غضب إسرائيلي.. ما أسباب ودلالات تعيين السعودية أول سفير لدى سلطة عباس؟

حسن عبود | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في خطوة أثارت انتقادات إسرائيلية حادة، تسلمت السلطة الفلسطينية في 12 أغسطس/ آب 2023، نسخة من اعتماد أول سفير للمملكة العربية السعودية، غير مقيم لديها.

وبرزت حالة من الاستغراب والتضارب في المعلومات بعد تصريحات إسرائيلية رسمية عن عدم علمها المسبق بالخطوة وسط أحاديث متواترة عن قرب تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب.

وهذه أول مرة تعين فيها السعودية سفيرا لها لدى السلطة الفلسطينية يكون أيضا قنصلا عاما في القدس، وهو ما أثار غضب إسرائيل التي تعد المدينة المحتلة عاصمة مزعومة لها.

 علما أنه كان للمملكة قنصلية عامة في القدس، لكنها أغلقت مع احتلال إسرائيل للمدينة عام 1967 حيث كانت الضفة بما فيها القدس الشرقية، تخضع لإدارة أردنية آنذاك.

غضب إسرائيلي 

وقالت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا) إن "مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الدبلوماسية مجدي الخالدي، تسلم نسخة من أوراق اعتماد سفير الرياض لدى الأردن نايف السديري، سفيرا مفوضا وفوق العادة للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لدى دولة فلسطين، وقنصلا عاما للمملكة في القدس".

وأضافت: "سيجرى تسليم أوراق الاعتماد الأصلية إلى رئيس دولة فلسطين محمود عباس، في القريب العاجل". وحسب قولها، جاء ذلك خلال استقبال الخالدي، السفير نايف السديري، بمقر سفارة دولة فلسطين لدى الأردن. 

وقال الخالدي عقب اللقاء: "نرحب بسفير المملكة العربية السعودية، مؤكدين أن هذه الخطوة المهمة ستسهم في تعزيز العلاقات الأخوية القوية والمتينة التي تربط البلدين والشعبين".

وأعرب نيابة عن الرئيس الفلسطيني، عن "شكر فلسطين وتقدير شعبها وقيادتها لمواقف السعودية الثابتة تجاه الشعب الفلسطيني، وإسنادها الدائم للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية كافة". 

كما ثمن "حرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان على هذه الخطوة المهمة، على طريق تعزيز العلاقات الأخوية في مختلف المجالات التي تخدم البلدين والشعبين".

من جانبه، قال السديري في تصريحات تلفزيوينة، إن "هذه الخطوة مهمة ولها دلالات كبيرة على حرص المملكة لتعزيز العلاقات مع الأشقاء في دولة فلسطين".

وأضاف أن "هذه الخطوة لها تبعات تفيد الفلسطينيين لتنظيم العلاقات وإعطائها دفعة ذات طابع رسمي في المجالات كافة سواء السياسية أم الاقتصادية والاجتماعية".

وختم قائلا: "نتطلع إلى مستقبل واعد لهذه العلاقات وتكون كما كانت وأفضل إن شاء الله".

ردا على ذلك، تعهد وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في اليوم التالي، بعدم السماح لأي دولة بفتح ممثلية دبلوماسية في شرق القدس تكون معتمدة لدى السلطة الفلسطينية. 

وفي الآونة الأخيرة، تزايدت التصريحات الإسرائيلية الرسمية بشأن مفاوضات لتطبيع العلاقات مع السعودية بوساطة أميركية.

غير أن السعودية اشترطت في أكثر من مناسبة، حل القضية الفلسطينية أولا، قبل أي عمليات تطبيع مع إسرائيل، على حد قولها، بينما يقول إعلام أميركي إنها تشترط أشياء أخرى تتعلق بأمنها. 

وقال وزير الخارجية الإسرائيلي في مع إذاعة 103fm: "لم ينسقوا (السعوديين) معنا ولا يحتاجون إلى التنسيق معنا، لن نسمح بفتح أي ممثلية دبلوماسية للفلسطينيين بشكل فعلي بالقدس".

