ضغط الأزمات الداخلية.. هل يفجّر بركان ثورة جديدة في إيران؟

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يعتقد كثيرون أن الجبهة الداخلية في إيران متماسكة إلى حد كبير، وأن قيادة نظام الملالي تسيطر على مقاليد الأمور دون أزمات، وهو ما يساند طهران في مواجهاتها الخارجية وسط أجواء متوترة مع الولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي ومضيق هرمز.

لكن يبدو أن الصورة أكثر قتامة من ذلك بكثير، فتلك البلاد تسبح فوق نهر من الأزمات الداخلية، ربما تكون المشكلة الاقتصادية المتسببة في أغلبها العقوبات الأمريكية المفروضة منذ عقود أشدها وطأة، مع خليط من القضايا التي تهدد بانفجار لا يعلم أحد مداه.

صوت من الداخل

وسط موجات من التصعيد السياسي والدبلوماسي والعسكري بين إيران من جهة وأمريكا وبريطانيا من جهة أخرى، خرج صوت من قلب طهران، يحذر حكومتها من تغافل أزماتها الداخلية، في خضم الصراع الخارجي الذي تخوضه.

عبدالحميد إسماعيل زهي، أحد كبار العلماء السنة في إيران وإمام أهل السنة في مدية زاهدان، انتقد سياسات حكومة بلاده، ودعاها إلى مراجعة سياستها الخارجية وتغييرها، مشيرا إلى أن إيران تعيش أزمات داخلية وخارجية لم يسبق لها مثيل.

وفي حوار لموقع "سُنة أونلاين" الإخباري، الناطق الرسمي بلسان أهل السنة والجماعة في إيران، انتقد زهي دعم بلاده العسكري لدول أجنبية أو أقليات في دول إسلامية، قائلا: "يجب أن نكون حكماء، ويجب مراجعة وتغيير السياسة التي لا تعطي نتيجة، أو تهددنا".

وتابع: "إذا قمنا بدراسة للأزمات الخارجية، نجد أن أفضل طريقة لدعم الأقليات في البلاد الإسلامية، وكذلك دعم الأكثرية التي ضيعت حقوقها وتعرضوا للظلم والاضطهاد، هو الدعم السياسي والدبلوماسي.. فحسب".

وأشار إلى أن "الدعم العسكري من أي دولة خارجية أو حركة أو حزب سياسي أو طائفي ليس لصالح بلد من البلاد، ويضر بمصالحه الوطنية".

وشدد زهي على أن بلاده تواجه مشكلات في مجال الحرية السياسية والاجتماعية، ولا ينبغي منع حرية الصحافة والتعبير المتوافقة مع القوانين، موضحا أن القيود المفروضة على النقد البناء في الأنشطة السياسية للأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، هي إحدى أهم الأزمات الداخلية في البلاد.

واستطرد: "رغم مرور 40 عاما على قيام الدولة الإيرانية (بعد ثورة 1979)، إلا أن وضع أهل السنة فيها ليس جيدا، نحن نواجه العديد من أشكال الاضطهاد والتمييز، ولا يتم الاستفادة من إمكانات السنة في المناصب الرفيعة والعسكرية".

واشتكى زهي، من عدم وجود مساجد لأهل السنة بالعاصمة طهران، في الوقت الذي توجد فيه كنائس وأماكن عبادة لليهود والزرادشتيين، واعتبر أن منح الأقليات حريات دينية أمر جيد، إلا أنه يتم استثناء أهل السنة من ذلك!

سُنّة مضطهدون

كلمات خطيب أهل السنة في زاهدان سلطت الأضواء على أكثر المشاكل الداخلية تأزما في إيران، وهي ما يتعرض له أتباع المذهب السني من قمع واضطهاد أصّل له دستور دولة ما بعد الثورة، فنصت المادة 12 منه على أن "الإسلام هو دين إيران الرسمي طبقا للمذهب الجعفري الاثني عشري" وأن هذا المبدأ "غير قابل للتغيير إلى الأبد".

