اليمين الشعبوي الغربي والتعاطي مع إيران.. سيناريوهات مفتوحة

12

طباعة

مشاركة

المحتويات
مقدمة
اليمين الشعبوي
أ. تأثير الصهيونية الغربية
ب. تأثير الخيار الشعبي برفض الحرب
بوريس جونسون والدبلوماسية البريطانية
الملامح المهتزة للاتفاق الجديد
خاتمة

مقدمة

ما الذي دفع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ليتحدث عن "اتفاق جديد مع إيران"؟ وما الاعتبارات التي تحكم قرار اليمين الشعبوي الغربي حيال التعامل مع الملف الإيراني؟.

ما هي الملامح التي تميز اتفاقا يبرمه اليمين الشعبوي مع إيران التي تطور خبرة نووية مقرونة بتطوير حامل باليستي، فيما تثبت تطورات قصف "أرامكو" أن الحامل الباليستي قد أصبح من الماضي بما حل محله من صواريخ موجهة شاركت في قصف المنشآت النفطية السعودية؟.

في النهاية، لا يمكن لليمين الشعبوي الغربي الحاكم تأسيس سياسته تجاه إيران على نفس الأسس التي حكمت سياساته تجاه أمن أوروبا واحتواء التنين الصيني، أو حتى إلغاء اتفاقية التجارة عبر الباسيفيك، وهي الأسس التي حكمت كذلك تصويت المملكة المتحدة حيال "بريكزيت"، وتدفع أوروبا لقبول التحولات السلبية جنوب المتوسط على مضض يبرره وقف الهجرة غير النظامية، وكبح تدفق اللاجئين، ومقاومة التنظيمات التي أرعبت أوروبا والولايات المتحدة طيلة العقدين الماضيين.

لا تتحرك الدول التي بلغ اليمين الشعبوي سدة الحكم فيها في إطار من الشعبوية المطلقة. فما زالت ثمة قواعد للعبة السياسية لا يستطيع "ترامب" أو "جونسون" التحكم بها أو تعديلها، بل آلت بعض محاولات تعديلها لهزائم قاسية لكلا الزعيمين، تارة عبر المجالس النيابية المنتخبة وتارة عبر منصات القضاء.

فما هي مركبات الضغط التي تولدها هذه البيئات على صيغة الاتفاق المزمع؟ وكيف تؤثر – كذلك – على مسار الدفع نحو هذا الاتفاق؟ تحاول هذه الورقة تقديم اجتهاد في الإجابة على هذه الأسئلة.


اليمين الشعبوي

أحد أهم ملامح السياسة الأوروبية اليوم صعود اليمين بأطياف مختلفة، ومن بينها اليمين الشعبوي. ويلعب ممثلو اليمين الشعبوي في السلطة اليوم أدوارا مختلفة عما كانت تلعبه قوى الوسط التي اتجهت لإرساء تقاليد في التعاطي مع السياسة الخارجية من جهة، وسياساتها الداخلية تجاه المهاجرين إلى الداخل من جهة أخرى.

وللمفارقة، ولطبيعة التركيبة الشعبوية التي تجمع نقائض مختلفة، فإن الشعبوية تجمع في توجهاتها الداخلية أيضا أولئك المهاجرين الذين يريدون وقف تدفق المهاجرين لئلا يؤثر تدفقهم على أوضاع الأجور من جهة، وحتى الحريات من جهة ثانية.

ثمة مداخل عدة للتعرف على تأثير خطاب اليمين الشعبوي على الموقف من الاتفاق النووي مع إيران، ربما يود بعضها إخضاع النموذج الإيراني، بينما تؤدي بعض السياسات الغربية للنظر إلى إيران باعتبارها موردا إضافيا للقوة الغربية، وهو ما يجعل النموذج التركي أكثر خطرا من وجهة نظر الشعبوية اليمينية، ويفسر التحركات الهادفة لحصار تركيا مؤخرا، ويرجع مع التاريخ لدعم خبرة الانقلاب على تجربة العدالة والتنمية، وتوريط تركيا في حرب عملة تنهك اقتصادها، كما أملوا.

المداخل المختلفة في هذا الإطار، ترتب تطورات مختلفة. فما هي أهم تلك المداخل؟

أ. تأثير الصهيونية الغربية: بعيدا عما بات معلوما من اليمين الشعبوي بالضرورة من معاداة المؤسسات ومعاداة الأجانب وتعظيم الاهتمام بلقمة العيش والمأوى، فإن المدخلين الأهم في تأطير تعاطي اليمين الشعبوي مع إيران يتمثلان في:

أولا: نفوذ اللوبي الصهيوني، عبر مكونيه، اليهودي والمسيحي الصهيوني في القرار السياسي وفي الوعي الشعبي.

أما ثانيهما: فيتمثل في الاستجابة لنمو الوعي الشعبي الغربي حيال خيار الحرب، وضرورة تقليص الخيار العسكري في السياسة الخارجية.

وإذا كان المدخل الأول مفهوما نسبيا بما يعني أننا سنوضح أركانه من دون الغوص في تفاصيله، فإن المدخل الثاني يبدو إشكاليا في فهمه وفي تقدير مسارات تناميه داخل مسارات القرار الغربي.

