بعد إطلاق سراحه.. كيف يهدد دا سيلفا نفوذ أمريكا بالقارة اللاتينية؟

محمد سراج الدين | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"سأسعى للنضال ودعم اليسار في أمريكا اللاتينية حتى لو كان سيرا على الأقدام"، بهذه الكلمات لخص الرئيس البرازيلي السابق، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (72 عاما)، مستقبله السياسي بعد خروجه من السجن، في الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، ليبدأ العجوز المحبب من البرازيليين رحلة البحث عن حلم اليسار اللاتيني، الذي شهد تراجعا خلال السنوات الماضية لصالح اليمين المتشدد.

لم يتردد لولا دا سيلفا، في تصريحاته التي أطلقها وسط الحشود الهائلة التي استقبلته أمام بوابة السجن بمدينة كوريتيبا بولاية ساو بولو، في التأكيد على عزمه خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة لتخليص بلاده مما أسماه بـ "الفوضى الحالية".

وأكد دا سيلفا: أنه لن يترك القضاة الذين لفقوا له اتهامات الفساد، ومنعوه من خوض الانتخابات الرئاسية الماضية، التي فاز فيها زعيم اليمين المتشدد جايير بولسونارو، المقرب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

لكن، هل يحمل لولا دا سيلفا، في حقيبته حلا سحريا لإنقاذ اليسار في أمريكا اللاتينية التي تعتبرها الولايات المتحدة بوابتها الخلفية الهامة، ولماذا مثّل الإفراج عن معشوق الفقراء في البرازيل قوة دفع لحكومات كوبا وفنزويلا والأرجنتين، وهل بإعلان السياسي العجوز منافسته على منصب الرئيس من الآن، ما يدعو لقلق أمريكا وداعميها وأبرزهم الرئيس الحالي للبرازيل.

ضربة لأمريكا

يري مراقبون للشأن البرازيلي أن اختيار لولا دا سيلفا لمقر نقابة عمال الحديد في ساو باولو، لتكون منصته الأولى في إطلاق تصريحاته السياسية، كان أمرا مقصودا، ورسالة داخلية وإقليمية ودولية، أراد العجوز البرازيلي إرسالها فور إطلاق سراحه بعد سجن استمر قرابة العام والنصف، وهي التصريحات التي أقلقت منافسه وزعيم اليمين المتشدد الرئيس الحالي جايير بولسونارو، الذي وصف لولا بالحقير، مطالبا أنصاره بعدم الاكتراث به أو الخوف منه، لأنهم في النهاية هم الأكبر عددا وتأثيرا في البلاد.

"لولا"، من جانبه حدد ملامح سياسته على الصعيد المحلي والإقليمي، ففي الوقت الذي أعلن فيه النضال ضد الرئيس الحالي ومشروعاته المدمرة للبرازيل، أعرب أيضا عن دعمه لشركائه في التوجه اليساري بدول القارة، عندما صاح وسط أنصاره قائلا: "تم انتخاب إيفو موراليس رئيسا لبوليفيا، لكن اليمين، كما هو الحال هنا، لم يرغب في قبول النتيجة"، مضيفا: "يجب أن نتضامن مع بوليفيا، ومع الشعبين التشيلي والأرجنتيني".

ولم يقف التضامن عند ما سبق فقط، حيث واصل لولا حديثه قائلا: "يجب أن نسأل الله أن يفوز الرفيق دانيال (مارتينيز) بالانتخابات في الأوروجواي، ويجب أن نتضامن مع الشعب الفنزويلي".

وحسب راديو "هافانا كوبا" الناطق بلسان الحكومة الكوبية: فإن إطلاق سراح لولا دا سيلفا، سيدعم حركة النضال في أمريكا اللاتينية. واعتبر الرئيس الكوبي، ميغيل دياز كانيل بيرموديز: أن إطلاق سراح لولا دا سيلفا، بعد 580 يوما من الحبس السياسي، يمثل انتصارا للتضامن.

"انتصار للشعوب"

ووصف دياز في رسالة نشرها على تويتر: إطلاق سراح لولا، بأنه حدث مهم ويعد انتصارا للشعوب والتضامن والحقيقة، وهزيمة للإستراتيجية الإمبريالية وأتباعها في محاولاتهم لتشويه سمعة زعيم حزب العمال واليسار في أمريكا اللاتينية، وهو ما أكده أيضا وزير الخارجية الكوبي عندما نشر عبر تويتر أيضا قائلا: "إن إطلاق سراح لولا دا سيلفا، يشكل خطوة للأمام، وأن الكفاح من أجل الإفراج عنه، يجب أن يستمر حتى يتم تحقيق العدالة كاملة".

