مصرع "السدراوي".. كيف يعاني فقراء المغرب على الحدود الإسبانية؟

12

طباعة

مشاركة

في 5 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقف شاب عشريني، ينحدر من مدينة تطوان (شمال المغرب)، في طابور طويل ينتظر دوره للدخول إلى مدينة سبتة -تحت السيادة الإسبانية- لشراء السلع وإعادة بيعها في مدن الشمال.

يوسف السدراوي، شاب يمتهن التهريب المعيشي، شأنه شأن الآلاف من نساء ورجال المنطقة الشمالية، الذين أخذوا من تهريب السلع الإسبانية مهنة لهم.

يوسف لقي مصرعه بعد يومين من دخوله في غيبوبة وذلك بعد سقوطه من منحدر في معبر "ترخال" الحدودي، الأمر الذي دفع السلطات الإسبانية إلى إصدرا قرار غلق الممرات الحدودية في وجه التجار المغاربة لمدة فاقت الشهرين.

مصرع يوسف ليست الأولى التي يشهدها معبر "ترخال"، فالأسماء بالمئات، وفي عام 2019 فقط تُوفي 6 أفراد، ما دفع البرلمان المغربي إلى تكوين لجنة تقصي حقائق، وقفت على الأوضاع في الممرات الحدودية الشمالية مع سبتة ورصدت تقريرا مطولا لم يتم تنفيذ توصياته على أرض الواقع.

معبر الموت

يُعد ممر "ترخال" من أكبر المعابر الحدودية بين المغرب وإسبانيا ويقع تحديدا في مدخل مدينة سبتة، التي تخضع لحكم ذاتي وتابعة إقليميا لإسبانيا. 

يمر عبره آلالاف من المغاربة كل يوم، وتُسيره بشكل رسمي السلطات الإسبانية التي تُراقب جوازات السفر على الحدود، كما أنها تسمح للمقيمين في المدن الشمالية، الذين يتوفرون على بطاقة وطنية بعنوان شمال المغرب بالمرور إلى سبتة دون الحاجة إلى جوازات السفر أو تأشيرة الدخول.

ترامي المسؤوليات بين الحكومتين المغربية والإسبانية لم ينته، إذ أعلنت الأخيرة أن المغرب هو من طلب إغلاق المعبر الحدودي، كما أن الرباط زادت من عدد العناصر الأمنية على عكس الإسبانية، التي لم تتخذ أي إجراءات جديدة.

من جهتها نفت الرباط وجود موعد لفتح المعبر في وجه ممتهني التهريب المعيشي، معتبرة أن ما تقوم به بعض المواقع الإعلامية الإسبانية، من ترويج لتاريخ فتحه مجرد تضليل، وممارسة ضغط من خلال اتخاذ قرار الفتح من جانب واحد.

وقالت البرلمانية عن مدينة لفنيدق الشمالية، سعاد الشيخي، لـ"الاستقلال": "الحكومة تسعى بقرار استمرار إغلاقها لمعبر ترخال إلى أنسنة ظروف مرور العاملات، وتحسين صورة هذا المعبر باتخاذ إجراءات جديدة تمحي الصورة القديمة المترسخة".

البرلمانية نفت أن تكون الحكومة قد اتخذت قرار المنع بشكل دائم قائلة: "الحكومة المغربية ليس لها حق اتخاذ قرار المنع الدائم باعتبار أن مدينة سبتة هي تابعة إقليميا إلى إسبانيا وتخضع لحكم ذاتي وغير مجبورة على اتباع قرارات الحكومة المغربية، لكن هذه الأخيرة تسعى فقط إلى تطبيق القرارات السابقة المتفق عليها بين الحكومتين حول المعبر". 

ومن بين هذه القرارات السماح بالدخول فقط للأشخاص الذين يتوفرون على تصريح عمل أو بطاقة إقامة، وهو الإجراء الذي سيمنع دخول الآلاف من ممتهني وممتهنات تهريب البضائع، من ممارسة نشاطهم اليومي، ونقل السلع من المدينة صوب مدينة لفنيدق عبر معبر ترخال". 

أيضا، من بين هذه القرارات تنفيذ قرار مدير الجزء الثاني من معبر "ترخال" الحدودي، بلال دادي مزيام، الذي قضى السنة الماضية بالمنع النهائي لحمل السلع على الظهور بالنسبة لممتهني التهريب، سيصبح لزاما عليهم نقل بضائعهم على عربة وتمرير حمولات من حجم 60 سنتيمترات طولا وعرضا.

وطالبت البرلمانية الحكومة بتنمية المنطقة من خلال توفير بدائل حقيقية عن التهريب بشتى أنواعه، تضمن الكرامة للسكان، ويكون لها وقع مباشر عليهم.

مآسي إنسانية

وأعلنت وكالة "إيفي" الإسبانية أن مسؤولين في المدينة يستعدون للاجتماع مع مسؤولين مغاربة، لاتخاذ قرار نهائي بخصوص التهريب المعيشي عبر معبر مدينة سبتة المحتلة، وهو النشاط، الذي توقف منذ 9 من أكتوبر/تشرين الأول المنقضي.