فيما يتعلق بالمدخل الأول، فإن تأثير النفوذ الصهيوني على اليمين الشعبوي في سياساته الخارجية بدا واضحا جدا من خلال القرارات التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، والتي يتمثل أبرزها في تحويل القرار التشريعي الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني إلى قرار تنفيذي، وهو قرار صعب.

فالكونجرس الأمريكي كان قد صادق في 23 أكتوبر/تشرين الأول من العام 1995 على قانون يسمح بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس التي اعترف بها عاصمة للكيان الصهيوني، تاركا للرئيس الأمريكي تقرير الوقت الملائم لهكذا قرار تنفيذي.

ونظرا لصعوبة القرار في تصور صانع القرار الأمريكي فقد تأجل لنحو ربع قرن، قبل أن تمنح كل من أبو ظبي والرياض والقاهرة والمنامة الضوء الأخضر للرئيس الأمريكي باتخاذ هذا القرار.

هذا التوجه ارتبطت به قرارات أخرى، كان من بينها الاعتراف في 25 مارس/آذار 2019، بسيادة الكيان الصهيوني على هضبة الجولان المحتلة في 1967[1]، وسبق هذا الإجراء، في 10 سبتمبر/أيلول 2018، قيام السلطات الأمريكية بإغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير في واشنطن[2]، وتبعتها وزارة الخارجية، في 30 أغسطس/آب 2019، بحذف اسم السلطة الوطنية الفلسطينية من قائمة تعريف الدول والمناطق في موقع مكتب شؤون الشرق الأدنى بالموقع الإلكتروني للوزارة على شبكة الإنترنت[3]، وغيرها من الإجراءات الأخرى التي لم تتضح معالمها كمشروع صهر الرئيس الأمريكي "جاريد كوشنر" عن "صفقة القرن"، وغيرها من الإجراءات الشكلية.

الجديد فيما يتعلق بإيران يتمثل في برنامج "ترامب" الانتخابي والذي كان يرى في الاتفاق النووي خطوة غير كاملة لتحجيم الخطر الإيراني، وأن خطر إيران الأبرز يتمثل فيما أعلنه وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" حين دعا إيران لإنهاء نشر الصواريخ الباليستية ووقف إطلاق وتطوير أنظمة الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية (هذا على صعيد الاتفاق السابق مع إيران)، بالإضافة إلى سحب جميع القوات العاملة تحت إمرتها في جميع ربوع سوريا، ووقف سلوكها التهديدي تجاه جيرانها، الذين يعد أغلبهم حلفاء للولايات المتحدة، بما في ذلك تهديدها بتدمير إسرائيل وإطلاقها الصواريخ على كل من السعودية والإمارات[4].

فمصدر القلق الذي تجاوزه من قبل الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، والمتعلق بحضور إسرائيل الخفي في الاتفاق المعروف رسميا بـ"البرنامج المشترك الشامل للعمل - Joint Comprehensive Programme of Action (JCPOA)، والمعروف إعلاميا باسم اتفاق 5+1، هو ما دفع "ترامب" للانسحاب من الاتفاق في إطار "توافق انتخابي" داخلي.

ب. تأثير الخيار الشعبي برفض الحرب: من أهم الاعتبارات المتعلقة بالميول الشعبية في الداخل الغربي، الرغبة في خفض الإنفاق المتزايد على السياسات الخارجية التدخلية، والتي ارتبطت بحجم إنفاق فائق الضخامة خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية، ويكفي أن نشير إلى أن حجم الإنفاق العسكري الأمريكي فقط على الحرب في العراق قد بلغ تريليوني دولار، ناهيكم عن الحرب على "تنظيم الدولة"، والوجود العسكري في سوريا واليمن والعراق وعموم الخليج.

ويدلل باحثون غربيون على أمرين في هذا الصدد، حيث يشيرون من جانب إلى عدد كبير من استطلاعات الرأي التي أجريت لاستبيان مواقف الجماهير الغربية من السياسات الخارجية التدخلية، وبخاصة تلك التي تقوم على مركزية دور القوة العسكرية.

منذ 2002 وحتى اليوم، تفيد كل استطلاعات الرأي بالحاجة إلى بناء سياسة خارجية أقل تدخلية، وأقل اعتمادا على القوة العسكرية، ولعل هذا ما يفسر الرغبة المحمومة لدى ترامب في سحب القوات العسكرية الأمريكية من الخارج، ودعوته أوروبا لرفع مساهمتها في مخصصات السياسات الدفاعية الغربية.

ويأخذ الميل الشعبي الغربي مناح أكثر راديكالية عندما يخالف توقعات السياسيين ليرى – في عدد كبير من استطلاعات الرأي – أن الصين ليست عدوا وإنما منافس تجاري للولايات المتحدة، كما أنهم يرون في روسيا شريكا للولايات المتحدة وليست عدوا كذلك، وهكذا[5].

الأمر الآخر الذي يؤكد عليه الباحثون كذلك أن السياسيين الغربيين دأبوا على تجاوز هذا الميل الشعبي، الرافض للتدخل العسكري الغربي في الخارج، وهي حالة لا تقتصر على الولايات المتحدة، بل تتجاوزها لأغلب الدول الأوروبية، بما في ذلك المملكة المتحدة التي انتهت فيها الجماهير لتأييد زعيم حزب العمال البريطاني في اعتباره أن تعرض المملكة المتحدة للإرهاب في الفترة السابقة كان مرده للتدخلات العسكرية البريطانية في الخارج، وجاء التأييد الشعبي لـزعيم المعارضة العمالية في البرلمان البريطاني رغم الهجمة الشرسة التي قادها ضده منافسوه في حزب المحافظين ومن داخل حزب العمال أيضا[6].

