مبادرات الحوار بالجزائر.. مناورة للشارع أم رغبة جادة في الإصلاح؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في الذكرى 57 لاستقلال الجزائر ونجاح ثورتها الشعبية ضدّ الاستعمار الفرنسي، نزل مئات الآلاف من الجزائريين يوم الجمعة 5 يوليو/تموز الجاري إلى شوارع العاصمة وبقية مدن البلاد للمرة العشرين على التوالي منذ انطلاق الحراك.

إلا أنّ هذه الجمعة تأتي في ظرفية مختلفة، فالمعارضة الجزائرية بدأت بعدها بيوم واحد أولى الجلسات الحوارية التي دعت لها من أجل الخروج بموقف موحد في علاقة بالمحطات السياسية المقبلة وفي مقدمتها الانتخابات الرئاسية.

كما أتت المظاهرات بعد أيام قليلة من دعوة الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح لحوار وطني لا تكون السلطة طرفا فيه من أجل الوصول إلى تفاهم حول تنظيم الانتخابات.

هذه الظرفية جعلت من الحراك محلّ تأويل بين من اعتبره تمسكا بالمطالب الأساسية للشعب وفي مقدمتها إزاحة كل رموز نظام الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، وبين من اعتبره استجابة لدعوات الحوار والمضي نحو تثبيت مؤسسات منتخبة.

الاستقلال من جديد

لم تثن أشعة الشمس الحارقة، مئات الآلاف من الجزائريين عن النزول إلى الشوارع والساحات في مختلف المدن الجزائرية والسير لساعات في مسيرات راجلة ملتحفين بالرايات الوطنية، رافعين شعارات تجدد مطالبهم بضرورة استعادة السيادة الشعبية واختيار الشعب لمن يحكمه عبر انتخابات حرّة ونزيهة، تشرف عليها حكومة من غير رموز نظام بوتفليقة.

رفعت مظاهرات هذه الجمعة التي تزامنت مع ذكرى استقلال الجزائر في 5 يوليو/تموز 1962، شعارات تطالب بالاستقلال التام والكامل للجزائر، وإنهاء جميع أشكال التدخّل الفرنسية في السياسة الداخلية، واسترجاع البلاد استغلالها لمواردها.

كما ردد المتظاهرون الذين ملؤوا ساحات وشوارع الجزائر العاصمة، شعارات من أجل جزائر حرة وديمقراطية، وأخرى تطالب بالإفراج عن معتقلي الرأي وعن المجاهد لخضر بورقعة، الذي اعتقل قبل أيام على خلفية ما اعتبر إساءة للمؤسسة العسكرية.

تمكّن الجزائريون في هذه الجمعة من تجاوز العقبات التي وضعت في طريق الحراك الشعبي، من استفزاز السلطة للشارع من جهة، ومحاولات التهدئة من جهة أخرى.

كما ظهر ذلك جلياً في حملة الاعتقالات التي طالت عناصر في الحراك الشعبي بعد صدور أوامر تتعلّق بمنع رفع الرايات والأعلام "غير الوطنية" خلال المسيرات، في إشارة إلى الأعلام الأمازيغية، وهو ما خلق انقساما بين الجزائريين بين مؤيد ورافض لرفع هذه الرايات.

انسداد سياسي

أمام حالة الانسداد السياسي الذي تعيشه البلاد منذ استقالة بوتفليقة في 2 أبريل /نيسان الماضي، اقترح الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، إنشاء منتدى للحوار لتنظيم انتخابات رئاسية ووعد بأن يلتزم الجيش والدولة "بحياد صارم" خلال العملية الانتخابية.

فترة الحكم المؤقت لبن صالح المحددة بـ 90 يوما في الدستور انتهت في 10 يوليو / تموز الجاري، غير أن الرئيس أكد أنه سيظل في منصبه حتى انتخاب رئيس جديد، وذلك بعد فتوى دستورية من المجلس الدستوري بعد تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة خلال هذا الشهر.

وأمام هذه المبادرة للحوار، وانطلاق ندوة المعارضة للحوار، جاء الحراك الشعبي يوم 5 يوليو/تموز ليعيد الوهج للشارع، حيث كانت أحزاب المعارضة والمجتمع المدني والمراقبون تنتظر وقع الاقتراحات الأخيرة لبن صالح في الشارع.

ورغم أنه لم يتم تقديم أي اسم في هذه المرحلة للحوار، ولا جدول زمني له، إلاّ أنه من المحتمل أيضًا رفض المتظاهرين للطلب الجديد إذا لم تسارع السلطات في إعلان تدابير استرضائية ملموسة.

وبين مرحّب ورافض لمبادرة بن صالح اختلف الناشطون في الجزائر، حيث اعتبر الناشط والإعلامي محمد عزروق أنّ "مبادرة بن صالح تعتبر خطوة إيجابية نحو الحل وفق الشروط التي قدمها".

وأضاف لـ "الاستقلال": "عدم تدخل السلطة في الحوار وتكليف لجنة مستقلة لتنظيم الانتخابات وتعديل القوانين المنظمة للانتخابات، هو جوهر مطالب الحراك، على أن يتم ذلك دون مناورة أو فخاخ منصوبة في قابل الأيام".

