بينها تركيا والسعودية.. موقع صيني: "القوى الوسطى" تسرع تغيير النظام العالمي

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

رصد موقع صيني دور ما أسماه بـ"القوى الوسطى" حول العالم، كتركيا وإيران والسعودية، في تغيير النظام العالمي القائم منذ عقود بقيادة الولايات المتحدة.

وقال موقع "تشينا" إنه على خلفية الأزمة الأوكرانية التي طال أمدها، بدأ إحياء مفهوم "القوة الوسطى" في العلاقات الدولية.

وأشار إلى أن المناقشات ذات الصلة في مجال الرأي العام الدولي باتت تربط بشكل متزايد بمفهوم هذه القوى وتأثيرها في تطور النظام الدولي، معتقدا أن السياسات الأميركية الحالية تحفز عودة حقبة التنافس بين القوى العظمى.

وأكد أن هذا التنافس تتولد عنه فرص تسمح لمجموعة القوى الوسطى بتوسيع نفوذها.

ورغم تأكيد الموقع على أن مفهوم "القوى الوسطى" غير محدد تماما، إلا أنه يشير عموما إلى "البلدان التي تتمتع بقوة اقتصادية وعسكرية بدرجة ما، ونفوذ إقليمي قوي".

دور متصاعد

وحسب الموقع، فإنه بسبب التغيرات في النظام العالمي وتوازن القوى بين الدول، فإن نطاق "البلدان متوسطة الحجم" يتطور باستمرار.

فبعد الحرب العالمية الثانية، أخذت كندا زمام المبادرة في موضعة نفسها كقوة وسطى، بينما أكدت اليابان وألمانيا أيضا على أهمية "دبلوماسية القوى الوسطى"، وكانت معظم تلك القوى في النصف الثاني من القرن العشرين دولا رأسمالية متطورة.

وبعد الحرب الباردة، مع استمرار تقدم العولمة والتكامل الإقليمي، صعدت البلدان النامية بشكل جماعي، وتوسعت تشكيلة القوى الوسطى بشكل كبير.

وفي السياق السياسي الدولي الحالي، فإن "القوى الوسطى" لا تشمل فقط البلدان المتقدمة القديمة، كإيطاليا، وإسبانيا، وكندا، وأستراليا.

بل أصبحت تشمل أيضا كوريا الجنوبية، والمكسيك، وإندونيسيا، وتركيا، وجنوب إفريقيا، ومصر، وإيران، والسعودية، وكازاخستان، وباكستان، والأرجنتين، وغيرها من الاقتصادات الناشئة.

وبعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008، أصبحت آلية مجموعة العشرين أهم منصة للقوى الوسطى للمشاركة في الحوكمة العالمية، حيث شغلت البلدان المذكورة أعلاه أكثر من نصف مقاعدها.

ووفق الموقع، أنشأت المكسيك، وإندونيسيا، وكوريا الجنوبية، وتركيا، وأستراليا، عام 2013، مجموعة "ميكتا"، كمنصة غير رسمية للتشاور تضم قوى وسيطة.

وهذه الموجة من صعود الدول الوسطى أدت إلى تراجع نفوذ الولايات المتحدة كقوة أحادية، كما أدى تحالف بعض الدول الوسطى القوية إلى تعزيز شراكاتها، والدفع باتجاه إيجاد حلول للتحديات العالمية والإقليمية.

ومنذ عام 2022، وسط التغيرات الدولية الكبرى التي أحدثتها الأزمة الأوكرانية، واللعبة الإستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة، حظي مفهوم القوة الوسطى بالاهتمام مرة أخرى.

وبالرغم من وجود حلفاء وشركاء متمسكين بالولايات المتحدة بين الدول الوسطى القوية، فإن أكثرها عبارة عن دول غير غربية، تتردد بين الاقتراب والابتعاد عن الغرب.

وبمعنى آخر، فإن الدول الوسطى الحالية تقف على "أرض محايدة"، في ظل السردية الغربية التي تضع "الغرب ضد روسيا والصين"، وهي تميل بشكل أكبر نحو اختيار "مسار ثالث" فيما يتعلق بسياساتها.

وأكد الموقع أن "منطق صعود القوى الوسطى في السياسة الدولية يعتمد على رغبتها في استقلالية خياراتها الإستراتيجية، وعدم الانحياز إلى أي تحالفات معينة".

الواقعية السياسية

ولتقييم تأثير هذه الدول الوسطى على بناء النظام الدولي في المستقبل، يمكن استعراض ذلك من ثلاثة جوانب.

تتمثل أولى العوامل، حسب الموقع، في "تعزيز دور الدول الوسطى الصاعدة في تركيزها على الواقعية السياسية، وتجنب الانجراف نحو الأيديولوجيا".

ففي النظرية التقليدية للعلاقات الدولية في الغرب، كان التركيز في تعريف الدول الوسطى يميل إلى التركيز على الجانب الأيديولوجي، وتحديدا القيم الديمقراطية الغربية.

ومع ذلك، وبالنظر إلى الدول الوسطى القوية الممثلة في السنوات الأخيرة، فإنه يلاحَظ تنوع في أنظمتها السياسية، وتقاليدها الثقافية، ومعتقداتها الدينية.

ومنذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، لم تتبع معظم القوى الوسطى في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية عقوبات الولايات المتحدة وأوروبا ضد روسيا، وسط ارتفاع الأصوات المعادية لروسيا من الدول الغربية على أسس أيديولوجية.