تقليص مساحة استخدام القوة العسكرية في السياسة الخارجية للدول الغربية لا يعني أن تكون هذه السياسة الخارجية عقيمة، بل يعني البحث عن سبل غير عسكرية لتنفيذ أهداف السياسة الخارجية الأمريكية.

وهو ما يفسر مسلك الرئيس الأمريكي الذي ينسحب من الاتفاق النووي ويهاجم إيران، لكنه في نفس الوقت لا ينجرف لمواجهة عسكرية برغم ضرب الطائرة المسيرة الأمريكية في الأجواء الإيرانية، ويؤكد على أنه لا يريد الانخراط في مواجهة عسكرية، ويعلن بشكل جلي في كل لقاءاته بقواعده الانتخابية أن مناصرته الأمنية لدولة مثل السعودية تأتي بعد أن يتلقى "المقابل المادي" لهذا الدعم، وهي إشارة للمواطن الأمريكي بأن الرئيس يتتبع تفضيلاته الواردة في استطلاعات الرأي.

غير أننا لا ينبغي أن نتجاهل هنا أن هذه السمة من سمات سياسة إدارة "ترامب" الخارجية تتقاطع مع رغبة قوية لدى اللوبي الأمريكي الصهيوني في الحد من قدرة إيران على تهديد إسرائيل، حتى وإن اقتضت المصلحة الأمريكية عدم القضاء تماما على التهديد الإيراني لجيرانها، والذي ينظر إليه اليمين الأمريكي باعتباره مصدرا لزيادة مبيعات السلاح للمنطقة[7].

يبدو الاتفاق من هذا النوع ضربا من العقد الاجتماعي الضمني بين الدول الغربية التي يصل الشعبويون فيها إلى سدة الحكم، فالمطلوب هو "تدخل عسكري أقل" مع "سياسة خارجية فعالة"، وهذان الشرطان يمنحان "ترامب" مساحة الفعل التي ينبغي عليه التحرك في إطارها، وتنفيذها بنجاح كفيل بأن يرجح كفته في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما يدفعه دفعا لتجنب خيار الحرب رغم وجود خطة أمريكية معدة بالفعل للهجوم العسكري على إيران، عبر استهداف نحو 10 آلاف هدف[8].

غير أن الساسة الشعبويين الغربيين، يحتفظون لأنفسهم بموطئ قدم حيال الخيار الآخر، خيار توظيف القوة العسكرية، وهو في تقدير الباحث، سبب إلحاح "ترامب" على تكرار قصة: "هاتفت ملك السعودية وقلت له ادفع وسأحميك". فإعادة هذه الفكرة مرارا وتكرارا، وروايتها بأسلوب يوافق مزاج القواعد الانتخابية يجعل خيار "تحقيق الأمن مقابل المال" خيارا مقبولا شعبيا.


بوريس جونسون والدبلوماسية البريطانية

كان لافتا ذلك الاضطراب الذي يلف موقف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون حيال إيران والاتفاق الذي أبرمت معها عدة دول أوروبية في عام 2015، والمعروف رسميا بـ"البرنامج المشترك الشامل للعمل - Joint Comprehensive Programme of Action (JCPOA)، والمعروف إعلاميا باسم اتفاق 5+1.

فعلى هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي عقد في 23 سبتمبر/أيلول 2019، أصدرت دول أوروبا الثلاثة التي باتت تعرف باسم (3E): المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، بيانا مشتركا أيدن فيه موقف كلا من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية الذي يلقي بالمسؤولية عن الهجمات التي شنتها طائرات مسيرة وصواريخ موجهة على منشآت نفطية تابعة لشركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) على عاتق إيران.

لكن البيان المشترك أضاف أن: الدول الثلاث معنية بصون الاتفاق "They maintained support for the “JCPOA”". ولم تكد تمضي ساعات على هذا البيان الثلاثي، حتى كان "بوريس جونسون" نفسه يفجر مفاجأة بتحول موقفه إلى النقيض تماما، حيث صرح خلال لقائه مع قناة NBC الأمريكية بأن: "الرئيس ترامب على حق، لقد قال إن الاتفاق سييء. الاتفاق به العديد من أوجه القصور. إيران كانت وما زالت تتصرف على نحو يمزق المنطقة".

وأضاف: "إذا كان هذا الاتفاق سيئ، وأنا مستعد لقبول هذا الرأي، فالاتفاق يحمل العديد والعديد من العيوب، إذا علينا أن نبرم اتفاقا أفضل"[9].

بدت تصريحات "جونسون" بعد هذه الكلمات المناقضة لبيان (3E) وكأنها دعاية انتخابية لترامب، حيث صرح: "أظن أن ثمة شخصا واحدا فقط بإمكانه عقد اتفاق أفضل، وشخصا واحدا يفهم كيفية جلب شريك صعب مثل إيران داخل الصف (أو على الخط)، هذا الشخص هو رئيس الولايات المتحدة". ووصف "جونسون" الرئيس الأمريكي: بأنه مفاوض لامع جدا جدا، ويمكنه أن يبرم "صفقة ترامب جديدة"[10].

