لماذا ترفض أوروبا استعادة مواطنيها المنتمين لتنظيم الدولة؟

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا يزال "تنظيم الدولة"، ورغم الضربات التي تعرّض لها خلال السنوات القليلة الماضية وخسارته السيطرة على الأراضي التي كان يقيم فيها "دولته"، بين العراق وسوريا، يشغل العالم ودنيا الناس.

البعض متخوف من عودة التنظيم إلى التحرك على الأرض في سوريا، خاصة في ظل الصراع بين تركيا والقوات الكردية المسيطرة على الشمال السوري  وانسحاب القوات الأمريكية من المنطقة.

وبعد توغل القوات التركية شمالي سوريا في أعقاب قرار الولايات المتحدة الانسحاب من مواضعها هناك، بات مصير الآلاف من المشتبه بانتمائهم لتنظيم الدولة والمحتجزين هناك غير واضح.

القوات الكردية تحتفظ بالعديد من هؤلاء المحتجزين وعوائلهم، ومن بينهم العديد من المقاتلين الأجانب من دول مختلفة في أنحاء العالم.

من جانبها تدعو الولايات المتحدة، الدول الأجنبية إلى استرجاع رعاياها الذين انضموا إلى تنظيم الدولة، وهو ما ترفضه دول أوروبا، في ظل تقارير تؤكط مساعي هذه الدول إلى إبرام اتفاقات مع دول أخرى لنقل المقاتلين إليها وتجنب عودتهم إلى بلدانهم.

ما يقع في سوريا يشبه كثيرا ما يقع في ليبيا، والتي تتفاوض حكومتها مع عدد من الحكومات الأوروبية للاحتفاظ بمقاتلين من التنظيم المصنف إرهابيا والحاملين لجنسيات غربية.

يظل السؤال الذي يفرض نفسه، لماذا ترفض دول أوروبا استعادة مواطنيها المتورطين في القتال مع تنظيم الدولة كما ترفض حتى استعادة عائلاتهم؟.

رفض أوروبي

رفضت تقريبا جميع الدول الأوروبية عودة مقاتلي "تنظيم الدولة" من سوريا والعراق، وهو ما دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لدعوتهم لاستعادة مواطنيهم المنتسبين للتنظيم والذين جرى اعتقالهم واحتجازهم في سجون بسوريا.

ترامب غرد على تويتر قائلا: "الولايات المتحدة تحتجز حاليا أسوأ سجناء داعش (تنظيم الدولة)، وعلى تركيا والأكراد عدم السماح لهم بالهرب، كان ينبغي على أوروبا إعادتهم بعد طلبات عديدة، يجب عليهم فعل ذلك الآن، لن يأتوا أبدا إلى الولايات المتحدة أو يسمح لهم بالدخول إليها".

ليست المرة الأولى التي يطلب فيها ترامب من الدول الأوروبية إعادة مواطنيها المنضمين إلى تنظيم "تنظيم الدولة"، وليست المرة الأولى التي ترفض فيها تلك الدول.

حسب تقارير إعلامية، يمثل الأوروبيون خمس مقاتلي تنظيم الدولة في سوريا وهم نحو 10 آلاف تحتجزهم "قوات سوريا الديمقراطية" التي يقودها الأكراد والتي تتعرض لهجوم عنيف من القوات التركية، مؤكدة أن قوات سوريا الديمقراطية لو أرسلت حراس أماكن الاحتجاز إلى خطوط المواجهة مع القوات التركية، فإن ذلك ينطوي على خطر هروب المحتجزين.

تقارير إعلامية أخرى تؤكد أن 12 ألف امرأة وطفل من عائلات عناصر تنظيم الدولة في 3 مخيمات يديرها الأكراد هي روج والهول بالحسكة وعين عيسى بالرقة، ويُعد مخيم الهول الذي يؤوي الجزء الأكبر من هؤلاء من أصل 70 ألفا يقطنون فيه.

خطة نقل

قبل بدء الهجوم التركي كانت الدول الأوروبية تجري تقييما لكيفية التوصل إلى آلية يمكن أن تفضي إلى نقل المقاتلين الأجانب من سوريا إلى العراق لمحاكمتهم هناك بتهم جرائم حرب.

