على حساب حلفائها.. هذه أسباب تقرب الإمارات من إثيوبيا

شدوى الصلاح | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

صمتت الإمارات، الحليف الأبرز لمصر في المنطقة، عن تهديد إثيوبيا للقاهرة بالحرب، في أكثر التصريحات حدة، للتأكيد على المضي في بناء سد النهضة.

لم يتوقف الأمر عند التغاضي الإماراتي، بل كشفت مصادر أن أبوظبي قدمت دعما ماليا سخيا لإثيوبيا، يمكنها من حماية السد، فلماذا يغض الحليف الطرف عن بناء السد الذي يهدد حصة مصر من المياه؟

بناء السد

إثيوبيا بدأت عمليات بناء سد النهضة على نهر النيل الأزرق قُرب الحدود الإثيوبية- السودانية في 11 أبريل/نيسان 2011. وعندما يكتمل سد النهضة، سيقلص حصة مصر من المياه بمقدار 22 مليار متر مكعب من المياه سنويا، مما يدمر الثروة الزراعية والإنتاج الكهربائي لمصر.

وتعول أديس أبابا على السد في تحقيق نهضة تنموية شاملة وإنتاج ستة آلاف ميغاوات طاقة كهربائية، أي ما يوازي ما تنتجه ست منشآت تعمل بالطاقة النووية، وتنظر إليه على أنه مشروع الأمة الإثيوبية وأنه كالسد العالي للمصريين.

إلا أن بناء السد الإثيوبي يمثل خطر وجودي على مصر التي ستصبح المتضرر الأكبر منه، حيث تخشى من تأثير السد على منسوب نهر النيل الذي تعتمد عليه بنسبة تتجاوز 95% لتأمين حاجاتها المائية، لاسيّما وأن نهر النيل يُمثل شريان الحياة بالنسبة لها، وهو ما تنفيه أديس أبابا وتؤكد أن السد يخدم خطط التنمية لكافة الأطراف.

في مارس/أذار الماضي، أكد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي، وجود دول شرق أوسطية تدعم موقف إثيوبيا في قضية نهر النيل بعكس ما كان في السابق حين كانت تدعم موقف مصر، مشيرا إلى: أن تطور العلاقات معها سيكون لها تأثير كبير في القضية. وأضاف: "دول الشرق الأوسط تفيدنا حاليا في قضايانا مع مصر حول النيل".

ما علاقة الإمارات؟

ومن أبرز هذه الدول التي تحدث عنها آبي أحمد، الإمارات، التي طورت مؤخرا علاقاتها مع إثيوبيا، ضمن مخططها لتموضع جديد في منطقة القرن الإفريقي، لأسباب ‏سياسية واقتصادية، كما سعت خلال الأعوام الأخيرة إلى الهيمنة على سواحل المنطقة، وتلقت صفعات إفريقية جعلتها أكثر إصرارا على البحث عن بدائل أخرى.

وسبق أن كشفت صحيفة "القدس العربي" اللندنية أن الإمارات قدمت دعما ماليا سخيا لإثيوبيا، مكنها من تحديث منظومة جيشها الدفاعية، والحصول على منظومة "بانتسير إس 1" الروسية المتطورة للدفاع الجوي، لاستخدامها في حماية "سد النهضة" السد الذي اكتمل بناء 70% منه حتى الآن، من أي تهديد.

وبث التلفزيون الرسمي الإثيوبي في مارس/أذار الماضي، مقطع فيديو عن دور المنظومة الروسية، ما اعتبره مراقبون رسالة للقاهرة.

دور الإمارات لم يقتصر على حماية السد فقط بل تكشف ضلوعها في بنائه من الأساس، إذ كشفت صحيفة "العربي الجديد"في تحقيق لها بعنوان "المشاركون في تعطيش مصر: تعرف على الشركات المساهمة في بناء سد النهضة"، أن تلك الشركات من عدة دول هي: إسرائيل، السعودية، الإمارات، إيطاليا، والصين وغيرها.

