فشل المخطط.. ماذا وراء اتهام قائد عسكري عراقي بالتخابر مع "CIA"؟

يوسف العلي | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

على خلاف المحافظات العراقية ذات الغالبية السنية، بقيت محافظة الأنبار بعيدة عن هيمنة المليشيات الشيعية، التي حلّت مكان تنظيم الدولة في المدن المستعادة من تحت سيطرة التنظيم، إلا أن محاولات بسط نفوذها لا تزال مستمرة رغم استقرار المدينة.

آخر محاولات تلك المليشيات، ما أقدمت عليه "كتائب حزب الله" في العراق من بث تسجيل صوتي على قناة "الاتجاه" الفضائية التابعة لها، تزعم فيه تخابر قائد عمليات الأنبار اللواء الركن محمود الفلاحي، مع عنصر من المخابرات الأمريكية "سي آي إيه".

هجمة منظمة

ويظهر في التسجيل المزعوم مطالبة عنصر الـ"سي آي إيه" من قائد عمليات الأنبار، تزويده بإحداثيات مواقع الجيش العراقي والقوى الأمنية والحشد الشعبي، مشددا وبالاسم على مواقع "كتائب حزب الله" في مدينة القائم الحدودية بشكل خاص وفي قاطع عملياته بصورة عامة.

وفور انتشار المقطع على مواقع التواصل الاجتماعي، أعلنت وزارة الدفاع العراقية، أن وزيرها نجاح الشمري، أمر بتشكيل لجنة تحقيق بعد تداول مقطع صوتي نسب لقائد عمليات الأنبار، محمود الفلاحي، بالتخابر مع الـ"سي آي إيه".

وذكر بيان للوزارة، أن "وزير الدفاع العراقي أمر بتشكيل لجنة تحقيق لمعرفة الحقائق بعد ظهور تسجيل صوتي في إحدى القنوات الفضائية، ينسب حسب ادعاء التقرير الإعلامي لقائد عمليات الأنبار اللواء الركن محمود الفلاحي".

وعلى نسق واحد، شنت الكتل السياسية الشيعية الممثلة لفصائل الحشد الشعبي، وتحديدا كتلة "الفتح" بزعامة هادي العامري، حملة تشويه منظمة ضد القائد السني في الجيش العراقي الذي يرأس قيادة عمليات الأنبار.

ورغم مشاركة رئيس الحشد الشعبي مستشار الأمن الوطني فالح الفياض، في التحقيق الذي فتحته وزارة الدفاع برئاسة القائد العام للقوات المسلحة رئيس الحكومة، إلا أن المتحدث باسم "الحشد" طالب بإشراك أحد القيادات فيه بمجريات التحقيق.

وقال علي الحسيني: إن "إشراك الحشد الشعبي بالتحقيق الجاري مع الفلاحي أمر مهم باعتبار الحشد جهة أمنية رسمية لا تختلف عن باقي الصنوف في المؤسسة العسكرية".

ولم يعترف المتحدث باسم الحشد بكل العناوين المشرفة على التحقيق، بل طعن في نزاهتها ونتائجها مقدما، بالقول: إن "إشراك الحشد يعطي ثقة، ويوضح القرار الذي يشترك فيه الجميع، فضلا عن إبعاد الشبهات والاتهامات عن مجريات التحقيق".

وادعى الحسيني، أن هناك محاولات لتسويف التحقيق وتبرئة الفلاحي، مشيرا إلى أن "وجود الحشد يقطع الطريق أمام كل المساعي التي تهدف إلى تسويف التحقيق أو تبرئة الفلاحي بضغوط سواء كانت داخلية أو خارجية".

مطالبة بالإعدام

وبعد ذلك، حمّل عضو تحالف "الفتح" كريم المحمداوي، قائد عمليات الأنبار، بالوقوف وراء القصف الأمريكي على مواقع الحشد الشعبي والشرطة الاتحادية، لافتا إلى أن "التسريب الصوتي أثبت أن القصف متعمد وحصل وفق إحداثيات عسكرية دقيقة".

