الحزب الموريتاني الحاكم.. هل ينهي الرئيس الجديد نفوذ سلفه؟

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تجري رياح السياسة في موريتانيا على غير ما كانت تشتهيه الطبقة الحاكمة في البلاد، والتي أطلقت أشرعتها نحو انتقال سلس في السلطة يحافظ على مصالحها ومواقعها في إدارة البلد المغاربي الذي يعيش منذ عقود أزمات سياسية وتتالي لانقلابات جعلت منه رهين توازن القوى بين أجنحة داخل المؤسسة العسكرية. 

فمنذ انتخاب الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني مرشح السلطة في الانتخابات الرئاسية في موريتانيا بأكثر من 52% من أصوات الناخبين، وفق ما أعلنت السلطات في يونيو/حزيران 2019، بدأت الخلافات تتسرب إلى داخل الحزب الحاكم في موريتانيا وبلغت أوجها في بداية نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، باحتدام الصراع داخل الهيئة التسييرية للحزب.

وحدث هذا في ظل بروز شقين أحدهما يؤيّد بقاء هيمنة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز على القرار السياسي، وآخرون يحاولون تحويل وجهة الحزب لصالح الرئيس الجديد ولد الغزواني.

هذا الصراع يأتي في الوقت الذي يحاول فيه آخرون البحث عن تأسيس تنظيم سياسي جديد مساند لرئيس الجمهورية الغزواني، لينهي سيطرة حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" على الحياة السياسية في موريتانيا. 

صراع داخلي

وجهت قيادة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم دعوة لأعضاء اللجنة المؤقتة لحضور اجتماع عاجل ليلة 20 نوفمبر/تشرين الثاني، في المقر الجديد للحزب بالعاصمة نواكشوط.

وانتخب مؤتمرو حزب الاتحاد من أجل الجمهورية بداية مارس/آذار الماضي لجنة مؤقتة لتسيير الحزب خلال فترة تعليق فعاليات المؤتمر، وأسندت رئاسة اللجنة للوزير السابق "سيدنا عالي ولد محمد خونه"، فيما أسندت مهمة الأمين العام للوزير محمد ولد عبد الفتاح.

ولم يستطع حزب الاتحاد من أجل الجمهورية عقد مؤتمره الوطني فى أجله المحدد سابقا، وأخذت أزمته الداخلية تستفحل وتزداد تعقيدا فى كل اجتماع تعقده لجنة تسيير الحزب.

ويصل خلاف المجتمعين أحيانا، حد التلاسن بين قيادة قديمة تلهث خلف مرجعية نظام رئيس البلاد السابق محمد ولد عبد العزيز، الذي أثارت عودته إلى البلاد مؤخرا من سفر خارجي عقب خروجه من السلطة جدلا واسعا، وقيادة جديدة تسعى إلى القطيعة السياسية مع حاكم انتهت صلاحيته بالفعل.

ويدفع الفريق الثاني إلى أن يكون رئيس الجمهورية الجديد محمد ولد الشيخ الغزواني، المرجع الجديد للحزب وليس غيره، كما يطالب بعض أنصار هذا الفريق بانفتاح حزب "الاتحاد" على كافة القوى والشخصيات الداعمة للرئيس الجديد.

واعتبر الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الموريتاني حسين حمود أن هذه الخلافات تمس صميم الحزب لأنه في الأساس قائم على الولاء للشخص الواحد وهو الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، إلا أن الولاءات انقسمت الآن.

وأضاف حمود في حديث لـ"الاستقلال": "لم يكن هناك مشروع سياسي موحد يجمع كل أعضاء الحزب والمنتمين له، كما لا يوجد قاعدة سياسية أو ثقافية صلبة تستطيع أن تجمع كل المنتمين". 

واعتبر أن "ما يميّز الخلافات هذه المرة أنها تأتي في ظل وجود نظام جديد، وبين جناحين، الأول يتمسك بمرجعية الرئيس السابق، والثاني مقتنع بأن المرجعية يجب أن تكون للرئيس الجديد للجمهورية، وهو مكوّن من الأعضاء الذين ساندوا ولد الغزواني في الانتخابات الرئاسية، ومن الذي يريدون تصفية حسابات مع الشق المحسوب على الرئيس السابق".

وبرزت فى الأسابيع الماضية دعوات متكررة لتشكيل ذراع سياسية جديدة تدعم الرئيس الجديد محمد ولد الغزواني، وذلك بعد أن ظهرت مخاوف جدية من احتمال وقوع حزب الاتحاد، ضحية صراعٍ سياسي يؤدي إلى انهياره.

هذا السيناريو تكرر فى موريتانيا أكثر من مرة، وأفضى إلى انهيار أحزاب سياسية سيطرت سنوات طويلة على المشهد السياسي فى البلاد قبل أن تتحول إلى أحزاب مهجورة لا يلتفت لها أحد مثل الحزب الجمهوري وحزب عادل.  

عودة الرئيس السابق 

ترأس الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز بمقر حزب الاتحاد من أجل الجمهورية اجتماعا للجنة تسيير الحزب، من أجل نقاش الخطوات المستقبلية للحزب الأكبر في البلاد مساء يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني. 

