المغرب يوقف تصدير الخضراوات لإفريقيا ويبيعها لأوروبا.. براغماتية أم سوء إدارة؟ 

عالي عبداتي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في خطوة لقيت انتقادا من اقتصاديين وإعلاميين وسياسيين، طفت على السطح أحاديث عن قرار حكومي مغربي بحظر تصدير أنواع من الخضراوات إلى دول إفريقية، بغية مواجهة موجة الغلاء التي تشهدها أسعار تلك المنتجات في البلاد.

الخبر ورد عبر الجريدة الإلكترونية "هسبريس"، 13 فبراير/شباط 2023، والتي نقلت عن مصدر حكومي قوله بأن "المغرب أوقف عملية تصدير البطاطس والبصل والطماطم عبر معبر الكركرات، أكبر نقطة حدودية برية في المغرب من حيث النشاط التجاري تجاه غرب إفريقيا".

وذكر المصدر أن غاية القرار، "تشديد المراقبة على الخضراوات التي تشهد موجة غلاء ويمكن أن تمر عبر قنوات غير رسمية".

وأشار إلى أن التصدير إلى الوجهات الأوروبية تتحكم فيه الدولة مع منتجي ومصدري الفواكه والخضراوات من خلال عمليات الترخيص على الكميات التي تؤشر عليها السلطات المعنية.

وأوضح "أن الدولة تلزم المصدرين اليوم بإعطاء الأولوية للسوق الوطنية، وهو الإجراء الذي من شأنه أن يعيد استقرار الأسعار قبل شهر رمضان".

فشل حكومي

في قراءته لطريقة تسويق الحكومة لقرارها، أكد الأكاديمي والناشط السياسي، عبد الكريم الكعداوي، أن "قرار إيقاف التصدير نحو إفريقيا لم يرد بشأنه أي بلاغ حكومي رسمي، وإنما تناقلته بعض وسائل الإعلام المحسوبة على التيار الحكومي، ونسبته لمصدر مجهول من داخل الحكومة".

ورأى الكعداوي في حديث لـ "الاستقلال"، أن هذا الأمر "يشكل استمرارا للفشل الحكومي في تدبير عملية التواصل بشأن المواضيع الساخنة التي تهم المعيش اليومي للمواطنين ومصداقية المؤسسات".

واسترسل: "يتوارى رئيس الحكومة (عزيز أخنوش) ووزراؤه إلى الخلف، ولا يكتسبون الجرأة على مواجهة الجمهور وشرح الأمور التي تحتاج إلى إيضاح وتفسير".

وتحدث الكعداوي عن "فشل الحكومة في التواصل السياسي، وبشكل لم يعهده المغاربة طيلة الحكومتين السابقتين".

بدوره، قال الكاتب الصحفي يونس مسكين، إن "هذا النوع من التواصل (عدم توضيح القرارات) ينطوي على انعكاسات سلبية ومضرة بالمصالح الحيوية للبلاد".

ورأى في تدوينة نشرها بحسابه على فيسبوك، 14 فبراير 2023، أن موضوعا مثل هذا يدبر بخروج مسؤولين بوجه مكشوف وصياغة الخطاب بطريقة مدروسة ودقيقة.

وانتقد ما أسماه "اختباء الحكومة خلف هوية مجهولة لتقديم معطيات ترتبط بالقفة اليومية للمواطنين".

وتساءل الكاتب: أي رسالة نبعث اليوم ونحن نسوق فكرة حظر التصدير نحو الدول الإفريقية فقط؟ أي معنى للجوار والأخوة الإفريقية بعد انتشار مثل هذه المعلومات؟ 

وأردف: "ألا ينطوي الأمر على احتقار مزدوج: احتقار للمجال الإفريقي باعتباره ذلك الحائط القصير والذي يمكن التضحية به في أول فرصة".

وأيضا، احتقار للمغاربة الذين يستحقون صنفا معينا من الخضراوات ولا يستحقون الجودة التي تفرضها المعايير الأوروبية؟، وفق قوله.

واسترسل مسكين متسائلا: كيف يمكن لمسؤولي البلاد وفي مقدمتهم الملك (محمد السادس) بعد انتشار هذه الأنباء أن يتحدثوا عن التزام المغرب بقضايا القارة الإفريقية ودعمه لدولها وسعيه للاندماج أكثر معها؟

وهذا ما أشار إليه وزير التجارة والصناعة التقليدية والسياحة الموريتاني، لمرابط ولد بناهي، والذي أكد أن السلطات المغربية لم تبلغهم بشكل رسمي بمنع تصدير الخضراوات منها.

