الرابحون والخاسرون.. هل يمكن أن تجمع ترامب وروحاني طاولة واحدة؟

محمد سراج الدين | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يكن تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بأن لقاءََ قريبًا سوف يجمع الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب، والإيراني حسن روحاني، إلا ترجمة للقاءات دارات قبل انطلاق قمة الدول السبع الكبرى بفرنسا قبل أيام، بين مسئولين في واشنطن وطهران برعاية فرنسية واضحة، لنزع فتيل التوتر بين الدولتين، والذي اقترب للصدام العسكري المباشر خلال الأشهر الماضية.

ورغم اختلاف التصريحات الصادرة عن الجانبين الأمريكي والإيراني، حول الدعوة الفرنسية، إلا أن هناك ملامح اتفاق تبدو وكأنها تمهد لمثل هذا اللقاء، كما يبدو أن اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول المقبل ربما تكون هي المكان والزمان المناسب للقمة التي لم تعرفها العلاقات بين البلدين منذ اندلعت الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979.

هل بالفعل يمكن أن تجمع طاولة واحدة ترامب وروحاني، كما جمعت بين ترامب وزعيم كوريا الشمالية؟، وما هي المحفزات التي يمكن أن تقدمها كل دولة تجاه الأخرى، من أجل التوصل لاتفاق يحمي مصالح الجانبين؟، وهل يمثل هذا الاتفاق في حال حدوثه ارتياحاََ أم انزعاجاََ للحليفتين الهامتين لأمريكا وهما إسرائيل والسعودية؟

تصريحات سياسة

التصريحات الصادرة عن القيادة الإيرانية تشير إلى أن هناك خلافاََ بين إدارة الرئيس روحاني وبين الجناح المحسوب على مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، والتي وصلت لحد الاتهام بالخيانة لوزير الخارجية جواد ظريف، وهو ما كان سبباََ في تخفيف نبرة الترحيب الرسمية التي تعامل بها المسؤولون الإيرانيون في البداية، لتتحول لنبرة أخرى تضع شروطاََ وتقلل من الاستجابة لرغبة ترامب في اللقاء المرتقب.

وهو ما يبرر وفقا لشبكة CNN تصريحات روحاني برفض بلاده المشاركة في أي حوار مع الولايات المتحدة قبل أن ترفع العقوبات التي فرضتها على طهران.

روحاني أدلى بتصريحات نقلها تليفزيون "العالم" التابع للحكومة الإيرانية، أكد فيها أن:" سياسات إيران مع مختلف الدول لم تتغير وهي تعتمد منذ البداية على قاعدة التعاطي الواسع مع العالم، وما يهمنا هو أمننا الوطني والحفاظ على مبادئ الثورة". مضيفاََ:"  نتحرك وفق منطق أن نكون أقوياء لكي لا يهزمنا أحد، وبإمكاننا أن نخرج من معترك المشاكل عندما نكون أقوياء".

واشترط روحاني "توبة الإدارة الأمريكية عن الإرهاب الاقتصادي الذي قاموا به ضد إيران والعودة عن طريقهم الخاطئ". مشيرًا إلى أنه إذا:" لم تسحب أمريكا إجراءات حظرها ولم تكف عن سلوكها الخاطئ فإننا لن نشهد تغييراََ، وهو ما يتطلب من أمريكا أن تخطو الخطوة الأولى في رفع كل أشكال الحظر الخاطئة وعندئذ ستكون الظروف مختلفة".

أزمة حقيقية

ذهبت بعض التحليلات إلى أن الانفراج "الطفيف" الذي حققته الوساطة الفرنسية أثار قلق المتشددين في إيران مثلما أثار قلق الإسرائيليين وبعض حلفائهم العرب الذين يسعون، بل يستعجلون، مواجهة عسكرية إيرانية أمريكية وشيكة في ظل التوتر المتصاعد في الخليج ومنطقة الشرق الأوسط برمتها.

