مركز تركي: توافق الخليج وروسيا بشأن خفض إنتاج النفط يشعل أزمة الطاقة بالغرب

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

لم تؤثر الحرب الروسية الأوكرانية، التي بدأت في 24 فبراير/ شباط 2022، على العلاقات بين البلدين المتحاربين فقط، بل تسببت في أزمة طاقة هزت بعمق النظام العالمي الاقتصادي. 

ويرى مركز أنقرة للأزمات والأبحاث السياسية "أنكاسام" أن أحد الأسباب الرئيسة التي جعلت الأزمة تحتل جدول الأعمال العالمي وأثرت على سياسات الدول هو اعتماد أوروبا على روسيا. 

ففي هذه العملية، على الرغم من وجود قيود مستمرة بين الطرفين، طبَّق العالم الغربي عقوبات مختلفة لإضعاف روسيا وتحييد ورقتها الرابحة في مجال الطاقة.

قرار التخفيض

وكان أحد أهم القرارات التي اتخذها الغرب في هذه العملية هو تنفيذ سقف سعر المنتجات البترولية الروسية، وفق ما قال الكاتب التركي"إيمره كايا".

وأردف أنه "في الواقع، جرى فرض حد أقصى للسعر قدره 60 دولاراً للبرميل على النفط الروسي".

بهذه الخطوة، كان الغرب يهدف إلى إبقاء قيمة الطاقة الروسية أقل من الأسواق العالمية حتى ينهار الاقتصاد الروسي وبالتالي لن تتمكن موسكو من الاستمرار في الحرب.

إلّا أنَّ احتياجات الطاقة للصين والهند وسياسات الطاقة في السعودية والإمارات تسمح لروسيا بالحفاظ على دورها النشط في سوق الطاقة في مواجهة الحظر.

ومن بين هذه الجهات الفاعلة، خاصة السعودية والإمارات، ما يمكن وصفه بأنه"نقاط ضعف" في سياسات العالم الغربي الذي يريد محاصرة روسيا.

فإذا أنتجت هذه البلدان المزيد من النفط، فسيؤدي ذلك إلى انخفاض أسعار الطاقة، التي وصلت بالفعل إلى مستويات قياسية. وبالتالي، كان يعتقد أن انخفاض أسعار الطاقة من شأنه أن يسرع انهيار الاقتصاد الروسي.

ومع ذلك، قررت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) ومجموعة أوبك +، التي تضم بعض الدول المنتجة بخلاف الأولى، خفض إنتاج النفط اليومي بمقدار 2 مليون برميل في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2022. 

ومن ناحية أخرى، بدأت إدارة الكرملين تتبع سياسة تطوير علاقاتها مع الدول الأخرى بطريقة متعددة الأبعاد، بما في ذلك الطاقة، استجابةً للخطوة التي اتخذها الغرب ضدها. 

لهذا الغرض، تريد روسيا، التي بدأت في بيع النفط الرخيص إلى الهند، بيع الغاز الطبيعي أيضاً إلى باكستان. كما عرضت موسكو الاتحاد في الغاز على دول آسيا الوسطى وعمَّقت علاقاتها مع دول الخليج.

وأشار الكاتب إلى أن اتّباع روسيا لهذه الخطوات بشأن سياسة الغاز، قد أثر على إستراتيجية الغرب لإضعافها وتمكنت موسكو بذلك من كسر هذه الإستراتيجية.

وذكر أنَّ قرار أوبك وأوبك + بخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا أعطى روسيا متنفساً. 

ولأن انخفاض إنتاج النفط أدى إلى زيادة الأسعار في أسواق الطاقة في فترة اشتدت فيها أزمة الطاقة، تعززت يد روسيا واضطر الغرب إلى توفير الطاقة بسعر أعلى.

فكان يعتقد أن خفض مليوني برميل سيكون من إنتاج المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وهذا الخفض قد وضع الغرب في موقف صعب، وهز أيضاً العلاقات بين دول الخليج والعالم الغربي. 

ومع ذلك، في نطاق الاجتماع داخل أوبك وأوبك + الذي عقد في 2 أبريل/نيسان 2023، تقرر خفض إنتاج النفط مرة أخرى على الرغم من رد فعل الغرب. 

