الانتخابات تشعل الخلاف.. هل يصطدم إخوان الجزائر بالجيش؟

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بوادر أزمة تلوح في الأفق بين المؤسسة العسكرية المسيطرة على مقاليد الأمور في الجزائر، و"حركة مجتمع السلم" المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، بسبب الخلافات بشأن الانتخابات الرئاسية المقبلة، والمشاركة في هيئة "الوساطة والحوار الوطني".

ورغم أن الطرفين يتفقان على عدم إطالة أمد الفترة الانتقالية، إلا أن الجيش يرغب في تسريع إجراء الانتخابات، بينما يتبنى الإخوان مطالب الشارع بعدم إجراءها في ظل تصدر رموز نظام بوتفليقة للمشهد، أو برئيس توافقي لفترة انتقالية.

وتصاعدت مؤخرا حدة التصريحات الهجومية المتبادلة والمليئة بالتلميحات، على نحو ينذر بصدام مرتقب، ينعكس على الحراك الجماهيري المتواصل منذ فبراير/شباط الماضي.

أزمة لصوص لا نصوص

عبدالرزاق مقري، رئيس "حركة مجتمع السلم" قال: إن " النظام" يرفض اليد المدودة التي تقدمها الأحزاب السياسية ويريد فرض سياسة الأمر الواقع، مضيفًا: " نحن الآن في مرحلة تأجيل الانتخابات وبدون إصلاحات ولا مقترحات فعلية للتغيير".

ورغم أن مقري لم يوضح ماذا يقصد تحديدًا بتعبير "النظام"، إلا أن الوصف لا ينطبق إلا على المؤسسة العسكرية التي تسيطر فعليًا على زمام الحكم منذ الإطاحة بالرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في أبريل/نيسان الماضي.

وبينما قال رئيس "حركة مجتمع السلم": "جاهزون للانتخابات الرئاسية سواءً أرادوا تنظيمها بعد شهر أو بعد عام"، إلا أنه جدد مبادرة حركته بالتوافق على رئيس يقود البلاد لعهدة رئاسية انتقالية تجنبًا للصراعات.

وفي الوقت ذاته، أكد مقري استعداد الحركة تقديم "تنازلات" لصالح التوافق الوطني، وكذلك بحث ومناقشة كل مبادرات الحلول التوافقية، مشددًا على أن الديمقراطية هي إرادة سياسية وليست مشكلة نصوص أو هيئات، قائلًا: " المشكلة في الجزائر هي مشكلة لصوص وليست مشكلة نصوص".

بدا لافتًا للغاية كم التلميحات التي حملتها تصريحات مقري في تعبيرات كثيرة مثل "لصوص"، والتي ربما قصد بها في المقام الأول رموز نظام بوتفليقة وفي مقدمتهم بطبيعة الحال المؤسسة العسكرية.

تزامنت تلك التصريحات التي أكد خلالها مقري، أن" الحراك ليس تهديدًا للجزائر، بل هو طوق النجاة"، مع استمرار الحراك الجماهيري في الشارع الذي يرفع شعارات ترفض أي حوار أو انتخابات بإشراف رموز النظام السابق.

في 25 يوليو/تموز الماضي، شكل الرئيس الموقت عبد القادر بن صالح هيئة الوساطة والحوار الوطني، بهدف البحث عن حلول للأزمة السياسية الحالية، وصولًا لإجراء الانتخابات الرئاسية، لكن الحراك رفض مبدأ الحوار الذي يشرف عليه أحد المحسوبين على نظام بوتفليقة.

الجيش يرد

بعدها بيوم واحد خرج رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، ببيان رسمي بدا وكأنه يحمل ردودا على تصريحات مقري، فضلًا عن التأكيد على موقف الجيش من الانسداد السياسي الحاصل في البلاد.

صالح طالب بتنظيم انتخابات رئاسية "في أقرب الآجال"، محذرًا مما أسماه "عرقلة عمل الهيئة الوطنية للوساطة والحوار"، وقال على عكس إرادة الحراك الجماهيري: " المنطق يفرض الشروع في التحضير للانتخابات الرئاسية خلال الأسابيع القليلة القادمة"، باعتباره الخيار الأفضل للخروج من الأزمة الحالية.

وفي إشارة واضحة إلى دعوة مقري لاختيار رئيس توافقي لمرحلة انتقالية، شدد رئيس الأركان على "رفض المراحل الانتقالية وخيمة العواقب، التي تروج لها بعض الأطراف"، داعيًا إلى ضرورة التعجيل بتنصيب الهيئة الوطنية المستقلة لتحضير وتنظيم ومراقبة الانتخابات الرئاسية.