ووفق دراسة نشرها "المعهد الدولي للدراسات الإيرانية" في أبريل/نيسان الماضي، فإن المرشد الحالي للثورة الإيرانية علي خامنئي، رسّخ دسترة المظلومية التي يعاني منها أهل السنة عندما أرسل له عبدالحميد زهي رسالة تطالب برفع الظلم عنهم، فكان رد خامنئي أن الإطار الذي من المقرر أن يعمل المسؤولون وفقه لرفع التمييز ضد أهل السنة هو التعاليم الدينية والدستور، أي أنه تحاكم إلى نفس الدستور الذي يشكو منه أهل السنة الذين يشكلون في إحصائيات غير رسمية بين 10 و20 بالمئة من بين 80 مليون إيراني.

بعــد نجــاح الثــورة غضــب الأكـراد السـنة بســبب اسـتكمال سياسـات تهميشـهم وحرمانهـم مـن الثـروة والدولـة، ورغم مشـاركتهم في الثــورة وحفاوتهــم بها، لم يمنحهم الخميني الحرية لتعليم الإسلام السـني، ولم يسـمح للسـنة بـأن يكـون لهـم مسـجد في طهران، أو باســتخدام عوائــد البترول الكردســتاني في مناطقهم.

وقمعت سلطات الثورة رموز أهل السنة، ومن أبرزهم أحمد مفتي زادة، الذي اعتقل لعشرة أعوام وتوفي بعد خروجه أعمى بأيام، نتيجة ما لاقاه من تعذيب، بسبب احتجاجه على نكوص الخميني بتعهداته لأهل السنة.

تلك الممارسات امتدت لتلاميذ ومريدي زادة، ولاحقت بعد ذلك كل من يرفع صوته برفع الظلم عن أهل السنة، وفي تعليقـه عـلى رسـالة وجههـا النـواب السـنة في البرلمان إلى الرئيـس حسـن روحـاني طالبـوه فيهـا بتخصيص مقاعـد لهـم في الحكومـة بعـد اسـتقالة 3 وزراء، قـال إن حل مشـكلة الأقليات ليـس مـن صلاحياته.

وفي رسالة للشــيخ عبــدالحميـد زهي إلى محسـن آراكي الأمين العام لمجمع التقريب جـاء فيهـا لفـت نظـره إلى الاعتقالات العشوائية والمسيّسة ضد رموز أهل السنة، وقال: "اســتدعاء علـماء أهــل السـنة واعتقالهـم في السـنوات الأخيرة والمشكلات الأخرى المذكورة جعلـت أهـل السنة تشــعر بالانــزواء، وألّا يروا أفقــا مشرقا لهم ولأولادهم".

وبتتبع التقارير التي ترصد الأحداث الأمنية في ترصد الأحداث الأمنية في إيران، نجد أن ملاحقة العناصر السنية والكردية والأقليات بصفة عامة إستراتيجية ممنهجة لدى السلطات الإيرانية، فعلى سبيل المثال أعدمت السلطات 25 سنيا كرديا في أغسطس/آب 2016 بعد تعذيبهم بوحشية.

وفي الشهر نفسه شهدت محافظة خوزستان جنوب غرب إيران ثالث حالة إعدام من عرب الأحواز بتهمة الإرهاب، وهي الأحكام التي تصدر دون أي ضمانات محاكمة عادلة للمتهمين، أو إجراءات تقاض طبيعية، بحسب الدراسة سالفة الذكر.

الأحواز العربية

وكما تضطهد أقلية أهل السنة، فإن قمع السلطات الإيرانية يمتد إلى الشعب الأحوازي العربي ففي عام 1925، أهدت الإمبراطورية البريطانية إقليم "عربستان" إلى إيران، لتصبح الدولة الفارسية محتلة لإقليم عربي مسلم.

"الأحواز" بالعربية أو "الأهواز" بالفارسية "عربستان" سابقا، مسميات واحدة لإقليم عربي حتى النخاع يرزح تحت الاحتلال الإيراني الغاشم، الذي تتجدد بين الحين والآخر جرائمه بحق العرب الأحوازيين.

وتُعد الأحواز امتدادا للجغرافيا العربية، فهي تتصل غربا بالأراضي العراقية وجنوبا تطل على الخليج العربي، ويمثل نفط الأحواز شريان الحياة الأساسي والأهم لإيران، إذ يصدر الإقليم قرابة 80% من نفط إيران وغازها الطبيعي، كما يعد الإقليم أكبر مسطح سهلي خصب في  إيران.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 شهدت مدينة لاهاي الهولندية اغتيال أحمد مولى، رئيس "حركة النضال العربي لتحرير الأحواز" (حزم)، واتهم مسؤول المكتب الإعلامي للحركة عادل السويدي، إيران وأتباعها بالوقوف وراء عملية اغتيال الرجل الذي تضعه السلطات الإيرانية على قوائم المطلوبين لديها منذ عام 2010.

