علاقة الأردن وإسرائيل "في أسوأ حالاتها".. هذا ما لم يقله عاهل المملكة

خالد كريزم | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بينما يصف العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، علاقات بلاده بـ"إسرائيل" بأنها "في أسوأ حالاتها"، ترى "تل أبيب" أن التعاون الأمني والاستخباراتي والاقتصادي بين البلدين في أزهى مراحله.

فخلال مشاركته في الجلسة الحوارية لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى بنيويورك 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 قال الملك: "بالنسبة للعلاقات الأردنية الإسرائيلية فهي في أسوأ حالاتها الآن، ويرجع جزء من الأسباب إلى قضايا داخلية هناك. نأمل أن تتمكن إسرائيل من تحديد مستقبلها سواء في الأسابيع أو الأشهر القادمة".

وفي محاولة من "تل أبيب" لترميم العلاقات، قالت صحف عبرية في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، إن الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، يدرس زيارة الأردن بشكل رسمي بعد تصريحات الملك، موضحة أن الاتصالات بدأت فعليا لتنظيم الزيارة.

مؤشرات التدهور

يمكن الاستدلال على تراجع العلاقات بعدة مؤشرات أبرزها تصريحات إسرائيل المتكررة حول عزمها ضم غور الأردن، ومماطلة "تل أبيب" بتنفيذ مشروع قناة البحرين (تربط البحر الميت بالأحمر ويفيد عمان بتحلية المياه وسد النقص فيها).

ومن مؤشرات تدهور العلاقة أيضا، عدم تجديد الأردن اتفاقية تأجير منطقتي الباقورة والغمر على الحدود، وتجاوز "إسرائيل" صلاحيات عمان بالإشراف على إدارة المقدسات في القدس المحتلة، إضافة إلى تطور العلاقات السعودية الإسرائيلية على حساب الأردن.

أما أكثر الملفات التي قيل إنها تسببت بتراجع العلاقات، فهي رفض الأردن خطة تصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلاميا بـ"صفقة القرن"، إضافة إلى إدارة واشنطن ظهرها لعمان بشأن بحث أزمات المنطقة وحلولها.

يقول كبير المحللين في مجموعة الأزمات الدولية عوفر زالزبرغ: إن "ما فاقم المشكلة أن الحكومة الإسرائيلية، لا تهتم بشكل حقيقي بالمحافظة على العلاقة مع عمان، وتعتبر أنه لا خيار أمام المملكة سوى الاعتماد على تل أبيب".

وبالفعل، أكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، في 16 مايو/أيار 2019، أن نتنياهو لم يعد يبد حرصا على مساعدة المملكة على التحديات التي تواجهها كما كان يفعل سابقا، موضحة أنه كان يحرص في السابق على التواصل مع الملك الأردني والتشاور معه وإطلاعه على الكثير من الأسرار المتعلقة بالمنطقة.

ولفتت الصحيفة إلى أن "الملك عبدالله محبط جدا من الإدارة الأمريكية التي ترفض تزويده بمعلومات حول طابع بنود عملية السلام (صفقة القرن)، على الرغم من أنه زار واشنطن 3 مرات بهدف الحصول على هذه المعلومات"، مشيرة إلى أن فريق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاهل طلب الملك الأردني إطلاعه على تفاصيل "صفقة القرن" ومصير الأماكن المقدسة في القدس المحتلة وغيرها.

وادي عربة

في حديثه لـ"الاستقلال" يقول مدير مركز دراسات الشرق الأوسط جواد الحمد: "إن العلاقات لم تكن في وضع حسن، ليس من اليوم، وإنما منذ توقيع معاهدة وادي عربة، "باستثناء الأشهر الأولى التي جرى فيها تطبيق الاتفاقية بين الجانبين".

وجرى توقيع هذه المعاهدة في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 1994 في وادي عربة على الحدود الأردنية الإسرائيلية، ونصت على تحقيق سلام عادل وشامل بين البلدين استنادا إلى قراري مجلس الأمن 242 و338 ضمن حدود آمنة ومعترف بها.

ولتحقيق السلام المنشود كان ينبغي –كما جاء في الديباجة– تخطي الحواجز النفسية بين الشعبين الأردني والإسرائيلي.

لكن الأمر الأخير لم ير أي نجاح بالمطلق، ويؤكد الحمد هذا بالقول: "كانت هناك علاقة جديدة غير مسبوقة بعد توقيع الاتفاقية بين نخب حاكمة قليلة، ولم يصل هذا إلى أي مستوى شعبي، ولذلك يرفض الأردنيون المعاهدة ويطالبون بإلغائها حتى الآن".

على الجانب السياسي، "تحدث الملك عبدالله أن الإسرائيليين لا يلتزمون حتى بالمعاهدات والوعود، ورغم كل ما فعله الأردن لتطبيق المعاهدة والالتزام بها، كانت إسرائيل تخرقها اقتصاديا فيما يتعلق بالتصدير عبر ميناء حيفا وأيضا ما يرتبط بالمياه المعدنية في الباقورة والغمر التي كان من المفترض أن تعود للأردن 1998"، كما يقول الحمد.

لكن رغم هذه العلاقات المتوترة، لماذا لم يوقف الملك أو يلوح بوقف التعاون الإستراتيجي مع إسرائيل، أو صفقة الغاز المرفوضة شعبيا، والتي ستدر المليارات على تل أبيب، أو حتى فرض وصايته الفعلية على الأقصى وتحدي الغطرسة الإسرائيلية؟.

انعدام الثقة

"الملك عبد الله لا يصدق كلمة واحدة لنتنياهو"، هكذا وصفت قناة 13 العبرية في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، العلاقة الحالية بعد حديثها مع مسؤولين أردنيين، في حين أكد نتنياهو بداية الشهر نفسه أن إسرائيل تساعد ملك الأردن بشكل سري، قائلا: "لا يمكنني تقديم تفاصيل، فلنا مصلحة في الحفاظ على استقرار حكمه".

وفي سؤال حول ارتباط هذه السياسة الإسرائيلية بشخص نتنياهو نفسه، يقول الحمد: "ربما يتغير الوضع قليلا لو رحل نتنياهو، ولكن الإشكالية أن الأمر أعمق من ذلك (خاصة في نظر الشعب)، فقد قتلوا دبلوماسيين أردنيين سابقا على أراض أردنية ولم يحاكم نتنياهو القتلة بل استقبلهم على البساط الأحمر".

ولفت نتنياهو في تصريحه إلى أن تل أبيب تساعد على تمكين النظام الأردني في تعقب معارضيه بالداخل، لكنه أكد أن المسجد الأقصى هي الأزمة الأعمق في الشرق الأوسط، في إشارة إلى أنها أكثر ما يوتر العلاقة بين الجانبين.

وهو ما يؤكده الحمد بالقول: "على الصعيد السياسي هناك مواقف إسرائيلية وسياسات، لا يقبلها الأردن ولا الملك فيما يتعلق بموضوع القدس وضمها لإسرائيل ونقل سفارة واشنطن إلى القدس، أو الموقف الأمريكي بشأن المستوطنات وإصرار إسرائيل على الانتهاكات والتدنيس الدائم للأماكن الإسلامية المقدسة في محاولة لتحدي دور الأردن ووصايته عليها".

وكل هذا، بحسب الحمد، يضغط على عصب المملكة الأردنية ويجعلها ترى بوضوح أن إسرائيل غير جادة بالسلام وتطبيق اتفاقية وادي عربة والتي تنص على حل القضية الفلسطينية بشكل سلمي عادل.

التعاون الأمني

تشير التصريحات الأردنية والإسرائيلية على حد سواء، أن الأزمة سياسية بالدرجة الأولى ومتعلقة بدور الأردن في المنطقة، ولا تمس التنسيق بين الجانبين.

وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في نفس تقريرها المؤرخ في مايو/أيار 2019: إن التعاون الأمني والاستخباري بين إسرائيل والأردن يتواصل بوتيرة عالية جدا، وهو أوسع من أي تعاون يربط تل أبيب بأي دولة في المنطقة، رغم القطيعة بين ديوان الملك الأردني ومكتب نتنياهو.

