مجلة فرنسية تنقل شهادات متظاهرين عراقيين عن الاحتجاجات الدامية

12

طباعة

مشاركة

اتخذت احتجاجات العراق الشعبية منعطفا دراماتيكيا في الأيام الأخيرة، مع قمع الأمن العنيف وأعمال القتل، إذ دخلت البلاد بسبب المواجهة بين طهران وواشنطن، للمجهول، خاصة مع وجود متظاهرين شيعة ينتقدون إيران، وحكومة لا تحظى بشعبية، وخطر الانهيار.

تحت هذه الكلمات سلطت مجلة "أوريان21" الفرنسية، الضوء على المظاهرات التي يشهدها العراق منذ مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، احتجاجا على الفساد والبطلة وتدخلات إيران.

المطالبة بالساعدي

وقالت المجلة: كانت ستكون ثورة، بحسب المتظاهرين الذين التقوا في ساحة التحرير بالعاصمة بغداد، إذ نقلت عن محمد العيساوي من النجف القول: "اليوم، سنعبر النمر (للذهاب إلى المنطقة الخضراء، مقر الحكومة) ونغير النظام".

فيما ذكر سلام المسعودي، متظاهر من بغداد للصحيفة: "نريد تعيين الساعدي رئيسا للوزراء" في إشارة إلى صورة لعبد الوهاب الساعدي، قائد جهاز مكافحة الإرهاب السابق، وهو شخصية بارزة في الحرب ضد تنظيم الدولة، أصبح بمثابة البطل الصامت للحركة الشعبية التي تهز العراق، والرجل المخلّص الذي ينتظره الناس.

وأكدت المجلة: "بما أن الديمقراطية البرلمانية ليست أكثر من مجرد مزحة في العراق، فإن المتظاهرين يريدون رجلا قويا، قادرا على إدارة البلاد بمبادئ وطنية وغير طائفية، وهي سمات يبدو أن الساعدي قد نماها منذ حربه على تنظيم الدولة".

وأوضحت: أنه "علاوة على ذلك، ثار الساعدي ضد الفساد المنتشر بدائرة مكافحة الإرهاب، الأمر الذي جعل له الكثير من الأعداء، وفي سبتمبر/أيلول 2019، أجبره رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي على الاستقالة، الأمر الذي رآه عدد كبير من العراقيين، إهانة أكثر من اللازم".

وأشارت المجلة إلى أن: "موجة الاحتجاج الجديدة وُلدت على شبكة الإنترنت، وسرعان ما انطلقت أول تظاهرة مطلع أكتوبر/ تشرين الأول على أمل حدوث موجة مد تجبر الحكومة على الاستقالة".

كما أعرب المحتجون، بحسب المجلة، عن أملهم في إعادة الساعدي إلى الصدارة وتحقيق الإصلاحات الاقتصادية اللازمة لإخراج الطبقات العاملة من البؤس المتزايد الذي يعيشون فيه.

ونقلت المجلة عن كرار جاسم، أحد المحتجين من حي الكرادة، قوله: "الناس يموتون في المستشفيات هنا، لقد حرمنا من حقوقنا منذ عام 2003. العراقيون العاديون لديهم حقوق أقل من المتعاونين الذين يخدمون المصالح الأجنبية".

وأكدت "لوريان21" أنه في ساحة التحرير، تحول التظاهر بسرعة إلى مواجهة، بمجرد أن حاولت الشرطة تفريق الحشود بمدافع المياه والغاز المسيل للدموع، لافتة إلى أنها كانت بداية الشرارة التي حولت التجمع إلى أعمال شغب، وبعد فترة وجيزة، صد المتظاهرون الشرطة على الجانب الآخر من نهر دجلة.

ونوهت إلى أن هذا الانتصار استمر لمدة قصيرة لأن بالفعل "قوات التدخل السريع"، المسلحة بقوة، تدخلت واجتاحت مكان التجمع عن طريق إطلاق النار في الهواء، لكن في الليل، استمرت الاشتباكات بين المتظاهرين والشرطة في أماكن مختلفة بالمدينة".

قمع رهيب

في اليوم التالي، تقول المجلة: "تجمعت نفس الحشود في الشوارع، مع شباب أصحاب توجهات متنوعة، لكنهم منضبطون، يعملون مع السكان والمساعدين الطبيين، وفي المقابل تغلق الشرطة المدججة بالسلاح الطرق وتواصل إطلاق النار في الهواء بالذخيرة الحية عندما يتقدم الحشد أكثر من اللازم، ولم تجد الشرطة طريقة أخرى سوى استخدام القوة مرة أخرى لاحتواء المحتجين الذين يرغبون في المضي قدما بأي ثمن والانضمام إلى حشد آخر".

وأضافت المجلة: أنه في أجزاء أخرى من المدينة، أسفرت المصادمات بين شرطة مكافحة الشغب التي تدعمها وحدة التدخل السريعة، والمحتجون عن سقوط مئات الجرحى وبعض القتلى. لينتقل الغضب إلى مدن أخرى في البلاد، وخاصة في المناطق الشيعية، مع احتجاجات عنيفة في النجف والناصرية والبصرة وغيرها.

وأشارت "لوريان21" إلى أنه في ظل الضغوط، فرضت الحكومة حظر التجوال، وتوقفت حركة المرور وقررت قطع الإنترنت في البلاد، ولم ينج من هذه القيود سوى المنطقة الكردية فقط. ومع ذلك، لم تستطع الحكومة على تلبية مطالب الشارع، ولا منع التجمعات اليومية لعشرات الآلاف من المحتجين الذين تتحول احتجاجاتهم لاشتباكات عنيفة أحيانا مع الشرطة.