وحسب افتتاحية صحيفة "رأي اليوم" اللندنية، فإن هناك انقسامًا في أوساط الدائرة الضيقة للحكم في إيران تجاه كيفية التعاطي مع الأزمة النووية والطرف الأمريكي المتسبب بها.

الصحيفة ارتكزت في تحليلها على واقعة "اتهام 83 نائبًا إيرانيًا لروحاني بمخالفة تعليمات المرشد الأعلى علي خامئني، بإيحائه بأن بلاده جاهزة للتفاوض والهجوم الشرس الذي شنه غلام حسين، كبير المستشارين لقائد الحرس الثوري الإيراني على وزير الخارجية جواد ظريف بسبب زيارته لفرنسا لدرجة اتّهامه بطريقة غير مباشرة بـِ"الخيانة" والرّضوخ للضغوط الأمريكية".

وتشير الصحيفة إلى أن ترامب لن يتراجع ويرفع العقوبات كلها بدون أن يتوصل إلى "صيغة ما" تنقذ ماء وجهه، ويبدو أنه أوعز للرئيس الفرنسي لتهيئة الأجواء في هذا الخصوص، والصيغة المقترحة ترتيب لقاء بين ترامب، وروحاني، على هامش حضور الاثنين المتوقع الدورة المقبلة للجمعية العامّة للأُمم المتحدة أواخر الشهر المقبل.

الطرح السابق، حسب الصحيفة، لن يقبله المرشد الأعلى للثورة الإيرانيّة، والذي سبق أن عارض الاتّفاق النووي السابق قبل أن يتم توقيعه، لعدم ثقته بالأمريكان، وجاء انسحاب ترامب منه ليُؤكّد صواب وجهة نظره.

ووفق نفس التحليل، فإن الاتهامات التي وجهها كبير مستشاري قائد الحرس الثوري لجواد ظريف بالخيانة، وتوقيع 83 عضوًا في مجلس الشورى الإيراني مذكرة تتهم روحاني بمخالفة تعليمات المرشد الأعلى لا يمكن أن تصدر دون إيعاز من المرشد، ومباركة منه، وتوجيه رسائل من خلالهما إلى كل من روحاني وظريف المحسوبين على معسكر المعتدلين، بأن التفاوض مع أمريكا لتعديل بنود الاتفاق، والبرامج الصاروخية الباليستية خط أحمر من غير المسموح تجاوزه تحت أي ظرف من الظروف.

أهداف أمريكية

يصف الكاتب اللبناني طوني عيسى في تحليل له بجريدة الجمهورية اللبنانية، ردود الأفعال الأمريكية تجاه الدعوة الفرنسية بـأنها:" كانت متفائلة أكثر من اللازم"، حيث يرى أن هناك "صفقة بين واشنطن وطهران ولكنها مازالت تنضج على النار"، موضحًا: أن حديث ترامب عن إيران في قمة الـ «G7»، في بياريتز بفرنسا، كان "متفائلًا جدًا".

ويذكر الصحفي اللبناني كلمات للرئيس الأمريكي قال فيها: " الاجتماع مع الرئيس حسن روحاني في غضون أسابيع أمر واقعي، وسيتم التوصل إلى اتفاق في نهاية المطاف. لديَّ حدس إيجابي. أفترض أن الإيرانيين لاعبون جيدون. ولا يسعهم تنفيذ ما قالوا إنهم ينوون القيام به، لأنهم سيواجهون قوة قاسية جدًا".… وأعتقد أنهم سيرغبون في عقد اللقاء".

وأضاف ترامب قائلًا:" إيران دولة لها قدرات عظيمة، ولا نسعى لتغيير النظام فيها. ما نريده هو ألّا تكون فيها أسلحة نووية وصواريخ بالستية. ونرغب في أن يحدث ذلك خلال فترة زمنية قصيرة".

ووفق عيسى، فإن حديث ترامب يشير لرغبة الطرفين للتوصل إلى اتفاق بشكل سريع وهي المدة التي حددها ترامب بالأشهر القليلة، أي قبل الدخول في عام 2020، باعتباره عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ما يعني أن ترامب يحتاج للاتفاق ليكون ورقته الرابحة في التحضير لولاية جديدة.

