تجذبهم التجربة.. قادة مستبدون بالشرق الأوسط يراهنون على الصين

نشرت صحيفة "لوريون لوجور" الناطقة بالفرنسية، تقريرا تحدث فيه عن انتقاد الغالبية بالشرق الأوسط لسياسة الإدارة الأمريكية، بينما يتسابق قادة المنطقة لكسب تأييد التنين الصيني، إذ يتجهون إلى بكين من أجل توقيع مجموعة كبيرة من الاتفاقيات الثنائية.
وقالت الصحيفة اللبنانية: إنه "على الرغم من أن معظم الالتزامات بين الصين وحكومات الشرق الأوسط لا تزال تركز على علاقات الطاقة والاقتصاد، فإن هذا التعاون بات يغطي مجالات جديدة أكثر فأكثر، بما في ذلك الدفاع".
وتابعت: "إضافة إلى ذلك، أعلنت السعودية والإمارات مؤخرا عزمهما إدخال تعلم اللغة الصينية إلى مناهجها التعليمية، والأمر الأكثر أهمية هو أن البلدين (وغيرهما، مثل الأعضاء الآخرين في مجلس التعاون الخليجي وسوريا ومصر) دافعوا الشهر الماضي عن اضطهاد بكين لسكان منطقة الأويجور ذات الأغلبية المسلمة، رغم أن هذا القمع جرى إدانته على نطاق واسع في الغرب".
وأشارت الصحيفة إلى أن ما تشهده المنطقة حاليا تجاه الصين يطرح سؤالين ذي أهمية: لماذا تراهن دول الشرق الأوسط على بكين؟ وإلى أي مدى يمكن أن تملأ الصين الفراغ السياسي الناشئ في المنطقة من خلال تقليص الوجود الأمريكي؟
المخاوف المشتركة
وأوضحت، أن العشق الجديد للصين للوهلة الأولى يبدو محيرا، فالأنظمة العربية المحافظة على مدار التاريخ كانت حذرة من الصين الشيوعية ولم تقم معها علاقات دبلوماسية سوى في الثمانينيات أو أوائل التسعينيات، خاصة وأن العديد من دول المنطقة لها علاقة إستراتيجية طويلة الأمد، في المسائل الدفاعية، مع الولايات المتحدة.
وأردفت الصحيفة: "لكن في الآونة الأخيرة بعض هؤلاء حلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك مصر والإمارات والسعودية، وقّعوا اتفاقيات شراكة إستراتيجية شاملة مع الصين، الأمر الذي سبّب انزعاجا متزايدا من قبل واشنطن".
وأكدت، أنه إضافة إلى ذلك، أعربت حكومة الولايات المتحدة لإسرائيل عن قلقها بشأن تعاونها مع الصين في مجال التقنيات، واعتبرت أن دخول شركتا "هواوي" و"زد تي إي" إلى السوق المحلية أمرا مقلقا للغاية.
وبيّنت "لوريون لوجور" أن هذا الأمر تكشّف عن أحد الاختلافات الرئيسية بين الولايات المتحدة والصين فيما يتعلق بالتحالفات والشراكات، على الأقل في منطقة الشرق الأوسط.
وذكرت، أن "الصين، إدراكا منها لوضعها المتدني نسبيا على الساحة الإقليمية مقارنة بالولايات المتحدة، تتجنب وضع نفسها في مواقف قد تجبر الحكومات على الاختيار بين القوتين، وهو نهج يتناقض مع نهج الأمريكيين، الذين يميلون عادة إلى دفع حلفائهم لاتخاذ مثل هذا الاختيار، وحتى دفع قيادة معظم الحكومات في الشرق الأوسط لإيجاد توازن مع البلدين، والمخاطرة بخلق الاحتكاك مع كليهما".
ونوّهت الصحيفة إلى أن هناك عدة عوامل تجعل الصين شريكا مثيرا لدول المنطقة، فأولا، تتمتع الصين باقتصاد ديناميكي ومتنام وقادة حذرون من الانتفاضات الشعبية ومطالب الديمقراطية، كما تتمثل أولويات السياسة الخارجية الرئيسية لبكين في الترابط الاقتصادي وأمن تدفقات موارد الطاقة وحماية الاستثمارات الإقليمية".
