صفقة عسكرية مليارية.. لماذا يتسلح السيسي بالدب الروسي؟

أحمد يحيى | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

يواصل الجيش المصري عقد صفقات مليارية، ضمن هوس في التسلح يقوده القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس النظام عبد الفتاح السيسي، وسط حالة معيشية مصرية مُتردية وغرق في الفقر، وتخبط واضح في خطة الإصلاح الاقتصادي والسياسي للبلاد.

آخر هذه الصفقات ما نقلته وكالة الأنباء الروسية "إنترفاكس" حول صفقة أسلحة جديدة مع روسيا تتضمن عشرين مقاتلة من مقاتلات "سوخوي–35" روسية بتكلفة 2 مليار دولار.

وتأتي الصفقة ضمن صفقة أسلحة ضخمة تشمل شراء منظومة (SA-17 وSA-23) دفاع جوي، بالإضافة إلى شراء 46 طائرة من طراز (KA-52)، في اتفاقية تسليح تاريخية لم تحدُث مُنذ انهيار الاتحاد السوفيتي، بحسب موقع "ديفينس ويب". 

ومُنذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، شهدت العلاقات المصرية الروسية طفرة كبيرة، بعد صعود عبد الفتاح السيسي، وحرصه على عقد صفقات سلاح ضخمة، رغم الأزمات الاقتصادية الطاحنة، التي فشل نظامه في معالجتها، فضلاً عن تزايد حدتها.

أكبر الصفقات 

في 31 أغسطس/ آب الماضي، أعلنت مجلة "ناشيونال إنتريست" الأمريكية، أنَّ "القوات الجوية المصرية تستعد للحصول على 50 مقاتلة من طراز ميغ-35". 

وأشارت في 30 آب/ أغسطس، إلى أنَّ المصور الروسي "دميتري تيريخوف" التقط أول صورة للمقاتلة في قاعدة جوكوفسكي الجوية الروسية، وتُظهر الصورة المُثيرة أول طائرة ميغ-29/35 تابعة للقوات الجوية المصرية، موضحةً أنَّ الرقم التسلسلي للطائرة هو 811.

وقالت المجلة: إنَّه "في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، أُفيد بأنَّ مصر وروسيا كانتا تتفاوضان على طلب 24 طائرة من طراز ميغ M29 / M2 مصممة آنذاك للقوات الجوية المصرية، وفي أبريل 2015 وقعت مصر بدلاً من ذلك عقداً بقيمة تصل إلى ملياري دولار للحصول على 50 مقاتلة من طراز ميغ 35 والتي من المقرر تسليمها بحلول عام 2020".

ونوَّهت المجلة بأنَّ مقاتلة "ميغ-35"، هي مقاتلة مطورة على أساس "ميغ-29"، حيث تتميز الطائرة بقدرة أقوى متعددة المهام مع تعزيز استخدام الأسلحة عالية الدقة "جو-جو"، علاوة على ذلك فقد زاد نطاق القتال إلى حد كبير بسبب الزيادة في سعة الوقود الداخلية.

وتتمتع المقاتلة بالقدرة على الدفاع الجوي بالإضافة إلى مهام الهجوم البري، وتحتوي على ست نقاط صلبة تحت أجنحتها يمكنها حمل ست صواريخ جو – جو أو قنابل ذكية، وتبلغ سرعة المقاتلة 2445 كم/ساعة، بالإضافة إلى أنَّها تتميز بمدفع أوتوماتيكي 30 ملم أيضاً.

وقالت وكالة "إنترفاكس" الروسية: إنَّ القيمة الإجمالية للصفقة يبلغ 2 مليار دولار.

حماة الصداقة 

في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، بدأت مناورات عسكرية مصرية روسية تحت عنوان "حماة الصداقة"، حيث باشرت قوات الإنزال الجوي الروسي في إرسال مظلييها إلى القاهرة إيذاناً بانطلاق المناورات الروسية المصرية واسعة النطاق. 

وشمل التدريب ستة مطارات مصرية على رأسها مطار برج العرب، وكذلك قاعدة العُمَيْد العسكرية بالإسكندرية. وشملت التجهيزات 15 طائرة ومروحيات من أنواع مختلفة بينها 5 طائرات شحن عسكري روسية من طراز إيل-76 إضافة إلى عربات قتالية وأكثر من 500 فرد.