وتؤكد معلقة الشؤون العربية في الصحيفة، سمدار بيري، أنه "من النادر جدا إيجاد مستوى تعاون أمني في المنطقة مثل السائد بين المستويات الأمنية العليا في كل من عمّان وتل أبيب".

وفي حين يؤكد يوسي يهشوع، المراسل العسكري لـ"يديعوت أحرونوت" أن الرقابة العسكرية الإسرائيلية تحظر نشر أي خبر عن طابع التنسيق الأمني مع الأردن، تقول بيري: إن التعاون الأمني بين عمّان وتل أبيب يجري بوتيرة عالية رغم بعض الخلافات بين نتنياهو والملك.

ويرد الحمد بأن "ما يجري هي محاولة من وسائل الإعلام الإسرائيلية لتوجيه رسالة للرأي العام الأوروبي والأمريكي، بأن إسرائيل ليست دولة سيئة، ويحاولون تجاوز الأزمات لأن الملك عبدالله يكشفهم ويسيء لهم".

ويتفق الكاتب والمحلل السياسي أنيس خصاونة مع هذا الرأي، قائلا: "حديث وسائل الإعلام الإسرائيلية فيه مبالغة، فمن مصلحة الكيان دوما الترويج أن العلاقات تسير بشكل جيد مع مصر والأردن وبعض الدول الخليجية، العلاقات ليست جيدة، موقف الأردن من القضية الفلسطينية غير قابل للمساومة".

وأكد خصاونة لـ"الاستقلال" أن "تصريحات الملك جاءت في زمانها ومكانها، حيث تجاوز الأردن حتى موقف السلطة الفلسطينية في التأكيد على الحقوق والتشدد في حق العودة، والموقف من الاستيطان واضح وأكده الملك. العلاقة ليست حسنة الآن ومرشحة للمزيد من السوء في المستقبل".

وتساءل: "كيف يكون الأردن في علاقة طيبة مع إسرائيل، وهو يرى أن الاستيطان يقتل الأراضي الفلسطينية شيئا فشيئا والحكومة الإسرائيلية مستمرة بهذه السياسة بشكل غير مسبوق مستغلة بذلك بعض المواقف العربية وتمكنها من التأثير على واشنطن في مواقفها تجاه الاستيطان".

وتطرق خصاونة إلى مواقف إسرائيل من القدس والتهويد والمقدسات والوصاية الهاشمية ناهيك عن سجن مواطنين أردنيين مؤخرا دون سبب.

الاستخفاف بالمملكة!

قبل أسابيع، أظهرت قضية اعتقال المواطنين الأردنيين عبدالرحمن مرعي وهبة اللبدي المسافة التي قطعتها إسرائيل في استخفافها بالمملكة الأردنية والعلاقة معها، وفق ما يقول الخبير في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي.

ففي تصريحات نقلها عنه موقع "واللا"، قلل وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان من قيمة إقدام الأردن على استدعاء سفيره في تل أبيب عقب حادثة الاعتقال، قائلا: "هذه الخطوة لن تؤثر على طابع العلاقات بين الجانبين، حيث إن التعاون الإستراتيجي ممتاز"، على حد تعبيره.

وقال النعامي في مقاله بتاريخ 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019: "أعطى أردان الانطباع عبر هذا التصريح بأن خطوة سحب السفير جاءت فقط كمحاولة غير جادة من الحكم الأردني لامتصاص غضب الجمهور".

ومن أمثلة الغضب الأردني، والحديث لجواد الحمد أن "الشعب ومجلس النواب يرفضون صفقة الغاز، بمعنى أن الحكومة الأردنية، تعاني من مشكلة وأصبحت الصفقة عبئا عليها، وليست خدمة لها كما تحاول إسرائيل الترويج".

ويتابع: "ما دام الأردن وافق على صفقة غاز ليس بحاجة لها وتلقى معارضة شعبية وسياسة، فلماذا هذا السوء بالعلاقات؟. إسرائيل هي المشكلة". وهو ما يمكن تصنيفه في جانب الاستخفاف الإسرائيلي الذي تطرق إليه النعامي.

التبادل التجاري

وتظهر الأرقام أن حجم التبادل التجاري بين الأردن وإسرائيل تراجع من نحو 264 مليون دينار (نحو 372 مليون دولار) عام 2008 إلى نحو 91 مليون دينار (نحو 128 مليون دولار) عام 2017 بنسبة انخفاض ناهزت 65 بالمائة.