واستبعدت الصحيفة ذاتها في تحقيق آخر شروع النظام المصري في أي عمل عسكري ردا على فشل مفاوضات السد الإثيوبي، لأسباب كثيرة، من بينها جنسيات الشركات المُشاركة في بناء سد النهضة، وكون هذه الدول من حلفاء النظام المصري. 

إلا أن هؤلاء الحلفاء شرعوا في دعم إثيوبيا لبناء السد رغم ما يمثله من مخاطر جسيمة على مستقبل مصر وتعطيش شعبها وما يثيره من أزمة دبلوماسية بين القاهرة وأديس أبابا.

 

وبعد أشهر قليلة من تنصيب آبي أحمد رئيسا لوزراء إثيوبيا في مارس/أذار 2018، تعهدت الإمارات بتقديم ثلاثة مليارات دولار في صورة مساعدات واستثمارات إلى إثيوبيا في دعم كبير لرئيس الوزراء الجديد.

إعلان المنحة الإماراتية كان خلال زيارة مفاجئة أجراها محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي للإمارات، إلى أديس أبابا منتصف يونيو/حزيران 2018، وقالت إثيوبيا إنها ستودع مليار دولار منها في البنك المركزي لتخفيف النقص الحاد في العملة الأجنبية، على أن تستثمر المليارين الآخرين في قطاعات السياحة والطاقة المتجددة والزراعة. 

تلك الزيارة أثارت التساؤلات حول أسباب وأبعاد هذه الزيارة وتوقيتها، خاصة أن "ابن زايد" ‏رافقه تمثيل سياسي واقتصادي رفيع، وجاءت بعد أقل من شهر على زيارة رئيس وزراء إثيوبيا ‏إلى أبو ظبي ولقائه ولي عهدها وتأكيده أن العلاقات بين البلدين قوية.‏

وبدوره، كشف تيمور خان، الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، دور الإمارات الغامض في إفريقيا الذي كشفته مصالحة إثيوبيا وإريتريا.

وأوضح خان في مقال أعاد موقع "ستراتفور" الأمريكي المتخصص في الدراسات الأمنية والإستراتيجية نشره، أن لدى الإمارات مصلحة في الأمن الغذائي تدفعها نحو تطوير هذا القطاع في شرق أفريقيا، مشيراً إلى أن العوائد قصيرة الأجل على استثمارات الشركات الحكومية والخاصة الإماراتية بإثيوبيا ضرورة اقتصادية.

ولفت إلى أن الشراكة بين الإمارات وإثيوبيا نتج عنها تأثير ممتد حقيقي، خاصة في الصومال، إذ حاول أبي أحمد التوسط بين الإمارات والحكومة المركزية الصومالية التي عارضت ميناء بربرة واستنكرت علاقة الإمارات مع الولايات الفيدرالية الصومالية.

ورأى الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشنطن أن العلاقات الإماراتية الإثيوبية تمكنت من تقليل ما أسماه النفوذ القطري في مقديشو ما يعد انتصارًا وإن كان صغيراً لأهداف السياسة الخارجية الإماراتية.

وأوضح أن محمد عبدالله "فارماجو" رئيس الصومال يتمتع بدعم قطر وتركيا، وتفككت علاقات حكومته بالإمارات مع تنافس دول الخليج في البلاد، إلا أن مسؤولون أكدوا توصله إلى ضرورة الموازنة بين حكومته مع قطر والإمارات بعد زيارة أبي أحمد للصومال منتصف العام الماضي.

ما المقابل؟

الإمارات سعت إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع شرق إفريقيا بشكل عام ومع إثيوبيا بشكل خاص، وأكد مراقبون أن استثمارات الإمارات بإثيوبيا ساهمت في بناء سد النهضة، مشيرين إلى: أن العمل في السد يحتاج إلى تمويل دول غنية أو ذات مصالح في إفريقيا تسعى لاستخدامها كسلاح إستراتيجي في المستقبل.