وكذلك بزات عسكرية روسية جديدة، مخصصة لارتدائها في المناطق ذات المناخ الحار والرطوبة العالية. ونفَّذ أكثر من 10 عسكريين روس إنزالاً مظلياً مشتركاً باستخدام مظلات T-10B المصرية، فيما قفز نحو 30 من نظرائهم المصريين بمظلات "A-10" الروسية.

وقال موقع جازيتا الروسي: إنَّ "المناورات المصرية الروسية المشتركة بشأن مكافحة الإرهاب في بيئة صحراوية"، تأتي في إطار استعراض روسيا لإمكانيات قوات التدخل السريع التابعة لها في سياق الحرب المستمرة في سوريا.

تعزيز مستمر

وفي 30 أغسطس/ آب الماضي، أعلنت القوات المسلحة المصرية اختتام التدريب المشترك الروسي المصري البيلاروسي "حماة الصداقة-4" الذي نفَّذته عناصر من قوات المظلات في جيوش البلدان الثلاثة.

وأوضحت القوات المسلحة المصرية أنَّ التدريبات التي تمَّت في روسيا شارك فيها أكثر من ألف مقاتل بمعدات المتوسطة والثقيلة من البلدين المشاركة.

وتضمنت المراحل الأولى للتدريب رفع درجات الاستعداد القتالي وتنفيذ إجراءات التحضير والتنظيم للمعركة وعرض القرارات وتنظيم التعاون بين القوات المشاركة.

وشملت مراحل التدريب تنفيذ عددٍ من الطلعات الجوية بغرض التدريب على خطوط السير واستطلاع مناطق الإسقاط، وتنفيذ العديد من المحاضرات النظرية والعملية للتخطيط على طرق وإجراءات تنفيذ عملية الإسقاط، وكذا إجراءات الأمان والسلامة ومواجهة المواقف الطارئة أثناء تنفيذ العمليات.

وشارك أكثر من 1000 فرد من العسكريين في هذه التدريبات، بما في ذلك نحو 650 من القوات الروسية المحمولة جوا، وأكثر من 150 من القوات المسلحة المصرية، وما يصل إلى 250 من العسكريين من بيلاروس، بحسب "روسيا اليوم".

وشاركت في المناورات  أكثر من 100 قطعة من الأسلحة والمعدات العسكرية، وأربع طائرات من طراز إيل-76 من روسيا، وطائرتين من سلاح الجو المصري (C-130 هرقل و CASA C-295).

وجاء التدريب ضمن خطط التعاون العسكري بين البلدين، لتعزيز التنسيق بينهما ونقل وتبادل الخبرات وفقاً لأحدث التكتيكات وأساليب القتال الحديثة. 

تنويع المصادر 

رغم قوة العلاقات القائمة بين نظام السيسي، وإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلا أنَّ العقوبات التي فرضتها إدارة باراك أوباما سابقاً، عقب انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013، على النظام المصري من خلال تعليق المساعدات العسكرية، دفعت بالجيش المصري إلى السعي لإيجاد بدائل للتسليح الأمريكي الذي اعتمد عليه الجيش بشكل أساسي مُنذ اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979.

 إلا أنَّه وبالرغم من حجم صفقات التسليح خارج الإطار الأمريكي، كان من الصعب تخلي المؤسسة العسكرية المصرية عن مصدر تسليحها الرئيسي القادم من خلال دعم واشنطن، مع الاتجاه إلى التسلح من روسيا وقوى أخرى مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا.

في 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، نشر موقع "ستراتفور" الأمريكي تقريراً بعنوان "مصر وحُمَّى الإنفاق على التسليح"، وأرجع التقرير أنَّ الكم الهائل لصفقات السلاح التي عقدتها الدولة المصرية في الآونة الأخيرة، يرجع إلى عوامل جيوسياسية أبعد من الحاجة العسكرية، في ظل توجه النظام المصري إلى الاعتماد على مصادر متعددة للتسليح، تجاوزاً لمخاطر الاعتماد الأساسي والرئيسي على الولايات المتحدة كمصدر وحيد لواردات السلاح بعد اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، وكذلك لتعزيز نفوذ البلاد لدى القوى الأجنبية الأخرى.