وأضاف ولد بناهي، وفق موقع "الأخبار" المحلي، 15 فبراير 2023، خلال إجابته على أسئلة الصحافة في المؤتمر الصحفي للتعليق على نتائج اجتماع مجلس الوزراء، أن بعض الموردين بدأوا استيراد الطماطم من السنغال.

لا قرار رسميا

هذا الغياب اللافت لخطاب رسمي في تدبير الحكومة لأزمة الغلاء، وتحديدا ما تعلق بأسعار الخضر، كان لافتا.

فقبل حديث المصدر الحكومي سابق الذكر، نقل الموقع الإخباري "لكم"، 9 فبراير 2023، تصريحا لمسؤول في جمعية منتجي ومصدري الفواكه والخضراوات، قال فيه إن قرار هيئة تصدير المواد الغذائية الزراعية "موروكو فوديكس"، التابعة لوزارة الفلاحة، القاضي بحظر التصدير لدول غرب إفريقيا أبلِغَ للتاجر عبر الهاتف.

وقال المسؤول بالجمعية الذي لم يكشف عن اسمه، "إن الحظر فُرض اعتبارا من 9 فبراير 2023 على أي شاحنة تنقل الخضار إلى أسواق غرب إفريقيا".

فيما تحدث الموقع الإخباري المحلي "أكادير 24"، في 8 فبراير 2023، عن غضب واستياء المصدرين من القرار الحكومي.

إذ نددت الجمعية المغربية لمصدري مختلف السلع نحو إفريقيا والخارج، بقرار إيقاف تصدير الطماطم والبطاطس والبصل نحو الأسواق الإفريقية.

وفي بلاغ لها، وصفت الجمعية خطوة الحكومة بمنع تصدير هذه المواد نحو إفريقيا، بـ "القرار الانفرادي".

وأردفت أنها "تقبلت في البداية قرار منع مادتي البطاطس والبصل، لكنها تلقت قرارا جديدا بعد 24 ساعة يقضي بمنع تصدير الطماطم بشكل مفاجئ".

وحمل المصدرون المسؤولية لوزير الفلاحة محمد صديقي، إذ سبق أن نبهوه في اجتماع سابق بأن "غلاء أسعار الأسمدة والأدوية والمبيدات وركود التجارة جراء موجة الحرارة التي عرفتها البلاد في الأشهر الأولى من الإنتاج".

إذ بلغ ثمن صندوق الطماطم 30 درهما للوحدة، الأمر الذي سينتج عنه تخلي الفلاح عن رعاية فلاحته.

على هذا المستوى وصف الكعداوي قرار إيقاف التصدير لإفريقيا بـ "المرتجل"، قائلا إنه لم يشمل الدول الأوروبية، في الوقت الذي يعرف فيه الرأي العام مستوى العلاقات المتأزمة التي خلقها الاتحاد الأوروبي.

وأيضا، يضيف الكعداوي لـ "الاستقلال"، في الوقت الذي يعزز فيه المغرب مواقعه داخل امتداده الإفريقي، لاسيما عبر المبادرات الإستراتيجية التي يقودها الملك.

في هذا السياق، أوضح الأكاديمي المغربي، "يطرح التساؤل ابتداء حول طبيعة المعاملة التجارية التي تربط المصدرين المغاربة بالدول الإفريقية المستوردة".

وبين الكعداوي أن "طبيعة العقود التجارية قد تمنع الإيقاف الفجائي لتوريد سلعة معينة، إذا كانت منظمة بعقد قانوني، وهو ما يحرص عليه الاتحاد الأوروبي عادة، ضمانا لسلاسة التوريد وتحقيق الأمن الغذائي للأوروبيين".

في هذا السياق، أكد الخبير الاقتصادي محمد جدري، أن إجراءات الحكومة لخفض سعر الطماطم والخضراوات جيدة لكنها متأخرة.

ورأى جدري في تصريح نقله الموقع "المشهد" المحلي، 15 فبراير 2023، أن "القرار كان يجب اتخاذه منذ مدة".