فمن جانبها تحاول الدول الأوروبية الإسراع بتنفيذ خطة لإخراج آلاف من عناصر تنظيم الدولة الأجانب من المخيمات المحتجزين بها في سوريا ونقلهم إلى العراق بعد مخاوف خطر من هروبهم أو عودتهم إلى دولهم.

وحسب تقرير الحكومة الأمريكية الذي نُشر في أغسطس/آب الماضي، فإن عددا أقل من المقاتلين الأجانب المحتجزين في شمال سوريا، يقدر بنحو 2000 مقاتل من 50 دولة، حوالي 800 منهم من دول أوروبية، أما الباقون فمن بلدان الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا أو آسيا.

وأظهرت دراسة أجراها العام الماضي مركز "كينغز كوليدج" الدولي لدراسة التطرف، أن أكثر من 41 ألف مواطن أجنبي انضموا إلى "تنظيم الدولة" في العراق وسوريا في الفترة بين أبريل/ نيسان 2013 ويونيو/حزيران 2018.

القائد العام لـ "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) مظلوم عبدي، أعلن أن قواته لن تسلم معتقلي تنظيم الدولة المحتجزين في سجونها لتركيا أو النظام السوري.

وأضاف عبدي في لقاء تلفزيوني يوم 17 أكتوبر/تشرين الثاني 2019: "بعض الأطراف تقول إن تركيا أو النظام السوري سيستلمون معتقلي تنظيم الدولة لكن نحن من نقرر مصيرهم ولن نقبل أن تسليم ملفهم لأحد"، مشيرا أن: 12 ألف شخص من التنظيم محتجزين في سجونه.

وأشار "عبدي": أن الاتفاق المبرم مع الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص مواجهة التنظيم ما يزال مستمرا لكن "قسد" جمدت مشاركتها في قتاله وأعطت الأولوية لمواجهة الجيش التركي.

صفقة مع بغداد

وأمام ذلك، تبحث فرنسا ودول أوروبية أخرى إمكانية نقل هؤلاء المقاتلين إلى العراق لمحاكمتهم، وهو مابحثه وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان مع المسؤولين العراقيين في بغداد مؤخرا.

والتقى وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان يوم 17 أكتوبر /تشرين الثاني 2019 في بغداد نظيره العراقي محمد علي الحكيم لمناقشة إمكانية نقل ومحاكمة المقاتلين الأجانب، بمن فيهم 60 فرنسيا محتجزين في شمال شرق سوريا، وتسعى فرنسا لخلق آليه قانونية لنقل المتهمين الأجانب من سوريا إلى العراق ليحاكموا هناك.

وحسب تقارير صحفية، فقد سبق وحُكم في العراق على 14 فرنسيا أدينوا بالانضمام إلى تنظيم الدولة، ومن بين هؤلاء، نُقل 12 من السجون السورية الكردية إلى بغداد، وحُكم على 11 منهم بالإعدام وعلى 3 - بينهم امرأتان - بالسجن مدى الحياة.

من جهتها حذرت منظمة هيومن رايتس ووتش الدول الأوروبية من نقل المئات من المشتبه بانتمائهم إلى تنظيم الدولة من سجون المقاتلين الأكراد في سوريا إلى العراق.

وأعربت المنظمة عن قلقها من أن بعض الدول الأوروبية التي لا تريد استعادة مواطنيها المشتبه بهم تسعى لنقلهم إلى العراق، حيث قالت الباحثة في شؤون العراق لدى المنظمة بلقيس والي: "بالنظر إلى سجل العراق في المحاكمات غير النزيهة، يجدر على الدول الأوروبية عدم الدفع بالجهود لنقل مواطنيها" إلى العراق لمحاكمتهم.

واعتبرت أن أي حكومة تدعم هذه الخطوة: "من دون اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تعرضهم لخطر التعذيب، أو لمحاكمة مزيفة أو الإعدام، تكون بذلك تساهم في انتهاكات جدية".