وتشير التقديرات إلى: أن التكلفة الإجمالية لبناء السد ستقارب خمسة مليارات دولار، وكانت الحكومة الإثيوبية صرحت بأنها تتولى تمويل المشروع بالكامل.

وأفادت إحصاءات هيئة الاستثمار الإثيوبية ووزارة الاقتصاد الإماراتية في 2017، أن حجم استثمارات "أبناء زايد" في إثيوبيا تقدر بنحو 3 مليارات دولار.

كما تستثمر أبوظبي نحو 523 مليون دولار استثمارات مباشرة بحسب محمد شرف، مساعد وزير الخارجية والتعاون الدولي للشؤون الاقتصادية والتجارية الإماراتي.

وتحتضن الإمارات أيضا أعدادا كبيرة من العمالة الإثيوبية تساهم بتحويلاتها المالية في إنعاش الوضع الاقتصادي لإثيوبيا التي تعاني من عدد السكان الكبير المقدر بـ100 مليون نسمة وقلة فرص العمل.

وفي نوفمبر/تشرين أول 2018، كشفت شركة الاستثمار والتطوير العقاري الخاصة "إيجل هيلز" التي تتخذ من أبوظبي مقرا لها، عن دخولها السوق الإثيوبي مع إطلاق مشروع "لا غار" لتنمية المجتمع المحلي بقيمة 2 مليار دولار في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا.

وهو واحد من أكبر المشاريع متعددة الاستخدامات في العاصمة الإثيوبية، حيث يشمل أكثر من 4,000 وحدة سكنية، وفقا لبيان الشركة، ويجسد مجمعا سكنيا متكاملا يضم مرافق سكنية وتجارية وترفيهية ومتاجر تجزئة ومرافق ضيافة في مكان واحد.

كما نظمت وزارة الاقتصاد الإماراتية مشاركة أكثر من 20 شركة إماراتية في معرض إثيوبيا التجاري الدولي 2019 الذي أقيم في أديس أبابا بحضور إقليمي ودولي في مارس/أذار الماضي.

وشهد حجم التبادل التجاري بين البلدين زيادة كبيرة في السنوات الأخيرة وبلغت التجارة غير النفطية حوالي 850 مليون دولار في العام الماضي وسجلت الصادرات الإماراتية إلى إثيوبيا زيادة ضخمة في نفس العام بلغت نسبتها حوالي 45 بالمئة.

إثيوبيا تحتل المرتبة الرابعة ضمن قائمة أهم الدول الإفريقية غير العربية لقيمة إجمالي الصادرات غير النفطية وإعادة التصدير من الإمارات، وتستحوذ على نسبة تتجاوز 7% من إجمالي صادرات الإمارات لهذه الدول ضمن المجموعة، وتستحوذ إثيوبيا على نسبة تقارب 2% من إجمالي تجارة إفريقيا الخارجية.

وتستحوذ الإمارات أيضا على 15% من مجمل تجارة إثيوبيا الخارجية مع الدول العربية، وتحتل أبوظبي المرتبة الثالثة عربيا كأهم شريك تجاري لأديس أبابا، وتأتي في المرتبة الثالثة عربيا من حيث صادرات إثيوبيا إلى الدول العربية، وفي المرتبة الرابعة عربيا من حيث واردات إثيوبيا من الدول العربية.

وفي يوليو/تموز الماضي، أعلن رئيس وزراء اثيوبيا، عن توجّه بلاده لإرسال 50 ألف عامل اثيوبي إلى الإمارات، على أن يرتفع العدد إلى 200 ألف عامل في غضون ثلاثة أعوام.

