مجلة فرنسية تستعرض السيناريوهات المتوقعة للأوضاع في اليمن

12

طباعة

مشاركة

رأت مجلة "أوريان 21" الفرنسية، أن الأحداث التي شهدها اليمن أعادته من جديد إلى صدارة اهتمامات وسائل الإعلام الغربية، وخاصة انسحاب القوات الإماراتية، والقتال في عدن بين القوات الانفصالية وتلك التابعة للحكومة، إضافة لصواريخ الحوثي على السعودية.

وقالت المجلة في تقرير لها: إن "كل هذه الأحداث جاءت على خلفية التوترات المتزايدة والمواجهات الخطيرة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وحلفائها في الخليج العربي من جهة، وإيران من الجهة الأخرى، لكن مع ذلك، يختلف الواقع عن الظاهر إلى حد ما في اليمن".

إستراتيجية أبوظبي

وأكدت، أن إعلان الإمارات عن رغبتها في إنهاء تدخلها العسكري في صراع اليمن، لم يكن المرة الأولى، فإعلان ذلك رسميا في يوليو/تموز 2019، سبقه سحب معظم قواتها ومعداتها العسكرية، لاسيما في إقليم تهامة حيث مدينة الحديدة، مركز الاهتمام الدولي منذ منتصف عام 2017، وإسناد المعارك اللاحقة لمختلف الجماعات اليمنية- التي تتنافس في كثير من الأحيان - والسودانيين المنتشرين هناك.

وذكرت المجلة، أن هذه المناورة السياسية لا تخلو من مضمون أوله، على الأقل في الوقت الراهن، هو أن التحالف الذي تقوده السعودية قد تخلى عن فكرة استعادة السيطرة على الحديدة من الحوثيين ربما لجعلها "عاصمة مؤقتة" أخرى بهذا البلد.

وأشارت إلى أن القتال في الحديدة انتهى أواخر عام 2018 نتيجة لجهود الأمم المتحدة للحيلولة دون تفاقم الأزمة الإنسانية، وإذا كان اتفاق ستوكهولم لعام 2018 الذي وقع بين الحوثيين وحكومة هادي، جاء لأسباب سياسية فقط، فإنه جعل من الصعب للغاية على التحالف استئناف الهجوم، لأن مجلس الأمن أنشأ في يناير/كانون الثاني 2019  وجودا دوليا، لدعم اتفاق الحديدة.

وأوضحت المجلة، أن الإستراتيجية العسكرية للتحالف في السابق كانت السيطرة على الحديدة لإنهاء الركود الذي استمر لأكثر من ثلاث سنوات، لكن تخلي التحالف عن السيطرة على الحديدة يتطلب نهجا جديدا لم ينشأ بعد من القيادة السعودية أو حكومة هادي، وأن الانسحاب الرسمي للإمارات، هو دعوة واضحة لهذه الإستراتيجية الجديدة، وفي أي حال، يمكن للإماراتيين العودة في أي وقت إذا قرروا ذلك.

أزمة "العاصمة المؤقتة"

ولفتت "أوريان 21 " إلى أنه بسبب هجوم بطائرة استطلاع حوثية خلال عرض عسكري بمدينة عدن في 1 أغسطس/آب 2019، تدهور الوضع في هذه المدينة بسرعة على غرار نزاع مماثل جرى في يناير/كانون الثاني 2018 حيث قتل مسؤول عسكري كبير وقوات ينتمون إلى "حزام الأمان"، الذراع المسلح لـ المجلس الانتقالي الجنوبي".

وأكدت، أن "المجلس الانتقالي" بفضل الدعم السياسي والعسكري والمالي الكبير للإمارات، منذ إنشائه في مايو/أيار 2017، أصبح له تأثير متزايد، في عدن وحولها، وقد أدى الهجوم، الذي قدمه قادة المجلس على أنه هجوم "شمالي" على الجنوب، إلى مضايقة ونهب وتخريب تجاه مئات من سكان الشمال، أعقبه هجوم عسكري على وزارات حكومة هادي وقصره الرئاسي الضعيف.

وأوضحت المجلة، أنه بعد يومين من هذه الأحداث، كان لا يزال قائد قوات الأمن في عدن والصديق والحليف الوثيق لعيدروس الزبيدي رئيس "المجلس الانتقالي"، في منصبه ولم يتم إقالته إلا بعد الاستيلاء على المدينة من قوات "المجلس الانتقالي"، وذلك ليس من المستغرب أن يسيطر الانفصاليون على القواعد العسكرية في عدن.