قلق نتينياهو

وأمام الطرح السابق يبدو التساؤل المنطقي، وهو هل يمكن أن يضحي ترامب بتأييد إسرائيل قبل الانتخابات في حال التوصل لاتفاق مع طهران؟

الإجابة على التساؤل السابق اختلفت من تحليل لآخر، حيث يرى البعض أن ترامب من مصلحته إنهاء الأزمة مع إيران، قبل خوض الانتخابات، باعتبارها ورقة جيدة جدًا بالنسبة للناخب الأمريكي، حتى لو كان ذلك ضد مصالح إسرائيل، بينما اعتبرها آخرون خطوة لن تمثل أزمة في حماية إسرائيل على أية حال.

واللافت أن صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية كانت من أنصار التحليل الأول، حيث دعت في تحليل لها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعدم الانزعاج من الدعوة الفرنسية والترحيب الأمريكي بعقد لقاء بين ترامب وروحاني، وحسب الصحيفة فإنه من السابق لأوانه التقدير اذا كان ترامب سيلتقي قريبا روحاني أم لا؟.

إلا أن الصحيفة عادت وأكدت أنه من الواضح أن هناك اتصالات لتبديد التوتر المتصاعد بين واشنطن وطهران، وربما أيضًا لبلورة اتفاق نووي جديد، كما أنه من الواضح أن هناك مساعي للتسوية بين الجمهورية الاسلامية والقوة العظمى، وهو ما يقلق نتنياهو، الذي رسم سياسته الخارجية، على إضعاف إيران من خلال العزلة الدبلوماسية، والعقوبات الاقتصادية والتهديدات العسكرية.

وتشير "هآرتس" إلى أنه قبل 4 سنوات فشل نتنياهو في عرقلة الاتفاق النووي للرئيس باراك أوباما مع الإيرانيين، لكنه نجح أكثر مع ترامب الذي انسحب من الاتفاق، والآن يقف نتنياهو أمام انعطافة في سياسة ترامب، تجد تعبيرها في السعي إلى لقاء وتفاهم مع القيادة الإيرانية.

وترى الصحيفة الإسرائيلية أن التوقيت سيئ على نحو خاص لنتنياهو الذي يتنافس في الانتخابات من موقع ضعف، وبالتالي فإن العناق العلني بين ترامب وروحاني سيؤكد للعالم كله ضعف رئيس وزراء اسرائيل، وأن الصورة التي طورها نتنياهو كمقرب مطلق من الرئيس الأمريكي، والتي تقبع في قلب حملة الليكود، ستتشقق عشية التوجه إلى الصناديق.

حسب الصحيفة، فإن هذه التطورات توضح السبب من قرار نتنياهو بتصعيد النشاط العسكري ضد إيران وأنصارها في المنطقة، بتوسيع المعركة إلى لبنان والعراق رغم المعارضة الأمريكية للهجمات الإسرائيلية في العراق.

ودعت الصحيفة نتنياهو بأن يجلس جانبًا وألا يزعج المسعى الدبلوماسي لأمريكا وإيران، بوساطة فرنسا، خاصةً وأن هناك مصلحة كبرى لإسرائيل في تبديد التوتر بالمنطقة، وأن ضبط النفس في هذا الوقت سيخدم المصلحة الإسرائيلية أكثر بكثير من التهديدات واستخدام القوة.

إسرائيل أولاً

تحليلات أخرى تشير إلى أن إسرائيل ليست في مجال منافسة أو مقارنة مع إيران، لدى ترامب والإدارة الأمريكية في ظل حكم الجمهوريين، وهي الإدارة التي قامت بعدة إجراءات تضمن الحماية والقوة والنفوذ لتل أبيب، في حال تم التوصل لأي اتفاق نووي متعلق بإيران.