ودعا المحمداوي، عائلات القتلى في القصف الأمريكي- الذي قالت قوات التحالف إنه وقع عن طريق الخطأ- للإسراع برفع الدعاوى القضائية بحق الفلاحي، لأنه خائن وثبُت تخابره مع القوات الأمريكية.

ووصلت الهجمة إلى أبعد من ذلك، فقد طالبت كتلة مليشيات "بدر" في البرلمان، بـ"معاقبة الفلاحي ومحاسبته بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى وتتبع كل خيوط معاونيه وطرق تجسسهم ومتابعة كل شبكات التجسس، وتفعيل دور المخابرات العراقية".

ودعت "بدر" على لسان النائب عنها حامد الموسوي، رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي إلى "عدم تسويف" قضية الفلاحي وضرورة "التحفظ عليه وعدم السماح لأية جهة بالاتصال به وعدم إعطائه حرية الحركة والتنقل والتحقيق العاجل من جهات رفيعة المستوى في صحة الأخبار والجريمة المنسوبة إليه".

ودعا الموسوي أيضا، إلى "مقاضاة أمريكا إذا ثبت تواطؤها، طبقا للأعراف والقوانين الدولية، والحد من تدخل سفارتها بالشأن الداخلي ومراقبة تحركات قواتها والإشراف على قواعدها العسكرية وعدم قيامها بأي أنشطة، إلا بموافقة الحكومة والتنسيق معها".

تبرئة وتهديد

وبعد حملة التصعيد ضد قائد عمليات الأنبار واتهامه بالخيانة العظمى، أعلن رئيس الحكومة عبدالمهدي، عدم صحة التسجيل المنسوب للفلاحي، وثبت في التحقيق أنه مقطع "مفبرك" بعد فحصه من جهة مختصة، والموضوع حُسم وأغلقت القضية.

ومع تبرئة الضابط العراقي التي أظهرتها نتائج التحقيق، أكد عبدالمهدي أن الوزير دفاع اتخذ قرارا بنقله إلى مكان آخر بعيدا عن قيادة عمليات الأنبار. ولم يتطرق رئيس الحكومة إلى أي إجراء بحق الجهات التي اتهمت الرجل بالخيانة وفبركت له تسجيلا صوتيا.

وأكثر من ذلك، فإن الأمر لم ينته عند مليشيات "كتائب حزب الله" في العراق، فقد أطلق تصريحات على لسان أحد قادتها، توعدت فيها الحكومة بعد تبرئة الفلاحي، وقالت إن "القضية لن تمر بهذه البساطة".

وقال أبو علي العسكري، إن "الضغوط الأميركية الكبيرة التي مورست على اللجنة المكلفة بالتحقيق مع قائد عمليات الأنبار، محمود الفلاحي، أتت ثمارها"، زاعما أن "تبرئة الفلاحي جاءت بعد ضغوط وصفقات مشبوهة مع السفارة الأمريكية وأدواتها في المنطقة".

وأردف العسكري، أن "تمرير الصفقات الأمريكية المشبوهة انتكاسة للقضاء العراقي واستخفاف بدماء الشهداء"، متوعدا بأن "المسألة لن تمر بهذه البساطة".

سعي للتمدد

"كتاب حزب الله" المنتشرة في نطاق محدود بمدينة القائم في الأنبار على الشريط الحدودي مع سوريا، أرادت على ما يبدو إزاحة الفلاحي من المشهد الأمني حتى تستطيع التمدد في المحافظة، كونه كان يشكل العقبة الوحيدة أمامها.

ونقلت تقارير إعلامية، تصريحات عن نائب في البرلمان العراقي من أبناء محافظة الأنبار، قوله إن "تلك المساعي مخطط لها منذ أشهر عدة، بعد معارضة الفلاحي تمدد نفوذ حزب الله في محافظة الأنبار".