وعبّر الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، في كلمة متلفزة: عن سعادة الشعب الفنزويلي بإطلاق سراح الرئيس البرازيلي الأسبق، الذي يمثل زعامة هامة ليس في بلاده وإنما في القارة اللاتينية ككل.

ووفق ما رصدته وكالة الأنباء الفرنسية من ردود أفعال، فإن الاستقبال الحار من أنصار لولا دا سليفا، في ساو باولو، يؤكد أن المواجهة بين اليسار التي تعد نقابة عمال الحديد أحد أبرز ملامحها، وبين اليمين المتطرف، قد بدأت لتوها، وأن النجاح الذي حققه الرئيس الحالي، والذي ينتمي لتيار اليمين المتشدد، قبل نهاية العام الماضي، ليس مبررا حتى لو كان هذا اليمين هو الذي يحتل الصدارة في البرازيل.

عودة الروح

ويشير محللون إلى: أن التحالف الإستراتيجي الذي أعلنته الولايات المتحدة مع البرازيل قبل عدة أشهر في واشنطن، أصبح استمراره مهددا بعد خروج لولا دا سليفا من السجن، خاصة وأن شعبية الرجل لم تتأثر على الإطلاق رغم حملات التشويه التي أطلقها أعداؤه قبل عامين، والتي أدت لسجنه في قضية فساد "ملفقة" حسب تسريبات كشفتها مؤخرا الصحف البرازيلية.

وبالعودة للتقارير التي نشرتها وكالة الأنباء الفرنسية، وموقع يورو نيوز: فإن لولا دا سيلفا، سيعيد الروح لحزب العمال الذي أسسه في ثمانينيات القرن الماضي، وكان بمثابة الأب الروحي للحزب ولكل قياداته، وأن الأزمة التي أصابت الحزب بعد اعتزال لولا للعمل السياسي في 2010، ستختفي بعودته للمشهد السياسي مرة أخرى.

ويدعم هذا الاحتمال، ما نشره الصحفي الأمريكي غلين غرينوالد، مؤسس موقع "ذا انترسبت برازيل"، من تسريبات كشفت وجود تواطئ بين القاضي سيرجيو مورو، والمدعين المكلفين بقضية الفساد التي سجن بسببها لولا، وحكم عليه بالسجن لمدة 12 عاما، ثم خففت لـ 8 سنوات، قبل أن تقرر المحكمة العليا قبول طعون لولا وإطلاق سراحه.

وحسب تغريدات غلين غرينوالد: فإن خروج لولا من السجن سيعيد خلط الأوراق في البرازيل، حيث لم يعد صوت المعارضة مسموعا منذ تولي بولسونارو الرئاسة في يناير/كانون الثاني الماضي.

وتوقعت تقارير صحفية أخرى: أن يؤدي وجود "لولا دا سيلفا" خارج السجن، حتى يتم النظر في الاستئنافات التي قدمها حول اتهامه بالفساد، لحدوث اشتباكات مع أنصار اليمين المتطرف، في ظل توقعات بتنظيم مظاهرات مؤيدة للرئيس الحالي، ردا على المظاهرات التي خرجت لدعم "نصير الفقراء"، قبل إطلاق سراحه وبعده.

لماذا يزعجهم؟

يشير المفكر والفيلسوف الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي، في حوار موسع مع دورية "أوان": إلى أن وجود لولا دا سيلفا على رأس الحكم في البرازيل، كان صعبا ومزعجا بالنسبة للولايات المتحدة، والفاشيون حول العالم الذي أرادوا إسكات صوته، باعتباره الشخصية السياسية الأكثر شعبية في البرازيل.

ويرى تشومسكي في حواره الذي نُشر عشية إطلاق سراح لولا من السجن: أنه بعد مغادرة لولا منصبه الرئاسي حدث انقلاب ناعم في البرازيل، بدأ بعزل خليفته العمالية، ديلما روسيف، لأسباب تبعث على السخرية. أما المرحلة الأخيرة، فكانت سجن لولا نفسه عشية انتخابات عام 2018 التي كانت لديه فرصة كبيرة للفوز فيها وفقا لاستطلاعات الرأي.

