تعرّف على إستراتيجية الرياض في تمرير انقلاب المجلس الانتقالي بعدن

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد اكتمال الانقلاب الذي قاده المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات في عدن، ألقت الحكومة الشرعية اليمنية باللائمة على التحالف وحمّلته المسؤولية عما حدث.

عدد من البرلمانيين ألقوا المسؤولية على السعودية بصفتها من تقود التحالف، وأصدر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني في الحكومة الشرعية بيانا حذر فيه من التماهي مع المجلس الانتقالي أو محاولات تمريره.

وقال الوزير في بيانه عبر سلسلة تغريدات على تويتر: "أي تمرير أو تماهٍ مع انقلاب المجلس الانتقالي في عدن، بهذا الظرف يُسقِط مشروعية مواجهة الانقلاب الحوثي في صنعاء، ويسقط مبررات تدخل تحالف دعم الشرعية لمواجهة انقلاب الميليشيا الحوثية على الحكومة اليمنية المنتخبة من كافة أبناء الجمهورية اليمنية بحدودها الجغرافية وسيادتها القانونية. 

٣- أي تمرير أو تماهي مع انقلاب المجلس الانتقالي في عدن بهذا الظرف يسقط مشروعية مواجهة الانقلاب الحوثي في صنعاء، ويسقط مبررات تدخل تحالف دعم الشرعية لمواجهة انقلاب #المليشيا_الحوثية على الحكومة اليمنية المنتخبة من كافة أبناء الجمهورية اليمنية بحدودها الجغرافية وسيادتها القانونية

— معمر الإرياني (@ERYANIM) August 16, 2019

وأصدر 9 نواب من أعضاء البرلمان اليمني بيانا موقعا حمّلوا فيه السعودية مسؤولية ما يحدث في عدن وبقية أراضي الجمهورية اليمنية المحررة من اعتداءات على السلطة الشرعية، باعتبارها من يقود التحالف العربي.

البرلمانيون طالبوا الرئيس عبدربه منصور هادي باستخدام صلاحياته في الاستغناء عن الإمارات، وإعفائها من المشاركة ضمن قوات التحالف العربي، كما طالبوا بخروج قواتها من كافة أراضي اليمن.

مستشار رئيس الجمهورية نائب رئيس البرلمان اليمني عبدالعزيز جباري خاطب التحالف قائلا: "عن أي شرعية تتحدثون، وقد ذبحتم الشرعية من الوريد إلى الوريد؟ لم يفعل الحوثيون بالشرعية مثلما فعلتم بها أنتم". 

إلى قيادة التحالف أصبح حديثكم عن دعم الشرعية في اليمن يثير السخرية ويدعو للضحك والبكاء في آن معا. عن أي شرعية تتحدثون وقد ذبحتوها من الوريد إلى الوريد لم يفعل الحوثي بالشرعية مثلما فعلتم بها.

— عبدالعزيز جباري (@Abdulazizjupari) August 10, 2019

مستشار رئيس الجمهورية ووزير الخارجية السابق عبدالملك المخلافي قال على تويتر: "اليمنيون فقدوا الثقة في التحالف العربي، يجب على التحالف أن يدرك حجم ما حدث في عدن ومخاطره، حتى وإن كانت بعض أطرافه مشاركة فيه". 

وأضاف المخلافي: "يجب على من خطط وعمل لذلك الانقلاب داخليا وخارجيا، أن يدرك حقيقتين: الأولى أنه أول من سيكتوي بنار ذلك، والثانية أن الأوطان والشعوب لا تموت".

على التحالف العربي أن يدرك حجم ما حدث في عدن ومخاطره حتى وإن كانت بعض أطرافه مشاركة في ذلك، إن أول ما يجب إدراكه أن اليمنيين فقدوا ثقتهم بالتحالف العربي الذي أيدوه وأعطوه مشروعية عززت المشروعية القانونية من السلطة الشرعية والمجتمع الدولي ولاشك أنه سيكون لذلك عواقب يجب التفكير بها.

— عبدالملك المخلافي (@almekhlafi59) August 15, 2019

لقاءات سرية

إثر تلك المواقف التي وضعت السعودية أمام مسؤوليتها تجاه ما يحدث، وشعور ولي العهد محمد بن سلمان بالورطة، قام ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد بزيارة عاجلة للرياض وعقد لقاء سريا لم يتم الكشف عن طبيعة الأجندة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

الرياض على الفور شكلت لجنة عسكرية وصلت إلى العاصمة اليمنية المؤقتة عدن للإشراف على انسحاب قوات المجلس الانتقالي الجنوبي من المواقع التي سيطرت عليها خلال الأيام الماضية، حسبما ذكرت مصادر عسكرية للأناضول. 

وبعد إتمام الزيارة، التي استغرقت نحو يومين، أصدرت قيادة التحالف بيانا قالت فيه إن وحدات المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات الحزام الأمني بدأت الانسحاب والعودة إلى مواقعها السابقة في عدن، استجابة لدعوة التحالف.

السعودية أرادت بهذا البيان إثبات أن الأمور عادت لطبيعتها، وأن المجلس الانتقالي عاد لمواقعه السابقة قبل الانقلاب، غير أن ذلك مخالف للحقائق والواقع، من ناحيتين، الأولى: وحدات المجلس الانتقالي لم تنسحب من مواقعها التي سيطرت عليها، وخصوصا القصر الرئاسي.

والثانية: السعودية تريد إنهاء الانقلاب بانسحاب عناصر من مواقع سيطرت عليها، وهو إخراج شكلي وهزيل غير كاف للقضاء على الانقلاب.

