انقلاب أو اغتيال.. لماذا يسعى الجيش الباكستاني للتخلص من عمران خان؟ 

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في غمرة الصراع بين رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان والنظام العسكري الحاكم الحقيقي للبلاد، فجر خان الأجواء بادعاء أن "قائد الجيش يتآمر مع الحكومة لوضعه في السجن ومنع مشاركته بالانتخابات".

وكشف خان في مقابلة مع قناة الجزيرة القطرية في 16 مارس/ آذار 2023، عن تعرضه لمحاولتي اغتيال، وحذر من عواقب قتله، واتهم الجيش بعرقلة خوضه الانتخابات المقررة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 لأنه سيفوز فيها.

وقال أيضا في تغريدة عبر تويتر في 20 مارس، إنه "كان على وشك الوقوع في فخ الموت، إنهم خططوا لقتلي لكن الله جل جلاله أنقذني في اللحظة الأخيرة".

انقلاب أم اغتيال؟

بعدما ثبت استحالة اعتقال عمران خان، على حد زعم أنصاره، واستمراره في تحدي الجيش، وترجيح مؤشرات أن يفوز في انتخابات أكتوبر 2023، يتوقع مراقبون سيناريوهين لتحرك العسكر للرد عليه.

الأول: القيام بانقلاب عسكري ينهي الحكم المدني، متعللا بحالة الفوضى في البلاد، والثاني: اغتيال خان، أملا في أن تموت حركته معه.

ويتوقع مراقبون أن يبادر الجيش بانقلاب عسكري، بعدما أصبح خان أقوى من المؤسسات والطبقات التي تحكم البلاد منذ نحو 75 عاما.

إذ خلق له شعبية نادرة، ووفر حماية لنفسه لم يحظ بها أسلافه من القادة المدنيين المشاهير.

من جانبه، ادعى موقع "آسيان نيوز إنترناشيونال" في 17 مارس، أن "قائد الجيش الباكستاني الفريق عاصم منير، يؤيد اعتقال عمران خان لإنهاء حياته السياسية".

لكن صحيفة "تايمز أوف إنديا" الهندية ذكرت في 10 مارس، أن مراقبين يرجحون السيناريو الثاني، وهو عودة باكستان لحقبة الانقلابات العسكرية.

وأوضحت أن الأحداث السياسية في باكستان بأزماتها المتعددة قد تؤدي بالجيش للتدخل و"كنس رقعة الشطرنج السياسية بأكملها من الأحزاب بعيدا"، عبر انقلاب عسكري.

وأضافت أن "هذا هو السيناريو الكئيب الحذر الذي يتوقعه كل المعلقين السياسيين تقريبا بعدما يأس الجيش من حل الأحزاب السياسية المتحاربة للأمور بينها".

"فلم يتبق لدي الجيش سوى القليل من الجهد للتعامل مع الاقتصاد أو التهديد الأمني الذي يلوح في الأفق بشكل كبير"، وفق "تايمز أوف إنديا".

وقالت: "لذلك، يحذر أولئك الذين يشعرون بالقلق من أنه، إذا استمرت هذه المعركة السياسية العنيفة، ستشعر المؤسسة العسكرية بالغضب وتتدخل بانقلاب، خاصة أن الوضع الاقتصادي الباكستاني هش".

وسبق لنفس الصحيفة الهندية أن أكدت يوم 30 أكتوبر 2022 أن "الخيار الوحيد سيكون بين الفوضى وحكم الجيش".

ونقلت عن الكاتب "القاضي كاتجو" توقعه أن تتجه باكستان نحو الأحكام العرفية في غضون ستة أشهر أو أكثر، وتوقع المصادمات التي تشهدها باكستان حاليا.

وهناك قناعة في وسائل الإعلام الباكستانية والهندية بأن الانقلاب العسكري متوقع، مشيرين إلى أن باكستان عانت من أربعة انقلابات عسكرية خلال أول 50 سنة من استقلالها.

هل يواجه مقاومة؟

لكن انقلاب الجيش قد يواجه بمقاومة هذه المرة، بحسب مجلة "فورين بوليسي"، حيث نجح أنصار خان في صد الشرطة العسكرية ما دفع الباكستانيين لعدم الخوف من الجيش، لكن نادرا ما اهتم الجيش الباكستاني حيال اتخاذ قرارات لا تحظى بشعبية.

وتصف المجلة الأميركية في 20 مارس ما يفعله خان وأنصاره عبر حملتهم المستمرة لمعارضة الحكومة والجيش، بأنه "ثورة سياسية شعبية"، وتؤكد أن الجيش الباكستاني وحكومة شهباز شريف الحالية يحاولون إخمادها.

ذكرت أن الجيش وحكام باكستان الحاليين أصبحوا أمام موعد نهائي للانتخابات أواخر 2023، ولو غامروا بإجرائها، فقد يفوز خان ويعود لينتقم من قادة الجيش وامتيازاته، لذا يفضلون قتله أو القيام بانقلاب قبل الانتخابات.