في المقابل رفعت عدّة شعارات خلال الحراك تجدّد رفضها للحوار مع من أسموهم "العصابة" في إشارة إلى رموز نظام بوتفليقة، والذي لا يستثنى منه الرئيس الحالي المؤقت عبد القادر بن صالح ورئيس حكومته نور الدين بدوي، بل رفع آخرون شعارات تطالب بالحد من صلاحيات قائد أركان الجيش أحمد قائد صالح، مرددين شعار "دولة مدنية.. ماشي (ليست) عسكرية".

ومع تواصل الدعوات لمواصلة الحراك والوقوف في وجه أي  نية لإجهاض الحراك الشعبي من خلال ما وصف بـ "الثورة المضادة" والتجنّد الدائم للحفاظ على سلمية الحراك حتى تحقيق أهدافه .

إلا أن محمد عزروق اعتبر "الحراك بدأ بالتنازل تدريجيا قبل جمعة 5 يوليو/تموز ثم استعاد نفسه في جمعة الاستقلال لرمزية ذلك اليوم، أما بعدها أي في الجمعات القادمة فلا أعتقد بأنه سيستمر بنفس الزخم بل سيتدرج في النزول إلى أن ينتهي إلا إذا حدثت متغيرات في الساحة السياسية".

خصم وحكم

لم يلجأ رأس المؤسسة العسكرية في الجزائر إلى الصمت المعتاد في علاقته بالحراك وما رفع من شعارات تستهدفه بشكل مباشر، حيث وصف الفريق أحمد قائد صالح هذه الشعارات بـ "أفكار مسمومة أملتها دوائر معادية للجزائر".

وقال قايد صالح على هامش مراسم تسليم جائزة الجيش الجزائري لأفضل عمل علمي وثقافي لسنة 2019: "الانتخابات الرئاسية التي نعتبرها مفتاحا حقيقيا للولوج إلى بناء دولة قوية ذات أسس سليمة وصحيحة، دولة تعمل قيادة الجيش الوطني الشعبي بكل إصرار على ضمان بلوغها في ظروف آمنة ومستقرة".

وأضاف نائب وزير الدفاع: "على الرغم من العقبات التي يحاول الرافضون للسير الحسن لهذا المسار الدستوري الصائب وضعها في الطريق، على غرار رفع شعارات كاذبة ومفضوحة الأهداف والنوايا مثل المطالبة بالدولة المدنية وليست الدولة العسكرية".

في خطوة مفاجأة قدّم رئيس البرلمان الجزائري معاذ بوشارب استقالته يوم الخميس 4 يوليو /تموز، ويعتبر بوشارب أحد "الباءات" التي يطالب الحراك باستقالتها وإبعادها عن المشهد لارتباطها بنظام بوتفليقة وأحد عرّابي العهدة الخامسة والوجوه التي تصدّرت قيادة الحملة الانتخابية للرئيس المستقيل.

ويعتقد جزء واسع من الجزائريين أن هذه الخطوة ومثيلاتها ما هي إلاّ محاولة لمغازلة الحراك وتهدئة الشارع للقبول بالمبادرات المقترحة، إلاّ أن قوى المعارضة الجزائرية لازالت تتمسك بمطالب الشارع.

مواقف الحراك من بقاء بن صالح في منصبه، بدأت تشهد بعض الليونة من باب اعتباره ورقة للتنازلات بين السلطة والمعارضة من أجل الذهاب إلى التوافقات الكبرى، بينما ترفض رفضا قاطعا بقاء الوزير الأول (رئيس الحكومة) نور الدين بدوي.

الجميع في الجزائر يعي بأن أحجار اللعبة في يد قيادة المؤسسة العسكرية، وحسب قول الأستاذ الجامعي هشام العلوي في مقاله على موقع أورين 21" الفرنسي، فإن الجيش الجزائري لا يريد أن تكون هناك سلطة لا يتربع هو عليها، فلم يبق أمامه إذن سوى 3 سيناريوهات: الأول أن يتدخل بقبضة من حديد ويفرض دكتاتوريته كما هي الحال في مصر، وهو احتمال ضعيف جداً.

"والسيناريو الثاني أن يحاول سلوك الطريق الوعر عبر المتاهة المؤسساتية، إلا أن الشعب لا يتراجع ولا يبدو مستعداً لمنحه مخرجاً يحفظ ماء الوجه" كما يرى العلوي.

"أما الثالث فهو أن يتريّث حتى يمل المتظاهرون ويتعبوا فيقترح حلا مختلطاً من أجل إرساء نظام جديد، معتمداً في ذلك على انقسام المعارضة، بحيث يتمكن من الحفاظ على مكانة العسكر المركزية داخل النظام، إلا أن الضغوط ستستمر وتتعاظم المطالبة بتغيير حقيقي، وكل ما سيحققه الجيش هو مجرد تأجيل للقدر المحتوم"، حسب الكاتب.

وهنا يرى العلوي أن الحراك من ناحيته لا بد أن يختار ممثلين قادرين على التفاوض مع الجيش على معاهدة تصون له في البداية مناطق نفوذه، مقابل ضمانات مؤكدة لا غبار عليها بتغيير ديمقراطي فوري وتعميق الإصلاحات.