على غرار "الأوروبي".. هل تقود تركيا وماليزيا المسلمين للاتحاد؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"الدول الإسلامية تعيش مرحلة استثنائية في الوقت الراهن"، بهذه الكلمات اختتم رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد زيارته إلى تركيا، التي جاءت بدعوة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وحسب بيان دائرة الاتصال في الرئاسة التركية "تم خلال الزيارة مناقشة العلاقات الثنائية بين البلدين، خصوصا في مجال التعاون الدفاعي، واتخاذ الخطوات اللازمة لتعزيز التعاون في كافة المجالات".

وناقش الزعيمان مهاتير وأردوغان مختلف القضايا التي تهم البلدين على الصعيدين الإقليمي والدولي، خلال الزيارة التي بدأت في 24 يوليو/ تموز 2019، واستمرت أربعة أيام.

وبعث مهاتير محمد، برسالة من إسطنبول إلى معظم أرجاء العالم الإسلامي، عندما شدد على ضرورة استقلال البلدان الإسلامية، معربا عن ثقته في أن "التعاون بين ماليزيا وتركيا سينقذ الأمة الإسلامية من الضغوط التي تتعرض لها". 

وتلعب تركيا وماليزيا دورا محوريا في منظمة مجموعة الثماني للدول الإسلامية النامية، التي أسسها قبل عقود الزعيم التركي الراحل نجم الدين أربكان، بهدف تعزيز الوحدة بين الشعوب الإسلامية على غرار الاتحاد الأوروبي، وتحقيق نهضة تواكب الصعود الغربي المهيمن على العالم بحسب الأهداف التي وضعها أربكان. 

علاقات وثيقة

العلاقات التركية الماليزية ضاربة في أعماق التاريخ، وبدأت تحديدا في العام 1511، عندما طلب السلطان أحمد شاه سلطنة ملقا "ماليزيا" المساعدة العسكرية من الدولة العثمانية، عقب احتلال البرتغاليين لها.

وشكلت حرب الاستقلال التركية التي قادها مصطفى كمال أتاتورك، وتأسست على إثرها الجمهورية التركية الحديثة عام 1923، مصدر الإلهام للحركات التحررية في شبه جزيرة ملايو ضد المحتل البريطاني في ذلك الوقت.

ومنذ صعود حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى سدة الحكم عام 2003، توثقت العلاقات بين أنقرة وكوالالمبور على كافة الأصعدة.

وفي 2014 وقّع الجانبان اتفاقية للتجارة الحرة، أتاحت نقلة نوعية في التعاون الاقتصادي، والصناعي بين البلدين. وحسب وكالة الأناضول التركية ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من 296.9 مليون دولار، ليصل إلى مليار دولار. 

وفي العام 2017 وصل حجم التجارة الخارجية بين البلدين إلى 3.4 مليارات دولار. كما اشترت ماليزيا أسهم مطار "صبيحة غوكشن" في الجانب الآسيوي من مدينة إسطنبول، بالإضافة إلى مجموعة "أجي بادم" لاستثمارات الصحة في تركيا.

وقامت شركة "أسيلسان" التركية للصناعات العسكرية والإلكترونية، بافتتاح شعبة لها في ماليزيا، وواصلت بيع سلاح "الحارس" عيار 30 ملم الذي يمتلك خاصية التحكم عن بعد، داخل الدولة الماليزية. 

تعاون عسكري 

في 28 يوليو/ تموز 2019، قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد، بزيارة إلى مقر شركة "بيكار" التركية المتخصصة في تقنيات الطائرات المسيّرة.

وتوجه أردوغان ومهاتير عقب الإفطار إلى مقر الشركة الكائن بمنطقة "هادم كوي" في قضاء منطقة "بيلك دُوزو" بواسطة مروحية. وأجرى الرئيس التركي وضيفه جولة داخل مقر الشركة تفقدا خلالها سير العمل في الشركة التي تعد رائدة في مجال تصنيع الطائرات المسيرة التكتيكية. 

وتفوقت الشركة التركية في صناعة الطائرات المسيرة الاستطلاعية والهجومية وبدأت بتصديرها إلى عدد من الدول حول العالم، وقالت مصادر تركية إن "ماليزيا تفكر باقتناء الطائرة التركية".

