"شوهته سوريا".. هكذا يحاول حزب الله ترميم صورته بالعالم العربي

مهدي محمد | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

لا ينسى كثيرون في عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج، حرب يوليو/تموز 2006 بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وغريمه "حزب الله" اللبناني، وما عاشته معظم شعوب الأمة حينها من زهوة انتصار عسكري، ربما هي الأولى بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.

في تلك الأثناء كان هناك بطل واحد أغرقت صوره شوارع وميادين العواصم العربية والإسلامية، وهتفت باسمه الجماهير المنتشية بمشاهد تدمير دبابات الاحتلال، ألا وهو حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله.

لكن بعد سنوات على تلك الحرب، وتحديداً مُنذ اندلاع ثورات الربيع العربي في 2011، تبدَّل الحال وتغيرت الظروف، وشيئاً فشيئاً تحوَّلت الصورة من بطل يواجه الاحتلال إلى مليشيات طائفية تريق دماء السوريين.

الآن، وسط توترات مُتجددة واشتباكات محدودة بين طرفي الحرب على نحو يُهدد باشتعالها مرة أخرى، هل ينجح نصر الله وحزبه في ترميم تلك الصورة المهترئة، وإعادة المشهد إلى ما كان عليه قبل 13 عاماً؟

بين 2006 و2019

من الصعب للغاية الحديث عن "حزب الله" في 2019 كما كان الحديث في 2006، فثمَّةَ تغيُّرات ضخمة طرأت عليه في الداخل اللبناني أو في محيطه العربي والإسلامي، ليبدو الأمر حديثاً عن متناقضين.

داخلياً، تحوَّل "حزب الله" من حزب يتمتع بنفوذ محدود إلى قوة سياسية ذات ثقل كبير، وقاد سلسلة من الاحتجاجات في أواخر عام 2006 للمطالبة بمزيد من النفوذ في عملية صنع القرار داخل الحكومة، انتهت بنجاحه في الحصول على حق نقض جميع القرارات الحكومية اللبنانية.

رفض "حزب الله" شرعية المحكمة الدولية التي تُحقق في جريمة مقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، والتي أدانت خمسة من عناصره، وظل الحزب صامداً في وجه معارضة شعبية وردَّة فعل عنيفة على المستوى المحلي ظهرت بشكل جلي في وقوع اشتباكات وتفجيرات طائفية بسبب تورُّط "حزب الله" في الحرب الأهلية في سوريا.

وفي أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، خرجت الحكومة اللبنانية من رحم معاناة استمرت شهور مُنذ انتهاء الانتخابات البرلمانية في مايو 2018، ورغم أنَّ "حزب الله" لم يحصل سوى على 3 وزارات فقط، إلا أنَّ الجميع في لبنان اتفق على أنَّ الحزب أدار عملية تشكيل الحكومة وسيطر عليها رغماً عن رئيسها سعد الحريري، ليضمن وجوهاً لا تخالفه.

عسكرياً، شهد الحزب نقلة كبيرة، وهو ما تجلَّى في إعلان جيش الاحتلال، قبل أيام، رصد موقع جديد أنشأه "حزب الله" لإنتاج الصواريخ الدقيقة بمنطقة البقاع شرقي لبنان.

وزادت ترسانة "حزب الله" من الأسلحة من 33 ألف صاروخ وقذيفة قبل حرب عام 2006 إلى ما يُقدَّر بـِ150 ألف صاروخ، وزاد عدد عناصر الحزب من بضعة آلاف في عام 2006 إلى ما يُقدَّر بأكثر من عشرين ألفاً، وفق إحصاءات غير رسمية.

وبعد عام 2011، منح الدعم العسكري الذي يقدِّمه "حزب الله" للنظام السوري المدعوم من إيران مقاتلي الحزب خبرة قتالية كبيرة ومعرفة بأساليب التخطيط العسكري الروسي، ودرَّب "حزب الله" أيضاً مقاتلين موالين لإيران في كل من اليمن والعراق.