وهناك مؤشرات لفوز "خان"، حيث فاز حزبه (الإنصاف) بالعديد من الانتخابات المحلية والإقليمية منذ إزاحته من السلطة.

كما سبق له أن حقق الفوز بغالبية الأصوات في انتخابات عام 2018، ثم فاز بـ15 من أصل 20 مقعدا في المجلس التشريعي لولاية بنجاب، أكثر مقاطعات باكستان اكتظاظا بالسكان، خلال الانتخابات المحلية عام 2022.

ومن المرجح أن يفوز خان بأغلبية كاسحة في حال عقد انتخابات أخرى، وفي حال ثبتت دقة استطلاعات الرأي الحالية وهو ما يمثل تهديدا للجيش وللأحزاب في الحكومة الحالية، على حد سواء.

ويخشى الجيش أن يؤدي فوزه لكبح جماح الجنرالات، وتثبيت حكم مدني وتصفية النظام السياسي التشريعي القائم، وإصلاح النظام القضائي، بحسب "فورين بوليسي".

ومنذ الإطاحة به من السلطة في أبريل/ نيسان 2022، نجح خان في بناء رؤية مناهضة للجيش" في باكستان من خلال إستراتيجيته الخاصة بوسائل التواصل الاجتماعي التي تم تنفيذها جيدا، ولا يزال يستخدمها في خضم الاحتجاجات المستمرة.

من جانبها، رأت صحيفة "دون" الباكستانية في 22 مارس، أن أي تحرك لحظر حزب عمران خان أو اعتقاله قد يدفع بالبلاد نحو حرب أهلية لأنه الزعيم السياسي الأكثر شعبية، متوقعة فوزه بالسلطة إذا أجريت انتخابات نزيهة.

وأوضحت أن المؤسسة العسكرية قررت إما حبس خان أو منعه من خوض الانتخابات المقبلة، لذا يحاولون منعه بأي وسيلة من الوصول لانتخابات نوفمبر 2023.

وأن الجيش الباكستاني يعتقد أن خان قد أضر بسمعته، بعد خلافه معه، ومعركته مع قائد الجيش السابق الجنرال قمر جاويد، الذي اتهمه بأنه وراء إسقاط حكومته.

ويقول أنصاره إنه أسس حركة مؤيدة للديمقراطية تتجاوز حدود الأحزاب، وجمع الفقراء والأغنياء معا لمواجهة الحكومة التي اختارها الجيش، للمرة الأولى في تاريخ باكستان، وأن الحكومة والجيش لا يزالون يخططون لاغتياله.

ويشرح عمران خان رؤيته قائلا إنها "تتمثل في تطبيق سياسة دولة المدينة التي وضع أسسها النبي صلى الله عليه وسلم، والقائمة على العدالة والمساواة والإنصاف، وأن الجميع سواسية أمام القانون".

تحطيم هيمنة الجيش

وأكدت صحيفة "دون" خلال تقرير آخر في 22 مارس، أن أهمية معركة "خان" وجنرالات الجيش الحالية تنبع من أنها المحاولة السابعة للمدنيين لمنع هيمنة العسكريين على السلطة، منذ الحقبة المدنية الأولى.

وأشارت إلى سبع حقب أو فترات حكم هي: حكم محمد علي جناح، وكانت الأولي ومدنية، والثانية ديكتاتورية بعد انفصال بنغلاديش، والثالثة مدنية لذو الفقار على بوتو، تلتها الرابعة العسكرية لضياء الحق.

والخامسة كانت مع الثنائي بينظير بوتو ونواز شريف، والسادسة مع الجنرال برويز مشرف، الذي جعل الجيش الباكستاني اللاعب المهيمن في الاقتصاد السياسي، والسابعة للنظام الحالي برئاسة شهباز شريف الذي يناوشه عمران خان.

وترى "دون" أن خان يسعى الآن لإحداث حقبة جديدة، ستكون هي الثامنة في تاريخ باكستان، وهدفها تحقيق سيادة مدنية حقيقية بالقانون والدستور، أي إقصاء العسكر.

ويتوقع التقرير الذي كتبه "عزير يونس"، مدير المبادرة الباكستانية في مركز جنوب آسيا التابع للمجلس الأطلسي، أن ينجح خان، على عكس أسلافه الذين حاولوا التغلب على الوضع الراهن.

والسبب: "لأنه يتبع إستراتيجية المواجهة المباشرة مع العسكر"، ويضمن جيشا من الأنصار يقفون خلفه، ويستمد قوته من غضبهم و"الثورة" القادمة.

ومنذ الإطاحة به من السلطة في أبريل 2022، نجح خان في بناء إستراتيجية خاصة "مناهضة للجيش" عبر وسائل التواصل الاجتماعي يستغلها في الاحتجاجات المستمرة.

وفي 12 فبراير/ شباط 2023 طالب "خان" الجيش بإجراء "تحقيق عسكري داخلي" ضد قائد الجيش الباكستاني السابق الجنرال "قمر جاويد باجوا" لدعمه الإطاحة به.

وقال في مقابلة مع إذاعة صوت أميركا الأردية، إن الجنرال قمر شارك في إزاحة حكومته واعترف بذلك في تصريحات صحفية، بدعوي أن حركة إنصاف الباكستانية بقيادة خان "يشكلون خطرا على البلاد".

انقلب عليهم

ويخشى الجيش الباكستاني من عمران خان، لأنه انقلب على العسكريين بعدما كان متحالفا معهم، وكانوا يدعمونه، بحسب تقرير آخر لمجلة "فورين بوليسي" في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.

وأضافت المجلة أن سبب خوف المؤسسة العسكرية منه نابع من الطريقة التي شن بها "خان" حملته عبر وسائل التواصل الاجتماعي ضد الجنرالات، وهو أمر لا يستطيع الجيش السيطرة عليه عبر التلفزيون والراديو.

وأوضحت: "لقد استخدم أدوات لا يفهمها الجنرالات".

وبعدما نجا من محاولة اغتيال في 3 نوفمبر 2022 أثناء قيادته لمسيرة احتجاجية، اتهم "خان" رئيس الوزراء شهباز شريف، ووزير الداخلية ورنا صنع الله بالوقوف وراء ذلك.

لكنه للمرة الأولى اتهم لواء في المخابرات (وكالة التجسس للجيش الباكستاني) بالتورط في المحاولة كثالث متهم، وكان ذلك أول تحرك منه لخرق العلاقات المدنية العسكرية.

ورد الجيش علي اتهامات خان، في 27 أكتوبر 2022 مشيرا إلي "استفزازاته المستمرة ضد قائد الجيش ومحاولاته إقحام المؤسسة العسكرية في السياسة".

وقال المتحدث باسم الجيش بابار افتخار، إن خان يقوم، بشكل غير مباشر، بوصم المؤسسة العسكرية في خطاباته بمصطلحات من قبيل "المحايدين والحيوانات والخونة".

وقبل صدامه مع الجنرالات، رجح العديد من المحللين الباكستانيين أن يكون الجيش دعم صعود خان للسلطة، وتحالف معه منذ 2010، وذلك للحد من هيمنة الحزبين السياسيين الرئيسين.

وهما: "الشعب"، الذي ترأسه رئيسة الوزراء السابقة بناظير بوتو، و"الرابطة الإسلامية" الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق نواز شريف، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" في 24 نوفمبر 2022.

وحين اختلف نواز شريف، الشقيق الأكبر لرئيس الوزراء الحالي (شهباز) مع الجيش حول سياسة الأمن القومي، وبدأ الجيش في تقويضه عام 2016، صعد خان.

وبعد تأسيس باكستان عام 1947، عمل الجنرالات على إبعاد السياسيين المتعنتين الذين يحاولون تحدي الجيش، إما عن طريق الانقلاب أو من خلال تسهيل انتخاب المطيعين المختارين.

وفي انتخابات 2018، كان يُنظر إلى حزب خان على أنه المفضل لدى الجيش وكانت هناك مزاعم بالتزوير وتدخل الجيش الباكستاني لمساعدة خان على الفوز، وفق نيويورك تايمز.

وكان خان من المقربين للمؤسسة العسكرية، وحين وصل إلى الحكم في انتخابات عام 2018، اتهمت الأحزاب الرئيسة، المؤسسة العسكرية بأنها دعمت عمران خان، وهو ما رفضه خان والمؤسسة العسكرية.

أيضا دعم خان الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال المتقاعد برويز مشرف عام 1999، ولكنه عارضه بعد فترة، بحجة أنه لم يفعل شيئا لمكافحة الفساد.

لكن عقب وصول خان إلى سدة الحكم، رئيسا للوزراء، تدهورت العلاقة بينه وبين المؤسسة العسكرية تدريجيا لأسباب كثيرة، أهمها محاولة خان تحديد ميزانية الجيش.

وتباين بين رؤيته ورؤية المؤسسة العسكرية حيال موضوعات عديدة منها أفغانستان.

ويعد تعاون خان والجيش في البداية ثم خلافه معه ومواجهة الجنرالات بمثابة تذكير بحدود السلطة التي يمارسها السياسيون المدنيون في باكستان، حيث حكم الجيش مباشرة لمدة 33 عاما وكان دائما القوة وراء العرش، بحسب "نيويورك تايمز".

وفي أكتوبر 2021، بدأ خان التدخل في قرارات الجيش، وسعى إلى منع تعيين رئيس جديد لوكالة المخابرات الباكستانية، وفضل استمرار رئيس المخابرات الحالي، الفريق فايز حميد.

وفي محاولة للضغط على "خان"، واستثمار خلافه معه، عين رئيس الوزراء الحالي شهباز شريف، الجنرال "سيد عاصم منير" قائدا جديدا للجيش في نوفمبر 2022، وهو عسكري سبق أن اصطدم معه "خان" وأقاله من وظيفته.