانستان منذ عام 2012، واختاروا إعادة توجيه أسلحتهم ضد بلدهم، واضعين خبراتهم وما يتقنونه من تكتيكات حربية تحت تصرف هذه التنظيمات.
ومن المقرر أن ينشر مركز تحليل الإرهاب (CAT) في فرنسا، تقريرا مفصلا، عن هذا الأمر، لكن صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية استبقت الأمر، وكشفت عن جانب مما يحتويه.
بحسب الصحيفة، يوثق التقرير، مسار هؤلاء الجنود "الذين ينتمي بعضهم إلى وحدات ذات سمعة طيبة كالمارينز والمظليين، لكنهم قرروا الانضمام إلى صفوف المنظمات المتطرفة من خلال مسارات فردية مختلفة تماما عن بعضها البعض".
23 عسكريا
ويعرض التقرير مسار 23 من هؤلاء العسكريين الذين قرروا بغالبيتهم التوجه إلى المنطقة الحدودية بين سوريا والعراق، وأيضا إلى أفغانستان، ويؤكد أن الجيش الفرنسي يشكل بالنسبة للتنظيمات المسلحة هدفا إستراتيجيا للتجنيد.
غير أن مركز تحليل الإرهاب، الذي يرأسه جان تشارلز بريسارد، يؤكد في الوقت ذاته أن ما يسمى "التطرف الإسلامي يبقى هامشيا في الجيوش"، وأن "السلطات تراقب العسكريين المتطرفين أو الذين يمكن أن يكون لديهم ميل للتطرف، وأنه تم تشديد القوانين الفرنسية للسماح بإجراء تحقيقات إدارية بحق العسكريين".
وقالت الصحيفة: "في يونيو/ حزيران الماضي، كشفت مهمة تقصي حقائق بشأن الخدمات العامة التي تواجه التطرف أنه "فيما يتعلق بالجنود السابقين، فإن عدد الذين انضموا إلى منظمات متطرفة حوالي ثلاثين" منذ 2012-2013.
ورغم أنه عدد صغير من حيث الرقم، لكنه يمثل تهديدا حقيقيا إذا تخيلنا تأثير الهجوم الذي يمكن أن يرتكبه هؤلاء الأشخاص.
ووثق مانون شيميل، معد تقرير لجنة مناهضة التعذيب، 23 حالة من الجنود السابقين "الذين تم التعرف عليهم داخل التنظيمات المسلحة (بشكل رئيسي تنظيم الدولة) أو متورطون في هجمات إرهابية".
وأكد أن 10 من الـ 23 خدموا في وحدات النخبة من الأسلحة الثلاثة: كالفيلق الأجنبي والصيادين المظليين والقوات الخاصة الجوية وقناصي البحرية ومظليي مشاة البحرية، والباقي خدم بشكل رئيسي في الجيش، باستثناء واحد في البحرية وآخر في سلاح الجو.
وبحسب التقرير، استفاد جميعهم بالطبع بشكل واسع النطاق في التعامل مع الأسلحة والمتفجرات وتقنيات القتال، وكلها عناصر توضح أن الجيش يشكل هدفا إستراتيجيا للتجنيد إلى التنظيمات المسلحة وأن الجنود السابقين يمثلون قوة لا جدال فيها لهذه الجماعات".
وأوضح تقرير مركز تحليل الإرهاب أن بعض هؤلاء الجنود شغلوا بالفعل في بعض الأحيان مواقع إستراتيجية في تنظيمات مسلحة، أما الأشخاص الذين لم يتمكنوا من القيام بهذه الرحلة فقد خططوا لشن هجمات لا سيما ضد الجنود أو المواقع العسكرية.
وتساءلت "لوفيجارو": كيف انتهى الأمر بالجنود السابقين الذين خدموا تحت الألوان الثلاثة للدولة إلى القتال تحت راية أولئك الذين يكرهون فرنسا؟، حيث لفتت إلى أن لجنة مناهضة التعذيب، أشارت إلى أنه غالبا ما تختلف المسارات والدوافع اعتمادا على الفرد.
بالنسبة للبعض، يشير التقرير إلى أن التطرف حدث بمجرد انضمامهم إلى الجيش الفرنسي، وبالنسبة للآخرين بدأ بعد مغادرة الجيش، في حين هناك جزء ثالث خططوا إلى الانضمام للجماعات المتطرفة قبل تجنيدهم.
أوضاع الجنود
ومن بين هؤلاء شارنتيس بوريس ف.، المعروف باسم يونس الهارب، الذي التحق بقوات الكوماندوز الجوية لاكتساب الخبرة ووضعها في خدمة المتطرفين.
قيل إن الرجل قُتل عام 2016 بالقرب من حلب، على العكس من ذلك، فإن إروان ج.، وهو مواطن من ريدون (إقليم إيل وفيلان)، تطرف بعد رحيله من فوج المظليين.
وذكرت أنه بعد رحيله، غادر إلى سوريا عام 2013 ثم عاد إلى فرنسا، وحُكم عليه بالسجن لمدة 11 عاما.
كما أورد التقرير اسم مهدي هـ.، الذي خدم خمس سنوات في المشاة ومهمة العمليات الخارجية بإفريقيا، ورفض في عام 2008 الذهاب إلى أفغانستان لأنه لا يريد قتل المسلمين.