ويدلل على ذلك ما كتبه عبد الباري عطوان رئيس تحرير جريدة "رأي اليوم" اللندنية، حيث أشار في مقال له قبل قمة الدول السبع أن ترامب توج بالفعل إسرائيل كحامية لدول الخليج رسميًا، بضمها إلى التحالف البحري لحماية الملاحة في مضيق هرمز، وهي خطوة تهدف لتكريس التطبيعين الأمني والعسكري بين تل أبيب ومعظم دول مجلس التعاون الخليجي.

ووفق عطوان، فإن إسرائيل لا تملك أساطيل بحرية، وليست من دول الجوار لهذا الممر الملاحي الدولي، وليس لديها ما تضيفه في ظل وجود مئات البوارج وحاملات الطائرات الأمريكية والبريطانية، وضمت معظم هذه الدول الخليجية، وخاصةً المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر وسلطنة عمان على وجودها، أي إسرائيل،  في هذا التحالف هو مباركة لهذا التطبيع ومساندةً له.

ويشير عطوان للعديد من التطورات التي باتت راسخة على الأرض من بينها أن انضمام إسرائيل لمنظومة التحالف البحري الجديدة يعني أنها أصبحت شريكًا مباشرًا في أي حرب تشنها الولايات المتحدة ضد إيران، وباتت صاحبة كلمة عليا في أمن الخليج، وقوة جارة لدوله، وأن أي قصف صاروخي من قبل إيران أو أذرع حلفائها العسكرية في المنطقة لإسرائيل في حال اندلاع الحرب سيكون مشروعًا وفي إطار سياسة الدفاع عن النفس وحفظ المصالح.

ترقب سعودي

وعلى عكس الوضع مع إسرائيل، يبدو الأمر أكثر إزعاجًا لدى الرياض، التي بدأت تنظر بقلق تجاه الخطوات الأمريكية تجاه إيران، وهو ما تمثل في دعوة إدارة ترامب للمسئولين بالسعودية لإجراء حوار مع جماعة الحوثي حول مستقبل اليمن، ثم الخطوة الأمريكية بمحاولة إجراء حوار مباشر مع القيادة الإيرانية حول البرنامج النووي المثير للأزمات، هو ما اعتبرته المملكة تطورًا مقلقًا في شكل العلاقة بين واشنطن والرياض.

هذه التطورات دفعت العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، لإرسال نجله الأصغر خالد للولايات المتحدة من أجل الوقوف على أسباب تغير المواقف الأمريكية تجاه إيران مؤخرا، وفق موقع "بلومبيرغ".

ويشير تحليل كتبه غلين كيري المتخصص في الشئون العربية والخليجية بالموقع الأمريكي الشهير، إلى أن تواجد خالد بن سلمان في واشنطن منذ أيام، كان بسبب التطورات التي طرأت على سياسة ترامب في الملفين الإيراني واليمني، وتصريحات ترامب الأخيرة عن انفتاحه لعقد محادثات محتملة مع إيران، العدو الإقليمي الأول والأبرز للسعودية، بالإضافة لتقارير صحفية أشارت إلى بحث واشنطن عن طرق لفتح محادثات مباشرة مع الحوثيين، حلفاء إيران في اليمن.

ونقل الموقع عن أيمن كامل، الباحث في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجموعة يوروشيا قوله: " سيتم خلف الأبواب المغلقة التعبير عن القلق من إستراتيجية ترامب وإمكانية لقائه مع روحاني والطريق إلى الأمام، وستكون هناك أسئلة حول السياسة الأمريكية وأين تقف عند ذلك المستوى".

ويقول جيمس دورسي، الباحث في معهد "أس راجارترانام للدراسات الدولية" في سنغافورة لصحيفة "وول ستريت جورنال":" السعودية تحاول القيام بـعملية توازن، لأنه من المتوقع أن يطالب الأمير خالد بضمانات من إدارة ترامب بأنها لن تخفف من موقفها المتشدد تجاه إيران، وألا تعرض مصالح السعودية للخطر، خاصةً وأن الولايات المتحدة تخطط لمحادثات مباشرة مع الحوثيين اليمنيين الذين يستهدفون السعودية بالصواريخ والطائرات المسيرة".