أنظمة عربية قمعية.. كيف طورت أدواتها لتوجيه "الترند"؟

12

طباعة

مشاركة

كثيرا ما تلاحظ وجود قضايا يراها كثيرون "تافهة" لكنها تجذب انتباه الناشطين على مواقع التواصل تأخذهم بعيدا عن أي نقاش جاد يتعلق بقضايا هامة أو مصيرية في حياتهم، ما يجعل فرضية أن أحدا ما يحرك هذه النقاشات ويوجهها في التوقيت الذي يريده قائمة وغير مستبعدة، فمن وراء "الترند"؟ ومن يوجه بوصلته أحيانا في الناحية الخطأ؟.

أصبح معروفا أن الأنظمة الحاكمة خاصة في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي تراقب مواقع التواصل، وتتعقب تدوينات المواطنين وتغريداتهم، بل ورسائلهم الخاصة أيضا، حتى يكون كل شيء "تحت السيطرة" وتتمكن من معرفة بماذا يفكر الشعب وما الذي يستعد له.

هذا التوجه تعتبره الأنظمة العربية تحديدا، إجراء استباقيا، بعد أن حشدت الشعوب للموجة الأولى من الربيع العربي في 2011 عبر "السوشيال ميديا".

الآن، هذه الأنظمة تجاوزت المراقبة إلى التوجيه، فأصبحت تطرح وجهات نظرها عبر مواقع التواصل وتجعل الناشطين ينساقون وراء الموجة حيثما توجهها السلطة، وفي حال تصدر آراء مخالفة لتوجهاتها أو تهدد شرعيتها، فإنها تقوم بـ"تدخل سريع" للتشويش عليها وتحريف مسارها. 

"أبو تورتة"

في بداية أكتوبر/ تشرين الأول تصدر وسم "#مصطفى_أبو_تورتة" قائمة الأكثر انتشارا أطلقته شابة مصرية، وحكت من خلاله ما فعله خطيبها في الحفلة لإفشال الخطبة وأخذه حلوى الحفل معه وهو ذاهب.

شغل الوسم الناشطين لأيام وخاضوا عليه نقاشات طويلة، بين من تعاطف مع الفتاة ومن اعتبره موضوعا مناسبا للنكتة والفكاهة، وذهبت مطاعم وماركات إلى حد الترويج لنفسها عبر الوسم. 

الوسم الذي تصدر لائحة الهاشتاجات الأكثر تداولا عبر مواقع التواصل، تزامن مع وصول فيديوهات الممثل والمقاول المصري محمد علي إلى أوجها، وأصبحت تحقق مشاهدات عالية، وصلت إلى حد التجاوب معها والنزول إلى الشارع للاحتجاج على فساد السيسي وعائلته.

محمد علي تحدث في أحد فيديوهاته أن النظام المصري يراقب مواقع التواصل ويهابها لأنه من الصعب التحكم فيها وحد هامش الحرية عليها. وقال علي: "السيسي يعلم مدى أهمية هذه المواقع ولهذا يروج لنفسه وجيشه عبرها". 

وفي دراسة عن مواقع التواصل الاجتماعي وتطور أداء مستخدمي هذه الشبكات، مثل شركة "سوشيل باكرز"، أكد المتخصصون أن مصر تعتبر من أكبر دول العالم التي تمتلك عدد حسابات وهمية ما بين حسابات غير مفعلة أو مكررة أو حسابات تستخدم للقرصنة وزيادة عدد أرقام المعجبين.

ولا يتعلق الأمر بشباب أمام أجهزة كومبيوتر بصورة عشوائية، بل إن بعض الشهادات التي انتشرت لعاملين سابقين في هذه اللجان، تؤكد أنها صناعة حقيقية، أو على الأقل شركات حقيقية، تبدأ باستدراج الشباب بإعلانات في الصحف للعمل في مواقع إلكترونية، ليجدوا أنفسهم في مقرات شركات حقيقية في صالات تنتظم فيها صفوف العاملين وراء أجهزة الكمبيوتر.

يتولى كل صف منهم مسؤول يقوم بتكليفهم بمراقبة هذه الصفحة أو تلك لشخصية سياسية كما يستخدم كل مسؤول شاشات كبيرة مثبتة على الحائط لكي يضع الجمل والعبارات التي ينبغي أن ينشرها أفراد المجموعة التي يشرف عليها، كل عبر حسابه على الصفحات المختلفة، سواء لتشويه شخصية معينة أو الرد على الخصوم، وهو ما يفسر وجود تعليقات متطابقة.