وقام إسماعيل ديمير، رئيس شؤون الصناعات الدفاعية في الرئاسة التركية، بمرافقة رئيس الوزراء الماليزي في جولات إلى أبرز مصانع الأسلحة التركية، خلال الزيارة التي ركزت على بحث التعاون في الصناعات الدفاعية بين البلدين.

كما زار مهاتير شركة الصناعات الجوية والفضائية "توساش"، واطلع على معلومات حول منتجات الصناعات التركية، ونظم له استعراض خاص لعدد من الطائرات التركية أبرزها مروحية "أتاك"، وطائرتي "حرقوش" و"العنقاء"، وترغب أنقرة في أن تحصد تركيا مبيعات أكبر لطائرتها الهجومية "أتاك". 

صناعات دفاعية 

من أبرز المشتركات في الصناعات العسكرية والدفاعية بين البلدين، قيام مجموعة FNSS للصناعات الدفاعية التركية، تسليم مدرعات قتالية إلى القوات البرية الماليزية، في إطار مشروع شراكة بين البلدين لصناعة مدرعات قتالية متطورة.

ووقّعت المجموعة التركية اتفاقية مع شركة "DRB-HICOM" لتكنولوجيا الصناعات الدفاعية الماليزية في 2011، لتنفيذ مشروع تطوير مدرعة قتالية تناسب التضاريس الجغرافية لماليزيا.

وفي إطار الشراكة، تمكنت المجموعة التركية من تطوير وصناعة المدرعة "إيه في-8 تي زد إيه" ثمانية الدفع، بالاعتماد على نموذج المدرعة القتالية التركية "بارص" (الفهد – Pars).

ومنذ 2011، سلمت المجموعة التركية إلى القوات البرية الماليزية نحو 118 مدرعة من طراز "إيه في-8 تي زد إيه". ويعتبر المشروع من أكبر صفقات بيع الأنظمة الدفاعية بالنسبة لتركيا، بقيمة تبلغ 559 مليون دولار أمريكي، ويتضمن المشروع صناعة مدرعات بـ12 طرازا مختلفا.

أعمدة الحضارة

في 26 يوليو/ تموز 2019، قال رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، في مؤتمر صحفي بالعاصمة التركية أنقرة، عقده مع الرئيس رجب طيب أردوغان، إنه "عبر توحيد عقولنا وقدراتنا، يمكننا النهوض بالحضارة الإسلامية العظيمة التي كانت موجودة يوما ما، وذلك بالعمل المشترك بين ماليزيا وتركيا، وبالتعاون مع باكستان في الوقت ذاته".

وأكد أنه "يجب على هذه البلدان الإسلامية أن تكون جميعها متطورة، وينبغي على دولة ما أن تحقق هذا الهدف،  واستكمل "نرى أن تركيا بلد مرشح في هذا الشأن".

وشدد مهاتير على "ضرورة استقلال البلدان الإسلامية، معربا عن ثقته في أن التعاون بين ماليزيا وتركيا سينقذ الأمة الإسلامية من الضغوط التي تتعرض لها". وقال: إن "بلاده ستبقى صديقة لتركيا، وأن بلاده تتقاسم مع تركيا المنظور نفسه تجاه العديد من القضايا، خاصة إزاء فلسطين". 

من جانبه، أعرب أردوغان عن "سعادته لاستضافة رئيس الوزراء الماليزي ووفده المرافق في أنقرة، مشيرا أن مهاتير محمد رجل دولة بامتياز، وساهم بشكل كبير في نهضة بلاده".

وقال الرئيس التركي: "في إطار شراكتنا الحوارية مع رابطة دول جنوب شرق آسيا، نولي أهمية كبيرة لماليزيا، لأننا نتبنى مواقف مشتركة حيال العديد من القضايا أهمها القضية الفلسطينية ومعاناة مسلمي الروهينغا في ميانمار، وسنعزز تعاوننا مع ماليزيا لإيجاد حلول لتلك الأزمات.