والعديد من الدول- منها المنتمية لحلف الناتو كتركيا، أو صديقة للولايات المتحدة كالسعودية- لم ترقص على طبول الحرب المناهضة لروسيا، ولكنها حافظت على الاتصال والتعاون مع موسكو من منطلق حساباتها ومصالحها الذاتية.

بل إن معظم القوى الوسطى لا تبالي بمنطق "الديمقراطية مقابل الاستبداد" الذي ابتكرته الولايات المتحدة والغرب، فلا يزال شراء الطاقة من روسيا، والقيام بأعمال تجارية مع الصين خيارا واقعيا لهذه الدول.

أما ثاني هذه العوامل فهو "على مستوى التوجه السياسي، حيث تنتهج هذه البلدان إستراتيجية الاعتماد على الذات لتحقيق التوازن بين القوى الكبرى"، وفق الموقع.

وأشار إلى أن القوة الوطنية للدول الوسطى مقيدة، وقدرتها محدودة على توفير المنافع العامة للدولة، وقوتها الخطابية محدودة فيما يخص الحوكمة العالمية، كما تجد صعوبة في التخلص من النظام الذي تهيمن عليه القوى العظمى.

لذلك، فهي تواجه بشكل مستمر مشكلة الانحياز إلى جانب في مواجهات الدول الكبرى، ولذا فهي تميل إلى اتباع إستراتيجية "الرهان المتعدد" على عدة قوى لتحقيق التوازن.

وأكد الموقع أن القوى الوسطى تدرك أنه لتجنب الوقوع ضحية للمنافسة بين القوى الكبرى، فإن السبيل الوحيد هو الالتزام بإستراتيجية التوازن بين القوى العظمى، وتحويل قوتها الوطنية المحدودة إلى قدرات إستراتيجية مستقلة.

ومن وجهة نظر موضوعية، فإن المنافسة الشرسة بين القوى العظمى تجعل من الصعب على الولايات المتحدة أن تمتلك طاقة كافية لتحقيق الأمن في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وأميركا اللاتينية وغيرها. 

وأشار الموقع أنه "بالنسبة للدول الوسطى القوية التي تعد دولا مركزية في هذه المناطق، فإنها تستفيد من هذه الفرصة لتوحيد التعاون الإقليمي، وبناء هيكل أمني إقليمي مستقل".

"هذا بالإضافة إلى إقامة شراكات شاملة مع المزيد من الدول الكبرى والاقتصاديات الناشئة، والسعي إلى التنوع في مجالي التنمية والأمن"، حسب الموقع الصيني.

تخفيف التوترات

أما العامل الثالث فهو على مستوى النظام الدولي، حيث تلعب الدول الوسطى دورا في تخفيف التوترات بين الدول الكبرى. 

وفي إطار الصراع الكبير بين الصين والولايات المتحدة وروسيا وأوروبا، تعد الدول الوسيطة القوية نقطة انتباه للدول الكبرى لاستغلال تأثيرها الإقليمي المتميز، وهي في نفس الوقت تلعب دورا في تسوية الخلافات بين القوى العظمى، حسب الموقع.

فعلى سبيل المثال، توسطت تركيا للوصول إلى اتفاق نقل الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، وبهذا قدمت مساهمات إيجابية للحفاظ على الأمن الغذائي العالمي.

وفي المستقبل، ستعمل الدول الوسطى الصاعدة على التحالف والتحدث بصوت واحد، والسعي لترويج الإصلاح في مؤسسات دولية متعددة مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية، وإعادة ترتيب سلاسل الإمداد الإقليمية والصناعية.

"وهذا سيشكل ضغطا قويا على الولايات المتحدة لتحقيق المزيد من الانفتاح والتعاون في العلاقات الدولية، بدلا من الدفاع عن مصالحها الضيقة في إطار الحرب التجارية"، وفق الموقع.

وشدد على أنه "في عالم اليوم، حيث تخيم ألعاب القوى العظمى والمنافسة الجيوسياسية، فإن صعود مجموعة من القوى الوسطى "غير الغربية" أمر مهم للغاية". 

ومن منطلق سعيها الواقعي لتحقيق أقصى قدر من المصالح الوطنية، فإنها تنتهج إستراتيجية التوازن بين الاستقطابات المتعددة، وهذا من شأنه أن يمنع بشكل فعال نشوب "حرب باردة جديدة".

كما سيسرع بشكل أكبر عملية تشكيل عالم متعدد الأقطاب، ليحل محل النظام الدولي الذي تهيمن عليه الأيديولوجية الغربية.

وأشار الموقع إلى أنه "في نظر بعض الدول الكبرى التي تبذل قصارى جهدها للحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة والغرب، فإن هذه القوى الوسطى موضع قلق، وفرصة للجذب في نفس الوقت". 

ولكن إذا لم تكن الدول الغربية على استعداد لمواجهة واقع التعددية الحالي، واستمرت في الانغماس في أحلام الهيمنة الأحادية القديمة، فإنها ستبتعد عن الدول الوسطى في نهاية المطاف".

وألمح الموقع الصيني أنه "يجب على الدولة الكبرى أن تضع العالم بأسره في الحسبان، وأن تهتم بالرفاهية العامة للبشرية".

وأكد أن موقف الصين يتماشى مع الاتجاه العام لمعظم دول العالم، وهذا يتمثل في مفهومها المتعلق بـ"مجتمع المصير المشترك للبشرية"، ومبادراتها الرئيسة الثلاث للتنمية العالمية، والأمن العالمي، والحضارة العالمية.

وختم بالإشارة إلى أن "توسط الصين في استعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، هو نموذج للكيفية التي يجب أن تتعامل بها الدول العظمى مع القوى الوسطى على مستوى العالم".