دول تتسابق.. من يفوز في السيطرة على الموانئ بالبحر الأحمر؟

محمد سراج الدين | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

أثار الإعلان القطري بتوقيع اتفاق مع حكومة الصومال، لإنشاء ميناء بحري جديد بإقليم مدغ وسط البلاد، تساؤلات كثيرة عما يحدث بمنطقة القرن الإفريقي، خاصة وأن الميناء الجديد سيُشيّد في مكان ميناء هوبيو (من أقدم موانئ البلد)، بالقرب من خليج عدن.

التساؤلات التي صاحبت الخطوة القطرية، لم تقف عند تحركات الدوحة في البحر الاحمر، وإنما امتدت لتحركات باقي دول الخليج وتحديدا الإمارات والسعودية، وكذلك دول هامة في المنطقة مثل إيران وتركيا، إضافة للتوغل الصيني والروسي والإسرائيلي في مياه بحر العرب.

وما زاد من خطورة التساؤلات، أن الخطوة القطرية، جاءت بعد أيام من الانقلاب الإماراتي في عدن، لصالح القوي الانفصالية عن الحكومة الشرعية، وكأن الإمارات أرادت قبل خروجها من اليمن، ترك الموانئ المطلة على باب المندب، في يد اتباعها من الحركات الانفصالية اليمنية، التي لن تستطيع السعودية مواجهتهم وحدها.

قطر والصومال

وزير النقل والاتصالات القطري جاسم بن سيف أحمد السليطي، أكد أن الاتفاق ليس فقط لبناء ميناء جديد، وإنما الاتفاق أوسع من ذلك حيث يضم استثمارات عدة من شأنها تنمية الوضع الاقتصادي للصومال، وكانت مفاجأته التي أطلقها، بأن بناء الميناء سوف يبدأ في نفس يوم التوقيع على الاتفاق بين البلدين.

وتتوافق هذه التصريحات مع الاتفاق الذي وقعته قطر مع الحكومة الصومالية في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، لإقامة عدة مشروعات تنموية، من بينها مشروع بناء ميناء هوبيو، كما دعمت قطر موازنة الصومال العامة لعام 2019 بما قيمته 20 مليون دولار، وقدمت وزارة الدفاع القطرية منحة عسكرية للصومال، عبارة عن 68 آلية عسكرية حديثة، بهدف دعم الأمن والاستقرار بالصومال.

وقد اختلفت التحليلات التي تناولت الخطوة القطرية، حيث اعتبرها البعض ترجمة للحرب الباردة المشتعلة في منطقة القرن الإفريقي، والواقعة على رأس باب المندب، وهي الحرب التي شهدت سخونة غير عادية منذ اندلاع الأزمة الخليجية عام 2017، بهدف رغبة الدول الإقليمية والعالمية لأن يكون لها وجود على الخريطة الجيوسياسية التي خلقتها حرب الملاحة والتجارة العالمية، وبالتالي فإن الخطوة القطرية تتماشي مع سعي دول الإقليم لإيجاد موطئ قدم لها في منطقة القرن الإفريقي؛ عبر احتكار إدارة موانئها، وبناء قواعد عسكرية تمنحها القوة والنفوذ في هذه المنطقة.

ويضاف إلى ذلك، رغبة الدوحة بفتح أبواب وأسواق تعوضها ما خسرته نتيجة الحصار الخليجي المفروض عليها منذ قرابة العامين، مع الوضع في الاعتبار أن قطر تضع مسمارا في نعش الوجود الإماراتي بالقرن الإفريقي.

اتهامات وانتقادات

وعلى النقيض من الرأي السابق، ذهب فريق آخر إلى أن الخطوة القطرية، تمثل إعلانا للحرب في المنطقة، وأن الهدف ليس تنمويا كما يصرح المسؤولون بالدوحة، وإنما الهدف السيطرة الكاملة على الصومال لأهداف سياسية وأمنية، ويتبنى هذا الطرح كتّاب ومحللون، محسوبون على دول الأزمة الخليجية، ومن بينهم محمد أبو الفضل مدير تحرير جريدة "الأهرام" المصرية، والذي نشر مقالا حول الاتفاق الأخير في جريدة "العرب" الصادرة من لندن بتمويل إماراتي.

"أبو الفضل" ربط بين الإجراء القطري وما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز" في يوليو/ تموز الماضي عن تسريب لمكالمة هاتفية بين السفير القطري في الصومال ورجل أعمال مقرب من أمير قطر قال فيها: إن المسلحين نفذوا التفجير في ميناء بوصاصو لتعزيز مصالح قطر.

وترجم أبو الفضل، الموقف شبه الرسمي للإمارات من الاتفاق، عندما اتهم الدوحة بأنها قامت بهذه الخطوة في إطار دعمها لحركة شباب المجاهدين النشطة في منطقة القرن الإفريقي، وأن هدفها من ذلك هو مضايقة دول الجوار ليس أكثر، كما أنه ليس من حقها التسلل للصومال من أجل الاستيلاء على موانئها، لاستكمال المثلث التركي الإيراني القطري الذي يهدد مصالح دول الإقليم والأمن الدولي.