وأرجع ذلك إلى أن "الحكومة كانت على علم بهذا الوضع الذي وصل إليه تموين السوق المغربية من الخضراوات والفواكه، والذي تأثر سلبا بسنوات الجفاف الأخيرة".

وقال الخبير الاقتصادي إن "سبب منع التصدير إلى إفريقيا يمكن تحديدا في أن المنتجات التي توجه إلى هذا السوق تنافس الطلب المحلي، لأنها لا تخضع لمعايير جودة محددة مثل تلك المصدرة إلى دول أوروبية تربطها مع المغرب اتفاقيات".

واتهم جدري "الوسطاء والمضاربين والمحتكرين بالاغتناء من أزمات المغاربة"، مطالبا "الحكومة بتعزيز المراقبين وتمكينهم من آليات وموارد مالية ولوجستية للقيام بعملهم على أكمل وجه".

الحكومة والمصدرين

تفاعلا مع ملاحظات المصدرين، أوردت "القناة الأولى" العامة، أن وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، محمد صديقي، عقد لقاء مع منتجين ومصدرين للخضر، في 14 فبراير بأكادير.

خلص الاجتماع إلى تشكيل لجنة من أجل تتبع إنتاج وأسواق الخضراوات في سياق متسم بارتفاع الأسعار في السوق المحلية.

وذكر المصدر ذاته، أن اللجنة التي يرأسها الكاتب العام للوزارة، تضم مؤسسات تابعة لها ومنتجين ومصدرين، إذ عهد لها بتتبع وضعية الإنتاج والأسواق.

 وستعقد من أجل ذلك اجتماعات أسبوعية تمتد إلى غاية نهاية رمضان 2023، بهدف تتبع وضعية الإنتاج والأسواق.

وأكد المنتجون للوزير أن اعتماد أسعار معقولة بين أحواض الإنتاج والأسواق، يقتضي وضع حد لتدخلات الوسطاء والمضاربين الذين يساهمون في رفع الأسعار.

فيما أكد وزير الفلاحة أن الأولوية للسوق المحلية، وضرورة تحقيق التوازن في تموينها، مشيرا إلى أن المنتجين عليهم الالتزام بالحفاظ على الأسعار لكي لا ترتفع في الأسواق، خصوصا ثلاث أنواع أساسية، هي الطماطم والبصل والبطاطس.

من جانبه، يرى الباحث الأكاديمي عبد الكريم الكعداوي، أن عمق الإشكال أو الغلاء والندرة مردها الجشع وتضارب المصالح.

وقال الكعداوي إن رئيس الحكومة الحالي، عزيز أخنوش، سبق أن عمر طويلا في وزارة الفلاحة، والوزير الحالي لنفس القطاع، ليس سوى الكاتب العام السابق لنفس الوزارة، وهو محسوب على حزب رئيس الحكومة، التجمع الوطني للأحرار.

وأردف: "أثيرت أخيرا العديد من التساؤلات حول استغلال النفوذ ومواقع المسؤولية للاستفادة من المعلومة، والقيام بإجراءات تجارية مربحة، سواء في الاستيراد أو التصدير، وآخرها ما تعلق باستيراد العجول، المعفاة من الضرائب".

وتابع: "اليوم يعاني المواطن المغربي مع أزمة أخلاقية للمدبر العمومي، الذي نتج أصلا عن عملية تنخيبية مغشوشة".

واسترسل: "بمعنى أن المستثمرين في عملية الوصول لمواقع القرار العمومي، على خلفية نتائج انتخابات (البرلمان) 8 سبتمبر/أيلول 2021، يحاولون جني الأرباح في أول فرصة متاحة، بما يجعل الضغط السوسيو-اقتصادي يتنامى على المواطنين".

ورأى الكعداوي أن هذا الوضع، يزيد بدوره الضغط على السلطات المعنية بتحقيق الاستقرار والأمن الاجتماعي، ما يدفعها إلى إجراءات ترقيعية، لا تعالج المشكل من أصله، لأنها لا تتجه نحو جوهر الإشكال وكبار المستثمرين.

وفي تصريح أدلى به لموقع "مدار 21" المحلي، 14 فبراير 2023، قال رئيس جمعية مصدري مختلف السلع نحو إفريقيا محمد الزمراني، إن المهنيين دقوا ناقوس الخطر بخصوص قرار منع التصدير بشكل كلي ونهائي نحو إفريقيا.