في المقابل، مُنيَ "حزب الله"، الذي يحصل على دعم مالي وعسكري لا محدود من إيران، بخسائر مالية جراء عقوبات دولية وزيادة الإنفاق العسكري، واتهمت حكومات عديدة الحزب بإقامة علاقات بعصابات دولية لتهريب المخدرات وغسيل الأموال، خاصة في دول أمريكا اللاتينية.

كما تصاعدت التوترات بين الحزب والدول العربية، على خلفية مساندته للنظام السوري وصنفت كل من الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي ودول كثيرة "حزب الله" منظمة إرهابية.

وترى الدول العربية، خاصة الخليجية منها، أنَّ "حزب الله" أصبح قوة شيعية تقاتل السنة في سوريا، وتضررت علاقات الحزب بشكل خاص مع السعودية، التي تدعم أيضاً تكتلاً سياسياً مناوئاً لـِ"حزب الله" في لبنان.

وعزَّز "حزب الله" من استخدام وسائل الإعلام كأداة سياسية، وطوَّر إستراتيجية إعلامية هجومية شاملة في تغطيته للصراعات الإقليمية بالإضافة إلى زيادة عدد الصفحات التابعة للحزب على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتوسَّع خطاب حزب الله من "المقاومة" ضد إسرائيل ليشمل توجيه رسائل طائفية ضد ما يسميه "التطرف السني"، وتعرَّضت آلته الإعلامية لانتقادات حادَّة في 2015 و2016 حينما أوقف بث قناة المنار على قمرين صناعيين عربيين رئيسيين.

وسقط القناع

يرى مراقبون، أنَّ "حزب الله" لم يتغير في الجوهر كمنظومة أمنية تابعة للحرس الثوري الإيراني، لكن ما تغيَّر أنَّ تورطه في الساحة السورية أدى الى سقوط القناع، ولعل انخراط الحزب في الأزمة السورية كان نقطة الفصل في هذا السياق.

تلك الحرب السورية حوَّلت "حزب الله" من منظومة مقاومة للعدو الإسرائيلي إلى مليشيا تشارك في محاولة إنقاذ حليف إيران في المنطقة، وترتكب في سبيل ذلك مذابح يندى لها الجبين بحق مدنيين عُزَّل تحت رايات طائفية.

الجنرال حسين همداني، أحد القادة الإيرانيين في سوريا، كشف في مذكراته أنَّ "حزب الله" كان أكثر حماسة للدخول في المعارك بسوريا من إيران نفسها؛ بل إنَّ الأمين العام، حسن نصر الله، هو من شجَّع إيران على التدخُّل، عندما طالبها بخطة تحرك عسكرية وسياسية ضد الحراك الثوري في سوريا مُنذ أن كان سلمياً.

ونفى الحزب مع انطلاق الأحداث في سوريا عام 2011 أكثر من مرة مشاركته بالقتال هناك، ومن ثمَّ اعتمد سياسة لإعلان ذلك تدريجياً، فأشار في المراحل الأولى إلى أنَّ "مواطنين لبنانيين" هم من يشاركون في المعارك دفاعاً عن بلداتهم الواقعة على الحدود بين البلدين.

ثم انتقل لتأكيد مشاركة عناصر منه في هذه المعارك تحت عنوان "حماية القرى اللبنانية" الحدودية مع سوريا، وبعدها برَّر القتال بحماية "المقامات المقدسة" لدى الشيعة، ثمَّ حسم الموضوع بالإعلان الواضح عن المشاركة في معركة القصير مايو/أيار 2013.

وفي يوليو/تموز 2013، قال نصر الله: "إذا كان عندنا ألف مقاتل في سوريا فسيصبحون ألفين، وإذا كانوا 5 آلاف فسيصبحون 10 آلاف. وإذا احتاجت المعركة مع هؤلاء التكفيريين ذهابي وكل (حزب الله) إلى سوريا فسنفعل".

"معهد دراسات الحرب الأمريكي" نشر بحثاً تحت عنوان "حزب الله بسوريا" في عام 2014، كجزء من التقرير الأمني للشرق الأوسط، يتحدَّث فيه عن تفاصيل تورُّط الحزب وممارساته بسوريا مُنذ بداية الثورة.