ونوهت إلى أنه بعد أن عززت قوات المجلس الانفصالي قبضتها على عدن من خلال دعوة يوم 15 أغسطس/آب إلى مظاهرة شعبية واسعة لدعم استقلال الجنوب، لم يجرؤوا على إعلان الانفصال في ظل دعم التحالف الإماراتي السعودي صراحة "وحدة اليمن وسلامته".

وبحسب المجلة، فقد أكد اجتماع طارئ في مكة بين القادة الإماراتيين والسعوديين في 12 أغسطس/آب هذه السياسة المشتركة، في حين وصف الرئيس هادي عمل "المجلس الانتقالي" بأنه انقلاب مثل الذي قام به الحوثيون في صنعاء عام 2015.

وأشارت إلى أنه بالنسبة لمسؤولي "المجلس الانتقالي"، فقد برروا تصرفهم بطريقة ملتوية، وللفوز بدعم الإماراتيين زعموا أن حركة الإصلاح (التي تضم عناصر الإخوان المسلمين) هي المسؤولة عن هجوم 1 أغسطس/آب الجاري، وهو دفاع يخالف كل المنطق إذ أن هذه الحركة معارضة للحوثيين بشكل تام كما أنها حزب أساسي في حكومة هادي.

ورأت "أوريان 21" أنه سواء علمت الإمارات ودعمت أم لا، السيطرة على عدن، فقد عزز ذلك أهدافها الإستراتيجية، إذ أن سياساتها تتميز بالخوف من "الإخوان المسلمين" وهو ما أدى إلى عداء ثابت لـ"الإصلاح" في اليمن، فالسعودية التي تدعم مشاركة "الإصلاح" في الحكومة، تتخوف بشكل أساسي من العناصر القبلية في أقصى شمال البلاد، بينما ترى أبوظبي فقط المكون المنبوذ لـ"الإخوان المسلمين".

وتابعت: "بالإضافة إلى تشجيعهم القضاء على العديد من مؤيدي الإصلاح من قبل حلفائهم الجنوبيين، يبدو أن الإماراتيين على الأقل نشطون في محاربة الإصلاح كما في كفاحهم ضد مقاتلي تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم الدولة، ناهيك عن دعمهم الواضح للمليشيات السلفية وغيرها من الأحزمة الأمنية".

ولفتت المجلة إلى أنه بالرغم من "انقلابهم"، لم يتحد "المجلس الانتقالي" الحكومة الإماراتية بإعلان الاستقلال عن الجنوب رغم مطالب مؤيديها، إذ يعتمد "المجلس الانتقالي" على الإمارات بدرجة لا تسمح له بالمخاطرة لأن الأخيرة تسعى للحفاظ على علاقاتها الجيدة مع السعودية.

حريق في السعودية

كما بينت أنه خلال الأشهر الأخيرة، تكررت هجمات الحوثيين على الأراضي السعودية بشكل متزايد حتى أصبحت يومية تقريبا، ومعظم هذه الصواريخ شنتها طائرات بدون طيار استهدفت جنوب غرب البلاد، بما في ذلك المطار والمنشآت النفطية.

ورأت، أن هذه الضربات مكملة لتصريحات الحوثيين عن النوايا الحسنة، الذين يقولون إنهم على استعداد لوضع حد لها شريطة أن يتخلى السعوديون عن غاراتهم الجوية في اليمن، والتي يتكرر تواترها أيضا، فيما تركز البيانات الأخرى للحوثيين على مواردهم التقنية وقدرتهم على الوصول إلى الأهداف الإماراتية، وكل هذا يحدث بينما يواصلون توغلاتهم البرية في السعودية، مما يثبت ضعف قوات الحدود السعودية.

وبيّنت المجلة أن غارات الطائرات بدون طيار والغارات البرية تهدف إلى إقناع السعودية ببدء المفاوضات، كما يشير توقيت هذه التدخلات إلى زيادة التنسيق مع إيران وقدرة الحوثيين على خلق مشاكل إضافية للمملكة العربية حال تفاقم الوضع في الخليج بشكل كبير؛ نتيجة "أقصى قدر من الضغط" تمارسه الولايات المتحدة على إيران والمواجهات البحرية الأخيرة في وحول مضيق هرمز وخارجه.

الوحدة المهددة

وقالت المجلة، إن الأحداث الأخيرة في عدن أحيت النقاش الدائر حول تجزئة اليمن المحتملة التي يفسرها غالبا "الخصوصية" التي يتسم بها الجنوب، إذ يعرّف الانفصاليون الجنوب بأنه المنطقة التي كانت، من 1967 إلى 1990، الدولة الاشتراكية الوحيدة في العالم العربي.

