موقع بريطاني: هكذا تغلبت تركيا على واشنطن بمعركة "أس 400"

12

طباعة

مشاركة

رغم استبعاده تركيا من برنامج الطائرات الشبح "أف 35" بعد شرائها أنظمة الدفاع الروسية المضادة للطائرات "أس 400"، تبدو هذه الخطوة ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يعتمد بشكل كبير على أنقرة داخل حلف "الناتو" حتى يوازن ميزان القوى لصالحه.

هذا ما استنتجه تقرير موقع "ميدل إيست أي" في نسخته الفرنسية، تعليقا على الأزمة المندلعة بين الولايات المتحدة وتركيا على خلفية وصول مكونات منظومة الدفاع الجوي الروسي المتقدم "أس 400" إلى أنقرة، والذي اشترته مقابل 2.5 مليار دولار.

العلاقات الروسية التركية

وقال التقرير: إنه "في عام 2015، مع اندلاع الحرب في سوريا، أصبحت قوتان إقليميتان، تغطيان الجزء الشمالي من الشرق الأوسط، على وشك الحرب، وهما تركيا، دعمت الجيش السوري الحر، والانفصاليين التركمان في سوريا، وروسيا التي دعمت رئيس النظام بشار الأسد ونشرت قواتها لمساعدته".

وأضاف: "في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، بعد عدة أشهر من التوتر والغارات المتداخلة في الأراضي السورية والتركية، أسقط سلاح الجو التركي مقاتلة روسية من طراز سوخوي 24، مما أسفر عن مقتل الطيار أوليج بيتشكوف أثناء هبوطه بالمظلة على يد مسلحين من هذه المنطقة الخطيرة التي يسيطر عليها التركمان السوريين، وإصابة طيار آخر.

وأشار التقرير إلى أن "هذا الطيار الذي يدعى قسطنطين موراختين، أصبح أيضا مشكلة بين البلدين، حيث تم أسر موراختين من قائد ميليشيا تركي متطوع في اللواء التركماني في شمال غرب سوريا، واستطاعت روسيا إنقاذ الطيار بعملية استغرقت 12 ساعة ونفذها عناصر من القوات الخاصة بالاشتراك مع القوات الحكومية السورية".

ولفت الموقع إلى أنه في 27 يونيو/حزيران 2016، بعد سبعة أشهر من إسقاط المقاتلة الروسية ووفاة الطيار، خاطب رجب طيب أردوغان، في رسالة، نظيره الروسي فلاديمير بوتين واعتذر له عن الحادث وقدم تعازيه لعائلة أوليج، كما دعا إلى استئناف العلاقات الودية بين البلدين.

وتابع التقرير، أنه على القناة التركية العامة "تي آر تي"، أعلن الرئيس التركي، في نفس اليوم: "لقد تقدمنا بفكرة أننا، إذا لزم الأمر، مستعدون لدفع تعويضات".

وبيّن "ميدل إيست أي" أنه بعد بضعة أيام، وبعد محاولة الانقلاب الفاشل على أردوغان، كان فلاديمير بوتين هو أول من أظهر دعمه للرئيس التركي، وأول رئيس يتصل بأردوغان ليتمنى له عودة الاستقرار سريعا إلى البلاد، وأعرب عن استعداده لتقديم أي مساعدة فورية.

وأكد التقرير، أنه في عام 2017، ظهر هذا التقارب من خلال طلب منظومة الدفاع الجوي الروسي المتطورة "أس 400"، مع خيار الإنتاج المشترك في تركيا مع مصنعي الأسلحة المحليين.

وذكر، أن هذه الصفقة البالغة 2.1 مليار دولار لها أهمية جغرافية إستراتيجية، وبمجرد تنفيذها، تجعل تركيا العضو الوحيد في "الناتو" الذي يمتلك أفضل نظام مضاد للطائرات في العالم، مع مقاتلات الشبح من طراز "أف 35" الأمريكية التي جمدتها واشنطن مؤخرا.

ونوه الموقع إلى أن الخوف الذي تبديه الولايات المتحدة، هو من كشف أسرار أحدث طائرة حربية صنعتها واشنطن، وأغلى طائرة في العالم من حيث تكلفة صناعتها، إذ ربما يتيح امتلاك "أس 400"، للمهندسين الروس الذين سيرافقون نشر المنظومة الروسية في تركيا الاطلاع على أسرار المقاتلة الشبح "أف 35"، وفهم أفضل قدراتها.

ضغوط هائلة

وأكد التقرير، أن أنقرة تعرضت لضغوط هائلة من واشنطن منذ أكثر من عام، والهدف: إثناء تركيا عن إتمام الصفقة من خلال تجميد حصولها على المقاتلة الشبح التي تم إنتاجها بالفعل للطيران العسكري التركي وإلغاء التدريب التجريبي.

وأوضح "ميدل إيست أي" أن الأربعاء الماضي، وضعت الولايات المتحدة تهديداتها موضع التنفيذ وأكدت استبعاد تركيا من برنامج الطائرات الشبح "أف 35"، وقال البيت الأبيض: "الطائرة (أف 35) لا يمكن أن تتعايش مع منصة روسية لجمع معلومات المخابرات سوف تستخدم للاطلاع على قدراتها المتقدمة".

وانتقدت أنقرة على الفور القرار "غير العادل" و"الأحادي الجانب"، والذي "لا يحترم روح التحالف" الأطلسي. وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان "إنه لا يستند أيضا إلى أسباب مشروعة". وأضافت: "نحث الولايات المتحدة على التراجع عن هذا الخطأ الذي سيمهد الطريق لضرر لا يمكن إصلاحه لعلاقاتنا الإستراتيجية".