لماذا الانزعاج؟

هذا الانزعاج الإماراتي الذي ترجمه مقال الكاتب المصري أبو الفضل، له ما يبرره لدى المتابعين للتحركات الإماراتية في منطقة القرن الإفريقي، خاصة وأنها دعمت مؤخرا انقلابا ضد الحكومة اليمنية في عدن، ما زاد من الفجوة بين الرياض وأبوظبي، بالرغم من زيارة ولي عهد الأخيرة للملكة لتهدئة خواطر ولي عهد السعودية محمد بن سلمان.

ووفق تقرير مفصل للمحلل السياسي لشبكة "سي إن إن" تيم ليستر، فإن الشراكة بين السعودية والإمارات التي هي الأوثق في المنطقة نتيجة المواقف المشتركة من إيران، بدأت تتصدع بعد قيام أبوظبي بفتح خطوط اتصال مع طهران في الوقت الذي كان الرياض تضغط على الولايات المتحدة لشن حرب على طهران لحماية دول المنطقة.

وبحسب ليستر، فإن الإمارات عندما قامت بتخفيف وجودها في ميناء عدن، إنما كانت تقصد من وراء ذلك إطلاق العنان للجماعات الانفصالية الجنوبية التي دعمتها وسلحتها الإمارات والتي واجهت بقايا القوات التابعة للحكومة التي تدعمها السعودية.

ولم يذهب تحليل آخر لشبكة "بي بي سي" البريطانية، بعيدا عن تحليل الوكالة الأمريكية، حيث كشف تحليل الأولى، أن هناك صراعا محتدما بين أبوظبي والدوحة في القرن الإفريقي، حيث يسعى الطرفان لبسط نفوذهما في خليج عدن ومضيق باب المندب، المتحكمين في الملاحة في البحر الأحمر.

وبحسب الصحفي ديفيد كيركباتريك، أحد أعضاء الفريق الصحفي لـ "نيويورك تايمز" الذي قام بمتابعة ملف المكالمة المسربة بين السفير القطري بالصومال ورجل الأعمال القطري خليفة كايد المهندي، حول تورط الدوحة في عملية تفجير ميناء بوصاصو، والذي كان الهدف منه إخراج الاستثمارات الإماراتية من الصومال، فإن هذا التسريب يكشف مدى احتدام الصراع بين الدولتين الخليجيتين في الصومال، بغية السيطرة على خليج عدن والقرن الإفريقي بشكل عام.

ووفق "بي بي سي"، فإن أنظار الإمارات اتجهت نحو الصومال ضمن خطة للاستثمار في الدول المطلة على خليج عدن ودول القرن الإفريقي، وتحديدا الصومال، جيبوتي، إثيوبيا، إريتريا، بجانب الصراع الدائر في اليمن لبسط النفوذ على المنطقة المحيطة بمضيق باب المندب.

ويقول كيركباتريك، إن الإمارات اتجهت إلى التعاون مع أرض الصومال وبونت لاند، بعد فشلها في التحالف مع حكومة الصومال المعترف بها دوليا في مقديشو، التي تدعمها تركيا وقطر بمساعدات واستثمارات.

حرب الموانئ

وقد سبق لقناة "الجزيرة" القطرية، أن بثت فيلما وثائقيا، تحت عنوان "حرب الموانئ" عن الصراع المسعور من بعض الدول على موانئ القارة السمراء، وتحدث الفيلم عن التحركات الإماراتية على وجه التحديد في الاستيلاء على ميناء "دوراليه" للحاويات في جيبوتي، والذي يعد أكثر موانئ القرن الإفريقي أهمية في التجارة بإفريقيا.

ويثير الفيلم الوثائقي إلى أنه مع التطور الاقتصادي حاولت جيبوتي المنافسة مع الموانئ الأخرى الموجودة في المنطقة مثل ميناء جدة السعودي وميناء صلالة العماني وميناء جبل علي الإماراتي الذي يسع 22 مليون حاوية متفوقا على جميع الموانئ الأخرى، لكن هذا الأمر لم يعجب شركة موانئ دبي التي عارضت إنشاء أي ميناء آخر في جيبوتي التي عزمت على إنشاء ميناء "دوراليه المتعدد الأغراض" بالتعاون مع شركة صينية ويتعامل مع 29 مليون طن سنويا، كما أنشأت منطقة حرة بالتعاون مع الصين وتركيا بكلفة ثلاثة مليارات دولار، وهو الأمر الذي أزعج الإمارات ورفع من حدة الخلاف معها.