ورأى أن الخطوة التي أقدم عليها السعوديون "بمثابة رسالة للفلسطينيين بأنهم لم ينسوهم على خلفية التقدم في مفاوضات التطبيع" بين الرياض وتل أبيب، مضيفا: "لا نسمح للدول بفتح قنصليات (بالقدس)، هذا لا يناسبنا".

وتابع كوهين: "القضية الفلسطينية ليست رئيسة في المحادثات (..) لقد تمكن حزب الليكود بقيادة (بنيامين) نتنياهو من جلب اتفاقيات السلام السابقة (مع الإمارات والبحرين والمغرب)، وأثبتنا أن الفلسطينيين ليسوا عائقا أمام السلام، هذا ليس الأمر الذي سيمنع توقيع اتفاق تطبيع مع السعودية".

وهو ما أكد عليه نتنياهو مرارا، بالقول إن المصلحة السعودية تكمن في التطبيع مع إسرائيل، وزعمه أن القضية الفلسطينية ليست أولوية قصوى للمملكة، وأن ملف إيران هو ما يهمها.

أسباب الخطوة

في تعليقها على الأمر، توقعت صحيفة "يسرائيل هيوم" أن يكون قرار السعودية تعيين سفير لها لدى السلطة الفلسطينية مقدمة للتطبيع مع إسرائيل.

ويرى محللون من بينهم الخبير في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي أن ما يعضد ذلك هو أن نظام الحكم في الرياض معني بتقديم بادرة حسن نية للفلسطينين لتقليص تأثير قرار التطبيع (المحتمل) مع تل أبيب، وفق ما قال في تغريدة على منصة إكس.

وعلى ذات الخط، نقلت صحيفة معاريف العبرية عن مصادر دبلوماسية إسرائيلية، أن تعيين السفير السعودي خطوة "تحمل إشارة سعودية للفلسطينيين، مفادها أننا نسير في اتجاه التطبيع مع إسرائيل".

ودللت على ذلك بالقول إن "إسرائيل أبلغت مسبقا بالخطوة، وأن تعيين السفير السعودي لدى السلطة لم يكن مفاجئا".

وكشف ثلاثة مسؤولين إسرائيليين وأميركيين، عن إرسال نتنياهو أحد معاونيه المقربين إلى واشنطن، لمناقشة مساعي إدارة الرئيس جو بايدن بشأن التطبيع مع السعودية، بحسب ما نشر موقع أكسيوس الأميركي في 11 أغسطس/ آب.

ونقل الموقع عن مسؤول أميركي لم يسمه، قوله؛ إن وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، من المرجح أن يصل إلى واشنطن في 17 أغسطس لمناقشة الجهود الدبلوماسية بشأن التطبيع بين تل أبيب والرياض.

وأوضح أن كلا من مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، وكذلك مستشار بايدن الأول للشرق الأوسط، بريت ماكغورك، وكبير مستشاري الرئيس للطاقة، آموس هوكستين، هم المسؤولون الرئيسون في ملف التطبيع بين السعودية والاحتلال.

وهو ما أكدته صحيفة معاريف بالقول إنه "من المقدر في إسرائيل أن تعيين السفير جرى في توقيت مقصود، استعدادا للمحادثات التي يتوقع أن يعقدها الوزير ديرمر في واشنطن".

لكن رغم هذه الخطوات، رأت الصحيفة أن التعيين "زاد من التعقيدات الناتجة عن الرسائل المتضاربة حول تقدم المفاوضات لتطبيع العلاقات السعودية-الإسرائيلية بوساطة أميركية".

إذ تعتقد أن التعيين قد يكون له أهداف أخرى، من بينها الإشارة إلى أن القضية الفلسطينية لم تسقط من الأجندة السعودية وأنها ستظهر على الأرجح في قائمة مطالبهم في أي اتفاق محتمل مع إسرائيل.

ومن بين الأسباب التي قد تكون تقف وراء الخطوة، رغبة السعودية بإرسال رسالة إلى الأردن، الوصية على شؤون المقدسات الإسلامية في القدس، باهتمامها في إثبات حضورها هناك مهما كلف الأمر، وفق تقدير معاريف.