وأوضح البحث، أنَّه "رغم أنَّ حزب الله احتفظ بدرجة عالية من السرية حول حجم وتنظيم وأنشطة مقاتليه في سوريا، فلا يزال من الممكن تقييم تورُّط الجماعة في سوريا من حسابات مفتوحة المصدر".

وتحوَّل دور الحزب في سوريا، بشكل كبير، في أوائل عام 2013، إلى تولي قواته دوراً في القتال المباشر، والعمل بأعداد أكبر إلى جانب جيش النظام السوري والقوات شبه العسكرية، كما أنَّه كثَّف جهوده لتنظيم وتدريب قوة شبه عسكرية موالية للأسد.

وأبرز محطات الحزب بسوريا كانت في عام 2013؛ عندما قاد الهجوم البري على "القصير"، وهي بلدة سُنيّة في المقام الأول بمحافظة حمص، وليست بعيدة عن الحدود مع لبنان، كما شكَّل انتصار الحزب بـ"القصير" نقطة انعطاف مهمة في الصراع السوري.

حيث وجَّه ضربة كبيرة لقوات الثوار عسكرياً ونفسياً، وبدأت مرحلة جديدة من تورُّط الحزب العلني والكبير في سوريا، كما استثمر نظام الأسد هذا التقدم على جبهات أخرى لاستعادة مناطق في حمص وحلب ودمشق.

مجازر مروعة

ومُنذ دخولها على خط القتال مباشرة، ارتكبت عناصر الحزب عدداً من المجازر المروّعة في صفوف السوريين، حيث اعتمد الحزب في عملياته على القصف المدفعي والصاروخي العنيف، كما عُرف بمجازره التي ارتكبها بحقِّ السوريين في كل منطقة احتلها.

وأبرز المجازر التي تسربت مقاطع مصورة عنها، كانت في بلدة العتيبة بريف دمشق، حيث نفَّذ عناصر مليشيا الحزب مجزرة استُشهد فيها أكثر من 175 مدنياً كانوا يحاولون مغادرة الغوطة المحاصرة.

وفي 2013، هدَّدت عناصر من ميليشيا الحزب بدخول مسجد خالد بن الوليد في حمص ونبش قبره، وما إن مضى عام عليه، في عام 2014، حتى اقتحموا المسجد ودمروا الضريح ونهبوه، وكتبوا على جدرانه عبارات شيعية طائفية، ولم يتوقفوا عند ذلك؛ بل ورفعوا الأذان بصيغته الشيعية الإيرانية، مستفزِّين جميع الأهالي المحاصرين.

وتمَّ تداول فيديو، في عام 2014، على مواقع التواصل الاجتماعي لعنصر من ميليشيا الحزب وهو يتوعَّد بقتل آخر سنّي ويسبُّ أهل السنّة ويصفهم بألفاظ همجية وطائفية، وتوعَّد باحتلال الكعبة المشرفة، وأشار إلى الضحايا الذين قُتلوا على أيديهم بـ"دعسوا على الجثث".

ورغم الصعوبة البالغة في توثيق المجازر التي تحمل الصبغة الطائفية، يتهم تقرير لـِ"الشبكة السورية لحقوق الإنسان" حزب الله بارتكاب مجارز بشعة ضد الإنسانية وصلت لحدِّ الذبح وقتل جميع أبناء الحي حتى النساء والأطفال، تنوعت بين الإعدامات الميدانية بالرصاص واغتصاب النساء وقتل الأطفال وكبار السن والتنكيل بالجثث وحرقها.

المعضلة الإيرانية

ولا يمكن الحديث عن صورة "حزب الله" بمعزل عن مدى ارتباط الحزب بإيران، فلم يعُد الأمر قاصراً على مُجرد الدعم العسكري والمالي، بل أصبح الحزب بمثابة فرع من فروع "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني.

وبالتالي، لا يستطيع "حزب الله" الانسحاب من سوريا إلى أن يتمَّ التوصل إلى حلٍّ للصراع يكون مقبولاً بالنسبة إلى إيران، وبما أنَّ سلاح الحزب هو العمود الفقري لقوته السياسية، فإنَّ إيران لن تقبل حلاً للنزاع السوري من شأنه أن يهدد شريان الحياة هذا.