العبارة الجارحة التي أطلقها رئيس الوزراء البريطاني حيال إيران (وضعها على الخط) تبعها تعبير حكومي بريطاني أكثر تطرفا في توجيه الإهانة لإيران، حيث نفى مسؤولون بوزارة الخارجية البريطانية لصحف بريطانية وأمريكية وجود تضارب بين تصريحات "جونسون" المسائية" والبيان الثلاثي الذي صدر في صبيحة هذا اليوم.

وأكد المسؤولون أن الغرض الأساسي هو تحقيق "الامتثال" Compliance. وفي توضيح لهذه العبارة، نقلت صحيفة "الجارديان" عمن وصفته بمسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية قوله: "إن التزامنا يتمثل في العمل مع كل شركائنا لإيجاد حلول تؤدي لامتثال "إيران". وأضاف المسؤول: "في مقابلته (يقصد مقابلة مع شبكة NBC) يريد (أي: بوريس جونسون) العمل مع كل شركائنا"[11].

الإشارة السابقة تلفت إلى أن المملكة المتحدة لا تملك رؤية تفصيلية حيال ما يمكنها أن تسكله من خيارات وسبل دبلوماسية وغير دبلوماسية، لكنها تقع في نطاق تأثر اليمين الشعبوي في المملكة المتحدة بالحدين الموضوعين لترسيم مسار التعاطي الحاسم مع الحالة الإيرانية.

فمن جهة، يعلم جونسون الذي تتآكل صورته بمعدل يومي بسبب معارضة المؤسسة البريطانية له سواء في ذلك حزبه أو مجلس النواب أو حتى المؤسسة القضائية البريطانية التي اتخذت موقفا صارما أدى لتجريده من آخر أوراقه لإدارة قضية "بريكزيت".

فالرجل الذي تتآكل قدراته السياسية يعلم أنه ليس بمقدوره تعزيز خيار التدخل العسكري في منطقة الشرق الأوسط، وهي السياسة التي تمثل تحديا لميول وتصورات القواعد الانتخابية لكل من اليمين واليسار في المملكة المتحدة، وهو ما يعني أن عليه أن يدعم الخيار الدبلوماسي، وأن يستند لحليفه الأمريكي إذا ما اضطر المجتمع الغربي لخوض مواجهة عسكرية مع إيران على خلفية "الخدمات المدفوعة التي لم تؤد للمساس بأموال دافعي الضرائب.

أما الحد الثاني فيتمثل في حاجته للبروز بمظهر الدبلوماسي المحنك الذي يمكنه أن يحقق نصرا دبلوماسيا برغم القيود التي تلزمه بالتحرك داخل دائرة رضا الرأي العام، وإلا فإن خسارة حزب المحافظين للانتخابات المقبلة، وإن كانت مستبعدة إلى حد كبير، فإنها ستدفعه للمربع الأسوأ تاريخيا في إدارة المملكة المتحدة، والأسوأ تاريخيا بين تجارب الشعبويات الغربية التي وصلت إلى السلطة.

وبالعودة لحديث المسؤول بوزارة الخارجية البريطانية عن العمل لإيجاد حلول لدفع إيران نحو" الامتثال"، يثور التساؤل، نجد أن الخارجية البريطانية تتحرك في مربع "الخطاب"، من دون أن يكون لديها تصور عما سيتخذه جونسون من قرار في هذا الصدد، وهو الأمر المرتبط بالحد الثاني الذي يمثل قيدا على خيارات جونسون والمتمثل في صلابة الموقف الإيراني.

فالحديث عن "الامتثال" كما تتصوره الخارجية البريطانية هو حديث إشكالي. فالخطاب الذي صاغته الترويكا الأوروبية (3E) في بيانها كان يضع سقفا لتصور هذا الامتثال، ويحده بالمربع الإشكالي، فهم يطلبون من إيران أن تمتثل للاتفاق الموقع بين الطرفين، لكنهم في المقابل لا يقومون بتنفيذ التزاماتهم في هذا الصدد.

بل يذهبون بعيدا أكثر بالتأكيد على أن مضي إيران قدما في خفض مستوى التزامها بالاتفاق سيؤدي بالترويكا الأوروبية إلى الانحياز الشامل لخيار "الاتفاق الجديد"، وهو الخيار الذي ما زالت تدعي أنها لا تريد الاتجاه إليه[12].

بينما هي – عمليا – تقف على بداية المسار المفضي إليه، حيث لا تملك القدرة على إلزام الشركات التي تحمل جنسيتها بمتابعة الاتفاق كما لا تملك القدرة على تحريك موقف "ترامب"، وهو ما تمثل مؤخرا في تراجع قدرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على دعم رؤيته لتوفير خط ائتماني جاذب لإيران بقيمة 5 مليارات دولار، لم تلبث أن ارتفعت إلى 15 مليارا من دون جدوى[13].

وهو ما قد يدفع الأطراف الأوروبية، للحاق بموقف "جونسون" وإبداء العجز، والوقوف في مربع المتفرج المترقب لما ستسفر عنه "إستراتيجية الضغط الأقصى" التي يتبعها "ترامب"[14]، والتي صرح الرئيس الإيراني نفسه بأن بلاده قد تمكنت من الالتفاف حولها وتجاوزها، لقدرتها على تسويق نفطها[15]، كما ادعت أن هذا الالتفاف هو سبب إقالة مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون[16].