بيان صالح، تضمن اتهامات صريحة وتهديدات غير مسبوقة بحق الرافضين لهيئة الحوار، وفي مقدمتهم "حركة مجتمع السلم"، بقوله:" نحذر الأصوات المعروفة بنواياها الخبيثة، والتي باعت ضمائرها لتخدم مصالح العصابة ومصالح أسيادها، والتي تعمل بكل الوسائل المتاحة على عرقلة عمل الهيئة الوطنية للوساطة والحوار".

إذن يبدو، أن الجيش الجزائري حسم موقفه ووضع خارطة طريق للمرحلة المقبلة تتمثل في 3 توجهات رئيسية، أولها استمرار عمل لجنة الحوار الوطني، وتشكيل هيئة تنظيم الانتخابات، وصولًا إلى إجراء الانتخابات الرئاسية.

ورغم أن بيان الجيش لم يحدد من شملته اتهامات التخوين والعمالة وتحذيرات المواجهة، إلا أنها بدت للوهلة الأولى موجهة ضد "حركة مجتمع السلم"، التي بدت مرنة تجاه سيناريو التسريع بالانتخابات.

تأجيل جديد؟

الإصرار الذي يبديه رئيس أركان الجيش الجزائري على ضرورة التعجيل بالانتخابات الرئاسية، ليس جديدًا بل سبق ذلك بعدة أشهر عندما تعذّر إجراء الانتخابات التي كانت مقررة في 4 يوليو/تموز الماضي.

ويتولى الحكم حاليًا الرئيس الانتقالي عبد القادر بن صالح الذي انتهت ولايته في 9 يوليو/تموز ومددها المجلس الدستوري "إلى غاية انتخاب رئيس جديد"، وشكّل "هيئة الوساطة والحوار الوطني" المكلفة إجراء مشاورات لتحديد شروط الانتخابات الرئاسية المقبلة التي يرفض المحتجون أن تتولى تنظيمها السلطات الحاكمة حاليًا.

لكن الحركة الاحتجاجية ترفض الحوار مع هذه الهيئة، وتعتبر أن أي انتخابات تجريها السلطة الحالية لن تفضي إلا للإبقاء على النظام الحالي المتهم بتزوير الانتخابات في عهد بوتفليقة.

ولعل التساؤل الأبرز الآن، هو: لماذا يصر الجيش على التسريع بإجراء الانتخابات الرئاسية؟

يرى مراقبون كثر، أن إصرار الجيش على تنظيم انتخابات رئاسية يشير إلى أنه لا يريد الخروج عن الحل الدستوري ولا يسمح بالمغامرة بمستقبل البلاد ويريد الخروج من الأزمة السياسية الراهنة بكل سلاسة.

كما أن تجاهل رئيس الأركان الحديث الدائم حول الأمر، يضعه في خانة الاتهام بالانقلاب على مطالب الشعب، خاصةً على مستوى الرأي العام الدولي.

ويشير المراقبون إلى أن الفريق قايد صالح الذي نجح في النجاة من تحالف النظام القديم للإطاحة به في بداية الحراك الشعبي، لن يغامر بمرحلة انتقالية تحرمه من التحدث في الشؤون السياسية وتحصره في وظيفته بالجيش فقط.

عمليًا، فإن أي هيئة تستلم تسيير المرحلة الانتقالية، التي يرفضها الجيش بشدة، ستوقف عمل الحكومة وبالتالي يفقد نائب وزير الدفاع الوطني منصبه الذي يستمد منه قوته سياسيًا.

ومن بين الاحتمالات التي تحاول الإجابة على التساؤل السابق، رغبة الجيش في أن يتولى مقاليد السلطة شخص لا يتجاوز ما ترسمه له المؤسسة العسكرية التي توصف دومًا في الجزائر بأنها "صانعة الرؤساء".

وفي تصور آخر، فإن الجيش الجزائري يعلم مسبقًا بأن الحراك سوف يرفض التعجيل بانتخابات رئاسية في الوقت الحالي، وهو بالتالي لا يريد التعجيل بالانتخابات من الأساس، بل يسعى لإطالة أمد الفترة الحالية وتطبيق سياسة الأمر الواقع وفرضها على الجميع، فلا انتخابات نزولًا على رغبة الشارع ولا مرحلة انتقالية تفقده سلطته.

ولا يستبعد مراقبون أن يرضخ الجيش لمطالب الجزائريين الرافضة لإجراء الانتخابات، ما يعني أنه قد يضطر مجددًا للدفع نحو تأجيلها لمدة غير طويلة حتى لا يتصادم مع الشعب ويتهم بالانقلاب على الحراك الشعبي الرافض لبقاء رموز نظام بوتفليقة.

ويؤكد هؤلاء، أن الجيش لا خيار له أمام التعنت الشعبي برفض الانتخابات الرئاسية المقبلة، وأنه مُجبر على حماية مطالب الشعب وتحقيقها من خلال تفعيل المادة السابعة من الدستور التي تمنح الشعب كامل السلطة لتقرير مصير البلاد.