وفي 22 فبراير/شباط 2018، قررت جيبوتي تجريد شركة "موانئ دبي" من الامتيازات التي حصلت عليها بسبب تعارضها مع مصالح الدولة، وبعد إنهاء العقد مع الإمارات فضّلت جيبوتي التعاون مع الصين التي رأت فيها الأخيرة بوابة تجارية هامة في مشروعها "طريق الحرير" الذي تستثمر فيه الصين في البنية التحتية لأكثر من 65 دولة، كما أنشأت أول قاعدة عسكرية لها في جيبوتي.

وكشف التحقيق، أن الإمارات التي طُردت من جيبوتي مع قاعدتها العسكرية بحثت عن موقع آخر لتوسيع نفوذها في القارة السمراء، فاتجهت إلى أريتريا ووقعت اتفاقا في عام 2015 لاستخدام ميناء عَصَب لمدة 30 عاما، لكن صور أقمار صناعية عرضها الفيلم كشفت، أن الإمارات استخدمت الميناء كثكنات عسكرية تنطلق منها الطائرات في تحالفها السعودي إلى اليمن، كما أن جميع السفن الموجودة عسكرية فقط.

ورصد التحقيق وجود سجن سري إماراتي على السواحل الأريترية تبلغ مساحته 417 ألف متر، ويضم غرفا تحت الأرض تستخدم في عمليات الإخفاء القسري للمعتقلين في اليمن.

لصالح إسرائيل

وفي تقدير موقف أعده "مركز أبحاث الأمن القومي" بإسرائيل، فإن تنافس القوى الدولية والإقليمية على موانئ البحر الأحمر يحمل في طياته فرصا ومخاطر لإسرائيل، مشيرا إلى أن هناك منافسة بين الصين والهند والولايات المتحدة وتركيا وبريطانيا واليابان، للسيطرة على هذه الموانئ.

ووفق التقرير الذي رفعه المركز للحكومة الإسرائيلية وتم تسريبه لوسائل الإعلام، فإن توجه دول خليجية لتدشين موانئ على بحر العرب، ولاسيما على سواحل القرن الإفريقي وشرق إفريقيا والبحر الأحمر، يمنح إسرائيل فرصة للمشاركة في تدشين مشاريع اقتصادية ضخمة، تخطط هذه الدول لبنائها في هذه الموانئ.

وذكر التقرير، أنه نظرا لأن كلا من السعودية والإمارات تعكفان حاليا على تدشين موانئ خاصة بهما في جيبوتي وإريتريا واليمن، فإن هذا قد يمكّن إسرائيل من الإسهام في تدشين مشاريع البنية التحتية في هذه الموانئ، وخاصة أن الدول الخليجية تخطط لتدشين مناطق صناعية ومرافق تكرير نفط ومصانع بتروكيماويات ومخازن ومناطق تجارة حرة داخل هذه الموانئ.

وبحسب التقرير، فإن الدول الخليجية وتحديدا السعودية والإمارات، عمدت مؤخرا إلى محاولة تقليص ارتباطها بمضيق "هرمز"، لضمان عدم تأثر حركة تجارتها بالتهديدات الأمنية التي يتعرض لها هذا المضيق، عبر تدشين موانئ خاصة بها على سواحل شرق إفريقيا والقرن الإفريقي.

وأشار إلى أن السعودية دشّنت أول ميناء لها خارج حدودها في جيبوتي، بالقرب من مضيق "باب المندب"، وأن الإمارات إلى جانب تدشينها ميناءً في جيبوتي، تحافظ على وجود عسكري في إريتريا، إلى جانب استغلالها وجودها العسكري في اليمن في تدشين مهابط لطائراتها وموانئ صغيرة على أرخبيل سقطرى، لافتة إلى أنه من الصعب التنبؤ بتداعيات تقليص الإمارات وجودها العسكري في اليمن على مستقبل احتفاظها بمواطئ قدم على سواحل هذا البلد.

من ناحية ثانية، حذر التقدير من أن مخاطر قد تهدد المصالح الإسرائيلية، بسبب تنافس العديد من القوى الدولية والإقليمية على السيطرة على موانئ البحر الأحمر وشرق إفريقيا، موضحا أن وجود عدد كبير من القوى الدولية والإقليمية التي تتنافس على السيطرة على موانئ البحر الأحمر وشرق إفريقيا، يمكن أن يهدد خطوط التجارة الإسرائيلية التي تنطلق من خليج إيلات باتجاه قناة السويس ومرورا بالبحر الأحمر.

وطبقا للتقرير، فإن حرب الموانئ دفعت الهند لتدشين ميناء في مياه عميقة على ساحل مدينة "بوشار" الإيرانية، لتمكينها من الارتباط بروسيا وأفغانستان ووسط آسيا، لافتا إلى أن الولايات المتحدة سمحت للهند بمواصلة تدشين مشروع الميناء في "بوشار"، رغم العقوبات القاسية التي فرضتها على إيران لأنها ترى في الوجود الهندي هناك وسيلة لمواجهة التمدد الصيني في المنطقة.


المصادر