علاوة على ذلك فإن المجلس الانتقالي أصدر بيانا جدد فيه تأكيده على أن خيار الانفصال محسوم لا رجعة عنه، وأعلن استعداده للحوار، لكن على قاعدة انفصال الجنوب.

الانسحاب الشكلي للمجلس الانتقالي من مواقع تابعة للحكومة المعترف بها دوليا في عدن، لم يقنع وزير النقل اليمني صالح الجبواني، مؤكدا أن عودة الدولة في عدن لن تتم إلا عبر تفكيك ما سماها "مليشيات الإمارات" وتسليح قوات الشرعية بمختلف أنواع الأسلحة.

وقال الجبواني في تغريدة على تويتر: "عودة مباني ودعوة جنود من الحراسة الرئاسية المدمرة، بسلاحهم الشخصي لحراستها، لا يعني عودة للدولة كما يبشر البعض".

وتابع الوزير اليمني: "عودة الدولة بشكل حقيقي لن تتم إلا بتسليح قوات الشرعية بكل أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، وتفكيك مليشيات الإمارات ودمجها بالجيش والأمن ودفعها للجبهات مع الحوثي".

مسلسل التحايل

بيان المجلس الانتقالي الذي أعلن فيه عدم تراجعه عن قرار الانفصال وعن الخطوات التي قام بها، يؤكد أن السعودية مستمرة في تحايلها والتفافها على الشرعية، في تصدير المشهد وكأن المياه قد عادت لمجاريها، في مسعى منها لتمرير مشروع الانفصال.

حسب مراقبين، السعودية في تعاملها مع الحكومة الشرعية، تنتهج سياسية الالتفاف والتحايل، كلما واجهت ضغوطا من أعضاء الحكومة، وذلك للتنصل من مسؤولياتها، وتمرير المشاريع المشتركة مع الإمارات، ثم التصريح بعدم القدرة على العودة إلى المربع الأول، بعد أن أفرزت الأحداث واقعا جديدا، يجب التعامل معه.

الرياض تجاهلت الهجوم الذي شنه المجلس الانتقالي بمدرعات إماراتية على القوات التابعة الشرعية في اليمن، وتجاهلت مناشدات الحكومة الشرعية بسرعة الدعم لمواجهة عملية الانقلاب.

وعندما نجح الانقلاب ورسيت مراكب الانقلابيين، وانسحبت القوات الشرعية، أصدر التحالف بيانا دعا فيه إلى وقف إطلاق النار، وتوعد بالرد على من لم يمتثل للتوجيهات. وهو الأمر الذي عده مراقبون "مسرحية هزيلة" تقوم بها الرياض، واستمرارا لمسلسل الالتفاف والتحايل على الحكومة الشرعية.

وزير الداخلية اللواء أحمد الميسري أكد في مقطع مصور أن الرياض التي تقود التحالف العربي "لم تكن موفقة في صمتها عما يجري لمدة 4 أيام، رغم المناشدات".

 الخطوة القادمة

من خلال معرفة الطرق التي تم التعامل بها مع جماعة الحوثي، والانقلاب الذي قاموا به في صنعاء سبتمبر/أيلول 2014، يمكن معرفة كيف سيتم التعامل مع ميلشيا المجلس الانتقالي، والانقلاب الذي دعمته الإمارات على الحكومة الشرعية.

تحولت جماعة الحوثي، خلال 4 سنوات، من ميلشيا متمردة في حسابات المجتمع الدولي إلى سلطة أمر واقع، تجلس على الطرف الآخر من طاولة المفاوضات، وتعامل بشكل ندي من الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، حتى أن منظمات الأمم المتحدة المختلفة وقّعت عقودا مع مؤسسات خاضعة لسيطرة الانقلابيين الحوثيين، ومنحتهم مساعدات، تحت عدة مبررات.

في مايو/آيار الماضي، منحت الأمم المتحدة الحوثيين 20 مركبة رباعية الدفع، تحت ما سمّته برنامج دعم الحوثيين لإزالة الألغام في محافظة الحديدة، وقال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إنه سلم 20 سيارة لشريكه المركز التنفيذي لنزع الألغام – الخاضع لسيطرة الحوثيين - بهدف دعم الجهود المستمرة في الحديدة لإزالة الألغام.

وأضاف البرنامج أن هذه "هي الخطوة الأولى من عمليات الشراء الكبيرة لدعم الأعمال المتعلقة بنزع الألغام في كل من شمالي وجنوبي اليمن، من شأنها المساعدة في تجهيز العاملين بإزالة الألغام بشكل أفضل وقدرة على العمل في بيئات صعبة".

العملية لاقت استنكارا شديدا من قبل الحكومة الشرعية، وسخرية واسعة من قبل مراقبين، واصفين تلك العملية بالمهزلة الأممية التي تمارسها في العلن وأمام الناس جميعا.

الجميع يعلم بموجب تقارير وعمليات رصد لمنظمات حقوقية أن الحوثيين هم الطرف الوحيد الذي يقوم بزراعة الألغام، وسبق أن أصدرت وكالة الأنباء اليمنية بيانا قالت فيه إن الحوثيين زرعوا أكثر من مليون لغم، وأن برامج نزع الألغام التابعة للشرعية تمكنت من نزع وتفكيك حوالي 300 ألف منها.

ووفق مراقبين، فإن تلك الإستراتيجية التي تعتمد البطء والتدرج في تحولاتها، هي ذات الإستراتيجية التي ستقوم بتخدير الحكومة الشرعية، وتحوّل المجلس الانتقالي من ميلشيا إلى سلطة أمر واقع، يجب التعامل معها، والتصريح بعدم القدرة على العودة إلى وضع ما قبل الانقلاب.