الشروط والمطالب

بدوره، قال المحلل السياسي الفلسطيني إبراهيم المدهون إن القرار السعودي يعود إلى رغبة السعودية بتفعيل دورها الإقليمي والاهتمام أكبر بالقضية الفلسطينية.

وأضاف لـ"الاستقلال" أن السعودية تريد لعب دور أكثر تأثيرا في هذه المرحلة عبر القضية الفلسطينية، وسط تطلعها أيضا للحصول على امتيازات من الولايات المتحدة وإسرائيل مثل تطوير برنامج نووي سلمي وتعزيز مقاتلاتها.

وعد تعيين السفير خطوة إيجابية في تعزيز العلاقة مع المكونات الفلسطينية، ولكنها لا تكفي، مبينا أنه يجب أن يكون للمملكة علاقات مع جميع مكونات الشعب الفلسطيني وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية "حماس".

وتابع المحلل السياسي: "هناك تطلع لأن يكون دور للسعودية كما يوجد دور قطري في إعادة إعمار غزة والمنح المالية ورعاية الخدمات في قطاعي التعليم والصحة".

وعن مدى ارتباط الخطوة بالتطبيع مع إسرائيل، لفت المدهون إلى أن الجميع بات يدرك بوجود مفاوضات بهذا الشأن، لكنه رأى وجود تطور في الأداء السعودي.

وبين أن "السعودية حتى اللحظة لديها موقف ثابت بأن تكون هناك دولة فلسطينية مقابل التطبيع، وهذا ما يرفضه الاحتلال الذي يحاول التغلغل داخل النظام السعودي والتأثير عليه سلبا والسطو على خيرات الأمة ومنها النفط وتقليص أدوار الدول النشطة إقليميا".

وأكدت السعودية مرارا في تصريحات مسؤوليها الرسمية، أن تطبيع العلاقات مع تل أبيب مرهون بتطبيق مبادرة السلام العربية، التي أطلقها الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز عام 2002.

وتنص الاتفاقية على إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود 1967 عاصمتها "القدس الشرقية"، وعودة اللاجئين وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات معها.

وكان وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، قال مطلع أبريل/نيسان 2021 إن بلاده "تؤمن بأن التطبيع مع إسرائيل سيفيد الجميع ولكن بدون سلام للفلسطينيين فإن فوائد (هذه الخطوة) ستكون محدودة"، مؤكدا على "ضرورة الاستمرار في جهود توفير السلام".

بدوره، يرفض نتنياهو تقديم تنازلات مقابل توقيع اتفاق التطبيع، أو إقامة دولة فلسطينية، ويقول إن المسألتين منفصلتان.

وقال في مقابلة أجرتها وكالة "بلومبيرغ" الأميركية ونشرتها، في 7 أغسطس 2023، إنه "إذا كانت هناك رغبة، فستكون هناك طريقة سياسية لتحقيق التطبيع والسلام الرسمي بين إسرائيل والسعودية".

وبحسب نتنياهو فإنه يمكن لـ"إسرائيل والسعودية العمل على تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية، حتى لو لم يتبادل البلدان الاعتراف".

وأضاف: "يبدو لي أننا سنكون قادرين على تحقيق ذلك بغض النظر عما إذا كان السلام قد تم رسميا بيننا أم لا".

وحول سؤال عن التنازلات التي يمكن أن يقدمها في هذا الإطار، أجاب نتنياهو: "سيكون هناك طريق سياسي لتحقيق التطبيع وسلام رسمي بين السعودية وإسرائيل.. أراهن على ذلك لكن لا أضمن ذلك".

وتابع: "ما لا أريد تقديمه هو أي شيء سيعرض أمن إسرائيل للخطر، ولكن هناك مساحة كافية لمناقشة الاحتمالات"، في إشارة إلى رفضه فكرة الدولة الفلسطينية.

على الجانب الآخر، خلص الأميركيون إلى أن الرياض لن تكتفي بوعود يطلقها نتنياهو بعدم ضم الضفة الغربية، بل تطالب باتخاذ إجراءات ملموسة على أرض الواقع، وفق تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية مطلع أغسطس.