وأبرز الزمراني "أن التصدير ليس السبب الرئيس في الغلاء، وإنما الاضطرابات المناخية والتي جعلت نضج بعض الخضر يتأخر عن وقته المحدد".

وقال المتحدث إن "المصدرين أكدوا مرارا وفي اجتماعات مع وزير الفلاحة ومسؤولين من الوزارة، أن الأسواق المغربية تحظى بالأولوية، لكن وجب البحث عن حل يحافظ على مصالحنا وعلى مصلحة المغرب في إفريقيا".

وذكر الزمراني أن "قرار وقف التصدير سيترتب عليه أيضا عدم تحصيل التجار للأموال المتبقية لدى زبنائهم الأفارقة. وبالتالي مواجهة الكثير منهم للإفلاس ودخولهم في مشاكل ومتابعات قضائية مع مزوديهم بالمغرب، وأيضا سيترتب عليه تسريح العشرات من العمال، وفق تقديره.

سلاسل التوريد

في تقرير صادر عن "البنك الدولي"، نُشر بموقعه الإلكتروني بتاريخ 15 فبراير 2023، قال إن الأسر المغربية المتواضعة والضعيفة هي الأكثر معاناة من تأثير ارتفاع أسعار المواد الغذائية وغيرها بسبب التضخم.

ويقدر التقرير أن التضخم السنوي كان أعلى بمقدار الثلث تقريبا بالنسبة لأفقر 10 بالمئة من السكان، مقارنة بأغنى 10 بالمئة منهم.

ويرجع ذلك أساسا إلى تأثير الزيادات في أسعار المواد الغذائية التي تمثل حصة أعلى من الإنفاق في الأسر الأفقر.

ودعا البنك السلطات المغربية إلى مواجهة التضخم، من خلال إدخال سياسات هيكلية لتخفيف قيود العرض.

وأوضح أنه "يمكن أن تشمل هذه التدابير خطوات أو إجراءات لمعالجة الاختناقات في أسواق المواد الغذائية، حيث يوجد اختلاف كبير بين أسعار المزرعة وأسعار التجزئة لا تبرره دائما القيمة المضافة على طول سلسلة التوريد".

وقبل تقرير البنك الدولي، تقدم وزير الفلاحة والصيد البحري، محمد صديقي، بجواب عن سؤال برلماني، في 15 أبريل/نيسان 2022، نشر بموقع مجلس النواب، حول أزمة ارتفاع الطماطم لسنة 2022.

وقال الوزير في جوابه حينها، إن سعر الطماطم ارتفع بنسبة 83 بالمئة في 11 مارس/آذار 2022، مقارنة مع اليوم نفسه من سنة 2021، مشيرا إلى أن الارتفاع جاء أساسا بسبب التصدير وكثرة الوسطاء وارتفاع الطلب العالمي على هذه المادة.

هذا التصدير والحرص عليه، يرى الباحث الأكاديمي بلال التليدي، أنه مقصود من الحكومة.

وقال التليدي في مقال رأي نشر موقع "القدس العربي"، 17 فبراير 2023، ‘ن الأسواق العالمية تعج بالمنتجات الفلاحية المغربية، في وقت يعاني فيه المواطن المغربي من خصاص في هذه المنتجات وارتفاع في الثمن.

ورأى التليدي أن الوضع الحالي، يكشف عن معضلة كبيرة، وهي أن الحكومة لا تملك أي معطيات عن الحاجة الحقيقية للسوق الوطنية، وتترك توفير متطلباتها، وحاجة الدول الأخرى للمنتوجات المغربية لإرادة المهنيين.

وخلص الباحث الأكاديمي إلى التأكيد أن قرار وقف التصدير لإفريقيا، يعكس عجز الحكومة عن التدخل في التصدير، وأنها لم تجد من المهنيين سوى هذه الاستجابة.

وهذا بحكم أن التصدير لإفريقيا لا يخضع للعقود الإلزامية نفسها مع السوق الأوروبية والتي توجب المتابعة القضائية في حالة الإخلال.

وشدد التليدي أن الحكومة أعمتها عائداتها الضريبية عن النظر إلى مخاطر الاستمرار في تدبير السياسات العمومية بمنطق تغول رجال المال والأعمال، بدون امتلاك أي رؤية إستراتيجية للأمن الغذائي، فضلا عن موازنة حاجيات الداخل والخارج.