وبمعنى آخر، توضح الصحيفة: "في الشرق الأوسط، تريد بكين تصدير البضائع والسلع وليس الأفكار السياسية، ومع أخذ ثورات الربيع العربي 2011 في الاعتبار، تسعى العديد من دول المنطقة إلى اقتفاء أثرها، إذ أعلنت العديد من الحكومات الإقليمية عن خطط وطنية طموحة لرفع مستويات المعيشة، مثل رؤية 2030 في السعودية و2035 في الكويت، فحتى الآن، النجاحات التي حققتها الصين في التنمية الاقتصادية دون إصلاح سياسي، كانت جذابة منطقيا للغاية للأوتوقراطيين العرب".
نهج المعاملات
ولفتت الصحيفة إلى أن "تقوية العلاقات مع الصين وكذلك روسيا، يعد خيارا جذابا لقادة الشرق الأوسط في وقت تتوتر فيه العلاقات مع الغرب أحيانا، ومن الأمثلة الجيدة على ذلك زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لآسيا في وقت سابق من هذا العام، بعد أشهر قليلة من اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، بالقنصلية السعودية في إسطنبول".
وبيّنت، أن "ولي العهد السعودي، المنبوذ في الغرب، حاول تحسين صورته الدولية من خلال عقد مجموعة من القمم مع الزعماء الأسيويين، وهو ما ينطبق على زيارات السيسي الـ6 إلى الصين عقب انقلابه الدموي في مصر عام 2013".
وقالت الصحيفة: "على الرغم من أن إيران نفسها مختلفة تمام الاختلاف، فإن عزلة البلاد المتزايدة عن الغرب تدفعها أيضا إلى التعاون عن كثب مع بكين، فمنذ انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية الإيرانية لعام 2015 وإعادة فرض العقوبات على طهران، أصبح تطوير علاقات أوثق مع الصين بالنسبة لها يعد أكثر من خيار، وفي المقابل، استفادت الصين بالكامل وأجبرت طهران على قبول شروطها لالتزاماتها الثنائية والتجارية".
وأكدت "لوريون لوجور" أنه "من جهتها تبدو الصين في الوقت نفسه مدركة لقدرتها المحدودة على لعب دور مهم في حل القضايا الأمنية السياسية غير القابلة للذوبان في المنطقة، سواء كان ذلك الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني أو الأزمة السورية، ففي هذا المجال، تظل الولايات المتحدة أكبر لاعب من خارج المنطقة".
وأوضحت، أن "القوة الإستراتيجية لواشنطن ليست بالضرورة سيئة للصين، فمن حيث المبدأ، يجب ألا يكون هناك صراع كبير بين المصالح الصينية والأمريكية في المنطقة، فعلى الرغم من قواعدها البحرية في جيبوتي وجوادر (باكستان)، لا تطمح الصين إلى لعب دور سياسي كبير في الشرق الأوسط. لاسيما وأن هدف الولايات المتحدة المعلن والمتمثل في ضمان الاستقرار الإقليمي، خاصة من خلال المظلة العسكرية في الخليج، يساعد أيضًا في حماية مصالح بكين سواء الاقتصادية أو بمجال الطاقة".
وخلصت الصحيفة اللبنانية إلى أنه "على عكس الولايات المتحدة، ليس للصين علاقة خاصة مع أي دولة شرق أوسطية على وجه الخصوص، ونتيجة لذلك، تستمر في النهج الذي تتبعه في التعامل، مع تجنب التدخل في القضايا الجيوسياسية الحساسة والاستفادة من استياء قادة المنطقة من السياسة الأمريكية، وذلك من أجل تعزيز مصالحها الاقتصادية".
وتساءلت في النهاية: إلى متى يمكن للصين الحفاظ على مثل هذا النهج، في منطقة متقلبة مثل الشرق الأوسط؟