بعد ذلك كان هذا الجندي هدفا للاستخبارات العسكرية، وغادر الجيش عام 2009 ثم حاول الذهاب إلى أفغانستان، لكن ألقي القبض عليه في باكستان عام 2012 مع العديد من الفرنسيين، بما في ذلك أحد كوادر القاعدة، وحكم عليه بالسجن خمس سنوات بباريس في 2014.
وتذكر لجنة مناهضة التعذيب أن بعض هؤلاء الجنود حصلوا، بفضل تجربتهم العسكرية، على "مناصب إستراتيجية داخل التنظيمات المسلحة"، ومن بينهم عبد الإله ح.، وهو جندي سابق شارك في العمليات الخارجية لفرنسا بأفغانستان، واستطاع هذا الجندي إنشاء كتيبته الخاصة، التي تضمنت عددا من إرهابيي باتاكلان.
كما انضم أسامة س.، وهو جندي سابق من نيم، إلى شرطة تنظيم الدولة في الرقة واستخدمه التنظيم في الدعاية، كما كان الحال مع المظلي السابق إروان ج.، أثناء إقامته في هذه المنطقة.
ويقول التقرير: إن "ضعفاء الإرادة" يمثلون خطرا حقيقيا بنفس القدر، ففي عام 2015، أراد رودريج دا س.، وهو من أصل فرنسي – توجولي، خدم بفوج المظليين، شن هجوم ضد الشرطة أو الجيش.
وفي العام نفسه، أراد جبريل أ.، وهو بحار سابق، أن يقطع رأس الضابط الذي كان يقود سيارة صغيرة حيث خدم. كما أنه عام 2017، ألقي القبض على آلان ف.، الذي خدم عشر سنوات في الجيش، عندما أراد مهاجمة قاعدة جوية.
ووفقا للتقرير، هذه الظاهرة طالت حتى الجنود القدامى، ففي نوفمبر/ تشرين الثاني، اعتقلت المديرية العامة للأمن الداخلي (DGSI) فريديريك ر.، جندي سابق في الستينيات من عمره.
وبعد اعتناقه الإسلام، أراد مساعدة مجموعة من المسلحين الشباب (من 18 إلى 28 عاما)، إذ أعلن نفسه جنديا لـ"تنظيم الدولة" في حالة حرب مع الجنود الفرنسيين، حسب الصحيفة.
البوسنة وأفغانستان
ونوهت لوفيجارو إلى أنه مع الصراع السوري العراقي، أصبح التطرف ظاهرة اجتماعية بفرنسا، حيث شهد هذان البلدان انتقال آلاف المقاتلين خلال بضع سنوات، مقارنة مع بضع مئات لأفغانستان بين عامي 1989 و2001 وحفنة للبوسنة أو القوقاز.
ولفتت إلى أن التطرف المرتبط بالجيوش ليس أمرا جديدا، فالجنود الحاليون لهم أسلاف قادمون مباشرة من فرنسا ومنهم ليونيل دومون، الذي يقضي حاليا عقوبة بالسجن لمدة 25 عاما بسبب دوره في الفظائع التي ارتكبتها عصابة روبيه عام 1996 (سرقتان، محاولة هجوم بالسيارات).
ففي أوائل التسعينيات، خدم هذا الجندي السابق في سلاح المشاة البحرية ثم ذهب إلى الصومال، وبالعودة إلى الحياة المدنية، اعتنق الإسلام، وذهب إلى البوسنة والهرسك في عام 1994 لمحاربة الصرب في كتيبة المجاهدين العرب.
عند عودته، التحق بعصابة روبيه الدموية ثم تمكن من الفرار إلى البوسنة، وألقي القبض عليه، هرب من سجن سراييفو في عام 1999، ولم يعتقل إلا عام 2003 باليابان.
كما ذكرت "لوفيجارو" أن هناك مجندين سابقين آخرين تطرفا وسافرا إلى أفغانستان بعد بضع سنوات. وهم هيرفي جمال لويسو، الذي أدى خدمته العسكرية في فوج المشاة في الألزاس، حيث واظب هذا الابن لأب مسلم غير ملتزم وأم كاثوليكية متعصبة، على الحضور إلى أحد المساجد.
وعند عودته من الألزاس، لاحظ والده اعتناقه الإسلام الراديكالي، وفي عام 1998، شارك هيرفي في مشروع تفجير خلال كأس العالم لكرة القدم. وحُكم عليه عام 2000 بالسجن لمدة عام، بما في ذلك ثمانية أشهر مع وقف التنفيذ بتهمة "ارتباطه بخلية فيما يتعلق بمشروع إرهابي".
لكنه انضم بالفعل إلى معسكرات تنظيم القاعدة في أفغانستان، خلال ديسمبر/كانون الأول 2001، ووجدت جثته على بعد بضعة كيلومترات من تورا بورا، ملجأ القاعدة في أفغانستان.
الثاني هو ديفيد فالات ولديه ميزة عن الجنود السابقين، حيث أعلن عن توبته وأدى خدمته في عام 1991 في جبال الألب. بعد ذلك بعامين، حاول الوصول إلى البوسنة ثم سافر إلى أفغانستان عام 1994، وبعد عودته إلى فرنسا، أنشأ خلية متطرفة وحُكم عليه عام 1998.