وفي الشهر ذاته، تعهدت الإمارات بتمويل مشاريع جديدة في إثيوبيا، إذ وقع صندوق خليفة لتطوير المشاريع ووزارة المالية الإثيوبية، اتفاقية لدعم وتمويل المشاريع الريادية والابتكار في إثيوبيا بقيمة 100 مليون دولار أمريكي.

تعويض الخسائر 

وبالرغم من الأرقام السابق الإشارة إليها، اتجهت الإمارات في الأعوام الأخيرة للخروج من نمط العلاقات التجارية التقليدية، وبدأت في استثمار الموانئ، وعملت على وضع يديها على مواقع إستراتيجية في دول القرن الإفريقي (الصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا)، إلا أنها تعرضت لعدة انتكاسات.

فقد اصطدمت مع جيبوتي، ووصلت الخلافات ذروتها عندما قررت جيبوتي فسخ عقد مبرم عام 2006 حول تأجير ميناء دوراليه للحاويات، كما طردت جيبوتي قاعدة الإمارات العسكرية هناك،  وأدّى ذلك إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما.

كما شهدت علاقات الإمارات مع الحكومة المركزية في الصومال نزاعا دبلوماسيا، إذ تصر أبو ظبي على تهميش الحكومة المركزية في مقديشو، والتعامل مع الولايات الفيدرالية المتشكلتين في الصومال، وهما أرض الصومال "صوماليلاند" التي أعلنت استقلالها من جانب واحد عن الجمهورية الصومالية، وبونتلاند شبه ذاتية الحكم.

وكانت الإمارات قد وقعت عام 2016 اتفاقا مع "صوماليلاند" بلغت قيمته 442 مليون دولار لتطوير ميناء بربرة الذي يستخدم بشكل أساسي لتصدير الماشية إلى منطقة الشرق الأوسط.

إلا أن حكومة صوماليلاند ألغت رسميا في سبتمبر/أيلول الماضي، بناء قاعدة عسكرية تابعة للإمارات بمدينة بربرة، والتي كانت تسعى لبنائها لاستخدامها قاعدة جوية عسكرية لتوجيه ضربات ضد الحوثيين في اليمن.

ولتعويض نكساته الإفريقية، سعى "ابن زايد" لكسب ود إثيوبيا، وكبديل عن القاعدة والميناء اللذين خسرهما في جيبوتي، تجلى التغول الإماراتي عبر ذراع شركة موانئ دبي في القرن الإفريقي أيضا عند السواحل الإريترية.

ولعبت الإمارات على المستوى الدبلوماسي دور الوسيط في اتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا الذي وقعه زعماء البلدين في 9 يوليو/تموز 2018.

وأفاد مسؤولون ودبلوماسيون من الإمارات وإثيوبيا: بأن البلد الخليجي الغني بالنفط اكتسب نفوذا متزايدا في المنطقة خاصة بعد أن نسبت الإمارات لنفسها الفضل خلف الستار في إبرام اتفاق السلام. وتكريما للدولتين على إنهاء الصراع والخلافات التي استمرت لعقدين من الزمن منحت الإمارات لرئيسا الدولتين وسام زايد، فيما أفادت وسائل إعلام إثيوبية: بأن الإمارات تعهدت ببناء خط أنابيب نفط يربط بين ميناء حيوي في إريتريا والعاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

ونثرت الإمارات قواعدها العسكرية في الدول الساحلية الواقعة في منطقة القرن الإفريقي، نظرا لأهمية البحر الأحمر، باعتبار التوغل في هذه المنطقة يجعل من الممكن السيطرة على الشريان الحيوي لنقل صادرات النفط والغاز في المنطقة.ومازالت تسعى الإمارات لتوسيع قاعدة نفوذها في الدول الإفريقية غير الساحلية من خلال ضخ الاستثمارات وفتح أفق جديد للتعاون خاصة مع إثيوبيا، فضلا عن دورها الدبلوماسي في منطقة القرن الإفريقي.


المصادر