"ذباب" السعودية

في السعودية انشغل الرأي العام بـ"موسم الرياض" وتصريحات رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه بالمملكة تركي آل الشيخ، الذي قال إنه يهدف لتحويل المملكة إلى: "إحدى أهم الوجهات السياحية في العالم". وبرز بعد تصريحاته وسم "إعفاء تركي آل الشيخ" في حين نشر مستشار ولي العهد محمد بن سلمان، تغريدات يثني من خلالها فنانون سعوديون على الموسم.

اللغط الذي صاحب الوسم تزامن مع "الهزيمة الأكبر للسعودية في اليمن"، وهو أكبر فخ عسكري نفذه الحوثيون في تاريخ الحرب مع السعودية، إلا أن قيادة التحالف تجاهلته، وقلل الإعلام السعودي من شأنه. 

وتزامن الوسم أيضا مع ضربات أخرى تلقتها السعودية بتعرض منشآتها النفطية في أرامكو لهجوم هو الأكبر منذ اندلاع الحرب في اليمن.

وكان موقع "بيلينج كات" البريطاني المتخصص في الاستقصاء الإلكتروني، قد نشر تحقيقا مدويا عن سعود القحطاني، المستشار الأول لولي عهد المملكة الذي اشتهر بإدارة وسائل التواصل الاجتماعي للديوان الملكي، وتولى ملف الدعاية لأعمال ابن سلمان.

وشمل توصيف القحطاني الوظيفي، القرصنة ومراقبة منتقدي النظام السعودي وابن سلمان، وأشار التحقيق إلى أنه في عامي 2012 و2015 حاول القحطاني شراء أدوات المراقبة من شركة برامج تجسس إيطالية مثيرة للجدل.

استخدم مستشار الأمير، أيضا وسائل التواصل لمضايقة النقاد على الإنترنت، ومن هنا اكتسب لقب "أمير الذباب الإلكتروني" وهو المصطلح الذي استخدمه النقاد لوصف موظفي القحطاني وأتباعه.

ومنذ شهرين كشف تقرير لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، أن "فيسبوك" عثر على دليل لشيء طالما اشتبه فيه خبراء الأمن القومي و"الأمن السيبراني"، وهو وجود أشخاص مرتبطين بالحكومة السعودية يشنون حملات سرية على موقعي "فيسبوك" و"إنستجرام" في محاولة لتعزيز الدعم للمملكة ومهاجمة أعدائها، لتقوم إدارة الموقع بحذف حملة التأثير السرية المرتبطة بالحكومة السعودية.

"تويتر" الإمارات

طالب ناشطون عبر "تويتر" القائمين على الموقع، بتغيير مكتبه الإقليمي الموجود في إمارة دبي متهمين الإمارات بالانحياز وارتكاب مخالفات، معددين جرائم النظام الإماراتي بحق الشعوب واستخدام الموقع كأداة سياسية في توجيه الرأي العام.

وأفادوا عبر هاشتاج #تغيير_مكتب_تويتر_بدبي، إلى وقوف الإمارات وراء اختفاء هاشتاجات وصلت للترند تكشف جرائم الحرب التي ترتكبها الإمارات بحق الشعبين الليبي واليمني.

وعدد الناشطون جرائم النظام الإماراتي خاصة في اليمن وتلاعبه بالهاشتاجات الموجودة في تويتر والفاضحة لجرائمه هناك، وأخرى تكشف فساد رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

ويستهدف المكتب حسابات أفراد وأطراف لمجرد إبداء آراء سياسية تخالف توجهات الدولة التي يوجد بها المقر، وهو ما يضرب مصداقية موقع التواصل العالمي.

واقترح بعضهم أن يجري تغيير من المركز الرئيسي لمكان مكتب موقع "تويتر" ونقله إلى دولة لا تتدخل ولا تمارس أي هيمنة على المكتب وعمله.

من جهتها أعلنت شركة "تويتر"، إلغاء 267 حسابا من الإمارات ومصر، على خلفية ارتباطهما بأهداف وإستراتيجيات مشتركة تستهدف قطر واليمن، وتبالغ في دعم الحكومة السعودية.

وأعلنت الشركة في بيان نشرته على مدونتها الخاصة، التجميد المؤقت لحساب سعودي القحطاني: "ألغينا 267 حسابا تأسسوا في مصر والإمارات من أهدافها استهداف قطر بشكل رئيسي، ودول أخرى مثل إيران، إضافة إلى تضخيم الرسائل الداعمة للحكومة السعودية". 

ماذا يعني "ترند"؟

المتخصص في الإعلام الجديد هيثم سعد، قال لـ "الاستقلال": "بدأ التسويق للترند على أشكال مختلفة، لكن الفكرة قائمة على مجموعة كبيرة من مستخدمي مواقع التواصل في حيز جغرافي معين يتحدثون في نفس الموضوع، ويستخدمون نفس الألفاظ التي يتم إدراجها في وسم يتصدر فيما بعد قائمة الهاشتاج في دولة معينة".

وبدأ الإعلام المصري سواء المعارض للربيع العربي أو المؤيد له بتحويل "الترند" إلى مادة إعلامية، حينها شعر النظام المصري أنه يجب معالجة الموضوع بشكل سريع، وأن عليه أن يظهر أيضا في هذه الصورة.

وكمثال على ذلك، قال سعد: عندما تصدر هاشتاج "السيسي عدو الله" المقتبس من هتافات التونسيين وانتفاضة لبنان، دشنت ما يطلق عليها "لجان السيسي" هاشتاج بعنوان "السيسي حبيب الملايين"، وبالتالي أخذ الأمر منحى الأخذ والرد.

تحدث الخبير عن ثغرات مواقع التواصل الاجتماعي التي تتيح لتطبيقات أن تغرد أو تتداول الوسم بشكل أتوماتيكي حتى توصله إلى مرحلة "الترند".

وأوضح هيثم سعد: أن لما يسمى بـ"اللجان الإلكترونية" فلسفة مختلفة في التعامل، إذ تختلف لجان مصر -وإن كانت رائدة في هذا العمل- عن لجان الخليج، لكن الاثنين يشتركان في فكرة الترويج لترند مضاد للمتداول أو ما ما يعرف بـ "تسميم الترند"، وهو مصطلح متفق عليه فكرته الدخول على نفس الوسم والتغريد بآراء تضرب في اتجاه الترند ومحاولة تحريفه.

ذاكرة سمكة

وتتعامل الأنظمة العربية، بحسب المتحدث، مع مستخدم مواقع التواصل الاجتماعي على أنه ينسى بسرعة وأنه يمتلك ذاكرة سمكة، وبالتالي من السهل التأثير عليه والتلاعب به، فعندما يظهر فيديو مهم لمحمد علي مثلا - بما أننا نتحدث عن الحالة المصرية- يكشف فيه عن فساد داخل الجيش بالأدلة، يظهر في الجهة الأخرى موضوع تافه يتصدر "الترند" دون أن نعلم من وراءه وإن كان حقيقا أم لا؟.

وقال سعد: "يبدأ المستخدمون بالترويج له حتى يصبح مادة إعلامية زخمة تتحدث عنها أبواق النظام في برامجها الحوارية خلال ساعات الذروة، ويعتمدون في ذلك على سياسة القطيع، حتى يتجه كل المواطنين إلى مناقشة الأمر وينصرفون عن مناقشة كل ما يمكنه إحراج النظام المصري".

لكن القاعدة رقم 1 على مواقع التواصل الاجتماعي أو على الإنترنت بشكل عام، يستطرد المتخصص في الإعلام الجديد: هي أن "ما ينشر على الإنترنت يبقى على الإنترنت".

ولتوضيح فكرته قال سعد: إن "فيديوهات محمد علي وتصريحاته لا تزال موجودة وأسماء المتورطين في الفساد أيضا، وبالتالي فإن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي سيستفيقون من السكرة التي هم فيها، إن صح التعبير، وستعود لتتداول نفس الموضوع مرة أخرى".

وتوقع خبير الإعلام الجديد، أن يربط الناشطون بين ترند "مصر بتغرق" وبين القصور التي بناها السيسي والفساد الذي كشف عنه محمد علي، وهو ما حدث بالفعل، ويرى المتحدث أن العقل الجمعي لمستخدمي السوشيال ميديا وخصوصا الشباب منهم، أصبح يفطن لذلك ويستبق تحركات النظام. 

ولا يرى هيثم سعد أن المشكل لا يتعلق باللجان الإلكترونية، فهذه الأخيرة تتلقى مقابلا ماديا على ذلك، لكن الأزمة الحقيقية مع أصحاب الحسابات الحقيقية الذين يدعمون السيسي ويرون أنه على صواب، وأن كل الأحداث التي توثق لضحايا سيول الأمطار وغرق مناطق معينة، هي مجرد إشاعات، وبالتالي: "نحن نحتاج إلى الاشتغال على وعي الناس بشكل أكبر"، على حد قوله.