وذكر تقرير "ستراتفور" أنَّ ترسانة مصر العسكرية متنوعة بشكل كبير، ما يفرض قيوداً على قواتها المسلحة، وضَرَبَ مثلاً بقوات الدفاع الجوي التي تعمل على تشغيل بطاريات صواريخ أرض جو حصلت عليها من الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا، وجميع البطاريات لها منصات مختلفة إلى حد كبير، مما يجعل من الصعب القيام بتدريب القوات في نفس الخدمة عبر معدات مختلفة.

ولكن أخطر ما ورد في التقرير، هي الجزئية المتعلقة بـ"ميكانيزم" الأسلحة التي حصل عليها الجيش في السنوات الأخيرة، حيث قال: "إنَّ الضرورات العسكرية ليست هي العامل الذي أدَّى إلى الزيادة الكبيرة في مشتريات النظام المصري من الأسلحة، فعلى الرغم من المعركة التي يخوضها الجيش في سيناء ضد المتمردين، إلا أنَّ الأسلحة لا تناسب طبيعة القتال هناك".

وقدَّم التقرير وجهاً لمعاناة القوات المصرية المقاتلة على الجبهة هناك، حيث تُعاني من نقص الموارد، وافتقار سلاح المشاة الذي يُنفِّذ معظم عمليات الاشتباك إلى المدرعات المتقدمة ومعدات القتال الفردية، وفيما يتعلق بالمركبات، نشر الجيش دبابات (M-60A3 ) الأقدم والأكثر ضعفاً، في حين أن دبابات (M1 Abrams ) الأكثر تقدماً، والمحمية بشكل أفضل، بقيت خارج نطاق العمليات، كذلك المركبات المقاومة للألغام، ومركبات (MRAP ) المجهزة ضد الأكمنة، لم تكن حاضرة في خضم المعارك المستعرة في سيناء.

وتأتي تلك الصفقات وسط حالة من الضبابية يفرضها الجيش المصري حول أوضاعه المالية، لا سيما أنَّ مخصصات الدفاع والأمن القومي في الدولة المصرية تحتل المرتبة رقم واحد في الميزانية العامة للدولة.

ما دواعي التسليح؟

تُبرِّر مصر مثل هذا التسليح دائماً، باعتبارات أمنية محلية وإقليمية، وسط ضغط تبذله واشنطن من أجل إعادة توجيه وتحسين أداء الجيش، في خضم الثقة الكبيرة التي يمنحها على حد سواء، الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، في قدرات السيسي على مواجهة "مخاطر الإرهاب" في المنطقة.

ودائماً ما تروَّج السلطات المصرية إلى خوض الجيش معارك مع مسلحين متطرفين في شبه جزيرة سيناء، أو محاربة حركات أخرى مثل حركة "حسم"، أو الترصد لجماعة الإخوان المسلمين التي تتهمها بتنفيذ أعمال إرهابية، بيد أنَّه من المعروف أنَّ الجماعة سلمية ولا تمتلك أي تشكيلات عسكرية في مصر.

كما تعمل القوات الجوية والقوات الخاصة للجيش المصري بشكل متقطع في ليبيا مُنذ سقوط العقيد معمر القذافي وقامت بتدريبات رئيسة على طول الحدود. كما أجرت عمليات جوية مشتركة مع الإمارات العربية المتحدة على شرق ليبيا بداية مُنذ العام 2014 على الأقل، وشاركت البحرية المصرية في عمليات مشتركة مع القوات البحرية السعودية والإماراتية والأمريكية قبالة الساحل اليمني في البحر الأحمر. وهناك تقارير عن مشاركة القوات الخاصة المصرية أيضاً، بحسب ما نشر معهد كارنيغي للشرق الأوسط في 28 فبراير/شباط 2019.

ويقول المركز: "في الوقت الحالي، تظل أعداد أفراد القوات المسلحة المصرية كبيرة بشكل مُفرط، ولا تتمتع باحترافية كبيرة، كما تعتمد بدرجة كبيرة على عسكريين ذوي مستوى تعليمي ضعيف وغير مقدّرين ولا تتمُّ مكافأتهم بالقدر الكافي في المستويات الدنيا. وترتبط هذه الخصائص بثقافة تنظيمية لا تقبل التغيير، وعلى الرغم من أنَّها تُعَدُّ عقبة ذاتية وليست موضوعية عند رفع المستويات المهنية، إلا أنَّه من الصعب التغلب عليها".