"حركة النضال العربي لتحرير الأحواز" هي إحدى الحركات الأحوازية النشطة داخل الأحواز، وأنها تعرف بكفاحها المسلح ضد السلطات الإيرانية، وأعدمت إيران العشرات من قادتها وكوادرها خلال السنوات العشرة الماضية.

سياسة الاضطهاد، تشمل العرب السنة والشيعة فلم ينجح التشيع بحماية هؤلاء من ممارسات الأنظمة المتعاقبة، ولاسيما النظام الحالي الذي يدّعي حماية أقليات مذهبية في المنطقة لكنه استمر في سلب الشيعة العرب في إيران حقوقهم.

ومسيرة العرب في إيران تحفل بأكثر من 16 انتفاضة، لعل أبرزها ثورة "جنود الأمير خزعل" عام 1925 التي انتهت بقتل المئات من القيادات، والحراك الذي انطلق عام 2005 بعد تسريب وثيقة من مكتب الرئيس الإيراني حينها، محمد خاتمي.

وتنص الوثيقة، طبقا لراضي، على تهجير نصف سكان المناطق العربية واستبدالهم بالفرس بغية تغيير ديمغرافية المنطقة، في خطوة تؤكد أن معاناة العرب استمرت في ظل النظام الإيراني الجديد الذي استلم زمام الحكم بعد ثورة الخميني عام 1979.

واستمر النظام في سياسة تهجير العرب من الأحواز، أي محافظات خوزستان وهرمزكان وبوشهر، عبر سلب الفلاحين أراضيهم وحرمان النخب من التوظيف لدفعهم إلى الانتقال إلى عمق الأراضي الإيرانية والتخلي عن مناطقهم لصالح الفرس.

ورغم أن معظم نفط وغاز إيران، وفق "المركز الأحوازي للإعلام والدراسات"، مصدره المحافظات الثلاث، إلا أن السكان العرب يعانون من فقر شديد، حيث يخصص لهم النظام حصة من عوائد الثورة الطبيعية ويتعمد تجاهل تنمية مناطقهم.

وبالإضافة إلى حرمان مناطقهم من التنمية وسياسية التمييز العنصري و"الترانسفير"، تحظر السلطات الإيرانية على الأحزاب والتيارات العمل وفق الأطر القانونية، وتمنع العرب من المشاركة في العملية السياسية إلا لمن ثبت ولاؤه للنظام.

اقتصاد ينهار

يمر الاقتصاد الإيراني بحالة ركود غير مسبوقة، فيما تواصل العملة الإيرانية انهيارها، وجاءت إعادة فرض العقوبات الأمريكية على طهران مايو الماضي لتعمّق من الأزمة، بحيث صار من المتوقع أن يصل التضخم هذا العام إلى نحو 50 بالمئة، وفق توقعات صندوق النقد الدولي، وذلك بفعل تشديد العقوبات الأمريكية على صادرات النفط.

ومن المتوقع أن تتفاقم أزمة الاقتصاد الإيراني مع العقوبات التي أمر بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بموجب إستراتيجية "الضغط القصوى" ضد النظام في طهران، حيث أنهى الإعفاءات التي سمح بموجبها لثماني دول بشراء النفط الإيراني، بهدف تحقيق "صادرات صفر" من الخام في هذا البلد، بحسب ما أعلن البيت الأبيض.

إضافة إلى ذلك، انخفضت قيمة الريال الإيراني مقابل الدولار العام الماضي بحدود 60 بالمئة، مما أدى إلى تآكل مدخرات الإيرانيين، وبالتالي مسارعتهم إلى شراء العملات الصعبة، في ظل ارتفاع أسعار السلع المستوردة.

وحتى الآن، كلفت العقوبات الأمريكية على إيران بالفعل حوالي 10 مليارات دولار من عائدات النفط، ويتوقع الخبراء أن يؤدي التباطؤ الاقتصادي في إيران، إلى تأجيج السخط في أوساط الشعب.