بل إن المبعوث الأمريكي السابق إلى الشرق الأوسط "دينيس روس" كتب لمجلة "Foreign Policy" مشيرا لتوقعات صندوق النقد الدولي لإيران بمتوسط نمو يبلغ 4% هذا العام (2019)[17]، وذلك في معرض حديثه عن سيمنار عقد بالكونجرس الأمريكي عن مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية بعد 2020.

في هذا الإطار، كان موقف "بوريس جونسون" المشار إليه – على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وما ارتبط به من مواقف للدبلوماسية البريطانية، محض محاولة لتوفير أكبر قدر ممكن من التأييد لتوجه الرئيس الأمريكي حيال الاتفاق، وإعلان توافقه معه في أن الاتفاق يعج بالمثالب، وهو ما يسحب البساط من تحت الموقف الأوروبي الذي يرى في الاتفاق خطوة جيدة ينبغي التمسك بها، ومن ثم البناء عليها.

ومقارنة بالصورة الشهيرة للرئيس الفرنسي مع "ترامب" في "قمة السبع الكبار"[18]، ربما تطرف "جونسون" كثيرا في امتداحه لقرار "ترامب"، على نحو بدت معه تصريحاته وكأنها تتجاوز الكشف عما أمكن للرئيس الأمريكي تحقيقه من اختراق للموقف الأوروبي فيما يتعلق بالملف الإيراني، باتجاه الظهور بمظهر القائم بدعاية انتخابية مجانية للرئيس المقدم على استحقاق انتخابي قريب مقرون بمواجهات داخلية حادة مع "الكونجرس".

لكن خطه في هذا الإفراط في المديح لا يخرج عن المألوف في خطاب اليمين الشعبوي الذي تعد قضية "عبادة القوة" و"تأليه الرئيس" من أهم سماته، وتجاربه في هذا الإطار حاضرة من أرجنتين" بيرون" وبرازيل" فارجاس" إلى مجر "أوربان" وأمريكا "ترامب" في وقتنا الراهن.

غير أن مبدأ "الامتثال" في هذا السياق قد يكون له هدف آخر بخلاف التعبير عن روح "اليمين الشعبوي" الغربي، فإشكاليته المركزية التي لفتنا إليها لا تعني سوى أنه ما من سبيل أمام كل الأطراف سوى الاتجاه نحو "اتفاق جديد".

فلا معنى للعبث الحادث في ملف الاتفاق النووي إذا كان الاتفاق يعني أن يقوم طرف بأداء كل الالتزامات الملقاة على عاتقه، فيمتثل للاتفاق، في حين أن الطرف الآخر، وهو الطرف المفترض به أنه قوة دولية معتبرة (الاتحاد الأوروبي)، لا يقدم أية استجابة.


الملامح المهتزة للاتفاق الجديد

كان الأمر بالنسبة للولايات المتحدة كان أكثر وضوحا، فمع إعلان الرئيس الأمريكي الانسحاب من "JCPOA"، حددت الخارجية الأمريكية 12 مطلبا/ شرطان مثلت الإطار العام للاتفاق الجديد بين الولايات المتحدة وإيران، وتعد مطلوبة في حال أرادت إيران من الولايات المتحدة أن ترفع العقوبات التي أعادت فرضها في أعقاب انسحابها من الاتفاق.

وقام وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" بتلاوة هذه المطالب في خطاب له أمام مؤسسة "هيريتيدج" في العاصمة واشنطن العاصمة[19]، وتقتضي هذه المطالب من إيران أن:

  • تقدم للوكالة الدولية للطاقة الذرية صورة كاملة عن الأبعاد العسكرية السابقة لبرنامجها النووي، ثم تتخلى بصورة دائمة ويمكن التحقق منها عن هذا البرنامج للأبد.
  • توقف تخصيب اليورانيوم ولا تستأنف - أبدا - مساعيها لإعادة إنتاج البلوتونيوم، ويتضمن ذلك أن تغلق مفاعل الماء الثقيل.
  • تقدم للوكالة الدولية للطاقة الذرية تصريحا للتفتيش على كل المواقع المرتبطة بالمشروع النووي عبر أرجاء إيران.
  • تنهي نشر الصواريخ الباليستية ووقف إطلاق وتطوير أنظمة الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية.
  • تطلق سراح كل مواطني الولايات المتحدة وشركائها وحلفائها من السجون الإيرانية.
  • تنهي الدعم الموجه للجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط، بما في ذلك حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي.
  • تحترم سيادة الحكومة العراقية، والسماح بنزع سلاح الميليشيات الشيعية وتسريح قطاعات منها أو إعادة إدماجها.
  • تنهي دعمها العسكري للمنشقين الحوثيين، وتعمل لأجل استقرار سياسي سلمي في اليمن.
  • تسحب جميع القوات العاملة تحت إمرتها في جميع ربوع سوريا.
  • تنهي دعمها لحركة طالبان وغيرها من المنظمات الإرهابية في أفغانستان وعموم المنطقة، وتوقف إيواء زعماء تنظيم القاعدة الكبار.
  • تنهي الدعم الذي يقدمه فيلق القدس المنبثق عن الحرس الثوري الإسلامي للحركات الإرهابية والميليشيات الشريكة عبر أرجاء العالم.
  • تنهي سلوكها التهديدي تجاه جيرانها، والذين يعد أغلبهم حلفاء للولايات المتحدة، بما في ذلك تهديدها بتدمير إسرائيل وإطلاقها الصواريخ على المملكة السعودية والإمارات العربية، وكذلك تهديداتها للملاحة الدولية، وهجماتها السيبرانية المدمرة.

وفي إطلالة على هذه المطالب نجد أنها تتسق مع مدخلي اليمين الشعبوي الغربي في بناء سياساته الخارجية، فهي من ناحية، ترتبط هذه المطالب ارتباطا واضحا بهاجس الأمن، ولأن إيران دولة إقليمية تقع على أطراف منطقة "الشرق الأوسط"، فإن القلق الأمني هنا لا يكون على الحدود الأمريكية، بل يكون على حلفاء الولايات المتحدة في هذه المنطقة، وينسحب على حاجات هؤلاء الحلفاء بالأمن.

غير أن المنطقة تتضمن ما هو أهم من الحليف بالنسبة للولايات المتحدة، أو بالنسبة لمكونات اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة من اليهود الصهاينة، والمجتمعين المسيحيين، الإنجيليين والبروتستانت، فهؤلاء ينظرون للكيان الصهيوني في إطار عقيدة دينية ترتبط بنزول المسيح المبشر به في التوراة، ويتوقعون معه السفر لأرض ميعاد التقائه، والتي يجب أن تكون "طاهرة" و"مجهزة" لاستقباله، واستقبالهم كذلك.

لهذا نجد الشروط الإثني عشر المتوقع أن ينبني عليها الاتفاق الجديد الذي سترعاه الولايات المتحدة ترتبط بالقضاء تماما على إمكانية حيازة إيران لأسلحة نووية تهدد الكيان الصهيوني.

والقضاء كذلك تماما على أية قدرة لإيران على توصيل هذا السلاح – إن وجد – وغيره من الأسلحة الإستراتيجية أو ذات درجة التدمير العالية، ثم الانطلاق بعد ذلك لتأمين حدود هذا الكيان المحتل؛ وذلك التأكيد على سحب إيران لقواتها وميليشياتها الموجودة بالقرب من الكيان الصهيوني في سوريا، وأن تكف عن دعم "التنظيمات الإرهابية" التي يمكن أن يكون لها علاقة في المستقبل بتهديد أمن الكيان الصهيوني.

لم يكن لدى إدارة "ترامب" مانع من أن تتضمن هذه الشروط بعض العناصر التي تؤكد ارتباط هذه الشروط بالمصلحة الأمريكية وبالأمن العالمي، من قبيل إطلاق سراح المواطنين الأمريكيين المعتقلين، وتأمين "حلفاء" الولايات المتحدة في المنطقة، وإطلاق سراح مواطني الدول الحليفة من السجون الإيرانية.

أما المدخل الثاني، فيبدو حضوره في استبدال الخطاب العسكري بخطاب دبلوماسي مرتبط بتطبيق إستراتيجية عقوبات تحمل اسما يجذب الانتباه من قبيل "الضغوط القصوى Maximun Pressure"، على غرار أسماء أفلام حركة هوليودية أو حتى بوليوودية مثل "Maximum" أو "Maximum Risk" أو  "Maximum Impact".

ما يسهم في جذب الانتباه للإستراتيجية البديلة لما بات معلوما من كراهية الناخبين الغربيين للسياسات الخارجية التدخلية المبنية على الأداة العسكرية. ولعل نفس الحافز يتمثل في إعلان "ترامب" أكثر من مرة أنه لا يتوخى تغيير النظام في إيران بقدر ما يسعى إلى اتفاق جديد. فهذه الرسالة ليست موجهة للإيرانيين وحدهم، بل موجهة للداخل الأمريكي أيضا.

غير أن هذه الإستراتيجية التفاوضية كغيرها من إستراتيجيات التفاوض الغربية تنبني على وضع سقف مطالب قصوى، ثم الاتجاه نحو تقديم تنازلات عنها شيئا فشيئا عندما يتبين أن الطرف المستهدف بالتفاوض قد بدأ يعطي إشارات بوجود رغبة في التفاوض مع تأكيده على إجحاف الشروط الموضوعة كأساس للتفاوض معه.

في هذا الإطار، يفيد مراقبون أمريكيون بأن الولايات المتحدة لم تلبث أن قدمت تنازلات فيما يتعلق بهذه الشروط، وذلك على الرغم من أنه لم يبد أن ثمة إشارات تجاوب قد صدرت عن الطرف الإيراني.

يلفت المحلل في شبكة "بلومبرج" المعنية بشؤون الاقتصاد العالمي والسياسات المؤثرة فيه، ""إيلي ليك"، إلى أن الرئيس الأمريكي سارع لتقديم تنازلات قوية لإيران قبل أن يصدر عن الأخيرة أية بادرة تفيد بأنها على استعداد للدخول في مفاوضات جديدة بخصوص اتفاق بديل.

ويلفت الكاتب إلى أن ما صدر عن إيران من إشارات كان يمثل تحركا في الاتجاه المعاكس، حيث أن إحدى استجاباتها السلبية تمثلت في فرض عقوبات على أحد مراكز التفكير في واشنطن، وهو "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات The Foundation for Defense of Democracies (FDD)"، حيث أوقفت شركاء لمركز التفكير من الإيرانيين وباشرت إجراءات أخرى بحق غير إيرانيين، وهو ما يمثل تحديا لمطالب/ شروط بومبيو الإثني عشر.

ورغم ذلك، يشير "ليك" إلى أن "ترامب" أقدم في اجتماع قمة السبعة الكبار (G7) على تخفيض هذه الشروط إلى 3 فقط، حيث أشار في تصريح له بالقمة، التي كان وزير الخارجية الإيراني "جواد ظريف" مدعوا لها، إلى أن الولايات المتحدة تسعى لاتفاق على 3 أسس، هي: "لا أسلحة نووية"، و"لا صواريخ باليستية"، و"مدة التزام أطول"[20].

غير أن تصريح "ترامب" يعني التنازل عن 10 شروط وليس 9، فالأساس الثالث الذي تحدث عنه الرئيس الأمريكي برغبته في الحصول على مدة ضمان التزام إيرانية أطول يمثل شرطا جديدا لم يكن واردا بقائمة الشروط التي سبق بوزير الخارجية الأمريكي أن تلاها.

إلا أن تصريحات ترامب كان يمكن لها أن تتغير لو أنها صدرت بعد الهجمات التي شنت على منشآت "أرامكو"، والتي شهدت هجمات بصواريخ لم تكن باليستية، وإنما موجهة، وهو ما يبدو أخطر بالنظر لتقنيتها ذات الدقة الأعلى فضلا عن طول المسافة التي قطعتها. وهو ما ينذر باحتمال حدوث تحول في الشروط الأمريكية، أو ربما تطورا أبعد.

غير أن هذا الاحتمال ربما يكون محض سراب بالنظر لدور هذا المشروع التوسعي الإيراني في دفع الدول الخليجية إلى زيادة طلبها على السلاح عالي التقنية، والذي يرى خبراء أنه لم يوفر الحماية لدول الخليج حتى الآن، بدليل هجمات "أرامكو".

غير أن البادي من خلال تصريحات "ترامب" نفسه في قمة السبع الكبار، أنه معني بتسريع وتيرة المفاوضات مع إيران، وهو الهدف الذي يمكن القول بأن الاعتبارات الانتخابية تفرضه، فقد صرح في نفس القمة، وبعد توضيحه لأسس التفاوض الثلاثية بقوله: "إننا (أي الأمريكان والإيرانيين) يمكننا أن نحقق هذا الهدف في وقت قصير"[21].

ويبدو "ترامب" في حاجة لهذا النصر الذي قد يضمن له إعادة الانتخاب، بدلا من أن يضطر للجوء لحرب مدفوعة التكاليف، ليواجه معها احتمالين: إما أن يقرر الناخب (الرافض للحرب) دعم رئيسه في حالة حرب، أو أن يقرر معاقبته على توريط أبنائهم في حرب جديدة تحمل معها مخاطر وذكريات وتكلفة "حرب العراق".


خاتمة

إن المداخل التي تحكم السياسة الخارجية لليمين الشعبوي الغربي تجاه إيران تختلف عن تلك التي تحكم سائر قضايا السياسة الخارجية لنفس اليمين. أساس تكييف المخاطر مختلف.

فالاعتبارات التي حكمت التوجه الشعبوي نحو الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي بسبب قضايا اللاجئين والعمالة والهجرة تختلف تماما عن أساس التعامل مع إيران. وكما المملكة المتحدة، تقف الاعتبارات الحاكمة لسياسة الولايات المتحدة تجاه اتفاقية التجارة الحرة عبر الباسيفيك، والحرب التجارية مع الصين، وسور المكسيك، ومنع التأشيرات عن دول من العالم الإسلامي تحمل نفس الركيزة من "اختلاف الأسس".

ويبدو في هذا الإطار، أن أساس الصهيونية الأمريكية بتياراتها المتعددة، واتجاه المواطنين الغربيين نحو دعم موقفهم الرافض للسياسة الخارجية التدخلية القائمة على دور محوري للأداة العسكرية يتعاظم يوما بعد يوم، ليضغط على قادة شعبويين كبار مثل "ترامب" و"جونسون"، ويدفعهم لتقديم خطوة وتأخير أخرى، هذان الأمران يمثلان باعث رؤية اليمين الشعبوي الغربي في التعاطي مع إيران.

لقد قامت المملكة المتحدة بمناورة نفسية مع الطرف الإيراني مؤكدة – عبر دبلوماسييها - أنها لا تريد منه سوى "الامتثال"، وسبقها رئيس الوزراء "جونسون" للإشارة لأثر الرئيس الأمريكي في دفع إيران للوقوف على "الخط"، وهي إشارة لا تقل إهانة لإيران، وكلاهما يعني أمرا واحدا، لا معنى للعبث عبر اتفاق يقدم أحد أطرافه امتثالا تاما فيما الطرف الآخر لا يلتزم بشئ من هذا الاتفاق.

وفي الطرف الآخر من الأطلنطي، تحدد واشنطن قائمة من 12 شرطا، يضطر ترامب أن يخففها إلى 3 شروط على أمل أن يدفع التخفيف إيران للجلوس لطاولة المفاوضات، بما يمكنه من إنقاذ نفسه من أحد مصيرين، أحلاهما مر: العزل أو تشويه الصورة السياسية من ناحية، أو التعرض لهزيمة انتخابية من ناحية أخرى.