سحب الجنسية

تعتبر ألمانيا أكثر الدول الأوروبية تسامحا في علاقتها بإعادة مواطنيها المتورطين مع تنظيم الدولة، إلا أنها تضع شروطا مشددة لذلك، حيث أكد وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر موافقة بلاده على السماح بعودة مقاتلي تنظيم الدولة وعائلاتهم إلى ألمانيا وفق شروط صارمة.

في تصريح لصحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية يوم 20 فبراير/ شباط الماضي، قال الوزير الألماني: "من أجل أمن بلدنا يجب على الحكومة الاتحادية أن تضع شروطا لعودة مقاتلي داعش السابقين من الذين يحملون الجنسية الألمانية".

وأضاف زيهوفر: "لكن يجب هنا توضيح كل حالة على حدة قبل السماح بالعودة إلى ألمانيا، يجب أن تحدد السلطات بدقة كل وثيقة شخصية وما إن كان الشخص من المطلوبين قضائيا لدول أخرى".

إلا أن دولا أوروبية أخرى، تبدو متشددة في التعامل مع الملف، حيث ذكر تقرير صحفي أن بعض الحكومات الأوروبية سحبت جنسياتها من حامليها ممن يشتبه بانتمائهم للتنظيم لمنع عودتهم إليها، كما هي الحال مع شيماء بيغوم، من بريطانيا، المحتجزة في مخيم بسوريا تديره قوات سوريا الديمقراطية.

وتعددت الأسباب التي تعلنها الدول للتعليل عن رفضها لاستعادة مواطنيها ومحاكمتهم، إذ تعتبر فرنسا أن عوائق قانونية تمنعها من محاكمة المقاتلين في العراق وسوريا، بينما تؤكد ألمانيا عدم قدرتها حاليا على التحقيق في جرائم مواطنيها في العراق وسوريا.

أسباب خفية 

إلا أن أسبابا أخرى تبدو خفية هي التي تحرك هذه الدول في اتجاه تمسكها بموقفها رغم الضغوط الأمريكية، حيث قال المعهد الأمريكي لدراسة الشرق الأدنى في تقرير له أن ما قد يفسر التهرب الأوروبي من إعادة مواطنيها من مقاتلي تنظيم الدولة وعوائلهم، على أنه محاولة لتفادي الدخول في معضلة الاعتراف السياسي بالإدارة الذاتية للأكراد وما يترتب على هذا الاعتراف من التزامات وأزمات مع حليفتها في الناتو تركيا التي تعادي الإدارة الذاتية الكردية وتصف قواتها بالإرهابية.

ففي حال قبلت الدول الأوروبية بإعادة مواطنيها ستتعامل مضطرة مع هيئة الخارجية الكردية وهي بمثابة وزارة خارجيتهم، وفي الأعراف الدولية فإن أي علاقة دبلوماسية من هذا النوع يحمل شيئا من الاعتراف السياسي الضمني بالإدارة الذاتية.

ويبدو أن الأوروبيين يحملون تخوفات من عودة المقاتلين الحاملين لأفكار متطرفة وخطيرة قد تهدد الأمن مستقبلا، إذ من الممكن أن يجد البعض من المقاتلين أنفسهم طلقاء بعد سنوات قليلة من قضاء محكومياتهم.

وحتى في ما يخص أبناء مقاتلي التنظيم، الذين ولد العديد منهم في مناطق سيطرة تنظيم الدولة ولم يقدموا على أي خيار عنيف، فإن بعض الأوساط الأوروبية تعتبر أنهم تربوا على نهج يهدف لتحويلهم إلى مقاتلين.

في المقابل، فإن استمرار احتجاز هؤلاء المقاتلين دون محاكمات وآليات واضحة لحل مشكلتهم، سيكون سببا في عودة التنظيم للنشاط، انطلاقا من مراكز احتجاز مقاتليه الحالية ذاتها، خاصة وأن التنظيم رغم انكساره العسكري في سوريا والعراق، لكنه مازال نشطا في كليهما سواء في الصحراء العراقية أو في أرياف دير الزور والرقة بسوريا.