وأكد النائب الذي لم تكشف التقارير عن هويته، أن "تلك الفصائل تسعى إلى فرض نفوذ على المواطنين وتحويل المدينة إلى نينوى أخرى، إذ هناك الكثير من المشاريع الاستثمارية، والكومشينات (عمولات)، والمقاولات وغير ذلك، أما بقية الفصائل الأخرى فلها عدة مواقع ضمن هيئة الحشد الشعبي الرسمية".

وأعرب البرلماني العراقي عن خشيته من استمرار مسلسل استهداف القيادات الأمنية بتلك الطريقة المخزية، وفبركة أفلام وتسجيلات صوتية على أنها لهم، دون وجود إثبات حقيقي لها، مشددا، "نحن مع محاسبة كل من تثبت عليه الخيانة".

ووفقا للتقرير، فقد طالب النائب بـ"محاسبة أولئك الذين يتجسسون على هاتف الضابط الفلاحي للحصول على المعلومات، من دون أن تتحرك الحكومة والسلطات المختصة لمحاسبتهم أو ملاحقتهم".

ورأى النائب، أن "وزارة الدفاع كان موقفها مخجلا، لأنها استجابت على وجه السرعة لتلك المزاعم، وفتحت تحقيقا عاجلا بالقضية، وكان الأجدر بها أن تتريث لحين ظهور دلائل أولية لتبدأ بعدها بالتحقيق، وليس من أجل فبركة أو منشور يتم التحقيق مع الضباط المهنيين، فهذه إهانة للمؤسسة العسكرية الرسمية".

سجل أسود

أما يحيى المحمدي النائب في البرلمان عن الأنبار أيضا، فقد أكد أن "نتائج التحقيق كانت مهنية لصالح المؤسسة العسكرية، وشككنا في مصداقية التسجيل منذ البداية لكونه خرج من قناة فضائية لا من مؤسسة عسكرية".

وأشار إلى أن الاعتراض كان على أمر القائد العام للقوات المسلحة لإجراء التحقيق، وطالبنا بضرورة المحافظة على هيبة المؤسسة العسكرية"، متهما "طرفا من أطراف الحشد الشعبي بفبركة التسجيل الصوتي لغايات معينة وصراعات سياسية".

وكان وزير الدفاع العراقي نجاح الشمري، قد رد على سؤال صحفي بشأن التحقيق مع قائد عمليات الأنبار السابق اللواء الركن محمود الفلاحي والتهم المنسوبة إليه، بالقول: إن "هناك لجنة شكلت وانتهت التحقيقات وانتهى الأمر، ولا يوجد لدينا قائد خائن في الجيش".

وتتهم قيادات سياسية سنية المليشيات الشيعية المنضوية تحت قوات الحشد الشعبي، بالهيمنة على المحافظات ذات الغالبية السنية ونهب مقدراتها وثرواتها، بعد استعادتها من تنظيم الدولة، ولا سيما في نينوى وصلاح الدين وديالى، وكذلك بمدينة جرف الصخر التابعة لمحافظة بابل.

وتواجه مليشيات "كتائب حزب الله" تحديدا، التي تدين بالولاء لإيران، اتهامات باختطاف نحو 3 آلاف مواطن سُني وتغييبهم قسرا في منطقة "جرف الصخر" التي لا تستطيع دخولها حتى الحكومة العراقية ممثلة برئيسها والوزراء، منذ استعادتها من تنظيم الدولة عام 2014.

واتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في سبتمبر/ أيلول 2015، مليشيات شيعية منها "كتائب حزب الله" في العراق بارتكاب جرائم وأعمال وحشية بحق مواطنين سنة في مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين واختطاف نحو 200 سُني، فيما أشارت إلى العثور على مقبرة جماعية قرب مكان الاختطاف.