وفي المقابل تتصلب إيران، وتتحدث عن انتصاراتها السياسية، من التفاف على العقوبات، وعزل لأحد أبرز صقور اليمين الأمريكي، مستشار الأمن القومي "جون بولتون"، فضلا عن تراخي الولايات المتحدة حيال خيار الحسم العسكري، بالرغم من قصف الطائرة الأمريكية المسيرة، ثم قصف "أرامكو".

وتبقى بدائل المستقبل مفتوحة على احتمالات عدة بينها الأسوأ لإيران، وهو احتمال القصف. فزيادة عدد القوات الغربية على الضفة الأخرى من الخليج، وتراكم العتاد العسكري في مياهه، يرافقهما تصريحات متكررة يلح عليها الرئيس الأمريكي أمام ناخبيه، تفيد بأنه لن يقدم الأمن مجانا للخليج.

الإلحاح على هذه القضية يعني أن "ترامب" يتحضر" لضربة عسكرية لن تقع مغبتها على عاتق دافع الضرائب الأمريكي. لكنها ستبقى في النهاية مغامرة مفتوحة على احتمالات سلبية عدة، انتخابية وتمويلية.


المصادر:
[1] وكالات، ترامب يوقع إعلانا يعترف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولانن موقع "فرانس 24"، 25 مارس 2019. http://bit.ly/2HSKX8O
[2] محمد يونس، ترامب يعاقب السلطة الفلسطينية بإغلاق مكتب منظمة التحرير، موقع "الحياة" الإخباري، 11 سبتمبر 2018. http://bit.ly/2Mm0L68
[3] محمد المنشاوي، حذف اسم السلطة.. خطوة أميركية أخرى ضد الفلسطينيين، "الجزيرة.نت"، 30 أغسطس 2019. http://bit.ly/32lQQTF
[4] Correspondants, Mike Pompeo speech: What are the 12 demands given to Iran?m AlJazira.Net, 21 May 2018. http://bit.ly/32lrAwQ
[5] Kadira Pethiyagoda, Foreign Policy Populism: The Final Frontier, The National Interest, 27 January  2018. http://bit.ly/33AttFT
[6] Ibid. http://bit.ly/33AttFT
[7] خاص، ترامب وابتزاز الرياض.. دوامة مستمرة يغذيها "البعبع الإيراني، موقع "الخليج أونلاين"، 12 أكتوبر 2019. http://bit.ly/35EU729
[8] المحرر، تسريب خطة أمريكا لضرب إيران.. تدمير 10 آلاف هدف في يوم واحد، موقع "الشبكة العربية"، 1 أكتوبر 2019. http://bit.ly/35yI2eW
[9] Peter Walker - Julian Borger - Kevin Rawlinson, Boris Johnson calls for 'Trump deal' to fix Iran nuclear standoff, The Guardian, 23 September 2019. http://bit.ly/32eMAW1
[10] Demetri Sevastopulo - George Parker - Najmeh Bozorgmehr - Andrew England, Boris Johnson urges Iran to back a new ‘Trump deal’, Financial Times, 24 SEPTEMBER 2019. https://on.ft.com/2IERhRc
[11] Peter Walker - Julian Borger - Kevin Rawlinson, Boris Johnson calls for 'Trump deal' to fix Iran nuclear standoff, The Guardian, 23 September 2019. http://bit.ly/32eMAW1
[12] Demetri Sevastopulo - George Parker - Najmeh Bozorgmehr - Andrew England, Boris Johnson urges Iran to back a new ‘Trump deal’, Financial Times, 24 SEPTEMBER 2019. https://on.ft.com/2IERhRc
[13] جون أيرش - باريسا حافظي، فرنسا تقترح خط ائتمان بقيمة 15 مليار دولار لإيران، إذا وافقت أمريكا، موقع "وكالة رويترز للأنباء"، 3 سبتمبر 2019. http://bit.ly/2kIxyHv
[14] IISS Stuff, The US, Iran and ‘maximum pressure, The International Institute for Strategic Studies (IISS), May 2019. http://bit.ly/2VKRhEs
[15] المحرر، روحاني: التففنا على العقوبات الأمريكية الظالمة، وسنواصل ذلك، موقع "بي بي سي" العربي، 5 نوفمبر 2018. https://bbc.in/2IRBQVN
[16] Correspondants, Bolton's departure shows failure of U.S. 'maximum pressure' against Iran: Rouhani adviser, Reuters, 10 SEPTEMBER 2019. https://reut.rs/31owfwq
[17] DENNIS ROSS, DANA STROUL, The Next U.S. President Should Make a New Deal with Iran, Foriegn Policy Magazine, 10 SEPTEMBER 2019. http://bit.ly/2ql9Qn1
[18] كان الرئيس الفرنسي في قمة السبع الكبار التي عقدت في فرنسا قد التقط صورة وهو يصافح الرئيس الأمريكي، وكان يشير إليه أثناء المصافحة بيده علامة حسن التصرف، وهي إشارة تفيد تمكن “ترامب” من إنتاج اختراق للموقف الأوربي في ملفات عدجة، منها الملف الإيراني.
[19] Correspondants, Mike Pompeo speech: What are the 12 demands given to Iran?m AlJazira.Net, 21 May 2018. http://bit.ly/32lrAwQ
[20] Eli Lake, Trump Lowers the Bar for a Deal With Iran, Bloomberg Network, 26 August 2019. https://bloom.bg/2pp0PJ8
[21] Ibid. https://bloom.bg/2pp0PJ8