ونوه الموقع إلى أن تركيا ليست مجرد مشترٍ للمقاتلة الأمريكية، بل إن صانعي الأسلحة المحليين هم جزء من المجموعة المسؤولة عن بناء جزء من الطائرة (الجزء المركزي من جسم الطائرة) وحتى الأسلحة، وتزود الشركات التركية حاليا 937 قطعة غيار من طراز "أف 35".

لكن قرار واشنطن، بحسب الموقع، سيجمد حصص تركيا من تصنيع "أف 35"، والتي سيتم تخصيصها لشركات من بلدان أخرى، وفي المجموع، كان هناك ما بين 100 و 130 طائرة ترغب أنقرة في الحصول عليها لتجديد أسطولها الجوي.

قانون "جاستا"

وذكر الموقع الناطق بالفرنسية، أن الأمريكيين كانوا يلوحون لعدة أشهر بالتهديد بتطبيق عقوبات قانون مكافحة أعداء أمريكا "جاستا" على تركيا، وتتكون مجموعة العقوبات الاقتصادية هذه، التي تم التصويت عليها في أغسطس/آب 2017، من اثني عشر إجراء ينطبق على الدول التي تخضع للعقوبات.

وأردف: بمجرد إنفاذ لقانون "جاستا"، يمنح رئيس الولايات المتحدة الحق في تطبيق خمسة على الأقل من العقوبات الاثني عشر المدرجة ضد الأفراد والكيانات وحتى البلد المستهدف، ويمكن للرئيس، على سبيل المثال، حظر تصدير الأسلحة والذخيرة إلى البلد المستهدف، وحظر الاستثمارات والتبادلات المالية مع الدولة المعنية.

وأشار الموقع إلى أن نظام التأشيرات معني أيضا بهذا القانون، وقد يتم منع منح التأشيرات من قائمة شخصيات إلى جميع مواطني هذا البلد، لكن الرئيس أردوغان أكد عدم تراجعه عن الاستحواذ على النظام الروسي، مضيفا أن تركيا يمكن أن تفكر في شراء نظام صواريخ باتريوت الأمريكي فقط إذا كانت الظروف مواتية لتلك التي قدمتها روسيا، وتم تسليم المكونات الأولى من "أس 400" إلى أنقرة في 12 يوليو/تموز الجاري.

وذكر أن وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، التقى مع نظيره الأمريكي مارك إسبر في اليوم نفسه لشرح أن عملية الشراء لم تكن تعني تغييرا في الاتجاه الإستراتيجي لبلاده، وبالنسبة لأكآر: "تركيا تحت تهديد خطير. واقتناء النظام ضرورة وليس خيارا".

وأكد الموقع، أن ما يحدث اليوم بين واشنطن وأنقرة يتجاوز تركيا، حيث هناك دولتان عربيتان، هما الجزائر ومصر، حيث تتهمها الولايات المتحدة أيضا بدعم التسلح الروسي من خلال استيراد أسلحة ضخمة كل عام، وضخ مليارات الدولارات في خزانة موسكو.

وبيّن التقرير، أن الجزائر والقاهرة تفاوضان منذ عام بهدوء مع واشنطن بشأن تطبيق قانون "جتاستا"  إذ يمكن للعاصمتين إغلاق باب المفاوضات إذا تسامحت واشنطن مع أنقرة.

وأكد "ميدل إيست" أن المشكلة هي أن الأمريكيين يعتمدون بشدة على تركيا في "الناتو"، فهذا البلد ليس مجرد مركز إستراتيجي لا غنى عنه للوجستيات الأمريكية، التي تعتمد على قاعدة إنجرليك لنقلها إلى الشرق الأوسط، بل هي أهم مستودع لمقاتلي ومعدات "الناتو" في دفاعه عن الجناح الجنوبي ضد روسيا.

والثلاثاء، أبدى دونالد ترامب موقفا تصالحيا مع تركيا، إذ امتنع عن الحديث عن عقوبات محتملة ضد أنقرة على الرغم من عمليات التسليم الأولى  للمنظومة الروسية " وقال: لدي علاقات جيدة مع الرئيس. بصراحة، إنه وضع معقد للغاية".

أوباما المسؤول

وألقى ترامب على سلفه الديمقراطي باراك أوباما بالمسؤولية عن الأزمة، وقال: "إدارة أوباما لم ترغب في بيع صواريخ باتريوت لهم، لقد استغرق الأمر وقتا طويلا"، مضيفا أنه عندما غيّر البيت الأبيض رأيه "كانت تركيا وقعت بالفعل مع روسيا ودفعت الكثير من المال".

وكانت وزارة الخارجية الأمريكية، قد وافقت في عام 2009 على بيع 13 بطارية من منظومات صواريخ باتريوت الأمريكية لتركيا مقابل ما يقرب من ثمانية مليارات دولار، ولكن أنقرة قد طلبت المشاركة في الإنتاج وتبادل التكنولوجيا، وهو ما رفضته واشنطن.

ولفت الموقع إلى أنه يوم الجمعة، دعا أربعة أعضاء جمهوريين وديمقراطيين من لجنة الشؤون الخارجية والعسكرية بمجلس الشيوخ دونالد ترامب إلى فرض عقوبات جديدة على تركيا، وخلص إلى أنه "على أي حال، تلعب الولايات المتحدة البوكر مع تركيا، لكن في هذه اللعبة فرص النجاح لا شيء تقريبا".