ومن بين دول أوبك وأوبك+، أعلنت السعودية عن خفض قدره 500 ألف برميل يوميا، والعراق 211 ألفاً، والإمارات 144 ألفا، والكويت 128 ألفا، وكازاخستان 78 ألفا، والجزائر 48 ألفا، وعمان 40 ألف برميل يوميا. 

وهكذا، في سياق "الإجراءات الاحترازية"، قررت الدول طواعية خفض إنتاج النفط بنحو 1.15 مليون برميل يومياً. كما قررت روسيا تمديد خفض 500 ألف برميل حتى نهاية عام 2023. 

وجرى اتخاذ التخفيضات، التي ستدخل حيز التنفيذ في مايو/أيار 2023، بالإضافة إلى قرار التخفيض في أكتوبر 2022.

آثار التخفيض

وأشار الكاتب التركي إلى أنَّ قرار خفض الإنتاج سيؤثّر على السياسة العالمية والاقتصاد العالمي والحرب الأوكرانية في جوانب مختلفة. 

وشرح ذلك بقوله: في البداية، من الواضح أنه سيؤثر سلباً على الأسواق العالمية، لأن انخفاض إنتاج النفط يعني زيادة في أسعار الطاقة. 

وعلى وجه الخصوص، يمكن القول بحسب الكاتب إنّ الدول والشركات الغربية ستتعرض لضغوط كبيرة. 

وأشار إلى أن أزمة الطاقة التي يحاول العالم الغربي التغلب عليها ستفرض عبئاً اقتصادياً كبيراً على كل من البلدان في أوروبا والولايات المتحدة. 

ومن شأن هذا القرار، الذي اتُّخِذَ في وقت تفشل فيه بنوك مختلفة في الولايات المتحدة ويهتز فيه النظام الاقتصادي الغربي، أن يزيد التكاليف ويعمِّق المخاوف. 

وهذا من شأنه أن يجهض خطط الغرب للتغلب على أزمة الطاقة والاستعداد لفصل الشتاء المقبل، وفق تقدير الكاتب. 

ولفت إلى أن واحدة من الدول التي لا ينبغي تجاهلها في هذه المرحلة هي الصين. فقد تضطر بكين إلى استيراد نفط أغلى ثمناً أو اللجوء إلى موارد روسيا الرخيصة.

ومن ناحية أخرى، سيضعف تأثير العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا، لأنّ موسكو ستكتسب الفرصة لبيع النفط الذي تبيعه بثمن بخس بسعر أعلى.

وهذا سيُظهِرُ مرَّةً أخرى أهمية روسيا في مجال الطاقة، وفق الكاتب. ومن المعروف أنّ موسكو تبيع النفط بثمن أقل من سعر السقف من أجل كسر تأثير العقوبات الغربية. 

ولكن بفضل الزيادة في أسعار النفط مع قرار التخفيض، ستواصل روسيا شن حرب أوكرانيا وستكون قادرة على التصرف بثقة أكبر في وقت يتعرض فيه الغرب لضغوط اقتصادية، بحسب تقديره.

وعلق الكاتب: من الواضح أن الدول التي تقرر خفض إنتاج النفط تتصرف من خلال مراعاة مصالحها الوطنية الخاصة. 

وبهذا المعنى، يمكن القول إنّ هذه الجهات الفاعلة تفكر في السياسات عبر التفكير في أن الحرب الروسية الأوكرانية والتنافس الغربي الروسي لا يُهمُّهُم.

وفي هذا السياق، من المفهوم أن البلدان المنتجة للنفط والمصدرة للطاقة تحاول زيادة مكاسبها الاقتصادية بالاستفادة من ارتفاع أسعار الطاقة. 

غير أنَّ هذا الأمر سيزيد الضغط على الغرب والتكلفة الاقتصادية، ويسهل على روسيا التنفس. لذلك، سيزيد الضغط الغربي على دول مثل السعودية والعراق والإمارات. 

وستقرأ الولايات المتحدة القرار على أنه دعم لروسيا في حرب أوكرانيا، لأنه، كما سبق وأن أثيرت انتقادات مماثلة من واشنطن في أكتوبر 2022، بحسب تقييم الكاتب التركي.