وأكد أردوغان أن "بلاده ستواصل دعمها للآلية الثلاثية التركية الباكستانية الماليزية، المكونة بتوجيهات رئيس الوزراء الماليزي". 

وذكر: "هناك إمكانات تجارية كبيرة لدى الطرفين تنتظر الاستثمار، واليوم بحثنا سبل زيادة الاستثمارات والتبادلات التجارية والتعاون في مجال الصناعات الدفاعية، وهدفنا الوصول إلى 5 مليار دولار في تبادلاتنا التجارية".

وأعرب الرئيس التركي عن "أمله في مواصلة الشركات الماليزية الاستثمار في تركيا، مشيرا أن رئيس الوزراء الماليزي اطلع على قدرات شركات الصناعات الدفاعية التركية خلال زيارته الحالية". 

وقال أردوغان: "بحثنا سبل تعزيز العلاقات بين تركيا وماليزيا اللتين تعتبران أهم دولتين في مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية(D-8)". 

مجموعة الثماني 

ربطت علاقات متينة بين مهاتير محمد، ورئيس الوزراء التركي السابق نجم الدين أربكان، إذ تعاون الاثنان في تأسيس مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية (D-8). 

وسعى أربكان إلى الانفتاح بقوة على العالم الإسلامي، وأعلن أنه يريد "استعادة دور تركيا الإسلامي القيادي"، ثم أعلن عن تشكيل مجموعة دول الثماني الإسلامية التي تضم إلى جانب تركيا أكبر سبع دول إسلامية: إيران وباكستان وإندونيسيا ومصر ونيجيريا وبنغلاديش وماليزيا.

وفي 15 يونيو/ حزيران 1997، تم تأسيس مجموعة الدول الثماني الإسلامية في تركيا، بهدف تدعيم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين دول المنظمة.

وتعمل المجموعة على تحسين موقف الدول النامية في الاقتصاد العالمي لتكون نظيرا للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وتنويع وخلق فرص جديدة في العلاقات التجارية، وتعزيز المشاركة في صنع القرار على الصعيد الدولي، وتوفير أفضل مستويات المعيشة في المجالات الرئيسية للتعاون التي تشمل المالية، والخدمات المصرفية، والتنمية الريفية والعلوم والتكنولوجيا، والتنمية الإنسانية، والزراعة، والطاقة، والبيئة، والصحة.

وفي 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، انطلقت القمة التاسعة لمجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية، في مدينة إسطنبول تحت شعار "زيادة الفرص من خلال التعاون".

الرئيس أردوغان قال خلال القمة: "البعض يحاول عمدًا ربط الإرهاب بالإسلام والمسلمين، ويجعلون من الجرائم التي يرتكبها قطعان القتلة من عناصر المنظمات الإرهابية كداعش (تنظيم الدولة) وغولن والشباب أداة في أيدي أعداء الإسلام". 

وأكد: "عندما أسسنا هذه المنظمة قلنا فليعم السلام مكان الحرب والحوار مكان الصراع والعدل مكان الكيل بمكيالين. تصورنا أن تتغلب المساواة على الامتيازات والتقاسم على الاستغلال، وأن تحل حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية بدلًا من القهر والقمع والهيمنة". 

وفي 21 يناير/ كانون الثاني 2019، قال الأمين العام لـ "مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية" السفير داتو كو جعفر كو شاري: إن "المجموعة طوّرت بطاقة دفع تدعى (D8P Card)، انطلاقا من فكرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول استخدام الدول الأعضاء، العملات المحلية في التعاملات التجارية فيما بينها". 

ولفت شاري إلى نداء أطلقه الرئيس التركي العام الماضي، حول استخدام العملات المحلية في التبادلات التجارية بين دول "D-8". مبينا أنه إثر مقترح أردوغان قامت شركة ماليزية بالعمل على صناعة بطاقة "D8P Card" للدفع.

وأضاف الأمين العام: إن "الرئيس أردوغان قدّم اقتراحا لإنشاء هيكل تحت مسمى العملة المحلية في التجارة أو غرفة المقايضة، وعلى إثره تم اقتراح استخدام بطاقة تدعى D8P Card صنعت من قبل شركة ماليزية".