وتابعت: "في الأيام التالية، تدهور الوضع أكثر، مع تدخلات من جماعات مسلحة مجهولة الهوية والإبلاغ عن القناصة الذين يقتلون المتظاهرين، وبعض أفراد الشرطة. وبعد أن كانت الحركة حتى الآن مسالمة، حيث رددت في كثير من الأحيان شعار سلمية، أدى هذا التحول الدراماتيكي إلى زيادة التوتر، وخيم شبح الحرب الأهلية على البلاد".

وبينت المجلة الفرنسية، أنه إذا بقيت هوية هؤلاء القتلة مجهولة، فإن اغتيال المسلحين المعروفين يشير إلى أنها مناورة لثني المتظاهرين. وقال رائد فهمي، البرلماني الأمين العام للحزب الشيوعي العراقي: "لقد طالبنا بإجراء تحقيق حتى يتم الكشف عن مرتكبي هذه الجرائم، وكذلك أولئك الذين أحرقوا مباني القنوات التلفزيونية وقاموا باعتقالات خارج نطاق القضاء".

ولفتت "لوريان21" إلى أن العنف لم يوقف المتظاهرين، وبعد أسبوع قُتل أكثر من 165 شخصا، معظمهم من المتظاهرين، وجرح الآلاف، وفقا لوزارة الصحة، كما تم تخريب العديد من مقار الأحزاب السياسية.

من جهتها، أقرت حكومة عبد المهدي، غير القادر في البداية على الاستجابة للتعبئة الشعبية بخلاف القمع، أقرت بمدى التحدي، وفي يوم الأربعاء الموافق 2 أكتوبر/تشرين الأول، ألقى رئيس الوزراء خطابا للبلاد على شاشات التلفزيون خلال فترة وجيزة من استعادة الإنترنت بالعراق من خلال الدعوة إلى الهدوء ووعد بأخذ مطالب الشارع في الاعتبار. وأعقب هذا وعود بالإصلاحات، لكن هذه الإجراءات التجميلية التي جاءت في اللحظة الأخيرة لم تقنع المتظاهرين المصممين على سقوط الحكومة.

مؤسسات واهنة

وأكدت المجلة، أن القوى السياسية التقليدية غير مدركة لهذه الظاهرة، المتظاهرون لم يستثنوا أحدا، وهذا التحول يدل على خيبة أمل الشباب الشيعي أيضا، المكون الواسع بالبلاد، الذي أثر فيه الوضع السياسي بالعراق.

ونوهت إلى أنه عند هذه النقطة، يجب أن نلاحظ الوضع الشاذ المزدوج للوضع المؤسسي في البلاد، فائتلاف "سائرون"، بقيادة التيار الصدري، هو القوة الأولى للبرلمان، ويقع على عاتقه تشكيل الحكومة من خلال تحالفات والحصول على الأغلبية البرلمانية، لكن لم يتم تطبيق هذا البند.

ونقلت عن النائب في البرلمان أحمد حاج رشيد، قوله: "هذه ليست هي المرة الأولى التي لا يحترم فيها الدستور، في عام 2010، حصل أياد علاوي على أعلى تمثيل، لكن البرلمان لم يمنحه منصب رئيس الحكومة.  إن الأزمة التي تلت ذلك أضعفت المؤسسات، وأدت إلى تعيين نوري المالكي، وإضعاف الدولة وظهور تنظيم الدولة".

 وبحسب النائب العراقي، فإنه مرة أخرى في 2018، لم يكن تشكيل الحكومة  موافقا للتصويت الشعبي، وتم تخصيص الوزارات على أساس انتمائها السياسي بدلا من جعل الدولة تعمل بكفاءة.

ويؤكد رائد فهمي (وهو أيضا نائب في البرلمان)، أن: "الحكومة الحالية هي نتيجة حل وسط بين مختلف الائتلافات السياسية التي تم إنشاؤها لتجنب أزمة سياسية كبيرة، لكن تم الاتفاق على أن البلاد شرعت في سلسلة من الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي لم يتم تنفيذها".

دولة عميقة

والأخطر من ذلك - حسب رائد فهمي - هو وجود "دولة عميقة" تعمل على استمرار قوة الفاعلين السياسيين على المؤسسات وعلى هذا القطاع أو ذاك من الاقتصاد، بحسب "لوريان21".

ويضيف أحمد الحاج رشيد للمجلة: "تسيطر مجموعات المصالح المرتبطة بالأحزاب السياسية على المناصب الرئيسية في الدولة وتبقى في مكانها، وبغض النظر عن الحزب الموجود في السلطة، فهم يحافظون على شبكات عملائهم، ويقوضون إلى حد كبير فعالية المؤسسات"، ومن الصعب في ظل هذه الظروف تخيل طريقة للخروج من الأزمة.

وخلصت المجلة الفرنسية إلى أن: "العلاقات غير الموثقة بين الميليشيات والأحزاب السياسية والدول الأجنبية أظهرت بالفعل كيف يمكن للجهات الفاعلة من غير الدول أن تلعب دورا مضادا للثورة قادر على مصادرة قدرة الشعب الثائر على التأثير بشكل عميق على الحكومة والمؤسسات المهمة".

ونقلت عن سلام المسعودي، قوله: خلال مسيرة احتجاجية في بغداد "لقد مرت 16 سنة، سئمنا، لقد ذبحنا بسبب السياسات الطائفية، خرجنا من الظلم في عهد صدام حسين لدخول عصر الظلم الجديد هذا، ويجب أن يتوقف".

وفي نهاية تقريرها، تساءلت "لوريان21" أنه على الرغم من المأساة التي تصاحب هذه الثورة، هل الطابع المعادي للطائفية، يبشر بعهد سياسي يركز أكثر على القضايا الاجتماعية والتنموية، فضلا عن أداء الدولة في السنوات المقبلة؟