الإعلان عن الاجتماع بين المسؤولين في المدينة المحتلة، ونظرائهم المغاربة، جاء بعد احتجاج فاعلين اقتصاديين في المدينة المحتلة، عبروا عن تضررهم من توقف الحركة الاقتصادية مع المناطق المغربية المحيطة، ما أخرج المسؤولين في المدينة المحتلة لإطلاق وعود بإعادة "الحمالات".

تسعى الحكومة المغربية إلى إنهاء الصورة القاتمة التي كانت تعكسها التقارير الدولية لحقوق الإنسان عن معبر سبتة، بالإضافة إلى توالي حالات الوفيات التي أصبحت مألوفة لدى سكان المنطقة، على الرغم من فظاعتها وغياب التنمية المستدامة لهذه الأسر، من أجل عدم مزوالة التهريب المعيشي.

وبالتزامن مع مصرع الشاب يوسف السدراوي، سادس ضحايا المعبر أطلق مرصد الشمال لحقوق الإنسان دعوة إلى إغلاقه تحت وسم "أغلقوا معبر الموت" يدعو من خلالها سلطات البلدين إلى إغلاق معبر باب سبتة، المتخصص في تهريب السلع والبضائع من المدينة المحتلة، في ظل ارتفاع حالات موت العديد من ممتهني وممتهنات التهريب، إضافة إلى مآسي إنسانية أخرى من مبيت في العراء، والتعرض لشتى أنواع العنف النفسي والجسدي والرمزي مقابل مبالغ هزيلة.

مجازفة "الاشتغال"

تأتي هذه الدعوة في سياق تصاعد وفيات العديد ممن دفعتهم الحاجة، والفقر إلى ركوب مجازفة "الاشتغال" في ظروف لا إنسانية في المعبر، وفي ظل الحوادث الأخرى، التي يعرفها المعبر الحدودي.

كما يأتي ذلك وسط حديث المرصد عن عجز المؤسسات المركزية والجهوية والمجالس المنتخبة المحلية عن إيجاد حلول عملية وواقعية لما يقع هناك من مآس، باستثناء تقارير وندوات ولقاءات "علمية"، يقول المرصد: إنها "تنتهي بكؤوس من الشاي وقطع من الحلوى ليعود منظموها إلى سباتهم من جديد إلى حين وقوع مأساة أخرى". 

وطرح المرصد حلا واحدا يحفظ حياة الإنسان وكرامته، يتجسد في تنمية حقيقية في المنطقة رافعتها تتمثل في الاستفادة مما تذره المشاريع العملاقة من أرباح، وعلى رأسها ميناء طنجة المتوسط، والمؤسسات الاقتصادية الأخرى، التي لا يستفيد منها السكان سوى نزع ملكية أراضيهم مقابل دراهم معدودة، والدفع بالقطاع السياحي على طول السنة إلى استثمار مؤهلات المنطقة الجغرافية التاريخية والثقافية الجيوإستراتيجية.

نشاط تجاري

رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان محمد بنعيسى، قال لـ "الاستقلال": "المرصد وباعتباره جهة حقوقية متتبعة لملف ممتهني التهريب المعيشي يرفض إعادة فتح معبر ترخال إلى حين أن تضع الحكومتان المغربية والإسبانية نصب عينيها تحسين أوضاع مرور الآلاف من التجار أغلبهم نساء من هذا المعبر بشكل يومي وفي ظروف تفتقد لأدني شروط الإنسانية".

وأضاف المتحدث أن "عملية التهريب المعيشي نشاط تجاري تستفيد منه سلطات المدينة المحتلة بالدرجة الأولى، من خلال إنعاش اقتصادها بطرق غير مشروعة، وإغراق السوق المغربية ببضائع وسلع غذائية منتهية الصلاحية، وأخرى لا تستجيب للمعايير المعمول بها، دون وجود أي آليات للمراقبة من طرف المغرب نظرا للكم الهائل من السلع التي تدخل بطريقة عشوائية".

وتابع بنعيسى: "كبار تجار مدينة سبتة يحتجون على المسؤوليين الإسبان، إذ يعتبرون أن الزبون المغربي هو المساهم الأول في إنعاش التجارة داخل المدينة، واستمرار غلق الحدود من شأنها أن تهوي بالاقتصاد الداخلي، الذي تأثر في الشهرين الأخيرين منذ إغلاق المعبر".

واعتبر المتحدث أن "السلطات الإسبانية لها منفعة في إعادة فتح المعبر رغم استثمار مآسي نساء ورجال وشباب ممن دفعتهم الظروف الاجتماعية والاقتصادية والتوزيع غير العادل للثروات وانتشار الفساد والبطالة، إلى المخاطرة بأرواحهم وسلامتهم مقابل دريهمات معدودة".