لكنها أشارت إلى أن جدوى مطالبة الانفصاليين بإعادة تأسيس دولة مستقلة داخل حدود "الحزب الديمقراطي الليبرالي" السابق، أمر مشكوك فيه، فعدم التماسك السياسي ظاهر، ومن جملة أمور، عدم قدرة الانفصاليين على الاتفاق على اسم الدولة المستقبلية واستخدامهم المستمر لعلم "الحزب الديمقراطي الليبرالي" على الرغم من حقيقة أن أيا منهم لا يريد الاشتراكية.

وأكدت الصحيفة أنهم منقسمون كذلك حول عدد كبير للغاية من الاختلافات الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية، ناهيك عن الخصومات السياسية التي تعود إلى فترة الاستعمار وصراعات الأشقاء في الفترة الاشتراكية، علاوة على ذلك، يتم تقاسم الموارد الطبيعية المحدودة بشكل غير متساوٍ في المنطقة، فإعلان الاستقلال عن الجنوب سيؤدي بسرعة إلى نزاعات كبرى جديدة.

وتابعت: كما أن هناك شقوق عميقة تشكل أيضا تحديا لوحدة البلاد التي تخفيها المخاوف من انفصال الجنوب، فحتى إذا ظل الحوثيون حتى الآن يسيطرون على صنعاء بقبضة حديدية بدعم من القبائل الصديقة المناهضة للتحالف، فإن هذا التماسك المؤقت يعتمد على أعداء مشتركين (السعودية وحكومة هادي) ولن يبقى على قيد الحياة في نهاية القتال.

وزادت "أوريان21" بالقول: "بالتالي، فإن التفكك مقارنة بالصومال هو احتمال حقيقي، لهذا السبب، سيكون وجود اليمن الفيدرالي حلا حكيما لتجنب إعادة إنشاء الدول الصغرى التي تفتقر إلى الموارد، وهو نموذج يعمل به في الإمارات فقط بسبب رغبة أبوظبي في تمويل الإمارات الفقيرة، لكن في اليمن، نقص الموارد يستبعد هذا الخيار".

فشل الأمم المتحدة

وبحسب المجلة، فإن هذه التطورات، حاسمة، رغم أنها للأسف غير قادرة على إنهاء الحرب بسرعة، فمع اشتداد القتال بين الجماعات اليمنية هذا العام على جبهات كانت خامدة سابقا، كما هو الحال في منطقة الضالع، يتناقص عدد الغارات الجوية السعودية شهرا بعد شهر، ربما ردا على ضغوط متزايدة من الكونجرس الأمريكي والدول الأوروبية لوقف مبيعات الأسلحة إلى للرياض.

شددت على أن الاهتمام الدولي باليمن آخذ في التناقص حيث إن حلفاء الدول الرئيسية في التحالف العربية لها أولويات أخرى، فالولايات المتحدة مهتمة بقضيتها مع إيران، والمملكة المتحدة بخروج بريطانيا من الاتحاد، والدول الأوروبية لديها اهتمامات محلية مختلفة.

وذكرت، أن الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص ليسا متفقين مع الأحداث، فبعد أن تجاهلوا القضايا الأخرى وركزوا بشكل شبه حصري على الحديدة والوضع الإنساني لمدة عامين، يواجهون الآن وضعا لم تعد فيه الحديدة تمثل الأزمة الرئيسية في اليمن.

إستراتيجيات غير محددة

ورأت المجلة كذلك، أن الإستراتيجية الجديدة للإمارات لا تعني بالضرورة قطع العلاقة بين أمراء وليي العهد في الرياض وأبوظبي - القادة الحقيقيين في دولهم - لكنها تؤكد خلافاتهم الإستراتيجية، فـ"انسحاب" الإمارات يهدف إلى إثارة تحدٍ للإستراتيجية السعودية، ويبقى أن نرى ما إذا كان هذا سينجح، خاصة وأن خيارات التحالف محدودة بسبب طبيعة و"شرعية" هادي وحكومته، مما يعرض للخطر أيضًا عمل الأمم المتحدة.

وأكدت "أوريان 21" أن الوضع الداخلي في اليمن هو لب المشكلة، بغض النظر عن طموحات الإمارات أو السعودية، فهناك فقط ثلاث مجموعات سياسية رئيسية في اليمن: "أنصار الله" في المنطقة التي يسيطر عليها الحوثيون، و"المؤتمر الشعبي العام" للرئيس السابق صالح، المنقسم بين صنعاء والمستقلون المنفيون، والفصائل المتحالفة مع الرئيس هادي، و"حركة الإصلاح"، التي لا تزال كيانا سياسيا مهما ومتماسكا في اليمن، سواء أعجبنا ذلك أم لا.