هذا الارتباط شديد الصلة بين إيران وحزب الله، يضع الأخير في مأزق كبير عندما يتعلق الأمر بمحاولة تلميع صورته المشوهة، فرغم حالة الاستعداء التي تواجهها طهران من الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما العرب، فإنَّ ممارساتها الطائفية عصِيَّة على النسيان.

من سوريا ولبنان مروراً بالعراق وصولاً إلى اليمن، فضلاً عن دعم الأقليات الشيعية في دول الخليج، لا يبدو أنَّ إيران مقبلة على تغيير إستراتيجيتها عبر التدخُّل في تلك الدول، وهو ما يلحق ضرراً بشكل أو بآخر بالحزب الساعي لتحسين صورته.

مركز "كارنيجي" للشرق الأوسط، رأى في دراسة له أنَّ مستقبل "حزب الله" حتى بعد انتهاء الصراع السوري "ينطوي على آفاق أكثر تواضعاً"، مشيراً إلى أنَّه "للمرة الأولى في تاريخه، سيضطر الحزب إلى أن يأخذ في الاعتبار تأثير سلوكه على موقف إيران الدولي".

وقالت الدراسة، إنَّه "إذا كان سلاح حزب الله خطاً أحمر بالنسبة إلى إيران، فإنَّ عافية الأخيرة هي الأخرى خط أحمر بالنسبة إلى الحزب".

ترميم الصورة

يبدو الآن أنَّ التاريخ يُعيد نفسه، وأنَّ "حزب الله" ضرب موعداً مُتجدداً مع محاولة لإعادة رسم الصورة الذهنية عنه في وجدان الشعوب العربية والإسلامية، بعد أن طمستها جرائمه الطائفية في سوريا.

ومن جديد، عادت الآلة الإعلامية الضخمة للحزب لتهيئة الأجواء على نحو يُشبه ما حدث في حرب 2006، من خلال إعادة تدوير مصطلحات "المقاومة الإسلامية" والعدو الصهيوني، مستغلة بذلك حالة التوتر الحالية بين الطرفين.

الحزب أعلن الأحد الماضي، أنَّ مقاتليه دمَّروا آلية عسكرية إسرائيلية عند طريق ثكنة أفيفيم، قرب الحدود شمالي الأراضي المحتلة، رداً على إطلاق إسرائيل طائرتين مسيرتين مفخختين في ضاحية بيروت الجنوبية معقل الحزب.

وسائل الإعلام التابعة للحزب، سخّرت جهودها في صرف الأنظار تجاه البؤرة الملتهبة على الحدود بين لبنان والأراضي المحتلة، ونشر تقارير عن "ارتباك العدو" وجهود "المقاومة" في ملاحقة طائراته المسيّرة، عدا تقارير التمجيد في قدرات وإمكانات أمينه العام حسن نصر الله، وغيرها مما يُهيئ الأوضاع للعودة إلى ما كانت عليه إبَّان حرب 2006.

لكن ربما يتساءل كثيرون ما الفائدة التي تعود على حزب الله من وراء تلميع صورته في العالمين العربي والإسلامين وإعادة رسم صورته الذهنية هناك؟

يبدو الحزب في حاجة إلى حاضنة شعبية بالدول العربية والإسلامية تتبنى خطاب المقاومة، الأمر الذي ينعكس على توسيع نفوذه والقاعدة المؤيدة له بتلك الدول، للاستفادة من ذلك حتى إذا انتهت الحرب.

حملة تحسن الصورة ترتبط أيضا بالجبهة الداخلية في لبنان، والتي يعني "حزب الله" كثيراً بضرورة الحفاظ عليها متماسكة ليتمكن من خوض الحرب، خاصة بعدما لحق تلك الجبهة من تشرذم على خلفية عرقلته المتكررة لانتخاب رئيس أو تشكيل حكومة تقف عائقاً ضد طموحاته، فضلا عن المواجهات المسلحة بين الحين والآخر.

الكلمات المفتاحية