هل يقع الصدام؟

ويبدو السؤال التالي متعلقًا بإمكانية أن يقع الصدام بين المؤسسة العسكرية من جانب، و "حركة مجتمع السلم" باعتبارها الأكثر تنظيمًا ضمن قوى الحراك الجماهيري من ناحية أخرى.

المعطيات الحالية تقول: إن الصدام وقع بالفعل، لكن لا يزال في مرحلته البدائية اكتفاءً ببعض التصريحات والتلميحات، دون اتهامات مباشرة من جانب الطرفين.

هذا التوجه قد يعني أن كلا الطرفين يتحسسان موقعيهما ولا يريد أحدهما أن يصطدم بالآخر، لكن في الوقت ذاته قد يؤشر على إمكانية التدرّج في مراحل هذا الصدام، وفق معطيات وظروف كل مرحلة.

ولعل تصريحات مقري سالفة الذكر تعبر عن انفتاح غير مسبوق على جميع السيناريوهات المطروحة، ومن بينها مطلب الجيش التسريع بالانتخابات، لكنها قد تكون ورقة انتخابية فحسب، يقول من خلالها: إن حركته قوية ومستعدة لمواجهة أي سيناريو.

ويبدو أن مقري كان فطنًا لمحاولات فصل حزبه عن الحراك الجماهيري، فوجه كوادره وعناصر حركته باستمرار المشاركة، قائلًا:" وجودكم في الحراك هو دلالة على التنوع وهو ضروري وإلا فسيُقضى الأمر بدونكم".

سيناريو "التوافق" والاستعداد لتقديم "تنازلات" من أجل المصلحة العليا للوطن ونبذ الخلافات، يبدو هو المرجح لدى إخوان الجزائر، تشبها بتجربة "حركة النهضة" التونسية.

ولم يستبعد كثيرون تنفيذ النموذج المصري الذي أعقب "ثورة يناير 2011" في الجزائر، عن طريق استئثار الجيش بجماعة الإخوان المسلمين حتى انتهى الأمر بالإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي في يوليو/تموز 2013.

وفي انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 1988 بالجزائر، ذات المطالب السياسية والاجتماعية قفز الإسلاميون إلى صدارة الانتفاضة وسيطروا على الشارع، وساهم نقص الخبرة السياسية لديهم في دفعهم إلى قراءة خطأ للواقع السياسي.

قاد ذلك إلى رفع سقف المطالب وتجاوز التدرج، ووفر ذلك مبررات لجنرالات الجيش الذين كانوا يتربصون بالمسار الديمقراطي، ما أدى إلى ضربه في يناير/كانون الثاني 1992 بالانقلاب على الجبهة الإسلامية للإنقاذ والدخول فيما سمي بالعشرية السوداء التي راح ضحيتها الآلاف من الجزائريين.

إخوان الجزائر

وليس معروفًا على وجه الدقة التاريخ الرسمي لنشأة تنظيم جماعة الإخوان المسلمين في الجزائر، لكن عام 1976 شد ميلاد تنظيم سري تحت اسم حركة "الموحدين" يتبنى أفكار الجماعة، لكن هذا التنظيم حُل عام 1980 ثم عاد للعمل في ذات العام باسم "جماعة البليدة".

الآن لا يوجد أي حزب أو جماعة تحت اسم "الإخوان المسلمين" في الجزائر، لكن تنشط عدة أحزاب تنتمي فكريًا لتنظيم لإخوان ولكنها غير مرتبطة عضويًا به مثل "حركة مجتمع السلم"، "جبهة التغيير"، "حركة البناء الوطني"، "حركة النهضة"، و"حركة الإصلاح الوطني".


وتعد "حركة مجتمع السلم" التي أسسها الراحل محفوظ نحناح عام 1990 مع فتح التعددية الحزبية أكبر هذه الأحزاب، حيث شاركت في الحكومة الجزائرية منذ العام 1994 وإلى 2012 قبل أن تتحول إلى المعارضة.تنشط الحركة حاليًا في البرلمان ضمن تكتل برلماني يسمى "الجزائر الخضراء" يضم حزبين إسلاميين آخرين إلى جانبها هما "النهضة" و"الإصلاح"، ويضم هذا التحالف 47 نائبًا برلمانيًا من بين 462 عضو يضمهم المجلس الشعبي الوطني (البرلمان).

منذ وفاة نحناح في 2003، شهدت "حركة مجتمع السلم" انقسامات عدة أرجعها كثيرون إلى غياب القائد الكاريزمي، وتعدد الخيارات السياسية بعد المشاركة في السلطة، ومن أشهر هذه الحركات المنشقة: "حزب التغيير، حزب حركة تجمع أمل الجزائر، حزب الحركة من أجل الدعوة والتغيير، وحزب حركة البناء الوطني".