تلك الأزمة، تسببت العام الماضي في امتداد الاضطرابات والاحتجاجات إلى صفوف التجار في طهران، الذين يصنفون باعتبارهم المؤيدين التقليديين للنظام، جراء تضرر أعمالهم بقوة.

يترافق الركود الاقتصادي الإيراني مع حجم الفساد الهائل داخل أروقة النظام، وتكشف المؤشرات الإحصائية في مختلف المجالات، أن إيران لا تزال تعاني وبقوة في كافة المجالات الاقتصادية، خاصة على صعيد حرية التجارة وحجم التدخل الحكومي في الاقتصاد.

تقرير متخصص ساهمت في تحضيره 6 مؤسسات دولية تنشط في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية والأبحاث، كشف أن "إيران احتلت في عام 2012 في المجمل المرتبة 102 بين 142 بلدا".

فمن ناحية الأمن الشخصي احتلت المرتبة 125، وفي مجال الحريات الشخصية المرتبة 125، والاستثمار الاجتماعي المرتبة 121، والاقتصاد المرتبة 70، وخلق فرص العمل المرتبة 95، والتعليم المرتبة 57، والصحة المرتبة 66، بحسب التقرير.

خبراء يعزون تردي الاقتصاد الإيراني إلى سيطرة الحرس الثوري عليه، حيث تحول إلى ذلك بدلا من كونه أكثر المؤسسات العسكرية الإيرانية كفاءة ويد إيران الطولى للتدخل والتوسع في منطقة الشرق الأوسط وما وراءها، والقبضة الحديدية لقمع المعارضين.

"مقر خاتم الأنبياء" (الجناح الاقتصادي للحرس الثوري) يعد أكبر مقاول في إيران، حيث يضم 812 شركة في إيران وخارجها، وله أسهم كبيرة في عدد من البنوك والمصافي ومصانع السيارات والبتروكيماويات والألمنيوم والصناعات البحرية وصناعة الجرارات والصلب والحديد ومصانع الأدوية والمطاحن وشركات الحفر والصناعات الغذائية.

حقوق وحريات غائبة

تأتي إيران في طليعة الدول التي تواجه انتقادات حادة من المجتمع الدولي والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان، بسبب الانتهاكات الواسعة التي توثقها تلك المنظمات.في العام 2018 وحده، اعتقل النظام الحاكم، الذي يقوده رجل يوصف بأنه إصلاحي، هو حسن روحاني، أكثر من 7 آلاف ناشط سياسي ومنتقد للنظام، وفقا لتقرير منظمة "العفو" الدولية، وشارك أكثر من نصف هؤلاء المعتقلين في احتجاجات مناهضة للحكومة اجتاحت إيران عامي 2017 و2018.

وقال مدير الأبحاث في منظمة "العفو" الدولية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فيليب لوثر: إن "حجم الاعتقالات وحالات السجن وأحكام الجلد تكشف عن مدى التطرف الذي سلكته السلطات في قمع المتظاهرين السلميين".

وقال المحقق التابع للأمم المتحدة أحمد شهيد، إن إيران أعدمت ما يقرب من ألف سجين عام 2015، بينهم سجناء سياسيون وهو أعلى رقم في عقدين.

وأضاف في تصريحات صحفية، أن المئات من الصحفيين والمدونين والنشطاء والشخصيات المعارضة يقبعون في سجون ومنشآت احتجاز إيرانية. وفي أغسطس/آب 2016 انتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تنفيذ حكم الإعدام شنقا بحق عشرين سجينا سنيا في إيران، في واحدة من أكبر عمليات الإعدام الجماعية بهذا البلد، ووصفتها بأنها "وصمة عار" في سجلها الحقوقي.

وأضافت، أنه "مع تنفيذ 230 حكما بالإعدام على الأقل منذ الأول من يناير/كانون الثاني 2016، فإن إيران تصبح مرة أخرى الدولة التي تنفذ أكبر عدد من الإعدامات في المنطقة"، وبحسب تقرير المنظمة لعام 2014، فإن السيدات والأقليات العرقية والدينية في إيران، يتعرضون للتمييز في القانون والممارسة.

الدولة الايرانية‏، سعت كذلك إلى تشديد القوانين والقيود على الصحافة ووسائل الإعلام، وتوقيف مديري الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي.