صفعة قوية.. لماذا انشق عقيد سعودي عن النظام الملكي وهاجم ابن سلمان؟

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

رجة قوية في السعودية أحدثها عقيد بجهاز الأمن عقب إعلانه الانشقاق عن النظام، وشن هجوما حادا على ولي العهد محمد بن سلمان وسياساته.

وفي 7 مارس/ آذار 2023، أعلن عقيد يدعى "رابح العنزي" انشقاقه عن النظام، ووصف سياسات ابن سلمان بـ"التفحيطات" فيما معناه "التخبط والاضطراب". 

وفجأة تحول اسم "رابح العنزي" إلى الأكثر تداولا على تويتر في السعودية، دون صدور أي رد رسمي من المملكة.

وتصيب الانشقاقات لا سيما العسكرية، الأنظمة بالقلق حتى ولو كانت من قبل شخص واحد، والتطور الأخير في المملكة ربما لا يكون له أثر حاسم على مصير منظومة الحكم، لكنه يمثل صفعة سياسية ومعنوية وإعلامية قوية للنظام.

انشقاق العنزي 

ولاقى مقطع العقيد السعودي المنشق رواجا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، وانتشرت كلماته الحاسمة في الأوساط العامة كالنار في الهشيم. 

ومما قاله الضابط عن ولي العهد ابن سلمان أنه "مجنون أصبح رأسا للدولة، يلعب ويغير ويجرم بالناس، فأين صار مثل هذا من قبل؟".

وأضاف العنزي: "ابن سلمان في حكم فاقد العقل تماما، وذكرت تقارير إعلامية ودولية أنه غير سوي عقليا".

وأوضح أنه "يدل على ذلك ما يفعله من مطاردة المعارضين على تويتر، فأجهزة الأمن في كل دول العالم مخصصة للأمن، أما هو فيخصص عشرات الآلاف من الموظفين لمتابعة التغريدات!". 

وأعرب العنزي عن قلقه بشأن "مستويات الإخفاء القسري في المملكة"، قائلا إن "إستراتيجية ابن سلمان لتنويع اقتصاد المملكة تحت فكرة (رؤية 2030) كارثية". 

وتحدث عن أزمة التهجير والتنكيل بقبيلة الحويطات بسبب مشروع "نيوم" الضخم، والذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار.

وورد بحساب العنزي تساؤلات حول حقوق الإنسان بالمملكة ومكان جثة الصحفي جمال خاشقجي، الذي تم اغتياله داخل القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018.

وفور نشر الضابط السعودي المنشق مقطع الفيديو، وصلت عدد مشاهداته 3 ملايين، بينما بلغت مشاهدات التغريدات المتعلقة بالموضوع على حسابه بتويتر قرابة 17 مليونا.

بطاقة هوية

ومن خلال بطاقة الهوية التي أظهرها العنزي في مقطع انشقاقه تبين أن اسمه بالكامل، رابح بن شليويح سند المضياني العنزي.

ضابط برتبة "عقيد" بجهاز الأمن العام السعودي، وكان يقوم بتقديم بعض المحاضرات التوعوية الخاصة بمكافحة الجريمة والأمن.

وعمل العقيد العنزي في المنطقة الشرقية بالمملكة، ومن المناصب المهمة التي شغلها، مدير شعبة تقنية المعلومات بالجهاز. 

ولمعرفة مدى أهمية جهاز الأمن العام، فإنه أحد أبرز المؤسسات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية. 

مهمته الأساسية الحفاظ على النظام ومكافحة الجريمة وحماية المقدسات ومكافحة الإرهاب، وفق تعريفه.

ويتبع جهاز الأمن العام 17 إدارة، أبرزها الإدارة العامة للشرطة، والقوات الخاصة لأمن الطرق، والإدارة العامة للأسلحة والمتفجرات، والقوات الخاصة للأمن الدبلوماسي.

ويعد العنزي من أوائل الضباط الذين انشقوا عن النظام من داخل هذا الجهاز، ويزيد أن له عصبية قبلية إذ ينتمي إلى قبائل "عنزة" التي تعود أصولها إلى "تغلب بن وائل"، وتسكن في شمال المملكة وأجزاء من الجزيرة العربية.

ونشرت العديد من الصفحات السعودية أن العنزي قبض عليه وهو رهن الاعتقال، ليتبين لاحقا كذب تلك الشائعات، وأن الضابط المنشق متواجد في الخارج منذ فترة، بحسب ما ذكرت صحيفة "أخبار الساعة" السعودية.

ونادرا ما يسمع عن وقوع انشقاق أو محاولة انقلاب وتمرد داخل السعودية، لاعتبارات متعددة، منها قوة وأحادية نظام الحكم، وسيطرة وشراسة أجهزة الأمن والاستخبارات.

ردود الفعل 

ومن أبرز الذين تفاعلوا مع خبر انشقاق العنزي، المعارض السعودي عبد الله الغامدي، الذي غرد: "العقيد ركن رابح العنزي يوجه رسالة للمسؤولين في الدولة: رأس الدولة محمد بن سلمان مجنون رسمي فهل نسمح له بأن يتلاعب بالدولة ويجرم بحق الناس؟". 

ودون حساب باسم "قبيلي" قائلا: "هذا العقيد سبب رجة قوية لذباب ابن سلمان، والله إنك ثقيل وثقيل على محمد بن سلمان".
 وكتب حساب باسم "ذئب نجد": "شهادة حق أقولها لله عز وجل، في الأخ  العقيد ركن سابقا في تنظيم آل سعود الإرهابي، رابح العنزي، وهو الشهم الكريم البطل الذي يبرئ نفسه من المشاركة مع النظام المجرم في الحجاز ونجد، وانشق عنهم واستغفر الله عن الخدمة في جهازه العسكري الإجرامي.. الله يحفظك يا رابح". 
 وفي 10 مارس 2023، ذكر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، أن حساب العنزي تعرض لهجوم واسع من قبل الذباب الإلكتروني لابن سلمان، في محاولة لتحجيمه وتقليل عدد المتابعين والمشاهدات. 

وأوضح أن الهجوم الإلكتروني على العنزي جاء في سياق أزمة لمنتقدي السلطات السعودية على "تويتر"، حيث اختفى ما لا يقل عن 12 منهم كانوا يستخدمون حسابات مجهولة على المنصة في مايو/ أيار ويونيو/ حزيران 2021، وأعلن أصدقاؤهم أنهم يشتبهون في اعتقالهم، بحسب الموقع البريطاني.

ومن هؤلاء الناشط عبدالله جيلان، الذي حكم عليه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 بالسجن 10 سنوات وحظر سفر لمدة 10 سنوات، بسبب تغريداته عن البطالة في المملكة، لينضم إلى قائمة طويلة من السعوديين المعاقبين لنفس الأسباب. 

متوالية الانشقاقات

خبر انشقاق العقيد العنزي جاء في توقيت حرج ومثير للتساؤلات، لأن رجل الدين السعودي، عماد المبيض، كان لتوه قد أعلن مغادرته المملكة والتوجه إلى "دولة آمنة"، مسببا في موجة ردود فعل داخلية مؤيدة وأخرى غاضبة.

وفي 9 مارس 2023، حسم المبيض الأمور حين ظهر في فيديو، كان هو الأول بعد إعلان خروجه إلى بريطانيا.

وقال في المقطع: "أوجب الله عز وجل على أهل العلم هذا الأمر، كنت أتمنى أن أتحدث وأنا على منبري بين الناس، ولكن لو استمريت على هذا لأصابني ما أصاب إخواني العلماء والدعاة، والخطباء، من سجن وتنكيل، ومحاكمات جائرة".

وتابع الداعية السعودي: "الله شرع عبادة عظيمة، هي الهجرة".

ولفت إلى أن "اللجوء إلى الهجرة يكون عندما يتعذر على الإنسان إقامة دين الله عز وجل، أو تبليغ دين الله، أو خاف على نفسه من الأذى والضرر".

ووجه المبيض دعوة إلى علماء المملكة، بالخروج من البلاد، على غرار ما فعله.

وقال: "يا أهل الخير في بلادي، إذا لم تستطيعوا بيان الحق داخل البلد، وأنا أعلم أنكم تتحسرون على ما يحدث من منكرات، فإذا لم تستطيعوا بيان الحق، فليس أمامكم إلا الهجرة، اقتداء بمن سبقكم من الأنبياء والصحابة والصالحين".

وحينها نشر المعارض السعودي المقيم في لندن، سعيد الغامدي، صورة له رفقة الداعية المبيض.

وقال الغامدي: "بفضل الله ومنه خرج البطل الشيخ عماد وهو آمن، فلا نامت أعين الجبناء"، وظهر الاثنان في الصور وهما يتصافحان ويبتسمان.

وتشهد السعودية موجة من الانتهاكات والاعتقالات، حيث يجرى حكم الإعدام في البلاد بشكل سنوي تقريبا تحت مظلة حكم ولي العهد ابن سلمان.

ووفقا لتقرير صادر عن "المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان" (غير حكومية)، فإنه خلال العام 2022، أعدمت الرياض 147 شخصا، وهذا العدد يمثل النسبة الأكبر خلال العامين الماضيين مجتمعين، ويشمل ذلك 81 شخصا أعدمتهم المملكة خلال يوم واحد فقط في مارس 2022.