وبحسب بيان الحزب "طالب الرئيس المؤسس (ولد عبد العزيز) الحضور بالمضي قدما في تحقيق الأهداف التي جرى على أساسها تأسيس الحزب والتي تتجاوز كونه مجرد حزب سياسي إلى مشروع مجتمعي يواكب تطلعات المجتمع، كما يشكل أساسا لترسيخ الديمقراطية في البلاد دون أن يكون مرتبطا بالأشخاص أو بالسلطة، كما يطمح أن يكون مشروعا وطنيا جامعا لكل الموريتانيين بمختلف ثقافاتهم وجهاتهم وألوانهم وأطيافهم الثقافية والسياسية".

وأضاف البيان "حث الرئيس المؤسس قيادة الحزب على التحضير الجيد لاستئناف أشغال المؤتمر الثاني في أفق النصف الأول من شهر فبراير 2020، كما طالب بإرساء قواعد إستراتيجية إعلامية للحزب تواكب نشاطاته وتمكن من التواصل مع الجمهور بشكل سريع وفعال". 

وبحسب صحيفة موريتانيا اليوم فإن ولد عبد العزیز قال إنه عائد لممارسة العمل السیاسي، والحزب حزبه وسیعمل على تماسكه وتقویته باستمرار، مبينا أنه والرئیس محمد ولد الشیخ الغزواني في اتجاه واحد ولهما نفس الرؤیة والنهج السیاسي "ومن لا یرضى بذلك فليذهب لحزب آخر أو یؤسس حزبا جديدا".

كما أكدت صحف محلية انسحاب عبد الله ولد النّم من لجنة صیاغة البیان الختامي لاجتماع قیادة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية دون الكشف عن دوافع هذا الانسحاب. 

وسبق أن عبّر عبد الله ولد النم رئيس لجنة السياسيات بحزب الاتحاد من أجل الجمهورية موقفه من مرجعية الحزب، ووصف الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بأنه "يمتلك نظرة استشرافية للفعل السياسي".

وقال ولد النم في مقال له في صحيفة السفير الموريتانية: "يجب الاعتماد الصريح وبشكل لا مراء فيه ولا تخفيه خائنة الأعين للمنهاج السياسي الذي رسم صاحب الفخامة محمد ولد الشيخ الغزاني ناظما أمينا لمناضلي الحزب وطموحات شعبنا وترك التلكؤ وراء الأحلام الابتزازية".

وأكد أنه يجب إعادة التدقيق في المنخرطين الجادين في الجهاز السياسي وتأمين استعاب المنخرطين الجدد في مشروع فخامة رئيس الجمهورية قبل أي تفكير في المؤتمر، فقد أكد التطبيق الحسابي في العملية الإنتخابية الأخيرة أن الرئيس لم يحظ بنسبة تأييد 10 % من منتسبي الحزب.

مستقبل الصراع 

وهذا الخلاف السياسي الحاد نشأ مبكرا، إذ لم يمر على تنصيب الرئيس الجديد قرابة 100 يوم فقط، وهو ما يجعل احتمالات نتائجه صعبة التوقع.

إلا أن المحلل السياسي الموريتاني حسين حمود قال: إن الصورة مختلفة تماما في موريتانيا، مبينا في حديثه لـ"الاستقلال" أن الصراع يحتدم بين ندين أو شريكين، "وإذا اختلت موازين القوة يكون هنالك طرفا أقوى وآخر مقاوم".

ويعتقد حمود أن الرئيس الحالي ولد الغزواني يحظى بكامل الشرعية وبتأييد جزء كبير من الموالاة وكذلك بدعم طيف واسع من المعارضة، أما الرئيس السابق ولد عبد العزيز فإنه خارج من عشرية يتحمل نتائج فشلها، كما أن الموالين له انفضوا بسرعة بعد خروجه من السلطة وهذا دليل على ضعف شعبيته، وفق قوله. 

وأكد حمود أن الرئيس السابق حاول مرارا البقاء في السلطة، رغم ادعائه هو ومناصريه تسليم السلطة بشكل ديمقراطي، مبينا أن ولد عبدالعزيز وضع جميع العراقيل أمام ولد الغزواني قبل الانتخابات وبعدها، حيث جرى احتجاز أموال الحملة الانتخابية قبل يومين من الانتخابات. 

واعتبر المحلل السياسي الموريتاني أن "الصدام والخلاف السياسي حاصل، وليس هنالك خيار أمام ولد عبد العزيز سوى الانطواء والابتعاد عن الساحة، وحينها لن يبقى له أمل سوى بعض الود الذي ربّما ما زال يحتفظ به صديقه ولد الغزواني، رغم كل الفخاخ التي وضعها أمامه".

ويتابع: "أمّا إن أصر على مواصلة المعركة السياسية فأعتقد أنّه سيكون صداما بين شخص، وأنا أستعمل مصطلح شخص لدلالتها السياسية، والدولة والكل يعلم أن النتيجة ستكون معروفة، خاصة في ظل وجود الكثير من ملفات فساد وسجل سيء في حقوق الإنسان".