وحسب المفكر الأمريكي البارز: فإن سياسة الولايات المتحدة مع أمريكا اللاتينية، تختلف عن مثيلتها مع دول شرق أسيا، حيث ترى أمريكا جيرانها اللاتينيين، سوقا مفتوحة لمنتجاتها، وهو ما يجعلها ترفض تولي اليسار المناهض للسياسات الأمريكية، شؤون الحكم بجوارها، ولذلك عملت واشنطن على تنفيذ العديد من الانقلابات بأشكال مختلفة لمنع اليسار من الوجود بالحكم، وهو ما حدث في البرازيل بإقصاء ديلما روسيف، وحدث أيضا في الانقلاب الفاشل في فنزويلا.

ويؤكد تشومسكي: أن الحكومات الأمريكية ترى في نموذج لولا بالبرازيل، وتشافيز في فنزويلا، تهديدا للسياسات الأمريكية التي فرضتها على الأمريكيتين، وبالتالي فإن تعظيم طبقة الأغنياء، على حساب الفقراء في أمريكا اللاتينية، هو الهم الأول للإدارات الأمريكية، وهي القاعدة التي ضربها كل من لولا وتشافيز في مقتل، عندما رفعوا من شأن طبقات الفقراء، رغم الحفاظ على مكتسبات الأغنياء، وهو ما أزعج كل المخالفين لتوجهات اليسار في هذا الإقليم.

الطريق للعودة

وتطرح التطورات الجارية في البرازيل، تساؤلا هاما، عن مدى قدرة لولا دا سيلفا، في العودة لكرسي الرئاسة مرة أخرى، رغم أن الانتخابات القادمة لن تجري قبل 4 سنوات، وسبب هذا الانزعاج الذي بدا واضحا على الرئيس البرازيلي الحالي، والذي وصف لولا بالحقير.

الإجابة قدمها لولا نفسه في حوار أجراه لصحيفة "ديرشبيغل" الألمانية من داخل سجنه، قبل إطلاق سراحه بنحو خمسة أشهر، حيث وصف الرئيس الحالي بولسونارو: بأنه لا يفكر كثيرا في الديمقراطية، و"أنه وبطانته لا يفكرون إلا  في شيء واحد فقط وهو الأسلحة، ولذلك فإن أول شيء فعله بعد تسلمه السلطة، كان طرد الأطباء الكوبيين من البرازيل، حيث كان هؤلاء يضمنون الرعاية الصحية في المناطق الفقيرة".

ومن النقطة الأخيرة تحديدا ينطلق لولا، وهو العمل على تقديم الرعاية الكاملة للفقراء، استكمالا لمشروعه الاقتصادي الذي بدأه خلال توليه السلطة في الفترة من 2003 وحتى 2010.

وحمل لولا الرئيس اليميني بولسونارو مسؤولية الانهيار الاقتصادي الذي أصاب البرازيل منذ توليه الحكم، ووصفه: بأنه أقرب للزعيم الروماني نيرون، الذي يريد حرق بلاده، نتيجة سياساته الاقتصادية الفاشلة التي تدعم الفئة الأقل على حساب عموم الشعب، واتهم لولا كذلك النخبة البرازيلية بأنها لا تحب نمو طبقة الفقراء.

واعتبر لولا الانقسام الذي يشهده المجتمع البرازيلي طبيعيا، وقال: إنه ليس حالة فريدة في ذلك، حيث تتشابه حالة بلاده مع دول أخرى مثل ألمانيا والولايات المتحدة وغيرهما، نتيجة الكراهية المنتشرة في كل مكان.

ومن خلال وضع التصريحات السابقة للرئيس البرازيلي السابق، والتصريحات التي أطلقها بعد خروجه من السجن، فإنه حدد عدة خطوات لاستعادة شعبيته وحزبه اليساري مرة أخرى داخل بلاده، ولذلك كانت الخطوة الأولي بإعلانه إجراء جولة داخلية تشمل كل أرجاء البرازيل، لبث الأمل مرة أخرى في نفوس أنصاره، وكل أفراد الشعب البرازيلي، فيما اعتبره البداية لمواصلة النضال من أجل البرازيليين، حيث "أصبح الشعب فريسة للجوع والبطالة ويعمل لدى شركة سيارات الأجرة، أو في توصيل البيتزا".

ورغم الشعبية التي تمتع بها بولسونارو مؤخرا، إلا أن ما يزيد من آمال لولا دا سيلفا، أن منافسه الرئيس الحالي يواجه أزمات اقتصادية واجتماعية عديدة، نتيجة الانكماش الذي يعاني منه الاقتصاد البرازيلي، الذي كان في عهد لولا يحتل الرقم 8 بين أكثر الاقتصادات نموا على مستوى العالم.


المصادر