لكن رغم ذلك، يبدأ الأردن في ديسمبر/كانون الأول 2019، استيراد 45 مليار متر مكعب من الغاز، على مدار 15 عاما، بقيمة 10 مليارات دولار. لذلك، تجد التصريحات الأردنية عن العلاقات المتردية مع إسرائيل، انتقادات في الصحافة الإسرائيلية.

فقد هاجم صحفيون ومحللون إسرائيليون خطاب وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي في مؤتمر المنامة الأمني نوفمبر/تشرين الثاني عندما قال: إن علاقة بلاده بإسرائيل في أدنى مستوياتها، وأن التعاون بينهما محدود.

وغرد الصحفي الإسرائيلي ليور غاتمن على تويتر قائلا: "هل نسي الصفدي أن بلاده ستتلقى الشهر المقبل عقدا للغاز الإسرائيلي الطبيعي بقيمة 10 مليارات دولار، وأن غازنا سيصل إلى شركة الكهرباء التي ستنير برلمانا سيستمر في صدمتنا".

لكن كل هذا لا يترجم إلى سلام اقتصادي حقيقي، رغم ما يتمتع به الجانبان من علاقات تعاون أمني وعسكري، وفق ما أوجزه يوم دراسي خاص عقده مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، في 25 سبتمبر/ أيلول الماضي.

ويؤكد خصاونة ذلك بالقول: "تصريحات جلالة الملك حقيقية وتعكس الوقائع على الأرض، العلاقات في أسوأ حالاتها، بغض النظر عن بعض العلاقات التجارية الهامشية الضئيلة. الأردنيون كشعب لا يقبلون على التطبيع ولا التواصل مع إسرائيل، المواقف الشعبية معلنة والرسمية السياسية واضحة".

وخلص الإيجاز للإشارة إلى خيبة الأمل الأردنية من عدم الوفاء بالوعود المتعلقة بالسلام الاقتصادي، في عدة جوانب، أبرزها التلكؤ الإسرائيلي المتواصل في تطبيق مشروع قناة البحرين، ومسألة تشجيع العمل والتجارة وحركة الاستيراد والتصدير.

الجانب الناجح والمؤكد في هذه العلاقة، يعود وفقا لنفس الإيجاز، وما نشرته صحيفة "هآرتس" منتصف أكتوبر/تشرين الأول، إلى وجود إجماع أردني إسرائيلي على أن التعاون الأمني والاستخباراتي، الذي انطلق سرا قبل توقيع اتفاقيات السلام، قد تطور وتحسن جدا على مر السنين.

كما أن الحدود الأردنية الإسرائيلية، وهي أطول حدود لدولة الاحتلال مع دولة عربية، تعتبر آمنة نسبيا. وتشيد كل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية المختلفة بالعلاقات الوطيدة مع نظيراتها في المملكة الأردنية، ناهيك عن التنسيق على المستوى التكتيكي والإستراتيجي المطلوبين لإسرائيل في "محيط إقليمي متغير".

وفي ظل الخيبات الأردنية من عدم تطبيق الوعود الخاصة بـ"ثمار السلام"، أشارت السفيرة الإسرائيلية السابقة لدى عمان عينات شلاين، في مداخلة لها باليوم الدراسي، إلى أن العلاقات الأردنية الإسرائيلية ترتكز الآن على البعدين العسكري والأمني، مضيفة أنه لا يمكن لمثل هذا السلام أن يستمر فقط على هذا الأساس وحده.

ومع ذلك، تتمسك عمان بهذه العلاقة رغم كل ما تحمل من إساءة، ويمكن الاستناد إلى ذلك من خلال سياسة البابين، حيث داست وزيرة أردنية على علم إسرائيلي وضع على مدخل مقر النقابات المهنية في العاصمة عمّان مؤخرا، ما أثار احتجاجا وسخطا إسرائيليا، بينما احتوى رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز، الموقف عبر رفضه الدخول من الباب الرئيس لمجمع النقابات، عند زيارته، وتعمد الدخول من الباب الفرعي.